الفصل 15 : المباراة الأولى

15 4 23
                                    



بمجرد أن خرج عجو و لبنى، حتى أضاء الكون بغتة فانتفض الاثنان كما فعل الجميع، ثم عاد الوضع للطبيعي و انهمر عليهم ماء السماء بقوة، كانت لبنى الوحيدة التي لم تلسعها تلك الزخات القوية؛ فعجو كان قد خلع رداءه قبل أن يدرك و حط به فوق رأسها.

ابتسمت لبنى بخجل لمبادرته اللطيفة رغم غضبه منها، ثم مدت كفيها للخارج لتسمح للمطر أن يتجمع بهما، و برقت عيناها بنفس تلك اللمعة الطفولية المتحمسة التي كانت على خاصتي عجو، و حدث بينهما تخاطر فنظرا لبعضهما في اللحظة عينها و تبسّماَ.
قالت لبنى:" إنها تمطر بغزارة."

هز رأسه موافقا ثم رفعه و فتح فاه يلتقط بعض القطرات السريعة : "إنه منعش." ضحكت لبنى ثم ملأت كفها و شربت متلذذة بذلك الغيث المبهج.
لقد تعدل مزاجهما في لحظة.

لفتهما صوت أحد المنافسين الواقفين خارج خياهم و هو ينظر لمكان معين : " يا لفخامته، لقد أمطرت علينا بمجيئه!" فوافقه آخرون.

تبادل الثنائي نظرات متسائلة ثم تقدما أكثر و قد ترك عجو رداءه المقطن فوق رأسها كي لا تتبلل لبنى فتمرض.

تدافعا قليلا حتى وصلا للمقدمة.
كان هنالك موكب عظيم، رجال أشداء في أزياء متشابهة، يسيرون بانتظام متقن، بعضهم يحمل طبولا يقرع عليها، و البعض الآخر يمسك أطراف المظلة الكبيرة التي تحجب السماء عن الشاب الممتطي حصانه الأبيض أسفلها. هتف عجو بدهشة : " السلطان سلطان !؟ ماذا يفعل هنا ! "

مالت لبنى للأمام أكثر و هي تضيق عينيها، حتى لمحته يجلس على جواده و ينفخ صدره بفخر، و حتى من مكانها يسعها معرفة أنه يضع ابتسامة عريضة على وجهه بينما يلوح للناس، إنه عينه السلطان الذي كانا في ضيافته، حقا ماذا جاء به إلى قتام!؟

تحركت عيناها للشخص بجانبها ثم أشاحت بهما، ثم عادتا بسرعة بأعين متوسعة، إنه أخيل ! و قد كان على وجهه صدمة و خوف يجابه خاصتها بينما ينظر للسلطان و الضجة المحيطة به، تنبهت إلى ذلك فطالعته بريبة..

و بتلك العيون المرتابة نظرت بعفوية إلى الشخص أمام أخيل، و الذي كان يرمقها بريبة هو الآخر!

نظرت بعيدا بحواجب ملتقية و حدثت نفسها بقلق : [ أ ليس هذا الغلام..دريد !؟ ] ، حاولت اختلاس نظرة أخرى نحوه، و لما وجدته يطالعها بتركيز و جدية، هربت بنظراتها مرة أخرى و حاولت سحب رداء عجو كي تواري عينيها، لطالما كان ذلك الطفل يجيد إيجادها حيثما ذهبت، و كيفما تنكرت، و أينما اختبأت..كانت إذا غابت عنه للحظة فتش عنها تفتيشا حتى يجدها، و كان له بصر حاد يميز هيأتها و لو كان في جبل شاهق و هي في حفرة سحيقة.

  - " لبنى..؟"

أحست المنادى عليها بخضة قوية في رأسها، هل هو بجدية ناداها وسط هؤلاء !؟ أ تعرف عليها ؟ تسمرت مكانها و تصرفت و كأنها لم تسمع ما قاله دريد.

كالحليب مع التمر.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن