الفصل الثاني و العشرون{دموع غارقة وقلوب مشتعلة}

180 13 9
                                    

"حين تغرق الدموع، تكشف القلوب عن ندوبها. وحين يتوه العقل بين الألم والندم، يصبح الانتقام مرآةً تعكس أعمق الجراح."

رنّ الاسم في أذني غيث كأصداء لا تتوقف. لحظة نطق إدريان بأسمه بدت وكأنها فراغ مفتوح التهم العالم من حوله. إرتبك عقله، لكنه لم يظهر ذلك. وقف متجمدًا للحظة، وكأن الزمن ذاته قرر أن يبطئ خطواته ليشهد هذه المواجهة الغريبة. كل شيء حوله بدا وكأنه فقد ملامحه؛ الرياح أصبحت ثقيلة، وكأنها تحمل ثقل الحروف التي تفوه بها إدريان.

كان إدريان ينظر لملامحه بتمعُن حتى أردف ببسمة خبيثة:

"أظن أن الأسم قد مر على مسامعك قبلاً. و إن أصاب تخمين؛ فأنت تعلم من أنا و سبب وجودي الأن."

تحدث غيث بمراوغة و لامبالاة:

"حقيقةً لا أعلم من أنت، فأنا غير مهتم بأخبار عالم الحيوان. أما بخصوص سبب وجودك، هذا ما أريد أن تخبرني به."

هزأ إدريان ضاحكًا فلقد توقع أنه سيتواقح و يراوغه. لكنه لم يحزر فهو سيد هذا الأسلوب:

"بربك يا فتى لما لا تعرف أخبار عن بني جنسك؟ الست مهتم بأوضاع سلالتك، أم أنك لا تعرف من أي واحدة تنحدر؟!"

همَّ غيث بالرد لكن قاطعه مكملاً:

"صراحةً هذا منطقي بالنسبةِ لي، فجمرتي دائمًا ما تنجذب بالأشخاص مجهولِ السلالة."

كان الخبث و التلاعب يُزينان حديثه و بالأخص في جملته الأخيرة. أقبض غيث يده بقوة محاولاً كبت تلك الرغبة في لكم ذلك الحقير أمامه. لكنه هدأ من روعه قائلاً:

"على الأقل فاقد سلالة أفضل من داعرٍ مختل."

"ذلك المختل مستعدٌ للسير فوق أجساد كلاً من يبعده عن مبتغاهُ، حتى لو كان العالم بأسره."

كان الهواء باردًا، لكنه يحمل دفئًا غريبًا تسلل إلى أعماق غيث، مشبعًا بحيرة لا تُفهم. هل كانت قوة إدريان؟ أم غرابة اللقاء؟ لم يعرف، لكنه كان واثقًا من شيء واحد: هذا الرجل لم يكن عاديًا. كانت نظرات التحدي و الثقة تغلف أعينهم ولم يحيد أحدهم بنظره عن الأخر، كأن غمضة عين واحدة كفيلة بأن تودي بحياتهم.

قاطع ذلك التواصل البصري صوت أحتكاك اطارات قوي بالأرض. التفت كلاهما ليغمض غيث عينه بتعب بينما أبتسم إدريان بتسلية.
_______________________________

داخل غرفة حيدر، تلك الغرفة التي طالما كانت ملاذه للراحة والتفكير، أصبح الجو الآن مشبعًا بالكآبة والتعب. الساعة تجاوزت منتصف الليل، والهدوء الثقيل يغمر المكان، لا يُسمع سوى صوت عقارب الساعة وهي تمضي ببطء، وكأنها تُضيف وزنًا على صدر الرجل الذي جلس على الأريكة الجلدية القديمة بجانب النافذة.

ضوء القمر كان يتسلل من بين الستائر نصف المغلقة، يُلقي بظلال باهتة على ملامح وجه حيدر. كان مُنهكًا، رأسه مُتكئًا على يده، وكتفاه مُنحنيان وكأن العالم بأسره يضغط عليهما. عيناه غارقتان في الظلام، شاردة في الأفق البعيد، لكنهما لم تحررا دمعة واحدة، رغم الغصة التي خنقت صوته.

الطفرة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن