الفصل 18 : رجال قلقون علي

13 3 28
                                    


كانت لبنى تشغل الفراش في غرفة ابنة عمها، و لكنها لم تبدو بخير البتة.

فقد كانت تسبح في عرق شديد حتى التصقت خصلاتها بوجهها و رقبتها، و حاجباها عقدا بألم، أما بشرتها فقد تلطخت ببقع محمرة منتفخة قليلاً، و شفتها كانت حمراء مكتنزة.

عصر غمام منشفة في دلو قريب، ثم عاد يضعها على جبهة لبنى على أمل أن يسهم في إخفاض حرارتها الجحيمية و لو بالشيء القليل.

رفع نظراته بعد ذلك إلى إخوتها المتحلقين حول الفراش و في عيونهم خوف كبير، كانوا قد جاؤوا بعد أن تصادفوا مع عمهم و أخبرهم أن لبنى عنده، كلهم هنا إلا آزر و قيس.

دريد يجلس على الطرف الآخر من السرير بينما يحتضن يدها الساخنة و هو يبكي بصمت، أما رمل فقد كان يجلس قرب عمه و هو يعاين حالتها المرضية، و أخيل بجواره يجلس على ركبتيه و عيناه تمسحانها بجسد مرتجف، ضرغام كان أكثرهم تماسكا رغم العقدة الكبيرة بين حاجبيه.

دفعت لبابة الباب و اقتحمت المكان و في يدها المزيد من قطع القماش و دلو ماء بارد تمسكه بالكاد، تلقفه ضرغام منها و وضعه قرب السرير، ليغمس رمل بضع أقمشة في الماء و يأخذ بوضعها على ذراعي لبنى و قدميها.

سأل دريد وسط نشيجه : " ما هذا الذي أصابها، أخي رمل ؟ " لكن رد أخيل عوضا عنه و هو يذكر دخولها في حالة مشابهة : " إنه تحسس.. هي تمرض فقط من لمس قشور الحمضيات فما بالك بأكلها !"

قالت لبابة بقلق:" تقول أنها أصيبت بالحكة بعد شربها الحساء، و لكني لم أضع به أي حوامض."

نظر أخيل بغضب:" واثق بقولك سابقا أنك أرسلت ذاك الحساء مع هلل! أين اختفى الآن؟ لا بد أنه كيده"

ارتبكت زوجة العم و خافت، فطفقت تدافع عن ابنها: " ماذا تقول يا أخيل، هلل يعرف أن ذلك يمرضها ما كان ليفعل مزحة خطيرة كهذه." كان أخيل قد خرج عن طوره بسبب خوفه من فقدان لبنى الغائبة عن الوعي منذ نصف ساعة لذا وقف صارخا: " ذلك الرجل قتل أخته التي من لحمه و دمه فما يمنعه من محاولة قتل أختي! أين هو يا امرأة !" تفاجأ إخوته من نبرته العنيفة و حشوه السباب في جمله حتى لبابة غطت فمها و انهمرت دموعها في غير تصديق.

سحب رمل أخاه من ذراعه ليديره نحوه و زجره:
" السيدة لبابة ليست مسؤولة عن ما حل بلبنى فلا تفرغ غضبك في الشخص الخطأ ! اخرج من الغرفة و حين تتمالك نفسك و تستعد للاعتذار عد." أراد أن يعترض و لكن نظرة رمل الصارمة ألجمته فبدل نظراته بين أخويه الآخرين و عمه و بدا الجميع ضده، فأبعد ذراع رمل و التفت إلى زوجة عمه، لم ينظر في عينها و لكنه قال بصوت منخفض يكبح انزعاجه : " أرجو صفحك يا خالة لبابة..لم أقصد ما قلته..أنا فقط..خائف أن أفقد لبنى.." ثم أمسك مقدمة شعره يشدها كي يمنع انفعالاته أكثر.

كالحليب مع التمر.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن