الفصل 17 : منزل عمي

10 4 14
                                    


  - " يا أم نجوم ! تعالي و انظري من جاء يزورنا و أخيرا" دخل السيد غمام و هو منتشٍ فرحا و مبشرا زوجته بقدوم من هي بمثابة ابنته الراحلة.

أما لبنى فقد كانت عند مدخل الدار كي تودع ' زوجها ' و الذي استفاق من صمته و شروده على عطسة قوية هزت ضلوعه، خلعت لبنى معطفه عنها و غطته بسرعة : " يا إلهي! أنا حقا آسفة، عد حالا كي تبدل ملابسك يا عجو، أخاف أن تمرض."

فرك أنفه ثم سألها بجدية: " لبنى، دعيني أتفقد رأسك.. أشعر أنه قد أصيب و لم تنتبهي."  مطت شفتها و دحرجت عينيها:
" لا تقلها هكذا و كأنني لم أراع أحداً يوماً."

  - " ليس هكذا، إنما أنت تتصرفين بشكل غريب!
  واثقة أنكِ بخير؟ لا أدري..تبدين كهدوء ما قبل العاصفة أو ما شابه."

ضحكت قبل أن تسحب القلنسوة على رأسه و لو أن المطر توقف منذ فترة : " أنا بأحسن حال يا عجو، كن مطمئنا. أنا فقط.. أشعر و كأنني استيقظت من حلم طويل.. "

  - " رأيتِ! تتفوهين بكلمات غريبة أيضاً !"

أمسكت أصبعها الأوسط بإبهامها ثم أطلقته على جبهته بقوة فتأوه، و بينما يمسد جبهته كانت هي قد هربت إلى داخل الدار بينما تلوح له بابتسامة نشيطة.

عاد عجو إلى البيت، و لم يدرِ كيف عاد، إذ كان شاردا طوال الطريق، و بعدها أمضى الساعات يتجول في داخله و يكاد الضجر يقتله، حقا يشعر بفراغ كبير حين لا تكون لبنى في الجوار.

◇◇

  - " آه، أشعر أني ولدتُ من جديد! " أعلنت لبنى بانتعاش و هي تغادر بيت الخلاء و قد غسلت عن نفسها الوحل و التعب و دماء الجروح، و أطلت في ثوب أنيق كان لابنة عمها الراحلة، فرفعت أكمامه لأنفها تستنشق من رائحتها العالقة به.

رفعت رأسها حين أحست بعيون نحوها و حركة قريبة، لتجدها السيدة لُبابة و ابنها البكر بجوارها يقفان بصدمة و كأن أمامهما شبحاً.
أوه، ربما هو بسبب شعرها المقصوص! لقد صدمت لبابة حين رأتها عند المدخل فهل تقرر أن تصدم في كل مرة تراها ؟

وضعت وجها منزعجا نحو ابن عمها العزيز، و قد تجهزت نفسيا لحرب كلمات طاعنة، و ربما قد تنتهي بمشادة بالأيدي حتى كما جرت العادة بينهما منذ الصغر، و لكنها تفاجأت به يتجاوزها و يهرول مبتعداً.

  نظرت في أثره بحاجبين مرتفعين، و لكنها أعارت انتباهها ثانية نحو زوجة عمها التي دنت منها تتفحص مظهرها : " لقد سألَتني دوما متى أصير بحجم هذا الفستان ؟ كانت تنمو ببطء فلم تتحمل و ظلت تلبسه في البيت و تتجول به و هي غارقة في قماشه الفضفاض..و كأنه الأمس فقط." ثم وضعت يدها تغطي فمها.

تبسمت لبنى بحزن:" إن رائحتها تملؤه..يسعدني أنها كانت تلبسه كثيرا، أشعر و كأنها ها هنا."

كالحليب مع التمر.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن