دلفت الي مكتبها وسط الترحيب الحار من الجميع .. بعد أجازة الوضع الطويلة التي حظت بها .. بحماسها المعتاد والذي أجج منه اشتياقها الزائد لعملها بعد غياب .. حيت سكرتيرة مكتبها التي وقفت فور دلوفها للمكتب وأسرعت لأكثر مكان اشتاقت التواجد به .. تتأمل كل ما حولها بسعادة .. ها قد عادت أخيراً لموطنها الحبيب .. جلست علي مقعدها خلف المكتب وأغمضت عينيها ولم يطل استرخاؤها .. طرقات خافتة علي باب المكتب جعلتها تفتح عينيها وهي تدعو الطارق للدخول .. بخطوات مترددة دلفت الساعية وعلي وجهها علامات الإرهاق واضحة .. ابتسمت لها حلا بمودة قبل أن تتساءل المرأة بأدب ،،،
- " صباح الخير يا أستاذة .. مش عاوزة اجيبلك حاجة ؟ "
- " تسلمي يا أم هاني ياريت فنجان القهوة بتاعي لو سمحتي "
أومأت المرأة الثلاثينية بأدب وهي تهم بمغادرة الغرفة وعندها استرقفتها حلا هاتفة من خلفها ،،،،
- " استني يا ام هاني "
وما كادت المرأة تلتفت حتي ترنحت في وقفتها .. أسرعت حلا لإسنادها وهي تدقق النظرفي ملامحها المرهقة .. عينان غائرتان تحيطهما الهالات السوداء .. وجهها الذابل وبشرتها التي تميل لاللون الأصفر .. قطرات العرق التي تتفصد من جبينها .. ساعدتها علي الجلوس علي أقرب مقعد وجلست بدورها أمامها .. ترمقها بتساؤل قرأته المرأة في عينها .. وقبل ان تسألها أجهشت المرأة في البكاء .. بعجز تقطع له نياط قلب الأخيرة وهي تسألها بوجل ،،،،
- " مالك يا ام هاني "
ابتلعت المرأة ريقها بينما تفرك يديها بتوتر قبل أن تحسم أمرها قائلة برجاء ،،،،
- " ملاقيش عندك شغل بعد الضهر يا ست حلا عند أي حد من معارفك ؟ "
اتسعت حدقتا حلا قبل أن تهتف بها ،،،،
- " شغل بعد الضهر ! انتي مش قادرة تقفي يا ام هاني "
وضعت المرأة وجهها بين كفيها وهي تهتف من بين دموعها ،،،
- " اعمل ايه بس يا ست حلا اجيب منين بس ومرتبي مش مكفي اي حاجة "
لانت ملامح حلا بينما تربت علي كتفها بتساؤل ،،،،
- " هو جوزك عيان ! "
رفعت المرأة عيناها نحو حلا .. عينان قرأت فيهما العجز وقلة الحيلة بينما تقول ،،،
- " سابلي البيت يا ست حلا .. سابه وسابلي أربع عيال في رقابتي لا منهم بيتعلموا ولا حتي اكبرهم راضي يشتغل عند الميكانيكي الي وديته ليه .. وكله كوم وايجارالشقة القانون الجديد الي واخداها كوم .. اعمل ايه بس "
- " انتوا اتخانقتوا ؟ "
مسحت المرأة دموعها بظهر كفها وهي تسرع بالقول كمن ينفي تهمة عن نفسه ،،،،
- " والله ما حصل .. ده قاعد من الشغل بقوله انزل اشتغل انا مش ملاحقة علي المصاريف لوحدي .. راح سايب البيت بقاله شهر قاعد عند اخته مبيبعتش حتي جنيه لاولاده "
هبت حلا واقفة بغضب وهي تهتف دون وعي ،،،
- " سابلك البيت ! واهلك فين وأهله فين .. وازاي اخته عديمة الضمير دي تقعده عندها .. ده بدال ما تقوله روح اشتغل وأكل
عيالك ! "
ابتسامة ساخرة تخفي خلفها الكثير والكثيرمن المرارة شقت ملامح الأخيرة بينما تقول بتهكم لم تخطؤه أذنا حلا ،،،،،
- " اهل مين بس يا ست حلا انا مليش غير مرات ابويا وابنها وعمره ما سأل عليا .. وعندي عم واحد و لما روحتله قالي روحي رجعي جوزك "
ثم سحبت نفس عميق وزفرته علي مهل وهي تتابع بينما عينا حلا تتأملانها بإشفاق لا يخلو من الغضب ،،،،،
- " اما بقي اهله فقالولي سيبيله عياله وامشي او روحي اقنعيه يرجع احنا مش فايقين لوجع الدماغ ده "
صرخت حلا بغيرتصديق ،،،
- " روحي رجعيه ! هو الراجل دلوقتي بقي هو الي بيغضب في بيت أهله والست تروح تراضيه "
ثم تابعت بتهكم ،،،،
- " وياريته راجل ! ده عويل قاعد بكامل صحته وسايب مراته تصرف عليه وعلي عياله "
أومأت المرأة بخزي فكزت حلا علي أسنانها بغيظ وهي تقول ،،،،
- " رغم اني مخنوقة علشانك بس انتي عاوزة قلمين يفوقوكي .. قاعدة علي زمته ليه ! طالما لا قاعد في البيت ولا بيصرف مش كفاية خرج العيال من المدارس علشان يخف مصاريف .. حتي ابنك المريض اهمل علاجه لحد ما حالة الولد بقت مفيهاش أمل .. مستنية ايه علشان تطلقي منه ها ! لما يبيعك انتي وعيالك ويقبض تمنكوا ؟ "
بكت المرأة بحرقة وهي تقول ،،،،
- " الي ايده في المية مش زي الي بيتحرق بالنار يا أستاذة .. ده غضبان وستات الحتة مش سايبيني في حالي والرجالة الي عينهم عاوزة تتقلع مبيرحموش .. واهو ضل راجل "
حلا هاتفة باستنكار ،،،
- " راجل !! وهو ده اسمه راجل ! "
زفرت المرأة باستسلام .. ماذا تقول وهي تعلم ان كل كلمة تسمعها حقيقة .. أين زوجها من الرجال .. ولكن ماذا تفعل امرأة في مثل عمرها بأربعة أبناء .. امرأة وحيدة ، كانت تتحمل الضرب والاهانة لأجلهم .. تقضي يومها بين عملها في المكتب وبين بحثها المستميت عن اي عمل جانبي مؤقت لزيادة دخلها .. تتصدي لمحاولات هذا وذاك لاستغلال فرصة وجود امرأة بلا سند تنوء اليه بحملها الثقيل ، تحتمي به من الأعين الجشعة التي تنتهك الحرمات بلا وجه حق .. اعتصرت عيناها وحبست آهه الم كادت تفلت منها وهي تتذكر طلب السيدة التي رشحها لها صاحب مكتب الخدمة .. بينما السيدة تخبرها برغبتها في اوراقها الثبوتية مصحوبة بفيش وتشبيه لتحتفظ بهم لديها فترة عملها .. بينما تنهكها في اعمال لا طاقة لها بها تركتها بسببها قبلها الكثيرات وفقط لثلاث ايام اسبوعياً .. ماذا ستفعل باقي الأيام وراتب عملها لا يكفي اكثر من ايجار منزلها .. ماذا عن الأفواه المفتوحة طلباً للقوت اليومي .. ماذا عن الفواتير الشهرية التي تسددها .. وماذا عن جسد أصابه الكهل في ريعان شبابه ،،،،
تتبعت حلا تتابع الانفعالات علي وجهها بينما تشعر نحوها بالعجز ، بالقهر ، بمسئولية القيت علي كاهلها ولتكون ملعونة لو لم تكن أهلاً لها ،،،،
اغتصبت ابتسامة ودود وهي تمسك بيد الأخيرة برفق قائلة ،،،
- " متشغليش بالك يا أم هاني ،، بعد الشغل هتيجي معايا البيت ، تساعديني ويطلعلك مرتب يومي تصرفي منه علي البيت "
رمقتها المرأة بأمل فأومأت لها باسمة قبل ان تقول وهي تحاول حبس الدموع التي تتأرجح في مقلتيها ،،،
- " يلا بقي عاوزة فنجان القهوة بتاعي من ايديكي الحلوين دول علشان اعرف اشتغل "
أومأت لها المرأة بسعادة وهي تغادر الغرفة بينما يصحبها صوت دعائها لها بالستر وراحة البال ،،،،،،،
( كثيراً ما توصم المرأة بضعفها .. في مجتمع يسوقه أشباه الرجال .. غافلين تماماً عن قوتها الدفينة التي تنبعث من رحم الألم .. لبؤة شرسة تحمي صغارها ، تحمي عرضها وترفع حملها الثقيل بكبرياء لا يليق الا بها .. امرأة هي الحكمة والأمومة ، القوة والشجاعة .. فلا تغتر يا شبيه الرجال ببنية لا يد لك بها .. منحك الله اياها لتكون رجلاً لها لا عليها .. عفواً لتسميتك برجل والرجولة منك براء .. وحلالاً عليك لعنة الله و وصمك في الدنيا بالمتشبه بالرجال )
***
أنت تقرأ
سبايا بلا أغلال ( الجزء الثالث من سلسلة ألحان حوائية )
Romansaالجزء الثالث من سلسلة ألحان حوائية