الفصل 2 : آل رمح

22 7 27
                                    

كان الغلام الصغير ماثلا أمام داره مدهوشا، لقد أمضى الليالي يتخيل يوم عودته المنتظر، تخيل الجميع يستقبلونه و رفاقه بالطبول و الولائم، تخيل أخته العزيزة تحتضنه و تعبر عن افتقادها له طوال السنين الفارطة، فأين ذاك من هذا ؟

كان الصبية قد تفرقوا، و أسرع كل نحو وليه أو قريبه يبشره بعودته و يستفسره ما جرى.

ارتطم أحدهم بظهر الغلام فالتفت نحوه، ليجده يقول بانزعاج يختبئ خلف نبرته المتململة:
" إنك في طريقي يا دريد، أدخل أو اخرج بسرعة."

  - "  أعتذر.. أوه أ لست أخي رمل !"
  تنحى دريد عن مدخل البيت سامحا لشقيقه بالدخول، و لم يجد منه ردا فاعتبر ذلك موافقة، فقام يلحقه للداخل.

" ما الذي حدث في دارنا يا أخي؟ كيف حدث هذا الحريق و هل الجميع على ما يرام ؟" سأل دريد و هو يقفز من حول أخيه رمل الذي كان يقرأ في لفافة بين يديه، و لم يجبه حتى بلغ غرفته، فقال باختصار قبل أن يدخل و يوصد الباب في وجهه:
" أحدهم فجر الفناء."

تأمل دريد الباب بدهشة ثم تبسم، أخوه لم يتغير، ما تزال الدنيا من حوله لا تعنيه في شيء.

تلون وجهه بالفرحة بعدها و أخذ يركض نحو وجهة معينة، خرج إلى الفناء و اتجه نحو غرفة معزولة عن المنزل و فتح بابها بسرعة و هو يهتف و يمسح أركانها بلهفة" أختي لبنى !! أنا هنا." لكنه تفاجأ بالمكان فارغا تماما.

رجح أن تكون قد دخلت للدار بعد الحريق، فغرفتها البائسة قريبة من مكان حدوث الحريق تقريبا.

عاد أدراجه و هو ينادي عليها بصوت مرتفع و يقتحم غرف المنزل، و عندما دخل المطبخ وجد شابة هناك، نظرت نحوه باستغراب لكنه تعرف عليها فورا و صاح:" أختي غزالة !"

حدقت فيه قليلا، و مع تذكرها لحديث السيدتين مع لبنى قبل سويعات، فقد عرفته من فورها و تركت الملعقة عن يدها، و قد تهلل وجهها سرورا:" آه يا إلهي، أنت دريد، أ لست محقة؟!"

  - " محقة، محقة! كيف حالك يا غزالة؟"

مسحت غزالة على رأسه ضاحكة:" أنا بخير، عجبا لقد نموت و ازداد طولك كثيرا يا دريد، أهلاً بعودتك."

  - "أشكرك..غزالة غزالة، أين أختي؟
   و كيف حدث الحريق؟"

ارتبكت غزالة، و قالت و هي تنظر من حولها خشية أن يكون سؤاله الأول قد بلغ مسامع أحدهم:" آه..هذا.. لا أحد يدري، لقد حدث الأمر فجأة، قال ضرغام أنهم يبحثون في الأمر."

  - "هل يمكن أن قبيلة ما تحاول الإغارة علينا ؟"
  قال دريد بجدية لتضحك غزالة بخفة: " إن خيالك لا يزال واسعا، لا أعتقد ذلك." مط دريد شفتيه غير مقتنع، ثم عاد يسأل : " حسنا، و أختي؟" تركته غزالة و عادت تخلط الطعام في القدر و هي تقول و قلبها ينبض بقوة: " ربما هي في غرفتها."

كالحليب مع التمر.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن