الثالث عشر

7.7K 230 5
                                    

" خذيها الى غرفتها " قال أحمد ذلك آمرا زوجته وهو يرمي بجسده على أول مقعد. أما تلك الأخيرة فقد كانت تتفحص مي بنظرات ممزوجة بين عدم الرضا والاشمئزاز وهي تقول " من أي مقبرة أخرجت هذه البنت؟"
نعم فمي كانت بالنسبة لها موشحة بالسواد و الكئابة تضع عباءة سوداء غير متزينة وجهها محتقن من كثرة الغضب والبكاء. شعرها اشعث وشالها ملقا باهمال على كتفيها. مي أيضا بادلتها بنفس النظرات، سيدة متبرجة تردي ملابس غير مناسبة لعمرها وكونها أم، رائحة العطور المركزة تفوح منها من على بعد ميل، شعرها مصبوغ بلون جريء
" أين الغرفة ؟ سأذهب بنفسي "
سألت وهي تحافظ على ما تبقى من رباطة جأش. نادت زوجة والدها على الخادمة لتوصلها الى غرفتها.
صعدت مي الدرج وهي تحاول ان تمنع صورا من الماضي بعبور ذاكرتها لكن لا جدوى من ذلك فلطالما تدحرجت من اعلى هذا الدرج مخلفا لها اصابات مؤلمة ولا طالما جرت من شعرها على طول هذا الممر. وهذه ذاتها غرفتها التي كانت توصد بابها وتبقى ترتجف خائفة في سريرها. تركتها الخادمة وذهبت. اغلقت الباب خلفها.
لن تبكي، لن تبكي، سوف لن تسمح لنفسها بأن تكون ضعيفة. حاولت منع الشعور بالخوف والهلع أن يعتريها. ففتاة الثالثة عشر التي كانت تستغل وتغتصب بدأت تستيقظ في داخلها. ارتجف جسدها بأكمله دموعها سيل جارف، خرت على ركبتيها وهي تشهق محاولة أن تلتقط أنفاسها من بين نحيبها. كانت تحدق الى ذالك السرير المشؤوم دون أن يرف لها جفن. دار رأسها في أرجاء الغرفة ليستقر بصرها على تلك الخزانة لتنهض وتتجه نحوها وتفتح بابها الذي اصدر صريرا ثم تحشر جسدها داخلها وتغلق الباب على نفسها ضامة ركبتيها الى صدرها وهي ترتعش، تماما كما كانت تفعل في السابق. سوف لن تسمح بتلك الأيام ان تعود.
كان هاتفها يرن ويرن لكن لم تكن تسمعه فهي كانت غارقة في عالم آخر غارقة في الماضي الذي عادت لتعيشه من جديد. بقيت على وضعها لقترة ليست بقصيرة.

اصرار ذلك الهاتف على الرنين اخرجها من عالمها " انه الاستاذ سيف " كانت متأكدة من انه هو. خرجت من مخبأها واسرعت تلتقط الهاتف.
فتحت الخط " ألو ؟ مي؟ "
مجرد سماعها لصوته جعلها تحس بغصة في حلقها.
سأل حين لم تجب " هل أنت بخير ؟"
" نعم بخير " قالت وهي وترغب بأن تخبره بعكس ذلك. بأن تطلب منه أن يأتي ويأخذها من هنا، الا أنها طبعا لن تقول له ذلك.
سمعته يتنهد بارتياح ليقول بعدها " قلقت عليك حين لم تجيبي أرسلت لك رسالة كما انك لم تردي على الهاتف"
كان معاتبا " آسفة لم أسمعه كنت مشغولة " كانت تجاهد كي يبقا صوتها ثابتا.
" اذا اراك غدا "
من بين ألمها تسللت ابتسامة الى شفتيها فمعرفة بأنها ستلتقي به مجددا تجعلها تحس بالسعادة " حسنا "
" تصبحين على خير " قال منهيا المكالمة ردت عليه و هي لا ترغب بأن يغلق الخط " وأنت من أهل الخير"

عادت تتأمل المكان من حولها، انه كما هو مظلم، الا انها هي لن تكون كما كانت فهي مي الجديدة القوية ليست كما عهدوها الضعيفه المستغلة. احست وكأن صوت الأستاذ سيف أعطاها طاقة ايجابية. اتجهت نحو الشرفة لتفتح بابها وتخرج مستنشقة الهواء. المنزل كبير وضخم، شكرت الله لان غرفتها تقبع في زاوية بعيدة عن ضجيج سكانه فشرفتها تطل على ساحة خالية الا من الأشجار التي تصدر أغصانها حفيفا وهي تتمايل مع نسيم الليل البارد.
في صبيحة اليوم التالي همست لنفسها وهي تنظر في المرآة " كوني قوية وتجاهلي الجميع"
كانت تستعد للخروج والذهاب الى الكلية وضعت يدها على قلبها في محاولة للتهدئة من توترها وخوفها من أن يمنعها والدها من الذهاب. حملت حقيبتها ومضت.
" صباح الخير"
القت التحية حمدت الله على أنه لم يكن هناك غير والدها و زوجته شريفة فهي حقا لا ترغب الآن بلقاء أبغض وجه على هذه الأرض في هذا الصباح.
رد والدها التحية ليسألها وهو يلاحظ بأنها خارجة على عجل " إلى أين؟"
توقفت سوف تحاول أن تحافظ هلى هدوئها فهي لا تسعى لجدال أو مشاجرة.
" إلى الكلية "
وكأنه لتو انتبه إلى أن ابنته لا تزال تدرس. علقت شريفة " هل لازلت الى الآن تدرسين " كانت تسخر منها.مي لم تعلق بل لم تنظر اليها حتى. سألت والدها
" هل أستطيع الانصراف؟"
وكأنه يستشير نفسه هل يسمح لها بالذهاب أم لا. سألها
" متى تنهين دراستك ؟"
لا تنكر بأنها تفاجأت من سؤاله، أجابت منهية الموضوع
" بقيت شهور قليلة"
قال " سيأخذك السائق ويعيدك "
فتحت فاهها تهم بالاعتراض الا أنها تراجعت، لا تريد أن تفسد هدوءه فتبقى حبيسة المنزل.
أسرعت على عجل وكأنها تخشى بأن يتراجع.

اغتصبت ولكن أحببت........مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن