الجزء الثالث عشر

228 11 3
                                    

كلما زاد الألم , تفننا في أساليب إحتضانه , حتي لا يتسرب لمن حولنا .

خرجت مريم من عند طبيبها منهارة فقد أخذ لها طبيبها خزعة منذ عشرة أيام ، والتي كانت نتيجتها غير متوقعة , تبين أنه ثمة ورم سرطاني في الثدي الأيمن , وأن المرض في مرحلته الثالثة ,ونوع الورم نادر يعيش في شرايين الثدي لا يكون ملموسا , وقع الخبر عليها كالصاعقة ,
إلا أن الطبيب قد رسم لها خطة للعلاج ، ومنح لها أمل للعيش من أجل طفلها ، المراحل صعبة إلا أنه توجد علاجات تسمح بتخفيف حدة الأعراض الناتجة عن العلاج الكيميائي ،وحالتها تلزم إستأصال التكثلات ، وثماني جلسات من العلاج الكيمائي وستة وثلاثون جلسة علاج بالأشعة ،كل ذلك يجب أن يدعم بنفسية مقاتلة , ودعم ممن حولها ، لكنها وحيدة من سيدعمها , يارا يجب أن تكون قوية لتربي إبنها وتهتم به، إذا ماحدث لها شئ , عليها أن تؤمن بالله بإستمرار فهو إبتلاء من الله لها .
قررت أن تحارب لوحدها , دون إخبار يارا ، هي لا تحتاج إلي نظرة الشفقة , ولن تحتمل نظرة إبنها عند تغير شكلها ،عادت أدراجها إلي طبيبها موافقة علي قراره، والذي سيكون بأقرب وقت ،ستلتزم بخطة العلاج في مشفاه دون علم أحد ممن حولها .

إنقضت عشر دقائق وهي تقف داخل المطبخ , تائهة , ليقف هو أمامها بهيبته الطاغية , ورائحة عطره المسكرة, إقترب منها دون كلام , إبتسم تلك الإبتسامة الساحرة , صار الجو مشحونا ، مغيبا للعقل و خطواته تقل بينهما , تستشعر بتلك الكلمات التي يبعثها همسا دون النطق بها , إنعدمت المسافة بينهما لم تشعر إلا ويداه تحاصرانها :

" كم إشتقت إليك. "

خرجت تلك الكلمات كنسمة هواء أنعشت روحها , إلا أن تلك النسمة معبقة برائحة القهوة , مهلا. ...

" ياإلهي إنها المرة الثانية التي تفور فيها القهوة , عليا إعادتها من جديد ،لقد عُدت إلي عادتك السيئة يايارا ، ءلن تنسي أحلام اليقظة التي تهربين بها من الواقع. "

نفضت رأسها يمينا ويسارا :

" مالذي تفكرين به لقد جننتي حقا ".

{مادمنا وحدنا , وإن كلمتك لن يعتبرني الجميع مجنونة صح , هل من الممكن أن أسألك سؤال ؟

" تفضلي عزيزتي ، لكنني أول مرة أسمع ببطلة رواية تسأل الكاتبة، رغم ذلك انا أسمعك , هات سؤالك ؟ "

" سؤالي بسيط ماهو الحب ؟؟؟؟ "

" سؤال صعب الإجابة عليه أجد أن كلمة حب رغم صغر حروفها ، إلا أن معناها كبير، الحب من أصعب واعقد المعاني التي يصعب أن تحملها الكلمات , فالحب إمتزاج للأحاسيس بين الاعجاب والفرح والرضى والتواصل الروحي ,هو تداخل بين تلك المعاني جميعها ، لتصنع لنا كلمة مضيئة تنير القلب , وتشعل نبضاته ، يصبح متألقا مضيئا يبعث بنوره الى من حوله , ويستقبلها الشخص المناسب .
للحب معاني كثيرة وتعريفات كل يفسره بعينه , إلا أن المعاني الخفية للحب لا يعلمها إلا من إنفعل بها , وعاشها وملأت كل كيانه ووجدانه .
بإختصار الحب تجربة حية , من ذاق الحب عرف , ومن عرف إعترف , بأنه شعور مهما إسترسلنا في وصفه لن نصل إلى معناه ، واقتبس معناه من الكاتبة جوجو مويس :

{ماهية الحب هو شعورك بالأمان , قد يكون ضروريا ولازما للحياة كالهواء , الحرمان منه قد يشبه الهوس , الذي يستحوذ عليك ويسبب لك الألم , الحب هو الدافع لكل القصص ليس فقط العشق الرومانسي .}

الان سؤالي لك انت : " هل بدأت تشعرين به ؟"

ظلت يارا تجول بفكرها باحثة عن الإجابة ,

" كيف لي أن أعلم فانا خلاصة تفكيرك , كيف لي أن أجيبك أعيش حياة تسطرينها لي بقلمك , مع اني أري انك لم تسطري لي حياة سعيدة رومانسية ، فبدايتها كلها الم , وجع وفراق ،أتمنى أن تكون النهاية سعيدة ، فحقا أنا أتمني أن أعيش الحب بكل جنونه ولو مرة.
اجبتها وأنا أحاول أن لا احرق تفاصيل الرواية ، أظن القرار والنهاية بيديك فانت من ستسطرين النهاية .

" كيف ذلك ؟" :قالتها يارا مستفهمة .

" اظنك تأخرت كثيرا عن ضيفك، ولنترك الأحداث تسير بسلاسة ،فحتي انا لا أعلم كيف ستكون النهاية، فقد قلتها لك انت من ستسطرين نهاية للرواية وانت من تقررين .}

تقدمت بخطى متعثرة ، فقد تأخرت كثيرا في المطبخ , ولا تتهمونني أنني السبب في ذلك , بل احلام يقضتها ، فلا الوقت المناسب لتسافر بخيالها وفارس الأحلام ينتظرها بالصالون.
قدمت له قهوته , وقالت بجدية محاولة رسمها علي ملامحها :

" إذا سيدي مالموضوع الذي تريدني فيه , وجعلك تقصدني في منزلي. "

صوت مريم صارخا علي إسلام ويارا قطع كلماته التي تجاهد للخروج .

وقفت مريم تتأمل كل من بالصالون ،وهمت بسؤال يارا :

" لما باب الشقة مفتوح , كاد قلبي أن يتوقف عندما رأيته كذلك , أحم ، أحم ، أظن بأنه لدينا ضيوف، أعتذر علي دخولي المفاجئ , وصراخي ."

وجد إلياس أنه الوقت المناسب لكي يلقي بعرضه و لينصرف ويرحم نفسه من موقف وضع نفسه به لجنونه الغير مسبوق, وقف أمامها ليظهر فارق الطول بينهما , مرر بيده بشعره محاولا تخفيف الضغط :

" غدا أراك في الشركة , فأنا لم أطردك من العمل ."

أستأذنهما وأنصرف دون مزيد من الكلام الذي رأى بأنه لا معني له مخلفا وراءه هالة من الغموض.

نظرت يارا ومريم إلى بعضهما مندهشتين , وأنفجرتا بالضحك .
قالت مريم وهي تنظر إلى يارا بإستفسار :

" أظنك لم تطردي من عملك عزيزتي , هل هناك أمر تخفينه عني. "
إرتبكت يارا من كلام مريم وحاولت إخفاء إرتباكها :

" أي أمر تقصدينه عزيزتي , فقط هو يحتاجني معه ,".

ضحكت مريم بعد أن ألقت بكلماتها :

" أكيد عزيزتي يارا فالحب إحتياج , والذي يصبح مع الوقت إجتياح يجتاح مشاعرك , تفكيرك , وبعدها جسدك ههههههه."

أمسكت يارا بوسادة بجانبها ،وألقت بها علي مريم التي تفادتها.
أما إسلام صرخ بأعلي صوته:

" إنها حرب وسادات فلنتشارك كلنا ."

وكان نهاية اليوم غير متوقع للجميع، بين أمل في لقاء غدا , وأمل في مواصلة خطواتها في طريق إثبات لنفسها ،وبين أمل في محاربة مرض إستفحل في جسدها .

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
منتظرة تعليقاتكم وتشجيعكم تحياتي لكم

حبك ....لعنتي الابدية (مكتملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن