اندماج

4.4K 115 4
                                    

استمر فرحات بالنظر إليها و هي تتجه إلى نجاد في قلق بينما ذهب عابدين إلى جانبه ليطمئن عليه و الأخرس واقف هناك مازال يصوب السلاح
###
ذهبت ميرا بجوار السيد نجاد الذي نظر إليها بلوم و غضب و لكن ما ان اقتربت منه حتى لانت ملامح وجهه و أصبحت استعطافا " سيد نجاد أعرف أنني تأخرت و لكن كان علي أن أنقذه أولا لم يكن بإمكاني تركك تصبح قاتلا " كان تفسيرا ساذجا و لكنه أحرق قلب فرحات الذي لم يكن ليصدق غيره حتى و إن أقسم الجميع له على عدم صحته و صدقه نجاد لأنه يريد أن يصدقها فقط ، لأن ذلك التفكير جاء على هواه أكثر مِم اعتقد
" هل تسمح لي " استأذنت و هو مازال لم يزح عينيه من عليها ، فما ان سحبت يده بعيدا عن جراحه حتى صدمت بشكلها كانت ملتهبة و تنزف كثيرا بالفعل و هنا لامت نفسها كثيرا أنها لم تتصرف مبكرا و لكن ماذا كان بإمكانها أن تفعل ؟
كان واضحا أن ملامح وجهها تغيرت كثيرا عندما رأت جرحه ، ذلك الجرح الذي داوته منذ البداية كيف أصبح بهذه الحالة في بضعة أيام غابتهم ؟! لماذا لم يتصل مبكرا ؟ و الحال أن الإجابة الوحيدة كانت أن نصيبها هو القدوم الْيَوْمَ لتلتقِ بفرحات.
" هل يمكنك أن تستلقي ؟ " سألت بخفوت ، حزن ، ندم و حنو
" لا أعتقد ! إن الألم شديد جدا..أعتقد أنه سينهيني " قالها و الدموع في عينيه فجزء منه حقا كان يصدق أن تلك كانت نهايته
كان فرحات يراقبهم أيضا و تحولت ابتسامته الساخرة لتعبير أسى و حزن ، كيف أنها كانت قريبة منه فقط لأنه كان يبدوا نظيفا و محترما و أبيضا جدا من الخارج و كيف أنها لا تستطيع أن تقترب منه - حتى و إن أرادت - لأن ذلك السواد كان يغلّفه قسرا و هو لا يستطيع الخروج منه
" دعني أساعدك " عرضت ميرا و سندت رأس نجاد حتى وضعته على وسادة الأريكة .
كان نجاد مستسلما جدا لها جزء من ذلك أنه لا يأمن على نفسه إلا معها و الجزء الآخر ليريها الفرق بينه و بين فرحات كان لسان حاله يقول ( أنا هذا الرجل الذي يليق بك ، أنا الذي يسلم لك روحه و جسده و كل شئ ، أنا الذي تأمرينه فلا يخرج عن أمرك ، إنني لست مثله أنا أقتل وحوشي كلها لأجلك ) قال كل ذلك بنظراته و ما إن بدأت في تطهيره حتى عض على شفتيه بقوة " ميرا " كان اسمها هو الشئ الوحيد الذي خرج من بين شفتيه ( انظرِ انك الوحيدة التي تملكين ألمي ، أنت الوحيدة التي أنطق باسمها في ضعفي ، انت التي سلمت لها كل أسلحتي ، انت التي لم آبه حتى لأعدائي  في حضورها ) كان يخبرها كل ذلك بعينيه ، كان يعلم جيدا ماذا يعني لفتاة أن يسلمها رجل ضعفه قبل قوته ، أن يسلمها رجل كل كيانه و أن ينطق باسمها كأنه لم يعرف غيره قبلا و كأن اسمها هو الأول و الأخير
" أخي نجاد ! تحمل قليلا بعد..كدت أنتهي" قالت في محاولة لطمأنته بينما كان الأمر يقلقها فعلا فقد اهتز كيانها أيضا لذلك الاستسلام المفاجئ منه ، لتلك الآهات التي تخرج باسمها لأول مرة أمام اعدائه . لم تكن لتنكر على الإطلاق ذلك الأثر الذي يتركه سماع اسمها في وجدانها كيف أنه يجعله منتبهه و أكثر عاطفية ففي النهاية اسمها هو الشيء الوحيد الذي بقى من الماضي ، اسمها هو كل الحكاية..
كانت تسترق النظرات نحو فرحات من حين إلى آخر فترى الشرر يتطاير من عينيه ، كانت تشعر بضرورة ملحة في أن تفسر له ما يحدث و أن تشرح له عن نفسها و لكنها لم تكن تستطيع فلا يوجد أي شئ فيالحياة سيجعل أسيرة تشرح لسجانها إنقاذ حياة رجل برئ فحينها ستنتهي الحكاية قبل أن تبدأ
انتهت ميرا أخيرا و كانت أعصابها متلفة بالفعل من نظرات فرحات و فركه أصابع يديه دليلا على إمساكه لغضبه و من تصرف نجاد المفاجئ التي لا تعلم له أصلا و كأنه ظهر من العدم و من ذلك الموقف الذي يمكن أن تنتهي فيه حياتها حقا
" ميرا " همس نجاد مجددا " سآتي بعد قليل فقط سأدخل الحمام " قالت ميرا في توتر و هي تحاول أن توقف ارتعاش يديها و قدميها
في ذلك الوقت اعتدل فرحات في جلسته محاولا أن يتظاهر بأنه قلق منها و ليس قلقا عليها " عابدين اذهب و انتظرها أمام الباب حتى تخرج و إن حدث أي شئ أن تعلم ماذا عليك أن تفعل..قيدها و تعال بها إلى هنا لتكون عبرة للجميع " قال فرحات كذبا لم يكن ليؤذيها أبدا " و لكن أخي.." عابدين تردد فهي التي أنقذت حياة فرحات قبل كل شئ " ايه حسنا لأفعل بنفسي إذا " اتخذها فرحات حجة ليقوم هو بانتظارها " عندما يكون من معك أطفالا فهذا ما يحدث " تتم و هو يذهب خلف الطبيبة الي كانت في عالم آخر و لا تسمع شيئا من حديثهم
دخلت الحمام و أغلقت على نفسها و كأن فرحات لم يكن هناك على الإطلاق مما زاده قلقا فهو لم يعد قادرًا على فهمها و لا على فهم طبيعة ردة فعلها و لا على أي شئ
استند على الحائط عاقدا يديه أمام صدره محاولا اسكات ذلك الألم المتصاعد مغمضا عينيه في محاولة لإثبات أنه لا يهتم
وقفت ميرا أمام المرآة في الحمام ( يا الله ما هذا الذي يحدث ؟ ما هذا الذي يفعله السيد نجاد ؟ من فرحات هذا و لماذا أشعر بهذا الارتجاف و أنا أمامه ؟ لماذا لا أستطيع مقاومته بكل قوتي ؟ لماذا شعوري متداخل إلى هذا الحد ؟ هل يكون الكره إلى هذا الحد و بهذه السرعة ؟ يا الله احفظ لي عقلي و لا تجعلني قاتلة و أيا كانت الذنوب التي سأرتكبها بسبب هذا الموقف امنعني من الوقوع فيها يا الله و إن وقعت فاغفرها لي ) فكرت ميرا في كل ذلك و هي تغسل وجهها آلاف المرات محاولة اخفاء أثر تلك الدموع التي تساقطت واحدة تلو الأخرى دون توقف اما يداها و قدامها فلم يتوقفوا إطلاقا عن الارتعاش و لكنها حاولت مجددا السيطرة عليهم و على قلبها الذي تشعر بأنه يخرج من مكانه .
فتحت ميرا الباب فجأة لتجد فرحات أمامها مباشرة ينظر إلى عينيها و هناك اشتعل الفتيل و بدأ الاندماج..

حب ابيض اسود...(الحب القرمزي)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن