الفصل الاول

509 8 0
                                    

الفصل الاول
مر بعض الوقت و هي مستندة برأسها علي نافذة الطائرة بشرود ، لا تعلم كيف وافقت علي اقتراح والدها ! حتي هي لا تعلم كيف اصبحت تجلس في تلك الطائرة بتلك السرعة ، التفت برأسها لوالدها الذي كان غافيا ، رمقته بنظرات خاوية لتعود و تنظر للنافذة مرة اخري و هي تشعر بالضيق يتعاظم في صدرها ، هي حتي لم تكن تعلم بوجود اخ اكبر لها ! و الان يجب عليها التعرف عليه و المكوث معه بل و التعايش معه كأنهم اسرة متماسكة دافئة !!
اي هراء هذا !؟
زفرت بقوة و هي تغمض عينيها علها تستطيع النوم
***
ظلت تنظر له بملل و هي تشاهد نظراته الشاردة ، لا تعلم ماذا حدث له ليصبح بذلك الشكل !!
تنحنحت بهدوء قبل ان تناديه قاضبة حاجبيها :
_ آسر !!!
انتبه لها لينظر لها و يرسم ابتسامة هادئة علي ثغره و يقول بنبرة هادئة :
_ ايوة يا ديما !
نظرت له (ديما) بقلق لتقول بنبرة متوترة :
_ مالك يا آسر !؟ من ساعة ما قعدنا و انت متكلمتش كلمتين علي بعض !!
تنهد بضيق لينظر الي عينيها البنيتين و يعود لينظر الي موضع يده و هو يقول بنبرة متوجسة قليلا :
_ بابا اتصل بيا من كام يوم و قالي انه جاي مصر و معاه مفاجأة !!
_ و ده مضايقك !؟
عاد ينظر لها مجددا و هو يرفع كتفيه قائلا بنبرة خافتة :
_ مش عارف يا ديما ! من ساعة ما عرفت انه جاي و انا مش عارف مالي ،، تعرفي بقاله قد ايه مجاش !؟ تعرفي اني معرفش شكله بقي عامل ازاي ! انا حتي مش عارف اذا هو هيعرفني لما يشوفني ولا لا !!!!
و انهي كلامه بتنهيدة حزينة جعلتها تتألم لأجله ، تحركت يدها عفويا لتمسك بيده و تضغط عليها مما جعله يرفع عينيه و ينظر لها و الي ابتسامتها الدافئة حتي سمع نبرتها الرقيقة و هي تقول :
_ ممكن يكون حس بالذنب لما بعد عنك كل ده و حب يرجع يتقرب منك ! و بعدين متقلقش في الاول و في الاخر ده باباك و انت ابنه ! مستحيل هيضرك
_ و بالنسبة للسنين اللي سابني فيها و امي اللي لما تعبت محاولش حتي ان يتصل يشوف احنا عاملين ايه و عايشين ازاي !
نظرت له بتأثر لتقوم من كرسيها و تجلس بجانبه لتضغط علي ساعده قائلة بنبرة متفائلة :
_ يا آسر انسي اللي فات و ركز في اللي جاي ،، لو فضلت تتحسر علي اللي حصل زمان هتضيع وقتك و مش هتستفيد بحاجة ! خير يا آسر متقلقش !
تنهد مجددا لترتسم ابتسامة رقيقة علي شفتيه و هو ينظر لها بحب ، كم هي رقيقة !!
هي التي استطاعت تحمله و الوقوف بجانبه في اصعب الاوقات التي مر بها ! ابتسامتها المشرقة و عينيها الدافئة هم من اعطوه أمل في حياته المملة تلك ! بل في وقت ما كانا الهدف الذي كان يعمل ليحظى بهما ، فاق من شروده علي تربيتة رقيقة منها لينظر لها بتركيز و يمسك بيدها قائلا بنبرة متأثرة :
_ ربنا يخليكي ليا !
و كان ردها ابتسامة خجولة و وجنتين احمرا خجلا ليضحك هو بسعادة علي مظهرها البريء ، اتسعت ابتسامتها لضحكته لتخبره بعد لحظات بنبرة جادة :
_ آسر ! ممكن يكون الوقت مش مناسب بس انتَ لازم تيجي تتقدملي ، بابا و ماما زهقوا و ابتدوا يحسوا انك مش واخد الموضوع بجدية و بتتسلي !
ترك يدها بضيق ليقول مغتاظا :
_ و هو يعني لو كنت بتسلي كنت روحت قولتلهم اني بحبك !
_ ايوة بس هما مش مقتنعين بكده ! هما مصرين انك تيجي و تتقدم رسمي و تتكلم في تفاصيل غير كده مش هيقتنعوا بحاجة !
_ حاضر يا ديما ،، هستغل ان بابا جاي و هقوله و هنتفق علي معاد اجي اتقدملك فيه
ابتسمت له بسعادة و هي تومأ بسرعة قائلة بفرحة :
_ ماشي !
بادلها الابتسام ليعود و يتذكر مكالمة والده مما جعله ينظر اليها مجددا و يتساءل بفضول :
_ تفتكري ايه المفاجأة اللي بابا قال عليها !!!!؟
***
كان يجلس علي حاسبه المحمول بملامح جامدة ناظرا لصورته هو و عائلته ، كان صغيرا في تلك الصورة ، يضحك بملامح فرحة و سعيدة ببراءة لطيفة و والديه محتضنان بعضهما بحب
او كما كان يظن و هو صغير ! فقد بدا الان امامه واضحا بأنهما كانا يتصنعان الحب ، يتصنعان السعادة حتي ، والدته المسكينة بدا الحزن واضحا في عينيها رغم ابتسامتها المتسعة المصطنعة !
اخرجه من شروده طرق علي الباب جعله يغلق حاسبه و يقوم بملل ليفتح الباب ، فتحه ليفسح مجالا لصديقه الذي دخل بضجة كعادته منذ سنين :
_ سالخيييييير !!
_ انت رايح فرح يا بني ادم !
نظر له صديقه و هو يلقي بجسده علي الاريكة قائلا بابتسامة سعيدة :
_ مش بعملك حس في بيتك الكئيب ده !!
ابتسم بيأس و هو يغلق الباب قائلا بموافقة :
_ علي رأيك انت اللي عامله حس فعلا ! تقولش الببت بيتك !
_ ايوة مهو بيتي فعلا !
ثم تابع غامزا :
_ بعدين خلاص كلها فترة و هتيجي اللي تعملك حس !
_ و انت الصادق ابويا هو اللي هيجي قبلها !
_ صحيح مكلمكش بعدها !
_ لأ !
جلس (آسر) بجانب صديقه (رامي) ليسأله الاول بجدية :
_ عملت ايه في موضوع رانيا !؟
لوي فمه بامتعاض عقب سماعه لسؤال صديقه ليقول بغيظ :
_ طلعت مرتبطة !
_ طب مش مشكلة ،، كان في سهر !؟
_ مكتوب كتابها !
_ ليلي !!!؟
نظر له صديقه بضيق ليصحح له :
_ ليلة !!
ثم تابع :
_ لا دي strong independent woman مش بتتجوز !
ضحك (آسر) بقوة لينظر له (رامي) بضيق و هو يقول متحسرا علي حاله :
_ انا ناقص ادور علي كلبة اتجوزها !
ثم خبط كفا بكف و هو يقول باستنكار :
_ ده حتي كلاب مش لاقي !!!
_ مهو بصراحة مفيش واحدة هتتخبط في دماغها و ترضي تتجوزك !!
_ يا عم ما المجانين كانوا كتير ،، لما جيت افكر في الجواز عقلوا !!!!!!!!
ثم تابع عاقدا حاجبيه :
_ خلاص ازمة العنوسة اتحلت لما جيت اتجوز !!!!
ظل الاخر يضحك علي صديقه بسخرية ليكمل الاخر متحسرا :
_ يا حظك الاسود يا رامي يا ابن ام رامي !
_ ما تنشف بقي كده و تشيل طاجن ستك اللي حاطه علي راسك ده !!
_ يا عم مش راضي يتشال !!
ثم تابع :
_ و صحيح هتحس بيا ازاي ! مهو بيضالك في القفص ، اول ما حبيت واحدة و روحتلها طلعت هي كمان بتحبك !!
_ بطل قر !
_ انا مش بقر انا بنق !!
ثم مصمص شفتيه و هو يقول :
_ مش كان ابوك يجيبلك اخت حلوة كده كنت لمتها و اتجوزتها !
_ طب الحمد لله انه محصلش ،، الحاجة الوحيدة العدلة اللي ابويا عملها !!
_ ليه كده يا فقري ليه كده! ليه قطع الارزاق
_ قطع ارزاق!! و بعدين اعملك ايه انا! معنديش اخوات يا سيدي ايه هخلي ابويا يخلفلك مخصوص
اشاح (رامي) بيده و هو يقول بامتعاض :
_ يا عم خلاص ده انت رغاي اوي! و بعدين فعلا الحمد لله انك معندكش اخت كان زمانها شبهك و انا مش ناقص قلبة نفس
نظر له (آسر) بغيظ قبل ان يقول بتعجب :
_ معرفش انت معيد و بتدرس ازاي بأسلوبك ده
_ اسلوبي اللي مش عاحبك ده ياخويا هو اللي مأكلني عيش!
_ انت ليه محسسني انك رقاصة مش معيد!
قالها (آسر) بسخرية ليرد هو بتهكم :
_ مالها الرقاصة يعني! مش بتاكل من عرقها برده..
_ رامي اسكت مش ناقص صداعك
قام (رامي) من جلسته ليقول بجدية :
_ خلاص يا سيدي انا هقوم خالص
نظر له (آسر) بدهشة قبل ان يقضب حاجبيه باستغراب قائلا :
_ ايه يا ابني رايح فين!
_ رايح المطبخ جعان
قالها ثم ابتعد متجها الي المطبخ ليعود (آسر) و يستند بظهره علي الاريكة متمتما بسخرية :
_ و الله انا حاسس ان انا اللي جايله البيت!!
******
ذهبا الي احدي الفنادق الراقية لتذهب هي و تجلس علي الاريكة في الاستقبال بينما كان (سالم) والدها يتولي أمر الغرف!
هزت قدمها بتوتر و هي تطلع حولها بتحفظ!
هي ناقمة علي وضعها و بشدة!! لا تعلم لمَ اتي بها والدها الي مصر!
و لمَ سيجعلها تعيش مع أخيها هذا!
لمَ لا تكمل حياتها في أمريكا!
غللت اصابعها الطويلة في شعرها البني المموج بتوتر قبل ان تجد والدها يتقدم منها ثم يقول عندما وقف امامها :
_ يلا يا ليو عشان نطلع
اومأت بملامح واجمة قبل ان تقوم و تذهب خلفه ليصعدا و يتجها الي جناح قبل ان يدلفا و يداف خلفهما العامل حاملا حقائبهم.
اغلق (سالم) الباب بينما القت (لونا) بجسدها علي الاريكة باجهاد فذهب
ليجلس بجانبها قائلا :
_ انا عارف انك مش حابة الوضع ده.. بس انتِ لازم تعرفي ان انا لو عليا اعملك اللي يريحك.. بس انا مش هعرف انزل مصر و اسيبك في امريكا لوحدك
نظرت له بضيق ثم تذمرت قائلة :
انا مش صغيرة يا بابا! _
اقترب منها ليحتضن وجهها بكفيه و هو يقول لها بحنو :
_عارف يا حبيبتي صدقيني .. بس انا مش هقدر اسيبك لوحدك في بلد تانية
_و انت ليه عايز تيجي مصر!
قالتها بغيظ فابعد يديه و اولي ظهره لها قائلا بنبرة متوترة بعض الشيء :
_عادي يا لونا.. كان مسيرنا كده كده نرجع مصر.. و انا حسيت ان ده الوقت المناسب غير اني عندي حاجات عايز اعملها هنا
اقتربت منه لتقف خلفه و تقول له بنبرة ضيق :
_ انت عمرك ما قولتلي ان احنا ممكن نرجع و نستقر هنا! انا كل ده كنت فاكرة اننا هنفضل ننزل مصر اجازات زي ما كنا بنعمل! بابا that’s not fair انا مش هقدر اكمل هنا!
زفر بملل قبل ان يلتفت لها و يقول بنفاذ صبر :
_لونا خلاص اللي عندي قولته... خلاص شوية و هتتعودي علي الحياة هنا و مش عايز اسمع اي تعليقات تانية.. احنا هنفضل قاعدين هنا شوية عقبال ما اخلصلك ورق جامعتك و ساعتها هتروحي تقعدي عند اخوكي!
كادت ان تحتج و لكنه رمقها بضيق و تركها و غادر فتجمعت الدموع في عينيها قبل ان تلقي بنفسها علي الاريكة و تجهش ببكاء مرير!
المصائب تأتي اليها كوابل من رصاصات بداية من وفاة والدتها لتجد بعدها والدها يرغمها علي المكوث في بلدة لا تريدها مع اخ ظلت طوال سنين حياتها لا تعلم عنه شيء!
والدها لا يقدر حالتها!
غللت اصابع يديها في شعرها و هي تزم شفتيها محاولة كتم شهقاتها.
ابعدت اصابعها لتكفف دموعها و تتجه الي احدي الغرفة و تتمدد علي السرير دون تبديل ملابسها..
عادت دموعها تجري علي وجنتها مجددا قبل ان تغمض عينيها و تحتضن جسدها بذراعيها محاولا بث الطمأنينة الي نفسها الخائفة..
محاولا طرد تلك الوحدة المتسربة اليها..
متسربة اليها حتي من قبل وفاة والدتها...
******

رواية حب من نوع آخرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن