الجزء السابع

9K 269 3
                                    

من هول الصدمة خرت أرضا شاخصة البصر تلقفها الأستاذ سيف وأجلسها على أقرب كرسي.
" تكذبون ، تكذبون "
أفلتت نفسها من يديه وأسرعت عائدة إلى الغرفة وهي تصرخ " خالتي لم تمت لم تمت "
دخلت في حالة هستيريا وأخذت تبعد الممرضات عن جسد خالتها المستلقي بلا روح وهي تصرخ " ابتعدوا ستستفيق على صوتي أنا اعرفها إنها لا تفرط بي " ثم استدارت ناحية الدكتور " دكتور حاول مرة أخرى أرجوك لا تدعها تذهب "
قال الدكتور " صبرك الله وأعانك على مصيبتك " ثم التفت ناحية الأستاذ سيف الذي كان يقف بلا حول ولا قوة " خذ الآنسة يا سيد ستصاب بانهيار عصبي "
مي عادت وتشبثت بسرير الخالة تبكي بحرقة وهي تناديها " خالتي أرجوك لا تتركيني لا ترحلي عني " جثت على الأرض بركبتيها ولا تزال متمسكة بالسرير. أسرع إليها الأستاذ، قال لها وهو يمسكها من كتفيها " اذكري الله يا مي" كان قلبه يتفطر ألما لمنظرها فقد كانت منهارة تماما رافضة التصديق بالواقع. هو نفسه لم يصدق كيف بهذه المسكينة. لتو كانت تتحدث معه وتبتسم كيف فارقت روحها جسدها فجأة." ألهذا وضعت مي أمانة عندي يا خالة مريم ؟" تمتم لنفسه بذلك وهو يشعر و كأن دمعة توشك على الانحدار.
مي المسكينة لم تتوقف عن الهذيان والبكاء، لم يعرف كيف يتعامل معها وجد نفسه يحتضن وجهها بين كيفيه ويقول وهو ينظر إلى عينيها الباكية " مي يجب عليك أن تتمالك نفسك، اذكري الله "
بقيت تحدق به وهي تهدأ بالتدريج حتى أسدلت جفنيها وانهارت بين يديه.

فتحت عينيها لتقابل السطح الأبيض. لم تستغرق ثواني حتى استدركت الوضع. انسكبت دموع صامتة شاقة طريقها لتبلل الوسادة. لقد توفيت الخالة مريم يا مي، لقد رحلت دون عودة، فارقت الحياة. أفلتت شهقة من حلقها فغطتها بيدها لتتلوها شهقات وتجهش بالبكاء. استمرت هكذا لدقائق حتى تمالكت نفسها وقررت الذهاب لرؤيتها لآخر مرة.
كان الأستاذ سيف وريم وهند يجلسون بانتظارها. أسرعت الفتاتان لاحتضانها. كانت تقف جامدة وتقول بصوت خال من أي مشاعر " أريد رؤيتها ".
قال الاستاذ سيف " هل أنت بخير، يجب أن تتمالك نفسك أولا "
اتجهت نحوها أزاحت الغطاء عن وجهها الذي ماكف عن الابتسام لها بحنان. قبلت جبينها ثم أمسكت بيدها لتقبلها هي الأخرى. قالت ودموعها تتسابق على وجنتيها " خالتي سامحيني، كان يجدر بي أن أناديك بأمي فأنتي الأم التي عرفت. أرجوك سامحيني على تقصيري معك فأنت لم تبخلي على بأي شيء. سامحيني إن كنت آذيت مشاعرك يوما أو قصرت في حقك قط. أرجوك سامحيني. دنياي لا شيء من دونك. لا لون للحياة من دونك. أرقدي بسلام يا خالتي أنت الآن بين يدي الله الذي لا يظلم أحد وهو أعلم بك "
عجيبة أنت يا مي تنهارين في حين و تقفين قوية في حين. لم يتوقع أن تتمالك نفسها بهذه السرعة. كان يقف وقلبه يتفطر وهو يسمع كلامها ومناجاتها لخالتها. أما هند وريم فقد كانتا متأثرتين جدا وتبكيان بحرقة.
عادت مي وقبلت رأس الخالة مريم لتسدل الغطاء الأبيض على وجهها مرة أخرى.

في نهار يوم السبت كان يوم عطلة حين وقف على بابها مرتديا نظارته الشمسة ويلف عصامته على رأسه ينتظرها لتخرج، إنه يود الاطمئنان عليها فقد انقضت أيام العزاء وهي لم تخرج من منزلها ولم يستطع رؤيتها. كان طوال تلك المدة يفكر بها وبحالها وقد أكد على البنات أن لا يفارقنها أبدا. عاد للضغط على جرس الباب لكنه فتح لتخرج منه مي شاحبة الوجه بهالة سوداء
" السلام عليكم "
ألقى عليها التحية ليرد عليه صوتها الأبح ب " وعليكم السلام " شعر بقلبه يعتصر ألما على حالها. أحس برغبة تتملكه بأن ينتشلها من حزنها ويضمها إلى صدره. بدت حزينة جدا ومتعبة جدا.
ردت عليه التحية وهي وترغب بأن ترتمي في حضنه وتجهش بالبكاء، تحتاج اليه وخصوصا الان. لم تستطع التغلب على حزنها بفقد خالتها لقد أنهكها وأعياها.
اقترب منها أكثر ليقول بصوت ملؤه الحنان والعطف " كيف حالك يا مي؟ "
أبعد هذا كله تسأل عن حالي؟ أنا متعبة متعبة يا أستاذ سيف وأحتاج إليك. إلا أنها لم تنطق بهذا بل أشحات بوجهها نوح البعيد لتخفي دموع تجمعت في محجريها.
" الحمدلله "
" مي أرجوك انظري إلي وأخبريني ان كنتي محتاجة إلى شيء فقط قولي لي " كان صوته مترجيا متعاطفا.
نظرت إليه فأزاح نظارته الشمسة وكأنه يريد رؤيتها بوضوح و دراسة تعابير وجهها. استطاع أن يرى دموعها التي تحاول منعها من النزول. مجرد رؤيتها لعينيه جعلت قواها تنهار، لتنهار هي الأخرى على عتبات الدرج. قالت باكية " ماذا عساي أن أفعل الآن؟ كيف لحياتي أن تستمر" تنهد متألما لحالها جلس قربها.
"لا بد لحياتك أن تستمر يا مي هذا أمر الله "
قالت وهي تغطي وجهها بكفيها " لا أعرف كيف "
آه يا مي لو أستطيع ضمك بين ذراعي وأجعلك تبكين على صدري وتفرغين حزنك وهمك. ليت البكاء يجدي لتركتك تبكين حتى تزول كل آلامك، لكن ما باليد حيلة
" عودي إلى الكلية وأنهي دراستك واحصلي على شهادتك فحتما الخالة مريم كانت ستفرح كثيرا لتخرجك "
نظرت اليه ثم أطرقت بصرها نحو الأرض " لا أعرف كيف، أشعر بأنني تائة"
" مي .... الخالة مريم وضعتك أمانة عندي لقد أوصتني عليك" نظرت إليه متفاجئة " ماذا تقول!! "
شعر بأنه يجب أن يخبرها حتى تطمئن وتشعر بالأمان " وسوف أؤدي أمانتي على أكمل وجه "
وقفت مي " متى ؟؟"
وقف هو الآخر غير واثق من ردة فعلها " قبل وفاتها مباشرة " ظلت مي صامته ومذهولة
" لا يهم فحتى لو لم توصيني لن أتركك وحدك وسأقف معك كوني واثقة من ذلك "
مي خطت عدة خطوات ذهابا ثم إيابا حائرة " لا يمكن أن تشغل نفسك بي انت لديك حياتك وعملك وعائلتك "
تقدم منها في محاولة تهدأتها. " وان يكن هذا لين يعطلني عن أي شيء" مسكينة هل تتوقف حياة شخص على أحدا ما هكذا؟ أحس بها مرتبكة وتتكلم بعصبية " لا داعي لا تشغل نفسك بي أستطيع تدبر أمري " ثم اردفدت وهي تذرع المكان ذهابا وإيابا " لطالما كنت وحدي وحللت أموري وحدي وعشت وحدي " وقالت وتوترها يزداد
" لكنها كانت معي كانت تدعمني تؤنس وحدتي هي كانت عائلتي " دموعها وجدت طريقها واستمرت مي بالهذيان. الأستاذ سيف كان يقف مصدوما من حالتها ومنظرها بهذا الشكل. نظرت إلى معصميها لتقول وهي غائبة الذهن " لم لم أمت يومها ؟ " وخذ صوتها يعلو شيئا فشيئا وهي تردد " ليتني مت يومها " حتى تحول إلى صراخ وبكاء. جثت أرضا وهي تنتحب. أسرع نحوها ودون أن يشعر ضمها نحوه " يكفي يا مي يكفي " في حياته كلها لم يرى فتاة بائسة مثلها. أحس بكلماتها توجع قلبه. مالذي يجعلك تتمنين الموت لهذه الدرجة يا مي.
بكت و بكت حتى انهارت قواها. حين أحس بها سكنت بين ذراعيه أبعدها عنه ليقول وهو ينظر في عينيها " أعدك يا مي سأكون معك ولن أتخلى عنك " قالت كالغريق الذي يتشبث بقشة " هل تقسم على ذلك " عينيها، رجاؤها، صوتها كل شيء كان يجعل مابداخله يهتز " أقسم لك " أجابها وهو كله أمل بأن لا يحنث بهذا القسم.
مسحت دموعها بيدين مرتعشتين . " هيا بنا " قال لها وهو يقف. " إلى أين ؟ " سألت مستغربة.
" لا أعرف لكن لن أتركك هنا بحالتك هذه " فما أدراه قد تحاول الانتحار مرة أخرى. قالت معترضة " سأكون بخير " قال لها معترضا هو الآخر " مستحيل فبعد حالتك منذ قليل لا يمكن أن أتركك وحدك " كان قراره نهائيا مما جعلها تعانده أكثر " أستطيع البقاء وحدي " قالتها بحزم ثم اتجهت عائدة نحو المنزل. إلا أنه أمسكها من ذراعها وجذبها نحوه ثم قال وخو يرفع يدها بينهما " من يفعل هذا لمرة قد يحاول مرة أخرى " سرت رعشة في جسدها أحس هو أيضا بها. بدت خائفة مما جعله يندم على ماقاله لم يعهد نفسه متسرعا هكذا. أفلت يدها " هيا الآن أحضري حاجياتك الضرورية " كان يأمرها لم يعجبها هذا طبعا إلا أنها حقا خافت من أن تفكر بالإنتحار مرة أخرى. " إلى أين ستأخذني ؟" أجابها وهو يعود ويضع نظارته الشمسية " لا تخافي ستكونين بأمان".

اغتصبت ولكن أحببت........مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن