الفصل التاسع عشر " حياة الطيور "

84 3 0
                                    

الفصل التاسع عشر : حياة الطيور

سآتي يا حياتي سآتي... محملا بالورد و الهيام... اجر وراء ظهري اذيالا من جنة فردوس كنت انت عطرها ... دعينا نحلق في كبد السماء.. نعيش دون الحاجة للتفكير في غد اخر،  فلنرقص حول السحاب، نستنشق من عبير اللافندر تارة و نتذوق اللحن البهيج تارة... امسكي يدي يا حبيبي و دعينا نعش حياة الطيور... حياة الطيور

افاقت سينثيا صباحا، تزحف ذكريات من امس ذهنها المشوش فتزيده تشويشا اكثر ، حلت بها حالة من الكٱبة لم يسبق ان زارتها قبلا، تود لو تسامحه، عشقها له يحرق روحها و يقتل الحياة عنها بعيدا ..

لكن و بعد ان نضبت منها الكلمات فما عساها تقول.. ما العذر الذي تلتمس له لعل عقلها يقبل اعتذاره الصامت...

ضلت جليسة سريرها طوال يومين....
تفكر و تفكر، لم تترك عذرا الا و نسبته لعشيقها تلتمس له البرائة، تهمة لا امل في النجاة من براثنها ما حاولت ...

تجلس ليومها الثالث علي التوالي، لم تدخل  جوفها ولا  قطعة طعام وحيدة منذ ثلاثة ايام متواصلة من التفكير و التامل...

فتح الباب فجاة ...

وجهة نظرها ساهمة نحو الشخص الذي اقتحم خلوتها عنوة ، تنتظر توبيخه لفعله اللاخلاقي... لكن شفتاها التصقتا ببعضهما و كانها رات طيفا يطفو في مساحتها... انه هو...

شعره المبعثر الذهبي، تناثرت خصلاته فوق جبهته في لا مبالاة... هالالته السوداء احطات عيناه الزرقاويتان... وجهه المصفر الشاحب... وقفته المنحنية كانما تقدم العمر به بين ليلة و ضحاها فغدا عجوزا كهلا... فمه الذي انفرج عن جرح دامي حديث... نظراته المنكسرة ما تلبث تلتقي بعيناها فتنكسر كالزجاج المهشم، انين روحه الذي تلتقطه اذناها في نواح عجيب، سمفونية حزينة تعزفها اوتاره.... تساءلت لو انه عااد من موت وشيك.. 

كيف لها ان تؤثر عليه كل هذا التأثير لو لم يكن عشقه لها تخطى حدود المعقول... حطمتها رؤيته في حالته المريرة...

خرج صوته في نبرة مبحوحة خشنة ، كانما طال سباتها فتغولت....

صوته الجميل الرنان.... اول ما عشقته فيه قبل رؤيته، ادمانها علي ذلك الصوت البهيج، حلاوة صوته اندثرت، تتخبط دواخلها في الم.. كل شيء الا صوته... حافظت جاهدة علي ملامحها الجامدة،  قليلاً و تنفجر كقنبلة موقوتة...

بعد ان وصلتها كلماته في صعوبة بالكاد تميزها

"يجب ان تتناولي طعامك، لست من استحق عزوفك عن الاكل، صحتك اغلي من كل شيء...فكلي من اجل الجنين علي الاقل ...رفقا ... "

"عن اي جنين انت عنه تتحذث.. " نطقت في ذهول، بينما بدات بضع افكار تتسرب عقلها علي مضض...

"اري انك حامل، الم تفتقدي دورتك الشهرية.... " اجاب مختصرا... كانه لا يملك من الكلمات ما يكفي لانهاء حديثه

"اظن ذلك... اوه يا الهي... " اطرقت راسها مشوشة... كيف حدث، لقد بذلت جميع قوتها و حذرها تجنبا لشيء كهذا، كيف و علاقتها به متوترة، متصدعة...

دنا منها اقرب، محافظا علي مسافة مريحة بينهما، جثي علي ركبتيه... مطبق الجفنين، مطأطأ الراس....
استغربت فعله المريب ما الذي يحاول فعله بانحنائه لها

مرت دقيقة واحدة لتسمعه يقول "  لو كان بيدي لنأيت بكي بعيداً.. و لأبقيتك آمنة في كنفي.. كنت لافعل اي شيء من اجلك ..عودي لي، كوني ملكي من جديد ،روحي تنصهر في اغترابك عن احضاني، الحزن يشوش بصيرتك، هيا اعلم انني اقترفت خطأ عظيما ،لكنني لم اكن ملما بالعواقب، لم افكر في النتائج، اغوتني الاهواء علي اثمي في حقك يا حبيبتي....افتتنت بجمالك فما عدت ابصر شيئا سواك ...اعذريني ،اعذري هذا العاشق الولهان،فاني اكتويت بالنيران ما يكفي"

ظلت ساهمة متجمدة لا تحرك قيد انملة ،تحدق فيه صامتة،كصمت القبور، نطقت بعد هنيهة
"لو تعلم شدة شوقي لك لفتحة فاهك صدمة
و لو علمت فقط الي اي حد احببتك صدقني كنت لتبكي دما و حسرة
لو فقط حاولت الشعور بتزايد نبضات قلبي في بعدك، كنت لتحبني ضعف ما احببتك "

ارتسمت علي محياه شبح ابتسامة حزينة ،فكان جوابه التالي لها تلقائيا " حب هو ام قدر
جعلني انحني امامك تحت ضوء القمر "

اطلقت قهقهة سعيدة و استانفت"و اين هو ضوء القمر اذن ال... " لم تكن قد انهت جملتها و اذا بالقمر يتوسط كبد الفضاء  فيتسلل شعاعه يحول بينهما لامعا براقا ، كنور يخترق أغوار المحيط الهادئ فيشتت ترتيب امواجه، و يغير سمفونيته الصامتة، انها ارتميس ...

ليسترسل كلامه متمعنا في محيط عيناها، عميق النظر...

" وا حياتي لا اتاخذي مني الترياق فلكمال روحه انا مشتاق و للجاذبية بين يديه انا مستاق"

"سامحك الحب فعفوت عنك "

لمعت عيناه بالدموع ،كاد يتمزق ثغره من عرض ابتسامته، يرتمي بين ذراعاها، كالطفل الصغير، سعيدا للغاية، يحتمي في صدرها، يختبئ داخلها ،يحضنها في شوق و توق لم تعرفه يوما علي الوجود، ساعة و هو مايزال لا يبرح حضنها... كالاسير لانفاسها و كالعازف لدقاتها..

                               يتبع

أسطورة سينثيا ( صراع الآلهة ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن