الفصل 22 : سعادة

11 1 2
                                    


على سفح جبل عالٍ في قبيلة قتام، وقف الثلاثة في صمت يستوعبون مجريات الأحداث، كان هلل و لبنى ينظران إلى العبد سبت، يقف في شموخ سيدٍ أمامهما و على محياه نظرة جادة.

ابتلع هلل و زحف على يديه جالساً ينظر له بانكسار غير معهود : " ماذا.. تقصد..يا سبت ؟ " كان يقصد جملته قبل لحظات، شيئا عن أن ما تريده نجوم هو سعادة هلل.

تقدم المعني منه و خر على ركبتيه و أمسكه بشدة من كتفيه ثم حشر وجهه في خاصته حتى صار جليا له أثار حرق قرب أذنه و على رقبته :
" سيدتي لن تكون سعيدة بلحاقك بها البتة !
نجوم دوما ما كانت تريد أن تراك سعيدا و تحيا حياة شريفة بعيدا عن الخطأ.
لقد آمنت دوما بك و بأنك ستجد طريق الصواب ذات يوم، فقل لي يا سيدي، هل استعدت عقلك و أخيراً ؟ هل أدركت جسامة* ما فعلت بها ؟ "

الطفل المجرم ابن التاسعة في داخله شهق في جسد الشاب العشريني المهزوز الذي هو به و صاح مدليا رأسه : " أدركت ! أدركت ! و ما ينفعني الإدراك بعد فوات الأوان..أريد رؤية أختي..أريد أن أكلمها، أن طلب عفوها ! "

سبت بهدوء : " الموتى لا يعودون يا سيد هلل..
و لكنك ستموت عندما يحين أوانك، عندها.. لربما يكتب لكما اللقاء."

استنشق هلل وسط بكائه الصامت ثم هز رأسه للجانبين و قال بصوت متحشرج : " لن نفعل،
لو كنت في مكانها ما كنت لأريد رؤيتي، أنا..أنا.." ارتجف صوته و بكى أكثر و بالكاد وجد صوتا يتابع به : " لست أصدق كيف فعلتها ! لست أعرف ما كان يدور في ذهني وقتها.. لا بد و أن أكون شيطاناً.. هي لم تفعل لي شيئا، هي لم تؤذني حقا..لقد كانت فعلا كما كنتم..تقولون، و لكن الغيرة أعمتني..كذبت دوما بقول كرهها و لكني أحبها..
أنا أحبها بشدة و أشتاق لها بحرقة..
نجوم...أختي نجوم.."
خرجت أنفاسه متحشرجة بخشونة و شهق بقهر.

يقال أنه دوما هناك طريقة لإصلاح الأمر و لكن ليس بيده شيء سوى أن يحترق ندما حتى الموت، تماما كما حرقها حية بلا رحمة.

نظر سبت إلى لبنى التي تراقبهما بعين متألمة، و بدون تردد مد يده و احتضن هلل و الذي لم يزحه صارخا بانفعال كعادته، بل غرق في دموعه كالطفل الرضيع.

مسح سبت على ظهره و حدثه بابتسامة خافتة:
" سيدي، أ و تعلم لما صحبتني نجوم و أحبتني أكثر من أي خادم آخر ؟ "

ابتعد هلل عنه بينما يمرر ذراعه على عينيه و صدره ينتفض في شهقات متباعدة : " لأنك..خادمها..؟"

ضحك سبت بخفوت : " إجابة خاطئة.
بل لأنني كنت في عمر مقارب للسيد هلل."
رفع هلل نظرة مدهوشة ليتابع الآخر :
" أنا كنت ألعب دور الأخ الأصغر الذي كانت تتوق إليه، أنت خلفت فراغا في قلبها و أنا ملأته ليس إلا، متأكد لو أنك تعقلت باكرا لكنت أنت من تبوح له بأسرارها و ترافقه للبستان و تعتمد عليه..
السيدة نجوم لم ترد شيئا أكثر من أخوتكما."

كالحليب مع التمر.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن