الفصل الحادي و العشرون {لحظة وداع}

159 17 4
                                    


"بين الموج والريح، يتصارع الهروب مع البقاء، ويتردد القلب بين أنانية الحماية وشجاعة المواجهة. تلك اللحظات التي يُسطر فيها القدر خطاً جديداً، إما يعزلنا عن أحبتنا أو يربطنا بهم بألم لا ينتهي."

عودة طفيفة لما سبق. في أحد الأزقة الهادئة، وقف مقهى صغير يعانق دفء الزمن. جدرانه تحمل درجات البني الدافئة، من خشب عتيق بلون الشوكولاتة الداكنة إلى طلاء مُتقشّر بلون الكراميل، كأنها لوحة تحكي حكايات من مرّوا به. تتدلى فوق الباب أجراس هوائية صغيرة، تهمس بألحان ناعمة كلما عبر أحدهم عتبة المكان.

داخل المقهى، تحتضن الزوايا رفوف خشبية قديمة تعجّ بالكتب، أغلفتها متآكلة قليلاً، تفوح منها رائحة الورق القديم ممزوجة بعطر القهوة الطازجة. النوافذ الكبيرة تطل على الخارج، محاطة بإطارات خشبية بُنيّة، تعكس ضوء الشمس الخافت خلال النهار، بينما تضيء ليلاً بمصابيح صفراء دافئة.

أصص الزرع موزّعة بعناية، نبتات خضراء زاهية تتسلل بينها أشعة الشمس، تضيف للمكان لمسة حياة وتجدد. الطاولات والكراسي من الخشب المصقول، تُضفي شعوراً بالدفء والبساطة، فيما تصدح في الخلفية موسيقى هادئة، تتناغم مع صوت ماكينة القهوة والبخار المتصاعد منها.

تملأ الأجواء روائح مختلطة من القهوة الغنية، المخبوزات الطازجة، وربما لمسة قرفة أو فانيليا. الأكواب الخزفية المُزينة بنقوش بسيطة تُقدّم فيها المشروبات، تُكمل لوحة المقهى الذي يبدو كأنه حضن دافئ لكل من يلجأ إليه طلباً للراحة والهدوء، لكن لم يحالفها الحظ لتنعم بهم.

كان هذا ما يدور بعقل جمرة وهي تنظر للناس و المكان من حولها ثم نظرت لأوجه أصدقائها حيث كان أدهم يحرك كوب القهوة بين يديه بملل و إياد و وادي يتشاكسون فيما بينهم و راكان يتصفح هاتفه بأبتسامة. أما غيث فكان ينظر لها بنظرات ثابتة كأنه يود أختراق عقلها و معرفة فيما تفكر و ما يدور داخلها.

حركت أبصارها نحو چاسمين التي حثتها على الحديث فعادت نحوهم مجددًا قائلة بنبرة خافتة:

_ أنا مسافرة مع چاسمين.

تصنمت أجسادهم بقوة و سقط كوب القهوة من يد أدهم بينما انتفض وادي بفزع قائلاً:

_ م.. أيه؟.... يعني أيه مسافرة؟ و إزاي هتسافري أصلاً انتِ مجنونة؟

حاولت جمرة التحدث:

_ وادي أسمع....

قاطعها قائلاً بغضب:

_ لا هسمع ولا هتنيل و مفيش سفر سامعة.

اضاف راكان على حديثه وهو يضغط على يده بقوة يحاول تمالك اعصابه:

_ جمرة مش معنى أن حصل كام حاجة لغبطوا الدنيا أنك تهربي و...

_ إدريان في مصر.

نطقت بها جمرة بغضب و لم يصدر صوت بعد تلك الجملة صمت تام كأن من سيتفوه بكلمة ستأخذ روحه. كان إياد اول من بادر بالحديث قائلاً:

الطفرة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن