كالنسمات العليلة المنعشة كان حضورك.
كخيوط الصباح الأولى تكسر ظلمة الليل الموحشة.
الصوت المألوف لأعمى ضائع، والطيف المؤنس لطفل متوحد.
هكذا كان وجودك علاجاً شافياً وناراً تبدد برودة حياتي.بعيداً عن البشر، بعيداً عن الحياة، تسلل الموت بين الأشجار بهالة سوداء قاتمة!
مبنى كبير مشيد في الخلاء، لم يقترب منه إلا أفراد العصابة، وبعض البقايا البشرية المثيرة للشفقة.
تحت الأرض، اثار دامية رسمت على الجدار، زنزانات صغيرة ضيقة رطبة، نمت الطحالب الخضراء بين احجارها، وملأت الراحة العفنة الجو.
بين تلك السطوح التي تمتص الصوت وتحبسه، استلقى طفلان في زاوية باردة متمسكين ببعضهما بحثا عن بعض الأمان، مقاومين تلك الأجواء القاسية.
التصق ظهر ميكا بالجدار بينما يضع رأسه على ذراع أخيه ويده تقبض على ثيابه كأنه خائف من ابتعاده، ينظر لوجهه كالمعلق بين تعابيره المريحة، كالأسير في صوته العذب المرح.
كأنه من يعيد انتظام دقات قلبه بعد الرعب فسكن إليه.
لف هاياتو ذراعه حول الأشقر يحتضنه وعيناه على السقف، يتكلم بسعادة كأنهما في غرفة دافئة لا ينقصها شيء: قامت بجمع الحلوى مجدداً وغادرت، ثم سارت وسارت في ذلك الطريق! حتى رأت بيت جدتها من بعيد.
اخفض ميكا رأسه مسترخياً، مقترباً من أخيه أكثر، سامحاً لجفنيه ان ينسدلا على عينه بعد أرق طويل.
رفع هاياتو يده للأعلى قائلاً: اه، صحيح! هل تعرف ما هي الجدة؟ انها ام امك! أي أن الأم لديها بالفعل أم خاصة بها! تتخيل كم ستكون الجدة دافئة؟!
ختم كلامه ملتفةً لاخيه ليصدم بنومه! نظر له بدهشة: ميكا؟!
انتفض الأشقر وفتح عينيه سريعاً: نعم، أنا اسمع.
نظر هاياتو له بعبوس ثم تنهد: حسناً، إن كنت متعباً لننم فقط.
ارتبك الأشقر فابتلع ريقه بقلق: لابأس؟.. أنت أتيت للتو.. اظنني ارتحت قليلاً، يمكنني النهوض للعب.
وضع هاياتو يده على رأسه يربت عليه: لاباس، لاباس... لننم قليلاً ثم نلعب قبل مجيئهم..
ختم كلامه ينظر للجانب ببعض الحزن، ليس كأنهما يلعبان بشيء مميز، يقضيان الوقت بالعبث بالحجارة فقط، لكنها كانت متعته في هذا المكان الموحش، بعد أن امضى اسابيع وحده حبيس غرفته هو دوماً ما يتوق للقاء ميكا والاستمتاع معه.
لكن الأشقر يتوق لدفئه، يتوق للاستلقاء بجانبه ليغمض عينيه فقط، متعته الكبرى بل راحته كانت في النوم بجانبه.
يقدر كلاهما ضروف الاخر، فهاياتو محتجز وحده لا يفعل شيء سوى النوم وتلقي التعذيب، وميكا يعيش بين القادة ولا يمكنه اغماض جفنيه من الرعب.
انزل هاياتو يده على وجه أخيه: نم الان، من الافضل ان تتنشط لأجلي بعدها.
اقترب مقبلاً جبينه وعينا ميكا تسرحان في حمراوتين، ابتسم بخفة واوما ايجاباً: سافعل، أعدك.
تمسك به بقوة أكبر محتماً بدفئه، فيم اغمض هاياتو عينيه محاولاً النوم كذلك، أو تخيل بعض الالعاب الجديدة التي يمكنهما لعبها في هذا المكان.
النهاية
