الفصل 12 : العودة إلى قتام

13 5 30
                                    


تحت سقف مزخرف بدقة، و فوق سرير وثير، كان سلطان يغط في نوم عميق مريح.

و تحت سماء مظلمة داخلها بعض من اللونين الوردي و الأزرق، و فوق سرج حصان، كان أخيل يعدو في الفيافي رفقة شقيقه الأكبر، هارباً و هو يتفقد ما وراءه في كل حين.

لقد أمضى مع جلالته وقتا بسيطاً، و لكنه صار يعرف طبعه و شخصيته ككف يده، يستحيل أن يسمح له بالمغادرة بسهولة، لذلك هو اضطر للهرب
و رجاؤه أن يعفو عنه إذا تقابلا مرة ثانية.

   كان لحسن الحظ أن لبنى تخطط للعودة هذه الأيام، فمباريات شيخ القبيلة على الأبواب، و هو كان يخطط للمشاركة فيها و لكنه كان مترددا بسبب اختفاء شقيقته.

الآن، عليه أن يبذل قصارى جهده، و أن يكون حذرا من مكائد ابن عمه في المباريات، فبسببه خسر أخيل عدة مرات و لم يستطع أن يحظى بالمنصب كما وعد لبنى سابقا.

و لكن هذه المرة ستكون مختلفة حتماً عن السنين الماضية! حدث نفسه بهذه الجملة، و هو لا يعلم شدة صدقها، فمباريات هذا العام بالفعل ستكون مختلفة من عدة نواحٍ.

بتلك الأفكار، سابق أخيل الرياح باتجاه قبيلته، في تحمس، أخيراً سيملؤ عينيه برؤية لبنته، و سيطمئن على حالها.
أ تراها قد عادت بالفعل أم حتى الغد؟

◇◇◇◇

انقضت الساعات في وقت قصير، و ها هو ذا قد حان وقت الغداء في منزل سنمار.
وضعت غزالة إناء حساء و حبة برتقال في يدَي دُريد، و قالت: " واثق أنك لن تشارك إخوتك الطعام اليوم أيضا؟"

رد الصبي و على محياه غضب طفولي:" لقد أخبرتك من قبل، لن أجالس من لا يحب أختي."  تنهدت غزالة بابتسامة حنون و مسحت على رأسه:" أفهم شعورك يا دريد، و لكنهم يبقون إخوتك في آخر المطاف." رفع نظرة منزعجة نحوها:" يكونون إخوتي حين يبدأون برؤية لبنى كأختهم! هذا نهائي."

زفرت زوجة أخيه ثانية:" كما تشاء." و رجعت تكمل عملها في المطبخ بصحبة إحدى الإماء، و قد كان التعب جليا عليها و ذلك مذ أن موعد ولادتها يقترب.

انصرف دريد إلى غرفة لبنى و التي بات يقيم بها مؤخرا، حتى بحصوله على غرفة تخصه، أوسع و أنظف، و لكنه لا يستعملها، فقد كان يفضل غرفة أخته الضيقة التي تعبق برائحتها و ذكرياته معها.
جلس على فراشها و أخذ يتناول طعامه بهدوء و هو يتمنى أن تكون بخير حيثما هربت.

و بمجرد أن فرغ، وضع الإناء أرضا و قد صارت به قشور البرتقال و بذوره، ثم استلقى يطالع السقف، و شرد بأفكاره بعيداً.

أخرجه منها صوت الباب الذي فتح بهدوء و جعله ينتفض من مكانه.

لهث بارتياح طفيف حين تجاوز فزعا لا داعي له، و سرعان ما أظلم وجهه في غضب، و قد رأى أخيل عند الباب، و يبدو أنه قد عاد من سفره للتو، قال:
" كيف تجرؤ على اقتحام غرفة أختي، أخرج من فورك!" ظهرت عقدة بين حاجبي أخيل: " هي أختي أيضاً في حال أنك نسيت."

كالحليب مع التمر.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن