الثامن عشر

6.6K 235 12
                                    

ترنحت مي من هول الصدمة، سيف تزوجها ؟ لم يأتي على ذكر الزواج منذ أن رفضت عرضه. لقد قال لها بأنه سيجد حلا لكن لم يقل بأنه سيتزوجها؟ هل هذا هو الحل يا سيف.
اسرعت بالذهاب اليه وهي لا تزال ترتدي حجاب الصلاة.
دخلت المجلس لتجده يجلس قبالها. وقف سيف حال ما رآها. تقدما من بعضهما البعض حتى التقت عيناهما بشوق. كانت مشتاقة له وخصوصا بعد ما مرت به، كانت ترغب بان ترتمي في حضنه، أن يضمها اليه، أن يشعرها بالأمان، أن يطمئنها بأنه قربها، لكنها لا تستطيع و للأسف لا يمكنها أن تحتمي بشخص قد تبعثر حياته واستقراره. إنها الآن تطالبه بتفسير عن ما فعله مع والدها من مآمرة.
قالت تسأله معاتبه " كيف فعلت هذا بي "
أجابها متوسلا " مي افهميني "
قاطعته وفي صوتها شيء من عدم التصديق " ألم أوضح لك رأيي بهذا الموضوع"
رغم العتاب الذي بينهم الا أن حديثهم كان هادئا. أجابها وعيناه لا تزال تعانق عينيها " لقد وعدتك ولم يكن أمامي حل آخر "
ردت " لا يمكنني الزواج بك "
" و لا يمكنني التخلي عنك" قالها بصدق
وضع يديه على كتفيها يطلب منها أن تفهمه " مي ليس هناك حل آخر الا اذا كنتي ترغبين بالبقاء هنا "
تبقى هنا ؟ و على الفور قفزت أمامها صورة ذلك الوغد جعلت جسدها يرتجف
هزت رأسها نفيا
حاول التحكم باعصابه التي بدأت تفلت ليقول موضحا " مي أعلم بأنك رفضتي الزواج بي سابقا لكنني تزوجتك حتى أستطيع أن أفي بوعدي لك وللخالة مريم رحمها الله ولن يكون زواج حقيقيا"
مي بقيت في حيرة من أمرها انها لا تهتم بنفسها بقدر ما تهتم بحياته انها لا تريد تدميرها " لكن أهلك يا سيف وحياتك، هذا مستحيل لن اوافق "
رد عليها بشيء من عدم الرضا " سيبقى زواجنا سرا"
همت بقول شيء لكنه استوقفها " لا تناقشيني تزوجتك وانتهى"
لم تعرف ما تقول فهي لم تعد تعرف رأيها في الموضوع. سألت " كيف أقنعت والدي "
أشاح ببصره ليقول بعصبية وهو يبتعد عنها خطوتين " انه يظن بأن هناك علاقة بيننا "
مي لم تصدم من تفكير والدها ألم يضربها ذلك اليوم ويحبسها في الغرفة.
تابع سيف " حتى زوجته تريد الالقاء بك خارجا بأي فرصة"
كان غاضبا جدا. عاد ليتقدم منها خطوتين وهو يسألها
" هل يعاملونك بسوء؟ "
لم يكن سؤالا بل اقرارا بحاجة لتأكيد. مي ماكان منها الا الصمت محنية رأسها. بدأ البركان يثور في داخله رفع وجهها لتنظر اليه " هل كانو يضربونك"
عضت شفتها السفلى في محاولة لمنع رغبتها بالبكاء لتنحدر دمعة وحيدة رغما عنها على وجنتها الشاحبه. "بل أكثر من ذلك" قالتها في قلبها غير راغبة بأن يعرف هو مامرت به من ألم.
قال بحزم " مستحيل أن تبقي هنا " ثم مشى نحو الباب وقدميه تضربان الأرض من شدة غضبة ليفتح لها ويقول " هيا بسرعة التقطي ما تحتاجينه وتعالي "
ظلت واقفة مكانها محتارة ماهو الصواب الا أنه لم يترك لها مجالا حين قال " مي ستأتين معي شئت أم أبيت"
اصراره هذا جعلها تبتسم في اعماقها وتشعر بالأمان.

كان الصمت يخيم عليهما طوال الطريق. حز في خاطرها أن تخرج متزوجة هكذا من منزل والدها الذي لا تعني له شيئا. اختارها القدر لكي لا تكون كأي فتاة تزف بسعادة لعريسها من قبل أهلها الذين يحبونها ويبكون عند فراقها لانهم سيشتاقون لها. أن لا تكون عروس بكامل زينتها وبهجتها تمشي بخجل نحو زوجها المتلهف لبدء حياة جديدة معها. انها حتى لم تسمع كلمة مبروك و لم يودعها أحد غير منى المسكينة المنخدعة بذلك النذل. سخرت من نفسها فحتى زواجها هذا غير حقيقي. اختلست النظر الى سيف الذي كان يمسك بالمقود بقوة حتى ابيضت يديه. فمه مزموم بغضب حاجبيه منعقدين بحدة. انه يزداد جاذبية كلما غضب. أطرقت بصرها تنظر الى حجرها خجلة من نفسها. لكن لم يعجبها أن يكون غاضبا هكذا. عادت تنظر اليه وهي تفكر. لم هو غاضب هكذا؟ ألأنه تزوجها مجبرا؟ أم أنه اتخذ قرارا بدأ يندم عليه؟ التفت اليها على غفلة منها مما جعل قلبها يفز. ضغط على المكابح فجأة.
" انزلي " قال آمرا
لا تدري لما ارتعبت من نبرة صوته
ترجل واستدار ليفتح لها الباب. " انزلي"
نفذت أمره متسائلة " ما الأمر"
أمسك بذراعها ومشى بها عدة خطوات ليجلسها على ذلك الكرسي قبالة البحر الهائج واشعة الشمس تنعكس على أمواجه.
قال دون مقدمات " كيف تختفين فجأة وتجعلنيني أجن وأنا أبحث عنك ؟ "
تفاجأت من سؤاله لكن أسعدتها معرفة أنه كان قلقا عليها.
قال وصبره بدأ ينفذ " كيف لم تخبريني عن والدك"
بماذا تخبره فوالدها ليس بالأب الذي تحكي عنه.
" ألن تتكلمي ؟؟"
قالت بحزن عميق وانكسار " ماذا أخبرك " كنت تنظر الى البحر وصوت الموج المتلاطم يشبه تخبط مشاعرها " أخبرك بأن لي أب مثل المد والجزر تارة يرميني بعيدا عنه وتارة يجذبني نحوه ليعود ويلقي بي بعد عن يجدد تعذيبي وتدمير حياتي "
سيف أحس بعمق ألمها وشعر بالندم كثيرا لان أسلوبه معها لم يكن لا ئقا. " لا تلوميني يا مي لقد جن جنوني عندما لم أجدك، لم لم تردي على اتصالاتي "
قالت دون أن تواجهه " أبي كان قد منعني "
" منعك بعد أن علم بعلاقتنا " استنتج سيف
قالت مي رغبة منها في اغلاق الموضوع فهي تشعر بالمرارة بمجرد الحديث عنه " أرجوك لا أرغب في التكلم اكثر حول ذلك"
توقفا عن الحديث واستغرقا في تأمل الماء الأزرق الامع كل بأفكاره اللتي تدور في رأسه. مي أراحت رأسها للوراء تأخذ نفسا عميقا وتتنهد. عل تنهيدتها هذه تطرد الهواء العكر الذي تنفسته في منزل شريفة. أما هو فقد التفت اليها يتأملها. شحب وجهها كثيرا، عظمة فكها برزت وعينيها غطتها الهلات. " ما الذي تمرين به يا مي ولا تخبريني به، ليتك تفتحين لي قلبك" سيظل هذا السؤال عالقا في ذهنه حتى تصارحهه.
رن هاتفه لينتشلهما من عالمها ويجيب سيف " أهلا يا أمي،"
لا تدري مي لما أحست بقلبها ارتعش حين ذكر امه. قال لوالدته معتذرا " آسف يا أمي لن آتي الآن لقد طرأ علي عمل ضروري "
انها مكالمته ولم تعلق مي، قال " كل يوم جمعة تجتمع كل العائلة في منزل والدي وقد افتقدتني "
قالت مي " تستطيع الذهاب ان شئت"
أمسك بيدها الصغيرة ليضمها بين كفيه ليقول وهو يربت عليها " ليس قبل أن أطمئن عليك وتستقرين في منزلك " اردف " ثم أريد أن أحتفل بعودك مجددا "
تعلم بأنه يريد أن يجعل الوضع طبيعيا لكنها قالت " أرجوك سيف لا تورط نفسك معي سمعت ما قالته حنان من قبل "
سيف تجاهل كلامها وقال وهو ينهض من مكانه متجها نحو السيارة " هيا بنا دعينا نتناول غداءنا "
كم هو شخص عنيد، فكرت وهي تلحقه نحو السيارة.

سمحت له بأن يدخل المنزل قبلها لاحساسها بالخوف والتردد. لأول مرة تشعر بالمنزل الذي عاشت فيه لسنوات موحش ومرعب. قال سيف حين رأى ترددها " ان كنتي لا ترغبين في البقاء هنا سأجد لك مكان آخر. هزت رأسها نفيا لا تريد أن تكلف عليه كما أن هذا المنزل هو الشيء الوحيد الجيد الذي فعله والدها لها. قالت تغير الموضع " انه بحاجة للتنظيف فقط"
رفع أكياس الطعام التي بيده وهو يقول" أين أضع هذه"
اشارت له نحو المطبخ ولحقت به.
مسحت الطاولة والمقاعد بحركة سريعة ورتبت الغداء في الأطباق ووضعتها على الطاولة. كانت تتحرك بتوتر وتحاول اخفاء ارتجاف يديها عن سيف الذي كان يجلس يراقبها. لا تدري لما وجودها في منزلها يجعلها تشعر بشعور غريب ورغبة قوية في البكاء. أخرجت الكؤوس الزوجاجية لتغسلها ثم تضعها على الطاولة ومن شدة ارتباكها وقع أحدها وتهشم على الأرض. قفزت وهي تشهق مرتعبة. سألها واقفا من مكانه " هل أنت بخير ؟"
أجابت وهي تنحني تجمع الزجاج المتناثر " أجل أنا بخير"
تقدم ليساعدها، لاحظ ارتجاف يدها وهي ترفع القطع عن الأرض. نظر اليها " مي ! هل أنت بخير ؟"
تساقطت دمعها وتسابقت لتبلل وجهها " لست بخير لست بخير " هتفت بمرترة لترمي ما بيدها وخرجت.
لحق بها سيف الى غرفة الجلوس" مي!" التفت نحوه وهي تبكي " لا أعرف ما الذي أصابني " غطت وجهها بكفيها وهي تشهق باكية. تقدم منها وجذبها نحوه، لتطلق العنان على صدرة وتبكي مخرجة كل المشاعر المكبوتة في قلبها. تركها تبكي دون أن يتكلم أو يقول أي شيء. فقط كان يطوقها بذراعيه ويضمها بقوة اليه رغبة بأن تخترق ضلوعه وتستقر في أعماق قلبه بعيد عن هذا العالم الذي يؤذيها.

اغتصبت ولكن أحببت........مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن