Part 25

22 3 0
                                    

كنت تائهاً في سريري أركد بكوابيسٍ مرعبة، أستيقظ بالليل الهامد، لأكون وحيداً أبحث عن صغيرتي فلا أجدها بجانبي، فتغرقني تلك الأوهام السيئة، و تشعرني بااحقد على هؤلاء الأوغاد، أبكي بصوتٍ شجن لأذهب راكداً لأضرب باب السجن بقدمي، كنت أرغب بتحطيمه وتحطيم هذا العالم القاسي، ثم أصرح بصوتٍ أعلى وأجش "أيّها الأوغاد، أعيدوني لأختي الصغيرة أعيدوني، أنا بريء" وأصرن بشدة صراخاً عالياً آلمَ حنجرتي ومزق صدري، كنت أضرب الباب بكل ما أحمل من قوة ول ما أستطيع من جنون أرغب بسحقه، حتى يأتي إلي أحد الحراس الأنذال ليصرن بوجهي ويهددني بالقتل إن لم أكف عن إصدار هذه الأصوات والكف عن الصراخ والضرب.

ولم يكن أمامي سوى أن أعود منكساً لسريري الأبيض وأملأه بالدموع، وأخرج صورة حرية من تحت وسادتي، وأنظر لها بحنيّة وشوق وأعانقها لأحفرها في صدري بقد ما امتلك من قوة، حتى يغلب النعاس على عيني وأصبح جثةً هامدة ملقاةً على سريرٍ أبيض بين هذا السكون الحائك.

أستيقظ في فترات متقطعة من الليل يائساً كارهاً للحياة ومن فيها، وأصرخ "أوغاد"
كنت أعاني بالقسوة من جميع النواحي، ومن هم حولي كانوا يكبرونني سناً، أقوياء ذوي عضلاتٍ ضخمة حجمها يكبر حجم رأسي، كنت أرى البعض منهم يضحك حالما يغلب على عيني الدموع، والبعض يهمّ بالتربيت على كتفي وحثّي على الصبر، لكنني كنت أصرخ بوجوههم جميعا رافضاً أي مساعدة أو شفقة من أحد.

مرّ يوماً كاملاً بضحاه وأنا في السجن مهزوماً يائساً، استيقظتُ صباحاً، فنظرتُ حولي لأجد أنّ الجميع يغط في سباتٍ عميق، كل فردٍ منهم يحلم في شيءٍ معين، يفكر بشيءٍ لا يطلعه على أحد ولا أحد ممن بالسجن يعلمه سوى ذاته وخالقه.
هممت بالنهوض عن سريري، فنفثت ملابسي، ووضعت صورة حرية في قميصي، وذهبت للمطبخ الصغير الذي بالسجن، كان فيه مرآةً صغيرة، و بضع من عيدان الدخان المتناثرة على الأرض الرمادية.

نظرت للزاوية المقابلة لزاوية المطبخ، فوقعت عيناي على شابٍ صغيرٍ يركد على سريه الأبيض بنوماً لا يشوبه النوم، نوماً تغلق فيه الأعين وتبقى فيه العقول مستيقظة، كنت أختلس النظر له فأراه يفتح عينيه ويعاود بأن يغلقهما مرةً أخرى.

حالما كان يتقلب ليغوص في الطرف الأيمن من السرير، وقع من تحت لحافه شيئاً ما.
فهممتُ بالذهاب خلسةً وبسرية لأرى ما هذا الشيء.

التقطها فوجدت فتاة جميلة، شقراء فاتنة، موضوعة في صورة هارمة ممزقة بعض الشيء و مربعة الشكل.
كنت التقط الصورة بكلتا يدي، فور ابعادها عن عيني، كان الشاب يحملق بعيناي بغضب، فاعدتها له بترددٍ وخوف، واعطيته إياها "خذ، هذه وقعت من تحت لحافك".
ردّ بعصبية زائدة "ومن خوّلك لتلقطها"
قلت بسريةٍ مخفضاً رأسي"أنا حقاً أعتذر"
حالما رآني بهذا الذعر، وبهذا القلق تعقّد حاجباه، واطلقً زفيراً متتالياً من فمه "لا عليك"
أضاف متنهداً وهو يفسح لي المجال للجلوس بجانبه على سريره "هذه الصورة لها ذكرى خالدة في حياتي"
قلت مسرعاً "ومن تكون التي في الصورة؟"
نظر لي بغضب أشعرني بأنني أدخلت أنفي بشيء لم يخصني، فرد متنهداً وكأنّه ابتدأ يثق بي ليطلعني على بضع من همومه المكدسة في صدره وقلبه "هذه الفتاة التي كنت أحبّها، وكنت أنوي خطبتها، هي كانت تبادلني مشاعري، فكانت أيضاً تحبني، لكن حبنا هذا لم يدم طويلاً"
"لماذا؟"
"قبل عدة أشهر تقدمتُ لخطبتها، ولأنني كنت وحيداً فقيراً بلا أم ولا أب تم رفضي"




على حافة الحلمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن