"حكايات تُسرد في كل مكان، و بطريقةٍ ما كلاً منهم تتصل بالأخرى كشبكة عنكبوتية، ولكن يا ترى من سيكون العاصفة التي ستهدم تلك الشبكة"
ثوانٍ مرت وكأنها سنوات، السكون كان ثقيلًا، مثل الغبار الذي يخنق الأنفاس. بعد تلك اللحظة الحابسة، ظن الجميع أن النهاية قد حلت، لكن جمرة كانت أسرع من الخوف نفسه. بلمح البصر أدارت عجلة القيادة، مبتعدة عن مرمى السيارة الأخرى. دار العالم من حولهم وهم بداخل العربة، حتى سيطرت أخيرًا وأوقفتها على جانب الطريق.
التنفس كان متسارعًا. عيونهم تفحصت بعضهم بعضًا، كما لو أنهم يبحثون عن علامات الحياة، لكن أعينهم لم تلبث أن استقرت على جمرة. جسدها كان يرتعش كمن أصابته صاعقة، ووجهها شاحب كأن الدماء هجرت ملامحه.
غيث، الذي لم يفارقها نظره للحظة، تقدم بخطوة صغيرة، مترددًا قبل أن يقول بصوت ملؤه القلق:
– جمرة... إنتِ كويسة؟رفعت عينيها ببطء، لأول مرة يرى ذلك الرمادي الطاغي في نظرتها. لم يكن مجرد لون، بل صراع داخلي، تخبط وضياع صارخ. حركت مقلتيها بعيدًا عنه، ثم نظرت لأصدقائها بالخلف للحظات قصيرة قبل أن تعود للتركيز أمامها. بلا كلمة واحدة، أدارت المحرك وانطلقت بالسيارة.
مرّت نصف ساعة ثقيلة، مليئة بصمت يعج بالأفكار. عندما وصلوا أخيرًا إلى منزلها، انحنت جمرة لتلتقط هاتفها الساقط قرب الدواسة. صوتها كان خافتًا ومتعَبًا وهي تقول مترجلة من السيارة:
_ العربية معاكم، شوفوا هتعملوا إيه. أنا طالعة أنام.
أغلقت الباب خلفها، تاركة وراءها أصدقاءها في حالة من الذهول.
وادي، الذي كان أكثرهم صمتًا، قال بغموض وهو ينظر إلى غيث:
_ هو مين اللي اتصل عليها؟ ليه كانت مصدومة كده؟
رد راكان بقلق:
– أنا شوفته، رقم مش متسجل، لكن الغريب إنه رن أكتر من عشر مرات.
أحتل غيث مقعد القيادة ثم أمسك المقود وتحرك بالسيارة، فسأله وادي قائلاً:
_ رايح فين؟
أجابه قائلًا بنبرة قاطعة:
– هنروح عند درويش. حد عنده اعتراض؟
صمت الجميع. كانوا يعلمون أن الراحة أصبحت ضرورة، حتى لو مؤقتة، وأي مكان أفضل لراحتهم سوى هناك.
_______________________________في الشقة، طرقت جمرة الباب ثم ثواني و فتحت چاسمين التي قالت بتعجب لعودتها بتلك السرعة:
– جمرة! رجعتي بدري ليه؟
لكن جمرة تخطتها بلا إجابة، وسارت بهدوء نحو غرفتها. عيناها مرتا سريعًا على والدتها وجدتها الجالستين في البهو، لكنها لم تنطق. دلفت لغرفتها و أغلقت الباب خلفها، تاركة خلفها علامات استفهام كثيرة.
أنت تقرأ
الطفرة
Mystery / Thrillerعندما تُحاسب على ما لا ذنب لك به و تُلقي بك الدنيا أنت و من تحب في غَياهب الطُرُقات، وقتها تعلم أن لا يوجد سبيل أخر للفوز غير القتال و السير فوق أجساد من يعترضوا طريقك. هي فعلت ذلك و هو قام بمساندتها و مضوا قُدُمًا لتحقيق العدالة ورد الحقوق إلى أصحا...