في مدينة ملاهي مهجورة، تتناثر ألعابها المُحطمة وأشباح ذكرياتها الضائعة، جلس حيدر على مقعد خشبي مهترئ، مكبّلة يداه و قداماه بسلاسل حديدية. لم يعلم كيف أتى إلى هنا، ولا من أحضره، لكنه كان متأكدًا أن الأمر ليس صدفة. قاطع شرود تفكيره صوت باب معدني يفتح على مصراعيه وصدى خطوات متباطئة يصدح في المكان. رفع رأسه بصعوبة ليجد شخصًا أمامه.
تأمل القادم للحظات، ثم قال بصوت ثقيل يتخلله أثر المخدر:
_ أنت... أنت الواد اللي كنت مع إسماعيل في المستشفى، صح؟
توقفت خطوات القادم على بُعد أمتار منه، ثم أردفت جمرة وهي تتقمص شخصية چيمي:
_ ذاكرتك حلوة يا حيدر باشا. إيه رأيك نرمي الرسميات وأقولك يا حيدر على طول؟
كانت نظرات حيدر تشتعل بالغضب، رغم ألم رأسه الذي يكاد يفتك به. تحدث بنبرة ثابتة:
_ لو فاكر إن بخطفك ليا هتعرف تهرب من اللي مستنيك، تبقى بتحلم. ده عند أمك.
ضحك چيمي بملء فمه، رافعًا رأسه بشيء من السخرية:
_ يا أخي كل ما أحاول أبقى محترم معاك، تجبرني أقل أدبي. مش طريقة دي يا حيدر!
أردف حيدر بنبرة صارمة، مشددًا على كل كلمة:
_ أسمي اللواء حيدر الهاشمي يا ***. ومش حتت عيل زيك بحركاته دي يقدر يقف قصادي.
لم يرد چيمي، بل رفع يده ووضعها على رأسه، متظاهرًا بالتفكير، ثم قال بصوت منخفض بالكاد يصل لحيدر:
_ وبعدين في اللي فاكر نفسه توت عنخ أمون ده؟
ابتسم حيدر بسمة ساخرة، يراقب چيمي وهو يسحب كرسيًا خشبيًا مكسورًا من جانب الحائط ويجلس أمامه. تحدث الأخير بابتسامة لامبالية:
_ والله أنا ما كنتش عايز أوجع دماغي معاك، يا أخناتون أفندي، بس أهو، بعمل كده عشان مصلحتك ومصلحتي.
رد حيدر بابتسامة مستفزة:
_ دايمًا الحمار بيخاف على مصلحة صاحبه.
ابتسامة چيمي لم تتبدد، بل ازدادت خبثًا، وقال بنبرة تماثل استفزاز حيدر:
_ هو أنت عيالك ومراتك طيقينك إزاي؟
همّ حيدر بالرد بحدة، لكن چيمي رفع يده، مشيرًا إليه بالصمت، ثم قال بصوت خبيث وهو يخلع قناع وجهه ببطء:
_ أنا بقول نتكلم وجهًا لوجه أحسن.ظهر وجه جمرة الحقيقي، لكن تعابيرها الباردة، ونظراتها الحادة، كانتا كافيتين ليشعر حيدر أن اللعبة لم تبدأ بعد، وأنه ليس اللاعب الوحيد على الطاولة.
أنت تقرأ
الطفرة
Mystery / Thrillerعندما تُحاسب على ما لا ذنب لك به و تُلقي بك الدنيا أنت و من تحب في غَياهب الطُرُقات، وقتها تعلم أن لا يوجد سبيل أخر للفوز غير القتال و السير فوق أجساد من يعترضوا طريقك. هي فعلت ذلك و هو قام بمساندتها و مضوا قُدُمًا لتحقيق العدالة ورد الحقوق إلى أصحا...