الجزء الأول

1.5K 18 4
                                    

تمدد على سريره كالمعتاد وجد كل شيء في الغرفة كما هو منذ أن فتح عينيه عليها ، جهاز التلفاز أمامه والمسجلة بجانبه على الكمودينو تقابله نافذة مطلة على أحياء العاصمة العتيقة .
منظر يوحي لك بأنك تعيش فترة الستينيات في حي شعبي، تستيقظ في الصباح على صياح الباعة المتجولين، ومساومات المارة وكأنها سيمفونية كل يعزف على وتر مختلف ، لتشكل لحنا تعتاد دائما الاستيقاظ على صوته ، وإن لم توقظك أصواتهم فهناك البديل مزامير السيارات. .

فجأة دخلت الغرفة والدته ، قطعت عليه خلوته ،كان قد إستلقي لتوه إلى الفراش وكأنه يحتضنه بكلتا يديه، بعد أن ظل يبحث عن عمل طيلة الاسبوع ,يتأمل تلك البقعة المقابلة له .
سألته أمه :

"هل وجدت عملا أم لا ؟؟"

فأبتسم تلك الابتسامة المشوبة بالإستهزاء وأجابها :

"وهل أجد عملا بين سنة وأخرى ".

تركته أمه ليسمع بعدها همهمات لا يعلم إن هي تتمتم بالدعاء له أو الدعاء عليه.

سبح بتفكيره في الأفق الواسع لينسى إحساسه بالحرقة، التي تتأرجح في صدره من شدة المرارة ،ليجد نفسه مازال في تلك الغرفة المهترئ حيطانها من شدة الرطوبة .

راح يستجمع شتات أفكاره المتناثرة بين مطاوي الماضي، لينسى نفسه بمرور الوقت ,ويجد الليل قد أسدل ستاره لينبئه بنهاية يوم لم تتغير فيه حياته بعد.

كانت تلك الليلة مظلمة مليئة بالسحب كان يسمع صوت الرياح وكأنها تصفر لا.... لا بل تعزف لحنا حزينا ، بقي يستمع إليه وهو يتأمل الافق الواسع .
زادت نغمة الحزن في الموسيقى التى تعزف، تسأل في قرارة نفسه :

"أهي رسالة بعتت لي أم هي لحن عزف لذوي القلوب المنكسرة "
.ظل على وقفته حتى شعر بالنعاس يداعب جفونه قرر الإنسحاب ككل يوم فما عاد يقوى على المواجهة .

يوم جديد وأمل في أن تعب السنين لا ولن يذهب هباء الريح, تذكر كلام والدته وهي تصرخ به:

" لما الدراسة؛مافائدة علم النفس إن كنت لا تستطيع إطعام نفسك حتى ، مابها التجارة أقرانك كلهم تجار، وقد تزوجوا وأنجبو الأولاد ,أما أنت فلا أمل فيك سوي أنك أضعت مالي وضاع شبابك }
قطع خلوته صوت الهاتف أمسكه وأجاب بكل برودة:
"ألو من معي "

رد الشخص بالطرف الآخر :

"أنت السيد .................؟

أجبت وانا أحاول الاستقامة من سريري :

"نعم أنا هو ".

ردت بصوت جدي :

" أنا سكرتيرة الدكتور ..........صاحب مصحة الأمل ، لقد تم قبول طلبك ونرجو من حضرتك الحضور للمقابلة ".

قفزت من سريري حتى أنني نسيت إقفال الخط , لم أدرك كم لزمني الوقت لأكون حاضرا ، ماتذكرته ملاحقة أمي لي، وهي تدعو لي أن يكون العمل من نصيبي ،فقط لأنها ملت مني وأنا دائم الوجود معها .
ركبت سيارة أجرة على أمل أن أصل مسرعا خوفا من أن لا أصل في الوقت المحدد.

توقفت بي السيارة أمام مصحة تبدو من ظاهرها أنها قصر مهجور، ترددت في الاول من الدخول ،وفجاة تذكرت نظرة والدتي الحزينة بعد كل مقابلة ، ورفضهم لي فتشجعت ودخلت .

دخلت من بابها الواسع قابلتني فتاة في مقتبل العمر جميلة الهيئة كانت مشغولة ,تمسك الهاتف من جهة ,وقلم حبر من جهة أخري وتدون في الورق مايملى عليها, تتأفأف من ضغط العمل عليها، إبتسمت من موقفها فبادرتني بالسؤال :

"من تكون ، ومالذي تريده سيدي " .

أجبت وأنا أقلب بين اوراقي:

" أنا هنا لمقابلة مدير المصحة أنا الدكتور ........... ، لقد تم الإتصال بي صباحا وقد أتيت لإجراء المقابلة ."

ردت وهي تتلعثم بصوت متأسف :

" أاااااااااااااااااااا سفة ياسيدي، لكن المدير ليس هنا، فقد طرأ أمر مستعجل ما أستدعاه إلى الرحيل ، أيمكن أن نؤجل المقابلة ليوم أخر "

تغيرت ملامح وجهي برفض ذلك التصرف، ولتخفيف من حدة الموقف دعتني الأنسة لمعاينة المصحة .

سرت في أرجاء المصحة ،كان جوها كئيب وكأنك تزور مقبرة للأموات دفنو وقد تم نسيانهم ، إقشعر بدني من منظر الغرف، تشبه غرف السجناء ، تم غلق النوافذ بإحكام وألوان الدهان تبعت على الإكتئاب.

إقتربت من غرفة مقفلة جزئيا، نظرت من شق الباب الخشبي المهترئ الذي تأكل خشبه بفعل الرطوبة السائدة في الغرفة، والتي إبتلعت الظلمة أرضها ،لولا بصيص نور يطل من نافذة مقابلة وكأنه يشع باستحياء .
رأيت شاب يلاعب الأوراق تارة ويمزقها تارة أخرى ويرميها في سلة المهملات .
كانت ملامحه تدل على الحسرة والكآبة، قد نسج الحزن عليها غبرة سوداء وجفونا فيها مدامع كالزئبق الرجراج.
كان يبتسم إبتسامة مشوبة بالخبث ، تخفي دهاء وحيلة ويتكلم مع نفسه تارة ومع أوراقه تارة أخرى سارحا في غياهب التفكير حتى ظننته مجنونا .
.كان ينظر إتجاه النافذة ؛ فقد وصل إلى مسامعه صوت القطار الذي أزعجه ،نظر اليه وقد إستعد أن يتفل عليه ،وهم بغلق النافذة، ولكنه توقف كمسمار يحملق للبعيد ، يقابله منظر ساحر ، غدير قرب المصحة وهي تعزف له السيمفونية التي طالما ألفها وسرح في فضاء أنغامها.محاولا إسترجاع ماضيه الذي يراه مظلما أمامه .

.........انتظروا مني جزء من الرواية كل يوم إن شاء الله
انتظر منكم رأيكم بخصوص الجزء المنزل تحياتي لكم
أتمنى تشجيعكم هي أول رواية لي
تفاعلو بكثرة الرواية بها أحداث كثيرة ، مشوقة ...

حبك ....لعنتي الابدية (مكتملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن