قيد اختياري

1.5K 45 2
                                    


عشتُ يومًا آخر وانقضى من حياتي
تخللته بعض اللحظات السعيدة والحزينة
لقد كان يومًا عاديًا ولم يحدث به شيء مهم
سوى بضع لحظاتٍ فكرتُ بكَ فيها
أدرك أنّ كل امرئ يحيا ما قُدر له في الحياة
ويحمل كل يوم جديد تغيير ما
فلتختار أيضًا ذكرى من حياتكَ
ولتكن ذكرى تجمعني بكَ، ولا تنساني
( سيزن أكسو - لا تنساني )

                                          ###
دنيا العشق تتحول تنتهي الحريات و يتبقى فقط قيود اختيارية
                                        ###
استيقظت ميرا في مكان غير معروف و هي تحاول استجماع آخر الأحداث انها لا تدوي ماذا حدث أو أين هي ، فزعت عندما بدأت الذكريات تعود إليها رويدا رويدا لتضع يدها على بطنها " طفلي " قالت في فزع
لتسمع صوتا ما رغم أنه لا يوجد أحد في الغرفة " لا تقلقِ طفلك بخير و لكن والده ليس كذلك.." كان ذلك صوت عمر الساخر إنه تميزه ولو في نهاية العالم او حتى كان قادما من اعماق الأرض كان يضعها بغرفة كالسجن و يراقبها بكاميرات من كل اتجاه و يضع ميكروفونات للتسجيل و سماعات ليتحدث هو من خلالها
" عمر ! ما الذي فعلته ! ما الذي تريده منا أكثر ؟ أنت أطلقت علي هناك أمام فرحات و أمام أخيه ! أنت جعلتني في هذه الحالة ماذا تريد منا أكثر ؟ ألم يكن انتقاما كافيا ؟ ما فعلته في الماضي و ما تفعله الآن ! انظر اتركني انا و طفلي نذهب لفرحات.." قالت في حزن و غضب و هي تحاول البحث عن أي منفذ في ظل الضوء الضعيف الذي يتسرب للغرفة من النافذة
" اَي ذهاب يا أختي هاه ؟ إلى أي رجل ؟ إلى الرجل الذي تركك و ذهب و أنت في هذه الحالة ؟ مازلت تغيرين الضمادات على الجرح أليس كذلك ؟ مازال مؤلمًا و صعب الشفاء منه ، سيترك أثرا و ربما يحدث لقلبك مضاعفات و أيضا ولادتك لهذا الطفل قد تقتلك، انظرِ انه كوالده قاتل أيضا رغم أنه لم يتكون بعد ، لم تموتِ و أنت تحملين به لهذا أخذت المخاطرة و قررت الإكمال أليس كذلك ؟ فرحات لن يأتِ ! أنا قتلته.." قال عمر كذبا ، عمر لم يكن هدفه حماية ميرا إطلاقا هو كان عائدا لأجل الانتقام من خال فرحات - نامق - و عائلته ليس أكثر و كان ينتظرها أن تدعمه و لكنها لم تفعل لذلك قرر أن يحرق روحها أيضا فهو لم يكن يترك أيا منهم يموت بسهولة هكذا ، ليس قبل أن يجعلهم يتعذبون ثم يعلمون السبب في النهاية حينها فقط سوف يقتلهم جميعا بلا رحمة أمام بعضهم البعض ، هذه السنين الماضية جعلته هكذا مجنونا ، قاسيا ، ساديا و بلا رحمة و بشكل من الأشكال هو أحب كونه هكذا و هذه كانت المشكلة
" أنت تكذب ! لا يمكن لهذا أن يكون صحيحا ! " قالت في عدم تصديق و الدموع ترفض النزول من عينيها و يدها تحاوط طفلها - الذي لم يرَ النور بعد في وضعية دفاعية
نزلت شاشة عرض صغيرة من السقف و عليها فيديو مزور بإتقان يصور موت زوجها و في حالتها النفسية المنهارة و الحساسة - بسبب حملها و جرحها - كان سهلا على عقلها التصديق و لكن قلبها لم يصدق أبدا هو فقط صمت
تابعت المشاهد بأعين دامعة و فم مفتوح من الصدمة ، قلبها بدأ يتحدث و يقول أن هذا كذب و لكن عقلها يخبرها أن عمر لا يتردد ، يخبرها على الأقل أن تحفظ آخر اللقطات التي عاش فيها زوجها على قيد الحياة
أظهر المشهد رصاصة غدر من قناص أعلى مبنى ضربه من ظهره عندما التفت لينظر إلى كرم الذي كان وراءه و بعدها سقط و في تلك اللحظة أغمضت هي عينيها في ألم و هزت رأسها غير مصدقة
دموعها الحارة التي كتمتها نزلت و أحاطت رحمها بيديها في قوة أكبر و كأنها تتمسك بآخر ما تبقى منه
" هل رأيتِ قد ذهب ! ربما يكون من الأفضل أن تجعلي هذا الطفل يذهب أيضا!" قال عمر بخبث و هو يستمتع كثيرا بحالتها المنهارة تلك
" حاول الاقتراب من طفلي و انا التي سأقتلك ! فرحات وضع الأسلحة جانبا ليمنحنا حياة و أنا أمسكت الأسلحة لأحكي هذه الحياة لذلك الخوف مني الآن ! أنا سأخرج من هنا مع طفلي و سأبلغ عنك و ستتلقى عقابك يا عمر لذلك لتخف مني.." قالت في انفعال و غضب فحتى رغم أن أخاها أصبح قاتل زوجها - كذبا في هذه اللحظة - إلا أنها لم تكن لتقدر على أذيته فهي أخت كبرى قبل كل شئ ، من داخلها هي تدعو له بالمغفرة و الرحمة و تدعو لفرحات أيضا
" حسنا يا أختاه لا تتسرعِ..لترتاحِ قليلا الآن ثم نرى بعد ذلك " قال و انتهى ذلك الصوت الخارج من السماعات لتلقي بنفسها هي على السرير و تبكي
" صغيري ! لا أعلم ماذا أقول لك ؟! والدك ذهب دون حتى أن يعرف بوجودك انا حقا لم أقصد ذلك..أنت تعلم أنا رفضت أن يفرقوك عني حتى عندما قالوا أن هذا مستحيل و خطر و كل هذا الكلام ! أنت تعلم أنني أقتل روحي و لا أقتل روحه و أنت روحه..أنت قلبه الذي ينبض عندي ، أنت أمانته الثانية لدي بعد نفسه و شرفه و كنيته و عرضه و كبرياءه و الله يعلم يا صغيري أني لم أفرط بأي من ذلك حتى عندما لم نكن على وفاق ! الله يعلم أني عصيته فقط عندما كانت حياته حرام و ماله حرام و لكن بعد ذلك الله يشهد و أنت تشهد أني أجبته في غير معصية ، قال أذهب قلت اذهب و انا انتظر قال لتأتِ بهار و تفحصك قلت نعم ، قال سننتقل قلت نعم قال ما قال و لم أعارض يا صغيري و لكن عندما وصل الأمر إليك أنا فقط خفت ، خفت من أنه مجددا سيقيم حدودا و هو حتى لم يكسر الماضية بالفعل ، خفت من أنه سيحمل هم كيف أنه سيكون أبا جيدا و هو مازال لا يعرف كيف يتعامل مع والدته - التي كانت سببا في حياته تلك - و مع أخته و مع أخيه النائب ، خفت عليه منا يا صغيري و لم أخف عليه منك و الآن هو ذهب دون حتى أن يحاوطك بذراعيه مره واحدة..و لكن الآن يا صغيري لتكن أنت رفيق دعائي هو الآن آمنتنا عند الله لذلك لندعوا أن يكرمه الله بكرمه و ليس بما يستحق ، لندعوا أن يتجاوز الله عما فعل يا صغيري..لنخرج من هنا و ندفع الصدقات فداء لتلك الدماء على يديه..لتخرج إلى الدنيا سليما و تكون أنت عمله الصالح في الدنيا و الآخرة ، لو أن الله يا طفلي يسمح لنا بالذهاب إلى جانبه ما ترددنا ، لو ان قتل النفس لم يكن حراما لما أوقفنا شئ و لكننا ندعو يا صغيري ندعوا الله أن يجمعنا به في الجنان متى أذن ، ندعوا الله أن يجعله هو و والده - الذي يشتاق إليه - في الجنة سويا..هل تعلم أيضا لأعطيك اسمك الآن فاسمك الذي سيقترن باسم والدك و الدماء التي في عروقك هي كل ما تبقى لي..لو أنك ذكر لتكن ( سليم ) و لو أنك أنثى لتكن ( عائشة )
صغيري لتتماسك أرجوك فأنت كل ما تبقى لي ! يا الله للا يٌصب صغيري مكروها يا الله ! ليبقى هو على الأقل لي.." هكذا قضت ميرا ليلها كله تارة تصلي و تارة تدعو و تارة تكلم صغيرها و أكلت فقط ما يكفيهما ليبقوا على قيد الحياة
###
" لا تقلق يا فرحات نجدها ان شاء الله ! أنت تعلم أننا لنا أيدي في كل مكان والله يعلم لم مدخل بيننا حراما لذلك ان شاء الله نجدها " قال كرم و هو ينتظر الأخبار من رجاله
" ان شاء الله " قال فرحات في نفسه لأول مرة ، تلك كانت أول مرة يلتجأ فيها إلى الله منذ زمن طويل ، فهو قد كان يخجل كثيرا أن يقف أمام الله بأفعاله تلك ، والده هو كان آخر من اصطحبه إلى المسجد و بعده هو ضَل الطريق و الآن ميرا تعيده رويدا رويدا إلى ما فقد و إلى ما افتقد باْذن الله العزيز الحكيم
###
" انظر عليك أن ترتاح قليلا ! ربما سيأخذ الأمر وقتا فعمر ليس بشخص سهل العثور عليه . ثانيا يبدو أن عدائه مع عائلتك ذاك متأصل ربما سنضطر إلى ادخال خالك في الموضوع.." قال كرم و هو يفتح باب منزله ليدخلوا إلى. الداخل فهو لم يكن ليترك فرحات وحده و إلا فانه سينهار أو يرتكب حماقة لذلك حاول كرجل حكيم و أخ أكبر أن يسيطر على الوضع قدر المستطاع ف فرحات ليس برجل يمكن بالفعل السيطرة عليه
دخل فرحات خلف كرم في صمت و هو يكتم بداخله كما من الأنين و الصراخ و الألم لا يعرفه أحد
هز هاتفه فالتقطه بيجد رسالة صوتية فيفتحها ليجد كلمات ميرا لصغيرهما و دعائها له ليفهم أن عمر أوهمها بأنه مات بأنها فقدته للأبد
فتح الرسالة التالية ليسمعها تغني لطفلهما و بعد ذلك تتحدث مجددا " لتنم قليلا يا طفلي ، أنا أعلم أنني أحزنك يحزني هذا و لكنه خارج عن إرادتي ، لو أنني أرى والدك مرة أخرى حتى و لو في الحلم يا صغيري ! أراهن أنه سيكون حوله الكثير من الحور العين..اتعلم لو سمعني والدك و أنا أقول ذلك كان ليقول ( من أين تأتين بهذا الآن ؟ في ماذا نحن الآن و أنت في ماذا تفكرين ؟ ) كان ليعاتبني هكذا..لم تتح اَي الفرصة أبدا لإخباره بأني أغار عليه حتى من عطر امرأة تكون قد مرت بجانبه صدقة ، لم أستطع أن أغني له قبل النوم كما أغني لك ، لم أستطع تناول الطعام معه وحدنا بسعادة ، صمت كثيرا و لكن لم أَجِد الفرصة لأتحدث معه الكثير من الأشياء بقت ناقصة ، لم نستمع لأغنية عشق و نسرح بها سويا ، لم تتلامس أيدينا لندفأ بَعضنا البعض حتى أنه لن يكون معي في عيد ميلادي القادم و أنا الآن اعرف يوم موته و لكنني لا أعرف يوم ميلاده و لكن يا صغيري لا تقلق أنا لا أتركه للنسيان ، أنا سأخبرك قصصه ، سأجعله بطلك حتى لو أخبرني العالم كله أنه لو كان هنا كان سيدير ظهره لنا ، حتى لو أنني متعبة جدا من هذا الحب سأستمر للنهاية يا صغيري مهما تعذبت ، أنا و أنت سويا حتى نلتقي به " انتهت الرسالة الأخرى و فرحات صرخ بكل قوته و صدم رأسه بالجدار حتى أدماها لينزل كرم مسرعا و يحاول منعه " لتهدأ يا فرحات ماذا حدث ؟ " قال كرم و هو يستغرب انهيار رجل كفرحات هكذا و لكن أليس كل حب صادق يجعل الإنسان هكذا ؟ أليس الحب الصادق يذيب جليد القلب و يجعل المرء يعود إلى الله فتذوب الخطايا
" علي أن أجدها..علي أن أجدها " أعاد الجملة باستمرار و كأنه لا يسمع كرم إطلاقا
رِن هاتف كرم ليرد بيد و هو ما يزال ممسكا فرحات باليد الأخرى و فرحات لا يستطيع التفكير في أي شئ سوى أنها قد تموت في أي لحظة فالم يقتلها عمر هي ستموت من حزنها عليه و كم من حزن ارتكب مجزرة..
" لقد وجدنا ما يمكننا التفاوض به مع عمر.." قال كرم لينطلق فرحات إلى الخارج بسرعة البرق ليعيد زوجته و طفله إلى المنزل

حب ابيض اسود...(الحب القرمزي)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن