بعيداً عن أنها شعرت بالارتياح من ذاك الطفل الذي كان في أحشائها .. إلا أنها تكاد تموت بحرقة قلبها وقهرها على ذلك الطفل .. فهي ومهما يكن لم تكن تريد التخلي عنه .. ولكن أيضاً لن تستطيع أن تنجب له طفل لكي يعيش بهذه الحياة التي هي بها فهي لا تريد أن يظلم الطفل معها ..
طوال هذا الأسبوع تستيقظ بوهن لتستقبل الواقع وتفكر قليلاً وتبكي كثيراً ثم تعود لعالمها الوردي بعيد كل البعد عن عالمها المؤلم والبائس .. ولكن !! ذلك المنام الذي تراه وهي الآن ممددة على سريرها في المستشفى وفي غرفتها ذات الجدران البيضاء جعلها تهمهم أثناء نومها ويتعرق وجهها ..
ترى في منامها شخص ما يجلس بجانبها وهي ممدة على سرير أبيض ومغمضة عينيها وجسدها مغطى بالشرشف الأبيض وكأنها ميتة وقد قامو بتغسيلها لكي يتم الدفن بعد قليل .. لا تعلم ما الذي يحدث كل ماتعلمه بأنها هي حقاً ترى شخصاً جالساً بجانبها يذرف دمعتان من عينيه وهو جامد وبارد .. يرتدي الأسود ومظهره مذري بشكلٍ فظيع ولكن ملامحه غير واضحة تماماً .. رأته كيف يقترب منها ليصبح وجهه مقابلاً لوجهها وهنا اتضحت ملامحه لترى سيف أمامها وتسمعه يهمس بإذنها :
..لقد تخليتي عني ، أكرهكِ ندى..
لم تبدي أي ردة فعل نهائياً .. هي ترى كل شيء وتسمع كل شيء ولكنها ميتة .. وكأن جسدها الذي بقي أمامه لكي يودعه ذلك الشاب ومن ثم يدفن بعد قليل وروحها التي تراقب وترى وتسمع كل شيء من مسافة قريبة ..
كانت ترى وتراقب جنازتها وذلك التابوت المحمل على الأكتاف متوجهاً إلى المقبرة والذي حتماً محمل بجسدها الميت .. ابتسمت ابتسامة ألم عندما وجدت والدها في الجنازة .. اقتربت منه ووقفت أمامه ورأت نظرة الألم والقهر في عينيه .. كان يراقب كيف يحملون جثة ابنته ويضعونها في التربة .. ذرف دمعة قهر على وحيدته بينما هي ابتسمت بخفة لإنها رأت نظرة الألم في عينيه .. تحدثت وأرادت أن تتشبث بوالدها ولكنه لم يكن يسمعها نهائياً .. ظلت تتحدث وتقول :
..أبي أجبني لما لا تحدثني أرجوك تحدث معي ، أعلمت ماذا حل بابنتك ، أعلمت كم ذاقت من العذاب والوجع ، أعلمت كم آلمني سيف وعذبني ، لماذا لم تكن بجواري وتحرسني يا أبي لماذا..
لم يسمع منها أي شيء وقد كان نظره موجه إلى أولئك الرجال الذي يقومون برمي التراب على جثة صغيرته .. ماذا كان سيحدث لو أنه حافظ عليها وكان لها الحضن الدافئ والحنون .. ماذا كان سيحدث لو أنه ظل على ذكرى زوجته الحبيبة ولم يتزوج من بعدها .. حقاً لما كانت ابنته وصلت إلى ماهو عليه .. ذرف دموع قهره وجلس على ركبتيه وهو يتحدث بكلمة واحدة فقط .. ألا وهي (ابنتي) .. نظرت له بألم لتقول :
..اشرب من نفس الكأس يا أبي..
لم يسمعها وظل على بكائه ونحيبه .. وجهت نظرها لأولئك الرجال الذين مازالوا يرمون التراب على جثتها لتبتسم ببرود وتوجه نظرها للشابان اللذان كانا واقفان بين سيف .. اقتربت منهم لتراهم كيف يتابعون كل شيء بجمود وصمت وهما مكتفين الأيدي .. عدا ذلك الشاب الذي ذرف دمعتان على ندى الصغيرة ألا وهو فارس .. فندى كانت بالنسبة له أخت صغيرة وعزيزة على قلبه في الماضي .. نظرت نحو ثائر الذي كان يتابع كل شيء بجمود .. وجهت نظرها إلى ذلك الشاب الذي كان واقفاً كالجبل الشامخ مخفياً وراء جموده وبروده كل الألم والقهر مرتدياً بذلته السوداء وقميصه الأسود ..
أنت تقرأ
ووقعت بين يديه
Romansa1# في العاطفية وردتي الذابلة في كل ليلة، وأنا أرتشف من كأس النبيذ، أتسلل إلى عالمٍ من الهرب لعلي أنسى ذلك الجمال الذي أثقل قلبي، وأتخلص من ذكراك التائهة في زوايا ذهني. لكنني في كل مرة، أعود لأصطدم بالحقيقة المرة؛ لا أستطيع فراراً. كل قطرة من النبيذ...