جرح

2.2K 48 2
                                    


لا قبلك
و لا بعدك
لا قبلك
و لا بعدك
آه الفراق
أفظع من الموت
لا يمر الوقت .. لا يمر
لا أمي، و لا أبي
و لا ذكرياتي الجميلة
تكفي لروحي، لا تكفي
أنا بقيت أسيرة لك
( سيزن أكسو - أسيرة )
                                           ###
ربما تستطيع أن تكمل حياتك بعد شخص عشقته بصدق و لكن خارجك يظهر أنك أكملت حياتك بعد معركة العشق كناجٍ و باطنك يصرخ بأنك ضحية..
                                            ###
ارتشف فرحات رشفة من الشوربة التي وضعتها أمامه كانت دافئة و لذيذة على عكس ذلك الألم الذي لم يعد هو قادرًا على جعله يصمت ، و زاد كثيرا عندما شعر بدمه الساخن و هو يتدفق من جديد حينها ترك معلقة الطعام و تغير لون وجهه و أخذ يحاول السيطرة على هذا الألم و هنا انتفضت ميرا التي أخذت وقتا حتى استوعبت الموضوع و أن خطر فقدانه عاد مجددا
" فرحات! ماذا يحدث؟!" هرعت إليه و ساعدته في تغيير وضعيته لتصبح قادرة على أن ترى جرحه " إنك تنزف مجددا ، لقد فتح جرحك ! يا الله أنا لم أستطع..سأحاول الاتصال بالإسعاف " قالت و هي تحاول ألا تنهار و لكنها كانت حزينة جدا و تشعر بأنها فاشلة و غبية حاولت الاتصال أكثر من مرة و لكن الشبكة لم تكن تساعدها حقا فألقت الهاتف و قررت أن تتصرف وحدها مجددا " فرحات انظر إليّ ، أنا أعلم أن هذا الألم لا يُطاق و لكن ليس لدينا حل آخر أنا سأعالج هذا الجرح مجددا و أنت ستحتمل مع المسكن البسيط الذي سأعطيك إياه ، هناك أنت مت بالفعل لذلك لا أستطيع أن أعطيك شيئا أقوى للألم ، تمام ؟! " قالت و هي تنظر لعينيه و تمسك يدا من يديه و الأخرى على جرحه و من ثم انتقلت إلى الجانب الآخر لتعيد الكرة من جديد
أنهت الأمر و ما يزال جسده ينتفض كانت تعلم جيدا أن ما يعانيه أكبر بكثير مما يظهره و لكن لم تستطع فعل شئ ، جلست على ركبتيها عند جهة وجهه " انظر يدي تمسك بيدك أليس كذلك ؟ كلما شعرت بالألم اضغط إلى النهاية و كلما قل لترخي قبضتك و عندما تشعر بأنك تستطيع أن تتكلم يجب أن ترد لي الدين و تحكي لي قصة " قالت و لكنه سحب نفسه منها بآخر قوة كانت لديه معلنا نهاية اعترافه الصامت بالحب الذي كان قائما منذ لحظات و عودته إلى وضعيته القديمة مجددا
وضعت رأسها بين كفيها ودفنت وجهها وكفيها في السرير و هو مغمض العينين لا يستطيع رؤية حالتها هذه و لكنه يشعر بها و لكن حتى كلمة أنا بخير لا تستطيع أن تخرج منه مع ذلك الألم إنه يشعر و كأنه سيفقد الوعي في أي لحظة " إنني لا أستطيع..اذا كنت لا تتكلم و لا تتواصل معي فإنه لا يحدث ، أنا فاشلة و لكني خيارك الوحيد و لأنك لا تحب أن يجبرك أحد على الاختيار لن تختارني أليس كذلك ؟ إن كنت لا تخبرني عن ألمك فأنا لا أستطيع ، لا أستطيع.." قالت و الدموع تنهمر من عينيها و تزيد ألمه فهو لم يرها فاشلة قط ! لم يقصد معاملتها بخشونة أو بقسوة و لكنه يكره عدم قدرته أن يخرج من حياته إلى حياتها ، عدم قدرته على أن يحميها حتى و هي بجواره ، عدم قدرته على الاعتراف بحبه لها حتى لنفسه و عدم قدرته على الاعتراف بألمه
" إنه يؤلم كالجحيم! تصرفِ اذا ! " كان يبدو كإهانة لها و كاتهام بالعجز و لكن في باطنه كان اعلانا استسلام مبدئي لحبها و تأثرا بقصتها التي حكتها من قبل
في تلك اللحظة التي أعلن فيها فرحات عن ألمه انتفضت هي عدلت من وضعيته و حاولت بكل الطرق ، أمسكت جسده و رفعته إلى جسدها مجددا و ذكرت اسم الله عليه في كل مرة ، رقته و قرأت عليه قرآنا حتى أنه أخذت تشغل باله بكل كلام الدنيا سخيف و غيره ، فعلت كل شئ لكي لا تنهار و لا تسمح بانهياره و لكن داخلها كان قد أصبح حطاما و رمادا بالفعل ، في كل مرة انتفض فيها جسده بكت هي بصمت آلالاف المرات ، تساقطت دموعها عندما علمت جيدا أنه لا يستطيع رؤيتها ، لم يعد قلبها قادرًا على أن يمتزق أكثر ، ذلك الألم و ذلك الحزن و ذلك العشق..كل ذلك أنهاها و هي كانت راضية ، هي فقط كانت تريده أن يقف على قدميه من جديد ليس أكثر أن ينتهي ألمه حتى و إن كانت تعلم أن هذا العشق مستحيل و أنه ليس له نهاية ، انها كانت تشعر فرحات أنه طفلها الذي أضاعته منذ أزل و عادت لتلتقي به و لكنها واجهت احتمال فقدانه في نفس اللحظة التي تم فيها اللقاء..
###
في المرة التالية التي فتح فيها فرحات عينيه وجد نفسه في مكان مألوف ، وجد نفسه في المنزل نائما على الأريكة على بطنه ، تحامل على نفسه ليغير وضعيته و يصبح نائما على جنبه كان يحتاج أن يعرف ماذا يحدث و أين ذهبت ميرا و لكنه ما ان عدل وضعيته حتى رآها هناك تصلي في ركن الغرفة فأراح جسده الذي كان قد تشنج فقط لفكرة فقدناها و أنهت هي صلاتها و ذهبت إليه عندما شعرت بحركته " فرحات.." نادت في تردد و هي تضع يدها على عضده " ايه يبدو أننا وصلنا إلى البيت سريعا " قال ببرود لم يعنيه و لكنه لم يرد أن يظهر ضعيفا مرة أخرى ، لم يرد منها ما يظن أنه شعور بتأدية الواجب أو شفقة ، رفعت يدها عنه مجددا " نعم الحمد لله ، قريبا تقف على قدميك و لا تحتاج إلى توصيلة مجددا " قالت و هي تجلس على ذلك الكرسي بجانبه ليستكين هو و ينام مجددا
###
مر اليومان التاليان في هدوء فقط هي تساعده على استعادة نمط سيره الطبيعي ليس أكثر و لكنها كانت تنهار من الداخل ، يبدو وجهها جامدا و لا يتبادل أي منهما الكلمات ، داخلها يتقطع آلالاف المرات عندما تلمس جرحه و عندما تشعر بمدى الألم و الضغط الذي يعانيه حتى يستعيد قدرته على السير و لكنها تحمد الله في داخلها ألف مرة أنه أصبح قادرًا على ذلك و أصبح بامكانه التحرك في البيت و الجلوس على مائدة الطعام
###
دخلت ميرا إلى المطبخ لتصنع لنفسها كوبا من الشاي في الفجر قبل استيقاظ الجميع و لكن جولسوم دخلت " أختي.." نادت في الظلام بتردد و هي نصف نائمة " تعالي يا جولسوم تعالي " قالت و هي ما تزال تصنع الشاي
" ما الذي تفعلينه في الفجر هكذا ؟ لماذا استيقظت هل أخي به شئ " سألت جولسوم في توتر
" لا لا تقلقي لم يحدث شئ إنه ينام بشكل جميل في الداخل و لكن أنا لا أستطيع النوم كما أنني قمت لأصلي " قالت و هي تضمها " أعتذر على افزاعك و اعتذر أيضا أنني لم أستطع الاهتمام بك أو بالطفل الفترة الماضية ، لم أستطع حتى أن أقدم لك دعما معنويا جيدا.." قالت ميرا في أسف حقيقي
" هل يعقل شئ كذلك يا أختي ..يكفي أنك قمت بمساعدتي و أعدتي أخي سالما..اختي سأقول شيئا و لكن لا تغضبِ مني على الفور " قالت جولسوم في براءة
" و هل يمكن أن يغضب أحدهم من الأميرات الجميلات مثلك " قالت في حنو فقد كانت في أغلب الأوقات تبدو أما أكثر منها امرأة أو طبيبة أو أي شئ آخر
" أنت لا تبدين بخير إطلاقا ! منذ أن أصبح أخي لا يحتاج مساعدة كبيرة في تمارين السير و أنت تبدين منطفئة ، تنظرين هكذا بروح خالية ، تتجولين بالوشاح طوال النهار و مع ذلك ترتجفين من البرد ، ماذا يحدث ؟ " سألت جولوسوم في قلق و حزن فقد كانت تحمل مودة و حب خالصا لميرا
" أنا بخير ، فقط لقد كان أمرا صعب الاستيعاب ، أنا شخصية كهذه يمكن أن تتخطى المواقف الكبيرة برد الفعل الصحيح و لكن بعدها أنهار انهيارا كبيرا و كل انهيار يترك أثرا..إنه شئ معقد كهذا لا تشغيل بالك به " قالت في محاولة لشرح نفسها في أن تخرج ما بداخلها و لكنها لم تستطع أن تفعل للنهاية ذلك كان طبعها
" لا تقلقي ستتخطينه ، كما أن أخي بخير الآن لا داعي للقلق هو يظهر هكذا و لكنني متأكدة أنه يساعدك " قالت جولسوم و هي تربت على كتفها
أومأت ميرا برأسها إيجابيا " حسنا لا تقلقي اذهبِ للنوم الآن قبل أن يطير من عينيك" قالت ميرا بابتسامة صغيرة و أخذت جولسوم بعضا من الماء و ذهبت
انهارت ميرا من البكاء بعد ذهاب جولسوم ، كانت تحاول أن تكتمه و ألا تخرج صوتا و لكن ذلك كان يجعل حالتها تسوء أكثر و دخل عليها أحدهم في هذه المرة أيضا و لكن تلك المرة كانت يتار ، حاولت ميرا أن تتصنع و أن لا شئ حدث و تخرج و لكن يتار أوقفتها " أأه ماذا بك " قالت في قلق و ليس في قسوة " لا شئ عيناي تؤلمانني " قالت ميرا جزءا من الحقيقة و لذلك كان يعد كذبا أيضا " و هل يبكي الانسان كل هذا يا ابنتي لان عيناه تؤلمانه ؟ "قالت و هي تربت على كتفها بحنو
انهارت ميرا في البكاء على كتف يتار فهي لم تستطع أن تفعل شيئا آخر كانت قد امتلأت حد النهاية بالفعل " ماذا حدث لكل ذلك ؟ هل فرحات بخير ؟ " سألت يتار عن فرحات كرد فعل أول كأم لا تستطيع أن تفعل شيئا لابنها سوى أن تسأل غريبة عنه و هنا ادركت ميرا أنها تبكي على الكتف الخطأ و رفعت رأسها و سكتت فجأة كأنها لم تكن تنهار كجبل تفجر منذ ثواني " انه بخير ! لا يحدث شئ.." قالت ميرا و هي تلتفت لتأخذ كوب الشاي و هنا أدركت يتار ما فعلته " انظري ! أودّ أن أشكرك لإنقاذك لفرحات انت قوية جدا و لكن لن يضر أن تعترفِ بضعفك من حين لآخر و أن تخرجِ ما بداخلك و إلا قد تموتين " قالت في محاولة لاصلاح ما فعلته من قبل
" لا لست قوية لهذه الدرجة صدقيني ! أنا فعلت ما فعلت لأن حياة إنسان كانت تعتمد علي و لكنني لا أستطيع أن أفعل ذلك لنفسي و هؤلاء الذين من المفترض أن يفعلوا لي كما فعلت لفرحات و أن يقدروا حياتي ليسوا موجودين ، ذهبوا جميعهم واحدا تلو الآخر..كما أنني أعتقد حقا أن فائدتي لهذه العائلة و أنا ميتة أكبر بكثير من و أنا حية على الأقل سيرتاح الجميع " رمت ميرا هذا الكلام دون أن تلتفت ل يتار و أخذت كوب الشاي و خرجت
                                           ###
الساعة التاسعة صباحا و قبل تناول الفطور أخذت يتار فرحات على جنب " ماذا حدث ؟ تأخذينني هكذا بسرية.." كاد أن يكمل ( ماهي المصيبة التي على رؤوسنا و لكنه توقف عندما قالت " زوجتك..ميرا" حنينها تبدلت ملامح وجهه غير المبالية لتصبح قلقا " ماذا بها ؟ " فحكت له يتار تفاصيل ما حدث و اقترحت " يعني لو أنك تتركها عند صديقتها بهار قليلا أو ما أدراني لتخرج بها من هنا أو أي شئ الفتاة ستموت على هذا المنوال " قالت يتار و ازدادت حدة قلق فرحات و حزنه و غضبه و لكن أيا من ذلك بالكاد ظهر على وجهه و لكن بعضا من ذلك الشعور تسرب إلى عينيه " أومأ برأسه إيماءة صغيرة و مر من جانب يتار و كأن شيئا لم يكن
دخل إلى الحمام و أغلق على نفسه ، نطر لنفسه مطولا في المرآة لأول مرة منذ زمن طويل و قد كره كثيرا ما يرى ، كان يلوم نفسه لما أصاب الطبيبة و لذلك الرجل الخفي الذي يلعب معهم بدون اسم و لا هوية و لا عنوان ، كل منهما في تلك اللحظة لم يكن يعرف ما يريد..كانت ميرا تتمنى أن تخرج من جحيم هذه الحياة و لو للحظة و لكنها كانت تعلم جيدا ذلك العذاب الذي ستعانيه ان تحققت أمنيتها و افترقت عن فرحات خاصة في هذه الحالة
ذهب فرحات ليجدها جالسة تشرب شيئا دافئا و هي تتابع المنظر الحديقة من الزجاج غير آبهه بأن طاولة الفطور بدأت تصبح جاهزة ، تأمل فرحات حالتها هذه - التي كان يبدو و كأنه يغض الطرف عنها في الأيام الماضية و لكنه اكتشف أن جراحها لا تحسن نفسها بنفسها و أن جرحه أيضا ليس كذلك- مما زاده غضبا فأمسكها من مرفقها بقوة و لكن ليس بألم و سحبها وراءه " ماذا هناك ؟ إلى أين نحن ذاهبان ؟ هل تتألم " سألت أسئلة متتالية أما هو أخذها و خرج من البيت مباشرة و فتح باب السيارة و شبه وضعها بالداخل و ركب في مكان السائق و بدأ القيادة
" انظر فرحات ! حقا ليس جيدا ما تفعله، انت نجوت بأعجوبة كبيرة و لم يمر أسبوع حتى على الحادث لذلك أرجوك توقف و لنعد " توسلت ميرا و عيناها لا تفارقان ظهره
" لماذا ؟ انت تهيمين في البيت كالموتى ظننت أنك الأولى التي ستفضل الخروج منه ؟ ستحكين همك أولا و بعد ذلك نرى . أخبريني لأرى هل تواصل معك أحد من هؤلاء** " قال فرحات و هو يسيطر على مشاعره الجياشة التي فضل أن تظهر على هيئة غضب - رغم أنها ليست كذلك - بصعوبة " لم يكلمني أحد ! لا يوجد أكثر مما قاله ذلك الرجل بالفعل قال أنه سيقتلني أمامك ثم يعذبك و بعد ذلك يقتلك . انها ليست لعبة انتقام فقط يا فرحات لو أن جميعهم يحملون نفس هذه الضغينة تجاهك اذا ما سيأتي هو أكبر من الجحيم ، حتى ذلك المنزل سيهدمونه فوق رؤوسنا ، سيصلون إلى النائب يغيت و إلى جولسوم و إليك و سيستخدمونني أنا للمساعدة في انهيارك ، أنا أحمل ماضٍ أسود بسبب ما فعله أخي و أنا تأقلمت مع هذا الوضع و أرضى بأي كان ما يأتي من وراءه و لكنني متأكدة أنهم عاجلا أم آجلا سيستخدمون هذا ليكون شوكة في حلقك و الضربة القادمة سيكونون فيها أقوى و سيتجرأون على أصابتك من وجهك و ليس من ظهرك هذه المرة يا فرحات ، انها حرب..في الجولة الماضية نجونا أنا و أنت و للجولة القادمة علينا أن نحسم الخيار قبلهم" قالت في حالات مختلفة من غضب و حزن و انهيار و هو جلس يراقبها بعينيه تارة و يجعلها على الطريق تارة أخرى
" تبدين متحمسة جدا أيتها الطبيبة ! يبدو أن لديكِ أفكارا أيضا لذل لنسمع ماذا ستقولين " كان يريدها أن تخرج كل ما بجوفها ، انه كان مصدوما حقا بكم هذا الانهيار الذي تعانيه ، بكم الألم و الأفكار التي تبقى في رأسها و قلبها كالأشواك..بكم خوفها المجنون عليه
" عَلَيْكِ أن تنهي ما بدأته يا فرحات ، عليك أن تقتلني"

حب ابيض اسود...(الحب القرمزي)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن