1.طير ذو جناحان مكسوران

2.7K 196 211
                                    

فوت كومنتز شير

***

كنت أنظر لساعة الحائط التي تدق ببطئ ، ثواني تتوالى لتنتج دقائق ، بينما الدقائق تَتَابعَ لتصبح ساعة ، و تتراكم الساعات لتكون أربعة و عشرون و تصير يوماً ، و تظل تلك الثواني تعذبني ، كطير حبيس في قفص صغير ، يعُد الثواني ليتحرر ، و ليلمّح للكل بأنه طائر صغير مكسور الجناحان و لا يملك لحناً ليحرره من عذابه .

"حان الآوان" همستُ لنفسي و أنا أجر حقيبتي معي لأخرج من هذا المنزل الذي سلمتُه للحكومة بسبب الديون المتراكمة عليّ أو بالأصح على عائلتي التي حملتُ مسؤوليتها ، لقد ذهبتَ عائلتي و تركتني مع أخي الذي لا أحب ، فبمجرد ذكره يتكدر صفاء يومي

توفيت أمي و لحق بها أبي في ذلك الحين بعد عدة أيام و هو في حجرة العناية المشددة ينازع الموت ، رؤيتي لتلك الأسلاك و الحبال الموصولة بجسده تجعلني أتألم ، رؤيتي لوجهه الشاحب و جفاف عيناه تجعلني أضعف ، رؤيتي لتلك الخطوط المتعرجة تضطرب و تصبح فجأةً لخطٍ مستقيم جعلتني أنهار ، لقد كانت أصعب أيام حياتي ، و كنت حينها صامدة و صارمة ، متكلفة بنفسي ، لهذا لم تُهَز أركان صمودي ، بل إستمدت القوة مع مرور الوقت الطويل و رضيت بالقدر الذي قرر تركي وحيدة دون يدِ معاونةً ، و أخي الذي يكبرني بسنتان تهور و وقع في تهمة ترويج المخدرات و بيعها ، كان يختبئ في الأزقة ليقابل عصابته الصغيرة و يتفقون على الأرباح ، و لم يكن يأتي للمنزل كثيراً ، و لقد علمت بالأمر عندما صارحني هو بما يعمل ، شعرت بالخيانة ، أما عن الكره فهو قد تصدّع لقلبي فجأةً نحوه ، و لوهلة أردت بأن أتركه و يتركني ، أنساه و ينساني ، بأن لا أعرفه و لا يعرفني ، بأن أمحيه من الوجود ، و كل ذلك حصل ، بالفعل حصل عندما عاتبته قائلةً "لا أريد أن تكون أخي من بعد الآن ، أنت مجرد نذل ، حقير و بجيح ، خائن لأبي و ناكر لشقاء أمي ، لم تعمل بوصية أبي ، بينما كانت وصيته لا تعني لك شيئاً ، مجرد الإهتمام بي و تلبية إحتياجاتي و مع ذلك لم تفعل ، أنا من صنع و فعل لك كل ما تحتاج إليه ، و كنت خرقاء و ٱلبي أوامرك كبلهاء ، لقد ظننت منك بأنك ستصبح مثل أبي ، شريفاً و طاهراً ، و لكن هيهات" بعد ذلك ذهب هارباً تاركني أتلوى في مضجعي بحزن تغتصبها أنات الوجع برفقة لحن نحيب حاد مشتاق للماضي السعيد.

"كل شئ سيكون بخير ، سيكون بخير ريبيكا" همست لنفسي و أنا أمشي مبتعدةً عن المنزل ، لأترك كل شقاء الماضي خلف ظهري بإرهاق ، و ٱحرر جناحاي المكسوران من ذلك القفص -منزلها- حتى تُشفى و تستعيد قدرتها على الطيران ، إبتعدت عن القفص بهدوء متملكني و برود إجتاح مشاعري ، دون كلمات عتاب أو تأنيب أو لوم ؛ فقط لأريح أوتاري الصوتيه و ٱلحّن بعد النجاة أفضل الألحان المتسللة من حلقي حتى تداعب موجات الهواء بإنسياب كطيراً راقصاً في السماء بلهفة الحرية.

إستقليت تقريباً ثلاثة سيارات ٱجرة حتى أخرج من هذه المنطقة و أنسى كل ما كنت أنكر حدوثه أو لم أتخيل حصوله.

Loss and completeness | فقدان و إكتمالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن