ألم العشق

3.1K 68 0
                                    

لا حيلة معك أو بدونك الحياة مستحيلة للأسف
بدون سبب من المستحيل أن نكون معاً أو أن نفترق
( سيرن أكسو - سنتلاشى )
###
دائما ما كنت أقول أنك تقف هناك كملاك الموت و لكن عندما رأيتك الْيَوْمَ شعرت بأن كل الحياة قد أتت إلى داخلي
     ###
لم تعرف ميرا ماذا عليها أن تفعل ، صحيح أنها ربما في بداية تعرفها عليه تمنت موته و لكنها لم تكن رغبة صادقة إلى هذا الحد ، فرغم كل ذلك هي لا تكرهه حتى و إن لم تكن قادرة أن تستسلم له باسم الحب .
تكررت على نفسها بعد سماع خبر موته أخذت تنظر إلى الخاتم في يدها اليسرى و قلبها يحدثها بأنه لا لم ينتهِ ذلك الرجل الذي وضع ذلك الخاتم هناك و هي صدقت فَلَو كان حدث له شئ لارتجف قلبها آلالاف المرات ، لشعرت هي بألمه قبل أن يشعر به
كان الرجل يدفع بكل قوته و حينها استفاقت هي من شرودها لتحاول أن تصنع اَي ردة فعل مضادة ليبقى ذلك الباب مغلقا حتى انتهى الدفع فجأة فلم تتحرك من مكانها لوهلة " إنه أنا أيتها الطبيبة ، ابتعدي من خلف الباب " قال فرحات في حالة متحفزة فابتعدت غير مصدقة أنه هناك
دخل فرحات ليجد لون وجهها ذهب مجددا بل ربما أكثر من المرة الأولى - التي كانت تختنق فيها - إنه لم يعد يفهمها على الإطلاق متى تخاف و متى تمر عليها المصائب و الرصاصات مرور الكرام
نظرت إليه كمن رأت شبحا ، كانت تحمد الله ألف مرة في سرها أنه عاد ، أنه أم يتركها و يذهب ككل ماضيها ، هي لا تقبله و لكن لا تستطيع أن تفقده
لا تستطيع أن تتحمل ذلك الندم إن فاتت فرصة الوقوع في حبه و لا ذلك الذنب الذي سيقع على عاتقها إن فعلت
أمسك بيدها مرة أخرى التي وجدها مثل الجليد ، كانت تنظر إليه بعمق و تتطلع و هو لم يفهم نظراتها تلك على الإطلاق ! هل كانت عتابا ؟ غضبا ؟ مواساة أم ماذا ؟ و لكنه كان غاضبا جدا ليحاول الفهم كان قلقا على حياتها في تلك اللحظة أكثر من أي شئ
                                       ###
" انزلِ" قال فرحات بعد أن توقف أمام مطعم ما
" ماذا سأفعل هنا وحدي ؟ " سألت بتعب ووهن و يأس
" خيرا أيتها الطبيبة؟ كنت تختلسين الفرض لتبقِ وحدك ! لم تكن الأسلحة التي تصوب على رأسك تخيفك ؟ على أساس أنك ثابتة على اختياراتك و انك لا تزحزحين ؟ على أساس أنني أقتل بالرصاص و انت تقتلين بالكلمات ؟" جمع فرحات فيما كان يبدو كسخرية كل اصطداماتهم ، مواقفهم سويا و جروحهم لبعضهم البعض
ابتسمت ميرا بحزن في محاولة لإخفاء دموعها حتى أنها أدارت وجهها للجانب الآخر ، هنا بدأ فرحات في الاستيعاب ، هي لم تكن بخير هي لم تبكِ أمامه أبدا لم تتذمر فقط كانت صامتة و لكن بدا به في تلك اللحظة أن انفجارها قد أوشك
" كنت تقولين أنه طالما طرقنا لا تتقاطع فلا مشكلة فأنت لا تهتمين ؟ ماذا حدث الآن ! انت تقولين أن عقلك ينسى الأشياء غير المهمة و يلقيها من نفسه ، ايه اذا هل علينا أن نعتبر هذا موقفا مهما ؟" كان فرحات يريد أن يواسيها و لكن ذلك كل ما خرج من فمه في ذلك الوقت ، هو أيضا كان تعبا من كلمتها القليلة التي ترميها بين حين و آخر و لكنها تقتله ، كان تعبا من صمتها و لكن كلامها كان يتعبه أكثر ، لم يكن يريدها أن تضعف لذلك لم يجد حلا سوى أن يهاجمها أكثر
كان ينظر إليها نظرات خاطفة من وراء نظراته السوداء ، نظرات معتذرة ، كان يقبض على المقود بشدة منعا لنفسه من الانهيار لانهيارها و كبحا لكل ذلك الغضب بداخله تجاه من فعلوا بهم هذا
" ماشي ! تمام ! أنا آسفة يا سيدي ! أنا غلطانة إني بسأل..غلطانة إني.." قالت بالعامية المصرية فنظر إليها و هو يحاول أن يخفي كم الفضول الذي يشعر به ، كم العجز الذي أصابه و هو لا يستطيع أن يفهم بعضا من كلامها ، كانت تريد أن تكمل بكلمات توحي بما تشعر به تجاهه و لكنً حتى لو بلغة أخرى هي لا تستطيع أن تعترف بذلك حتى بينها و بين نفسها ، حتى و إن كان للتو عائدا للموت فهو قد عاد من هناك مجددا بأنه قتل
" إن شاء الله يارب.." كان لسانها يريد أن يكمل " تروح في داهية أنا مالي " و لكن قلبها لم يستطع فأكملت " يارب تدخل الجنة و تطبل تبقى وحش " قالت و هي تبكي و هي تنظر مباشرة إلى عينيه التي غطاها بالسواد
كان قلبها يتألم جدا كما لم تعرف هي من قبل  ، كأن كل الألم الذي عايشته قبله كان في كفة ميزان و الألم الذي عايشته بسببه و لأجله و معه و ضع في الكفة الأخرى فرجحت..
تأملها قليلا و هي تخرج كأنها هاربة منه ، و هي تركض و تمسح دموعها الطفولية البريئة مما زادها غضبا و حنقا على من فعل ذلك فهو بالتأكيد سيجعله يدفع الثمن بالتأكيد هو أيضا سيدفع هذا الثمن أضعافا مضاعفة يوما ما فهذا الألم في قلبه يخبره بذلك ، يخبره بأن البقاء مع تلك المرأة لن يكون سهلا
                                       ###
جلست ميرا في المطعم و هي ما تزال تبكي ، إنها لا تستطيع وقف دموعها ، ذلك الخوف عليه و الخوف منه ، ما فقدته و ما ستفقده ، آلامها قبله و آلامها معه و كأن عقلها كان يجمع مل الذكريات و كل الألم ليخرجه في هذه اللحظة..
كان فرحات عائدا بأقصى سرعة إلى المكان الذي ترك فيه ميرا بعد أن أخبره نامق أنه ليس وراء ما حدث بل إنه رجل أقوى نفوذا ممن يسمونهم - الحيتان - و أنه لا يفعل ذلك فقط من أجل رجله - نجاد - بل لثأر شخصي أيضا و أن ميرا هي هدفه الأول و الباقي لا يعرفونه ، لا يعرفون أكثر من أنه لا يرحم و أنه لا شئ يوقفه و أن ما حدث مع نجاد ما هو إلا نقض لعهد كان بينهم منذ زمن و الآن لأن ميرا لم تكن لرجله فهو لن يسمح لفرحات بأن يأخذها منه و فرحات كاد يجن بتلك الأخبار و يشعر بأن أحدهم قد غرس سكينا في صدره و لا ينزعه ، إذا كان ألم خوفه عليها قويا إلى هذا الحد فكيف به إذا..إذا فقدها . إنه لا يستطيع التعايش مع هذا الألم أبدا هذا قد تخطى ألم العشق ، ألم السير على خطين متوازيين دون أن تتلامس أيديهما ، ألم أن يكون نفس اللحن و كل منهما يعزف منفردا على آلة ، ألم أن يكونا سويا و لكن لا يمكنهما أن يكونا معا..
                                    ###
وصل فرحات ليجدها جالسة وحيدة في ركن ما تبكي بدون صوت ، الدموع تنزل من عينيها مثل الأمطار و هي تمسك نفسها ، لو استمرت على هذا الحال ستمرض ، ستذبل و ستموت..
تأملها قليلا و الحزن يعتصر قلبه ، هو لا يستطيع أن يتركها حرة و أولئك الذئاب يبحثون عنها و لكن أو ليس هو أيضا ذئبا منهم ، ما الفرق بينه و بينهم إذا كانوا يجرحونها و هو أيضا يفعل نفس الأمر
قرر أن ينزل لاحضارها في لم تكن تنظر إلى الطريق " هيا " قال في صيغة أمر و هو يتقدم أمامها فتبعته هي في صمت
                                       ###
جلست ميرا في تبكي في صمت و رأسها مستند على النافذة قرر فرحات أن يشغل الإذاعة لعل سماعها لشئ ما يشتت عقلها فهو لا يستطيع مواساتها على الإطلاق ، هو أيضا غاضب و ثائر متألم ..و خائف
تصاعد صوت سيزن أكسو رويدا رويدا - في أغنية سيمضي - و بدا الأمر و كأنها تهدأ قليلا و تستمع للأغنية # دائما نفس الحكاية ، عندما يقع قلبي في الحب ، كل أنواع الفراق مثل بعضها فقط الأشخاص هم المختلفون # تاهت ميرا مع هذه الكلمات وهي تتذكر فقدانها لأخيها و ذهاب والدها و والدتها من بعده ، كيف أنهم تَرَكُوا كل شئ خلفهم لأنهم لم يستطيعوا تحمل ألم فقدانه ، كيف أنها وقعت في حب رجل له نفس الحياة و له نفس الألم ، كيف أنها لا تستطيع أن تقول له أنا أحبك ! كيف أنها لا تستطيع أن تقترب منه و لا أن تفقده
# وهذه ستمر أيضا و ما الذي لم يمر؟ و قلبي المجنون سيقع في الحب..# و هنا بدأت ميرا بالبكاء بصوت عالي و هو انتفض ، أراد أن يغلق المذياع و لكنها أوقفت يده و هنا نظر إليها نظرة مطولة حتى أنه لم ينتبه إلى الطريق و بالكاد تفادى سيارة مسرعة و بعد ذلك توقف على جنب كانت أعصابه متلفة هو الآخر و قبل أن يعم في التكلم بغضب نزلت هي من السيارة في حالة يرثى لها
                                     ###
كان يبدو الأمر أنها أصيبت بانهيار عصبي و هو وقف هناك يراقبها و هي تبتعد ناحية الغابة على حافة الطريق كانت تصرخ بالعامية المصرية مجددا..مجددا بما لم يستطع فهمه " مش هيعدي ، لا الحب ده هيعدي و لا الوجع ده هيعدي و لا أي حاجه ! انا تعبت خلاص تعبت والله العظيم تعبت ، عايزة اسيبك و مش قادرة ، عايزة أبقى معاك و مش قادرة برضه ، عايزة اختارك و عارفه انك مستحيل اختارني ، مستحيل أغيرك و انا بحاول بكل قوتي عشان مش انت الي تغيرني ، اعمل ايه..رد عليا أعمل ايه ! أسيبك تموت و لا أسيب نفسي انا للموت و لا أعمل ايه ! قلبي بيوجعني عليك و لا انت فاهم و لا حاسس ولا لا..انت فاهم وحاسس بس بتستهبل مش كده ؟ بتعذبني صح ؟" قالت في حالات مختلفة ، مرة في انهيار تام ووقوع في التراب ، و مرة في ذهول و انصدام و هي تشير إليه و هو واقف لا يعرف ماذا عليه أن يفعل ، يحبس دموعه و لا شئ آخر ، يريد أن يقترب و لكن لا شئ يحدث
                                         ###
استجمع فرحات كل قواه و اقترب أخيرا ، كانت مازالت في حالة انهيارها تلك تهذي مع نفسها " ازاي أعاملك و انا عارفه انك الضحية و الجلاد في نفس الوقت ؟ انك عشان كنت الضحية اضطريت تبقى الجلاد ؟ اعمل ايه مش فاهمة أعيش أنا وانت ازاي ؟ " كانت تقول لنفسها ذهابا و إيابا متجاهلة حضوره و اقترابه
" تلقين بالرصاصات هباء أيتها الطبيبة ، إنها لا تقتلني و لا تخدشني حتى " قال فرحات قاصدا كلماتها ، كان يقبض على يديه بشدة محاولا كبت شعوره كما اعتاد دائما و لكن هذه المرة صعبة جدا
انهارت ميرا مع كلماته مجددا و ألقت بجسدها على الأرض و سندت ظهرها على شجرة ووضعت رأسها بين كفيها " تاني بيقولي أقتله..لا موتني انت أحسن ! كده يبقى اترحمنا احنا الاتنين .." قالت دون أن تنظر إليه
نزل إلى مستواها " انظرِ إليّ أيتها الطبيبة ! اذا كان لديك هم ستنظرين إلى عيني و تحكينه بلغة أفهمها و إلا لا أستطيع إفادتك على الإطلاق ، اذا كنت تريدين قتلي.." توقف هنا قليلا ثم أسند يده على الشجرة في محاولة أن يقترب منها أكثر و أن يجبرها أن تنظر إليه " سنتظرين إلى عيني و أنت تقتلينني ! إنك كنت لا تستطيعين فعلها فلا داعٍ لكل ما تفعلينه الآن ! تمام فهمنا..خفتِ قليلا و لكن انتهى ! أنا هنا بعد الآن" قالها وهو يحاول رفعها من الأرض أما هي فنظرت إلى عينيه عندما قال أنا هنا بعد الآن واختارت أن تصدقه و أن تترك شعورها لهذه اللحظة فقط ( الحمد لله انك هنا بعد الآن ..) قالت في نفسها
                                    ###
ما ان صعدت ميرا إلى السيارة مجددا مع فرحات حتى غطت في نوم عميق ، كانت أعصابها متلفة جدا غير أنها لم تنم جيدا منذ زواجهما تقريبا ، حاول فرحات أن يجعل المسافة تطول أكبر ما يمكن فقد كان خائفا أن تستيقظ في اللحظة التي يوقف فيها السيارة و لكن في النهاية وصلوا إلى البيت الخال الذي يناديه فرحات بالمسن
" أيتها الطبيبة ، هيا افتحِ عينيك قد وصلنا " قال فرحات محاولا إيقاظها
" أيتها الطبيبة " قال فرحات بذعر بعض الشئ هذه المرة فهو يراقبها كيف أنها تتنفس و تنام في هدوء منذ بداية الطريق أي خطأ قد حدث الآن ؟
" ميرا" نادى اسمها على استحياء و هو يحاول لمسها لإيقاظها فوجد حرارتها مرتفعة و جسدها يحترق و احترق هو آلالاف المرات مجددا لاحتراقها..

حب ابيض اسود...(الحب القرمزي)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن