الفصل 19 : الصفح و الاعتراف

19 3 31
                                    


هدوء شديد كان يعم المكان، لا يكسره إلا زقزقة العصافير و نعيق بعيد لبعض الغربان.

غرفة تضيئها بضع شموع، و يلف الظلام أركانها الأرجوانية.

ارتفعت أجفانها ببطء و رمشت للحظات تحدق بالسقف، أخذت نفسا و أطلقته من ثم تثاءبت.
كانت لبنى بشكل عجيب تشعر بحيوية كبيرة فنهضت جالسة و أخذت تمدد ذراعها السليمة، بينما الأخرى قد خف فيها الألم و لكنه يعود مع أي حركة عنيفة.

فركت عينها تبعد النعاس، و ببطء بدأت تميز المتواجدين معها في الغرفة !

فتلفتت يمنة و يسرة بدهشة كبيرة، عدا آزر و أخيل فإن الجميع مترامٍ في أرجاء الغرفة نائما !

كان ضرغام يجلس على المقعد و رأسه مسنود إلى الطاولة بين ذراعيه، بينما عمه جر الكرسي إلى الحائط و أسند رأسه إلى هذا الأخير، رمل كان على الأرض و رأسه مرمي على حافة سريرها و بجانبه قيس الذي يتذبذب رأسه لأسفل في كل لحظة، بينما دريد ينام جوارها و قد أدركت للتو أنه متعلق بطرف ثوبها.

ليست أول مرة تمرض فما الخطب معهم مجتمعين هكذا !

رفعت نظراتها المذهولة إلى باب غرفتها الذي فتح ببطء مصدرا صوتا مزعجا، و استقبلت عجو بابتسامة كبيرة، كان داخلا و أخيل خلفه و بمجرد أن لمحاها حتى اختفى التعب و الشحوب على وجهيهما و هتف عجو مسرعا نحوها : " لبنى !؟"

كان صوته عاليا بما فيه الكفاية ليوقظ الرجال النائمين، و لكنه لم يكترث بل قفز نحوها يتفقدها بعينيه كما لو أنه لا يصدق أنها أمامه و بخير.
" كيف حالك؟ أ لا زالت تشعرين بالغثيان؟"

هزت رأسها للجانبين نافية و ردت بسعادة:" أشعر بتحسن كبير." و ما كان له أن يشك في صدقها، فلبنى بدت مختلفة جدا، بدت نشيطة و لطيفة،
و في عينيها سعادة مشرقة.

تناقصت سعادتها تلك و هي ترى الدموع تتشكل في عينيه، و استحالت تعابيرها للصدمة و هي ترى إخوتها الذين استوعبوا الأمر قد تقفازوا نحوها بأصوات مختلطة و كانت عيونهم محمرة أيضا، و كبحوا دموعهم بعناء إلا دريد.

" مهلا، حقا ما الخطب معكم؟ لم يسبق أن رأيتكم تبكون يا رجال فما دهاكم اليوم!؟" استنكرت لبنى بصوت مرتفع ليهدؤوا قليلا.

نظرت لدريد الذي شدها إليه بصوت باح:" حرارتك ارتفعت مرة أخرى..كنت نائمة ليومين يا أختي..!
ظنناك لن تفتحي عينيك مرة أخرى.." و احتضنها في شهقاته، و تابع البكاء رغم أنه تفاجأ للحظة حين لم تبعده بل بادلته الحضن تمسح على ظهره.

رفعت نظراتها إلى إخوتها و زوجها : " أ نمت ليومين حقا ؟! أعجز عن التصديق، شعرت أني نمت لبضع ساعات فقط." هز عجو رأسه مؤكدا و هو عاجز عن الرد لانشغاله بتفقد ملامحها التي كانت ساكنة لأكثر من ثمان و أربعين ساعة.

كالحليب مع التمر.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن