19.طير ذو مقلتان حزينتان

874 81 37
                                    

فوت كومنتز شير

***

صعدتُ السلالم حتى وصلت شقتي ، فتحت الباب و همّمت بالدخول ، وزعت ناظري في الأرجاء و لم يكن هناك شيئاً يدل على وجود شخصاً ما هنا ، إذاً ربما قد تكون ريبيكا نائمة؟

فتحت الحمام ، ثم حجرتي ، ثم دخلت إلى المطبخ و لكن لا أحد ! ، أتمنى بأنها ظلت هنا و لم تخرج من الشقة ، أبداً

توقفت أمام حجرتها و كدتُ أن أفتحها ، و لكنّي توقفت عن الحركة لبرهة وجيزة مفكراً بعواقب ما كنت سأفعله ، فربما سأراها في حالة قد لا يُفضلها كلا الطرفين !

تراجعتُ عن ما كنت أنوي بفعله و أندفعَت خُطاي نحو غرفة المعيشة ، لأراها واقفة بجانب الستائر و تراقب الوضع من خلال النافذة الصغيرة المطلة على حركة الشارع بوضوح ، بينما ذراعيها تحتضنان معطفها و بصرها مثبّت فيما يقع خلف النافذة بحرص

تقدمتُ بخطىً صغيرة و تنحنحت ، لتغمض هي عيناها بهدوء و تستنشق الهواء بجرعات متتالية عميقة

"ريبيكا ، أنا آسف على مقتل أخيك ، فاليرحمه الله" تحدثت بصوتٍ غليظٍ هادئ

"فاليرحمه الله" همست و نظرها لا زال سارحاً "كيف أستطعت تبرير موقفك أمام الشرطة ؟" سألت فجأة و هي متكتفة الذراعان ، دون أن تنظر لي حتى !

فجلستُ على الأريكة و قلت بصرامة "انا لا شأن لي في أي عمل مخالف للقانون لأبرر موقفي أمام الشرطة ، يا آنسة"

"حقاً؟" قالت و هي تزيح الستارة من على النافذة و تقوم بفتحها ، لتهب نسمة الهواء الباردة على وجهها مروراً بصدرها لتُطفيء لهب الألم الذي يكن خلف أضلعها ، فنطقت أخيراً بعد صمتاً دام طويلاً "ما سبب موت أخي؟"

"لقد قتلته العصابة ، أظن بأنها علمت بشأن مخططه و هربه منهم و لهذا إلتجئت لأمر قتله" صرحّت بما هو واضح و بيّن في الأمر برمته

أغمضت عيناها بشدة و همست قائلة "هل تعلم بأني وحيدة الأن ! لا أملك عائلة أو صلة قرابة ، ليس لدي عم أو خال ، جدة أو جد ، فأنــ--ـا مقطوعة من شجرة" تحدثت بهدوء و هي تنظر ليديها و تحاول في أن تكبت نفسها عن البكاء ، تحاول في أن تستجمع قواها و لا أن تنهار ، تحاول بأن تظهر لي بأنها تملك كل القوة و كل الحيلة ، تحاول أن تظهر لي العكس ، و لكن عيناها و تعابيرها تُظهر ما تُخفيِه بباطنها و تحبسه.

"و لمَ ؟ أنتِ مقطوعة من شجرة؟" قطعت الصمت المزعج بسؤالي السخيف الذي و لابد في أن أتلقى بسببه رداً يجعلني أحبس أنفاسي حرجاً

"و لمَ ؟" قالت ساخرة ثم أكملت "لأن أبي و أمي هربا من عائلتيهما فقط لأنهما يحبان بعضهما ، و عند هروبهما تزوجا و أنشئا عائلة صغيرة ، و ها هو حبهما الفاسد ، هل رأيت إلى أين وصلت الأمور و إلى أين ستؤول إليه مستقبلاً ، هه تباً" حجبت بكلتا يداها وجهها و أكملت بصوتٍ كليل "هذا هو الحب الذي يقدسه العالم ، هل رأيت ! ، حب فاسد وقع ضحيته فتاة لتوها تبلغ العشرون ، و اللعنة" مئقت بإنكتام و أردفت قائلة "هذا كله لأنهما ضحيا بحبهما ، و بسبب تضحيتهما البائسة أنهيا علاقتهما بجميع العائلة ،لقد كانا والداي.....والداي كانا وحيدان ، و في الأعياد كانا يحتفلان مع أصدقائهم الذين لا أعرفهم أو فقط.......معنا ، معنا أنا و لوي"

Loss and completeness | فقدان و إكتمالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن