الفصل 1 : عروس هاربة

58 8 32
                                    

" يا جبل! جئت أشكي لك همي!"

رمت لبنى ذراعيها في الهواء، و صاحت بحنجرتها في حشرجة. كان صدرها قد ضاق لفرط التوتر، فهي ستقدم على فعل خطير، و لو أنها فعلته قبلاً في صغرها، و لكن الأمر الآن قضية موت أو حياة، الأمر لا يقبل الفشل.

تنفست بعمق، و قبل أن تفتح فمها ثانية جاءها صوت من الجبل، و لوهلة ظنت الجبل من تحدث إليها: "انقعلي من هنا أنا أحاول النوم." أخذتها الدهشة للحظات قبل أن يحمر وجهها فتركض متسلقة الجبل :" ماذا تفعل هنا يا قيس!؟"

كان الرجل الذي تخاطبه يستلقي خلف صخرة، و ذراعاه خلف رأسه بينما دلدل عمامته لتحجب عسليتيه عن ضوء الشمس.
تثاءب و هو يجيب:"و ما شأنك؟ عجباً لزمن تتسكع بناته بين الجبال و يستغرب ذلك من رجاله!" ارتفعت زاوية شفتها بازدراء :"سألت لأن هذا ليس من طبعك، ثم من قال أنه ليس للنساء الذهاب حيث شئن أيضاً؟ ليس و كأننا لا نستطيع حماية أنفسنا." ضحك قائلا:" هراء." تشكلت عروق على جبهة لبنى و لكنها ردت بهدوء: "لنخض نزالاً و نرى من لا يستطيع حماية نفسه بيننا يا أخي العزيز."

"حذار مما تسألين يا صغيرة، فهذه ليست معركة خاسرة كتلك التي قد أخوض ضد امرأة سواكِ." تحدث قيس بصوت يشوبه النعاس، ثم فتح عينا واحدة و نظر نحوها:" إن أبرحتك ضربا فلن يلومني أحد، سيقال أخٌ و أدّب أخته الطائشة"

كانت جملته لتحز في نفس لبنى ، و كانت لتشق رأسه بحجرة في لحظة انفعال، و لكنها لم تكن واثقة من نفسها عبثاً، فإن لها خلفية خاصة جعلت منها قوية بما يكفي لتقاتل قتال رجل لرجل. لذلك فقد تراقصت ابتسامة مغرورة على شفتيها بينما تنفض ظفيرتها الطويلة إلى الوراء:" لا بد أنك تشعر بنعاس شديد حتى تتوهم قدرتك على ضربي، أ لا ترى هزل جسدك يا قيس؟ لا تشعر بالإهانة و لكنك بالكاد تمشي مستقيماً."

لم يخف عليها الامتعاض الذي طفا على قسماته، و الذي حاول مواراته و هو يتحدث مغمض العينين:" و لو كنت مريضا فأنا أبقى رجلاً، و الرجل أقوى من المرأة و لو قامت برفع الجبال."

  - " عفواً ! و علي أي اساس؟"

  - " هذه إحدى قوانين العالم غير القابلة للتبديل" هز إحدى كتفيه بلا اكتراث. حدقت فيه مطولا حتى ظنها قد حالت صنماً ليفتح عينيه يتفقدها، انتبهت له لتقول بحزم:" هذا ليس بقانون من قوانين الطبيعة، هذه خزعبلاتكم أيها الرجال.
و ثق جيدا من أنني سأضع حدا لهذا الهراء، سأجعل كل رجل يمشي على هذه الأرض يذوق حياة المذلة."

"حتى و إن لم يفعل شيئا؟ "

" لأنه لم يفعل شيئا فإننا نعيش في شقاء، لذا كلكم مذنبون" داعبها قائلا:" مجرد كلمات، لو مسني سوءٌ فستفقدين بصرك من البكاء علي، فأنت امرأة بعد كل شيء." 

غضبت لبنى و لم تحاول إخفاء ذلك في نبرتها:" لا تغتر بنفسك يا قيس، عيناي هاتان أثمن من أن تبكيا رجلاً. لقد تخيلت موتك أنت و كل رجل أعرفه، و لم أشعر بقلبي يؤلمني و لم تنزل قطرة واحدة على أي أحد."

كالحليب مع التمر.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن