الفصل الرابع عشر (1)
صمت اطبق عليهم جميعا بعد تصريح (سالم) الأخير ... و احاسيس متناقضة و مختلفة سيطرت علي كل منهم .. و لكن اغلبها لم يكن بجيد علي اي حال !
أول من تخلص من وجومه كان (آسر) و ذلك يعود فقط لتوقعه بحدوث شيء كهذا ..
كان هذا السبب الثاني في الحقيقة ..
اما الاول .. فكانت شقيقته !
شقيقته التي شعر برعشة يديها القابضة علي يده و سيطرتها الكبيرة علي انفاسها لتخرج بصورة طبيعية ..
و لكنها بدت بأنها علي وشك البكاء امام الجميع رغم محاولاتها المستميتة !
حرر يده من كفي شقيقته ليحتضن كتفيها بذراعه و يضمها إليه ناظرا لوالده بغيظ الا انها دفعت ذراعه و خرجت راكضة واضعة يدها علي شفتها محاولة كتم شهقاتها ..
نظر (آسر) لأثرها ثم لوالده الذي بدا علي وجهه الأسي الا ان ابنه لم يشفق عليه !
نظر (رامي) لهم بأسف قبل ان يخفض رأسه بحرج و يخرج بخطوات بطيئة نسبيا كي لا يزيد من حرجهم اكثر ..
نظر (آسر) لوالده بضيق قبل ان يدمدم باستنكار سمعه :
_ انا مش مصدق بجد ..!
ثم امسك بيد (ديما) التي كانت مخفضة رأسها بينما التمعت عينيها بقوة ليجذبها و يخرجا بخطوات سريعة ..
لم يتبقي سوي (سالم) و (ناني) و (ميان) التي ابتسمت بسعادة حاولت اخفائها بسبب تعكير صفو (ديما) في نهاية حفل خطبتها ...
التفت (سالم) لناني ناظرا لها بغيظ قبل ان يبتسم بغضب قائلا :
_ اديني عملتلك اللي انتِ عايزاه ! ارتاحتي كده ؟
و في الواقع أمر ابناءه لا يهمها البتة و لكنها رسمت معالم الحزن علي وجهها و هي تقول له بندم مصطنع :
_ سالم انا ..
_ يلا عشان اروحكم
قالها (سالم) مقاطعا بصرامة فاومأت هي بارمة شفتيها بأسي قبل ان تنظر لاختها الصغيرة التي نظرت لها بطرف عينها بابتسامة غامضة ..
علي الجانب الآخر خرج (آسر) و (ديما) ليجدا (رامي) واقفا مخفضا رأسه و عاقدا ذراعيه امام صدره مستندا بظهره علي مؤخرة السيارة !
اقتربا منه فرفع رأسه ليقابل نظرات صديقه المحدقة به باستغراب فتنهد ليشير برأسه ناحية المقعد الأمامي للسيارة فمال برأسه ليجد شقيقته تخفي وجهها بين كفيها منتحبة بصوت ارتفع حتي وصل إليهم ..
تنهد (آسر) بحزن لتنظر له (ديما) بأسي حتي لمحت من خلفها والدها يخرج من سيارته ليتجه إليهم باستغراب بعدما لمح وقوفهم و الوجوم الذي ظهر علي وجههم جميعا ..
_ خير يا جماعة في حاجة ؟
تشدق به والدها فالتفتا (آسر) و (رامي) قبل ان يهم الأول بالحديث و لكن قاطعته (ديما) و هي تنظر لوالدها قائلة :
_ لا يا بابا مفيش حاجة
ثم تركت يد (آسر) قبل ان ترفع اطراف فستانها بكلتا يديها و ترفع انظارها إاليه قائلة بخفوت لم يسمعه الا هو :
_ انا هركب مع بابا و ماما ... خليك جنب لونا متسيبهاش
لم يعارضها فنظر له باعتذار قبل ان يومأ لها بضيق فتنهدت هي قبل ان تنظر لرامي بابتسامة مقتضبة و تهز رأسها تودعه فاومأ لها بفتور مبتسما ابتسامة صغيرة لم تقل اقتضابا عنها ..
تحركت ممسكة بفستانها بينما نظر والدها لها باستغراب قابلته بنظرات حزينة اثارت توجسه قبل ان تتخطاه و تتجه لسيارتهم قابضة علي فستانها بقوة مخفضة رأسها قبل ان تفتح الباب الخلفي و تجلس ثم تلملم باقي فستانها و تغلق الباب تنهد والدها قبل ان يركب السيارة هو الآخر و يدير محركها و يهم بالذهاب ...
استندت (ديما) برأسها علي الزجاج بأسي قبل ان تلمح والد (آسر) و الفتاتين يخرجوا من القاعة متجهين لسيارة الاول ..
لمحتها (ميان) و هي تسير فتقابلت نظراتهما لتبتسم الاولي ابتسامة لم تفهمها (ديما) فتنهدت لتشيح بوجهها و تعود برأسها لتستند علي ظهر الاريكة ...
بينما ظلا (آسر) و (رامي) واقفيين قبل ان يلمح الاول والده فكشر وجهه بحنق قبل ام يشيح به بينما تنهد (سالم) ليسير الي سيارته ...
زفر (رامي) قبل ان يربت علي كتف صديقه قائلا بوجوم :
_ يلا عشان اوصلكم !
اخفض (آسر) رأسه ليقول بتمتمة بالكاد سمعها صديقه :
_ لا مفيش داعي تتعب نفسك
فرك (رامي) وجهه ليقول بصوت هادئ مغتاظ :
_ حتي لو مفيش داعي لازم نركب كلنا عشان عربيتي مركونة عندك
تذكر (آسر) ملاحظته الاخيرة فاومأ بصمت قبل ان ينظر لاخته التي زاد نحيبها فتألم لأجلها قبل يقترب و يفتح الباب الذي بجانبها فرفعت وجهها إليه ليصدم به شديد الحمرة بسبب بكاءها ..
امسك بمرفقها بهدوء ليخرجها من السيارة و يفتح الباب الخلفي ليجلسها و يجلس بجانبها مغلقا باب السيارة بينما نظر لهما (رامي) بأسف قبل ان يتجه الي مقعد السائق و يفتح الباب ليركب و يتحرك بالسيارة الي منزل صديقه ..
******
رجفة سيطرت علي جسده و يديه الممسكة بعجلة القيادة و زاغت عيناه بتوتر و ارتباك سيطر عليه و لم يجاهد في اخفاءه فنظرت له بتوجس شاعرة بوجود خطب ما منذ انتهائه من مكالمته مع والدته ، توترت قليلا و لكن هيئته أثارت قلقها فسألته بصوت خافت :
_ في حاجة ؟
_ بابا دخل المستشفي
قالها بصوت خرج خافتا و لم ينظر لها فشهقت هي بأسف و هي تجده ينظر للطريق بتيه قائلا لنفسه بصوت مسموع :
_ انا مش عارف اعمل ايه دلوقتي و ...
قاطعته هي بنبرة سريعة و حاسمة :
_ اطلع علي المستشفي !!
نظر لها بطرف عينه بذهول قبل ان يقول لها باستنكار مرتبك :
_ ازاي و انتِ معايا .. اقصد هتروّحي ازاي !! هتتأخري !!
اومأت نافية قبل ان تقول له بجدية شديدة :
_ انا مش مشكلة المهم اطلع علي المستشفي و بعد ما تطمن علي باباك نتصرف
لم يناقشها في الأمر كثيرا فاومأ علي عجلة ليزيد من سرعة قيادته حتي يصل إلي المشفي التي نقل بها والده !
مر بعض الوقت ليصف سيارته امام المشفي بعشوائية ثم يخرج منها بسرعة ففتحت الباب و حاولت اللحاق به بخطوات سريعة نسبيا بسبب حذائها العالي !
عندما دلفت الي المشفي وجدته واقفا يسأل موظف الاستقبال عن الطابق قبل ان يومأ ثم يلاحظ وجودها كأنه نسيها فوقف ينتظرها حتي اقتربت منه فقال بصوت خافت متعجل و هو يشرع بالذهاب :
_ تعالي هنركب الاسانسير !
كادت ان ترد الا انه تركها فنظرت له بغيظ قبل ان تتنهد و تستشعر جدية الموقف فرفعت ذيل فستانها لتسير بخطوات واثبة خلفه حتي دخلا المصعد ليغلق هو الباب ثم يقف ليلهث بتعب اختلط بقلق بدا جليا علي وجهه مما اشعرها نحوه بشفقة و عطف لم تكن تتوقع ان تشعرهما نحوه !!
لاحظ تأملها له فنظر لها بطرف عينه فعادت تشيح بوجهها و تحيد ببصرها عنه بخجل ربما لو كان في موقف غير ذلك كان شاكسها عليه !!
وصلا للطابق المنشود ففتح بابه و خرج لتخرج خلفه و تسير وراءه ..
وصلا لنهاية الطابق حيث توجد غرفة العناية المركزة و تجلس علي احدي المقاعد سيدة يبدو بأنها والدته !
اتجه إليها بخطوات راكضة فرفعت رأسها لتتجه نحوه فاحتضنها ممسدا علي ظهرها قائلا بنبرة حاول اخراجها هادئة :
_ اهدي يا ماما اهدي ... هيبقي كويس متخافيش
رفعت انظارها إليه بحزن قبل ان تحيد ببصرها لتجد فتاة فاتنة تقف علي بعد منهما تتابعهما بنظرات مشفقة فعادت تنظر لابنها الذي نظر للفتاة ثم نظر لها قائلا :
_ ماما دي رغدة زميلتي و...
قاطعته (رغدة) و هي تقترب بخطوات متعرجة بسبب ركضها بالحذاء قائلة لوالدته بنبرة آسفة :
_ ازي حضرتك يا طنط ! ان شاء الله عمو يقوم بالسلامة في اسرع وقت
و رغم ان رأسه يمتلأ بضجيج بسبب تزاحم افكاره الا ان نبرتها الرقيقة و اللبقة اثارت استغرابه فالتوت طرفي شفتيه بشبه ابتسامة ناظرا لها بشكر قابلته هي بإيماءة و بسمة صغيرة تكاد ان تري ..
الا انهما ذُهِلا عندما ابتعدت والدته عنه بعنف و هي تحدجه بسخط مصيحة به بحدة :
_ هي دي الهانم اللي مكنتش هتيجي عشانها !!
نظر لها باستنكار بينما هي بهتت لتنظر لهما بذهول لتتابع السيدة بحنق و هي تتفحص فستان سهرتها :
_ دي بقي اللي انت سيبت ابوك و هو في الحالة دي عشان تحضر حفلتها !!
استنتج ان والدته فهمت الأمور علي نحو خاطئ فتنهد قبل ان يقول لها محاولا تهدئتها :
_ ماما انتِ فاهمة غلط .. الحوار انه ...
قاطعته هي بحدة لتقول له مشيرة اليها بسخط :
_ الحوار انه حضرتك بتصيع مع الهانم و سايبني انا محتاسة مع ابوك
عضت (رغدة) علي شفتها بضيق مانعة نفسها من الرد عليها لعلمها بحالتها النفسية السيئة فعادت للخلف بخطوات بطيئة قبل ان تذهب الي المقعد الاخير و تجلس عليه مخرجة هاتفها لتتصل بوالدتها مجددا ، بينما تابعها هو بنظرات محرجة قبل ان ينظر لوالدته بغيظ مكتوم قائلا :
_ ايه اللي انتِ بتقوليه ده يا ماما !! الحاجات اللي في دماغك دي مش حقيقية !
نظرت له والدته بسخرية قبل ان ترمقه بضيق و تقول له باستنكار :
_ ما انت طول عمرك مستهتر و بتاع بنات ... هتوقع من واحد زيك ايه ؟
شعر بمالبغة والدته ففرك وجهه براحتيه بغيظ قبل ان يقول لها بضيق :
_ انتِ ليه محسساني ان اللي تعبان ده مش ابويا !
_ قول لنفسك
قالتها بسخط و هي تعود لتجلس فنظر لها بغيظ قبل ان يعود و ينظر لرغدة ليجدها تنهي المكالمة ثم تضع هاتفها علي الكرسي بجوارها قبل ان تميل بجذعها و تستند بمرفقيها علي ركبتيها لتخفي وجهها بين راحتيها بتعب جعله يشعر بالذنب نحوها ..
تنهد قبل ان يقترب منها بخطوات بطيئة فرفعت عينيها الناعسة إليه تتطلع اليه بهدوء فاصطنع ابتسامة علي ثغره و هو يجلس بجانبها قائلا بخفوت :
_ اسف
رمشت له اكثر من مرة بعدم فهم قبل ان تعتدل في جلستها ليتابع هو بحرج :
_ اسف علي كلام ماما ... هي بس متوترة بسبب تعب بابا
_ انا مقدرة يا حاتم مش محتاجة تعتذر
قالتها بجدية جعلته ينظر لها بشيء من الذهول فابتسمت له ابتسامة صغيرة قبل ان تعود برأسها لتسنده علي الحائط مغمضة عينيها بتعب فزفر هو ليشيح بوجهه قبل ان يقول :
_ تعبتك معايا انهارده
_ المهم باباك يقوم بالسلامة
قالتها بنبرة ودودة جديدة عليها معه ..
هي لا تحبه .. نعم
و تحب اثارة غضبه و استفزازه .. بالطبع
و لكنه في مأزق كبير ، من باب اللطف ان تظهر تعاطفها معه او علي الأقل تعامله بهدوء..
كما انه حاول مصالحتها اليوم !! و هي ليست وقحة لدرجة ان تصده .. و هو في موقف كموقفه !
_ شكرا
تمتم بها بتنهيدة ثقيلة ففتحت عينيها و نظرت له بطرف عينها قبل ان تبتسم بخفة ثم تعود و تغمض عينيها قبل ان تفتحهما مجددا بسرعة بعد رنين هاتفها فامسكت بالهاتف لتنظر لاسم المتصل قبل ان تغلقه و تنظر له و هي تقوم :
_ بابا خلاص بعتلي العربية مع السواق ... همشي انا و خليك انت مع باباك
رفع انظاره لها قبل ان يقوم من جلسته بابتسامة صغيرة قائلا :
_ توصلي بالسلامة
اومأت بابتسامة قبل ان تقول له بخفوت :
_ ربنا يقوم باباك بالسلامة
_ امين
ابتسمت مرة اخري قبل ان تولي ظهرها له و تسير راحلة عن المكان بينما هو تنهد و ظل ينظر لها حتي دخلت المصعد و نزلت فعاد ادراجه ليجلس بجانب والدته التي حدجته بسخط كبير الا انه نظر لها بوجه جامد قبل ان يعقد ذراعيه امام صدره و يستند برأسه علي الحائط مغلقا عينيه محاولا الهروب من واقعه و لو لدقائق ...
*******
صف السيارة امام بناية صديقه ثم التفت لينظر لهما ليجد ان (لونا) قد غفت علي كتف شقيقها الذي ظل جالسا بشرود واجم حتي انه لم يلحظ توقف السيارة ..
تنهد (رامي) قبل ان يناديه :
_ آسر احنا وصلنا
انتبه له (آسر) قبل ان يلتفت لشقيقته ليربت علي ساقها بخفة ليوقظها قائلا :
_ لونا .. لونا احنا وصلنا اصحي
تململت قبل ان تفتح عينيها و ترفع رأسها لهما ثم تتجه الي الباب الاخر لتفتحه و تخرج متجهة الي البناية بصمت ، تنهد (آسر) و هو يراقبها قبل ان يخرج من السيارة ثم يلحقه (رامي) الذي سار متجها لسيارته و لكن اوقفه (آسر) مناديا فالتفت له مجددا ليجده يقول بضيق :
_ معلش يا رامي .. تعبت معانا انهارده !
نظر له (رامي) بلوم قبل ان يقول له :
_ عيب يا آسر تقول كده .. انت اخويا
ابتسم له (آسر) قبل ان يبتسم (رامي) قائلا محاولا تلطيف الوضع :
_ بعدين مش لو كنت مكاني كنت هتعمل كده برده ولا ايه ؟
_ لا
قالها (آسر) بابتسامة صغيرة مشاكسا فضحك (رامي) قبل ان يومأ قائلا :
_ ماشي .. انا همشي بقي
ثم تابع :
_ زمان امي مستنياني من ساعة ما روحتها البيت
اومأ (آسر) قبل ان يجد صديقه يلوح له ثم يذهب الي سيارته ليركبها و يبتعد بها ..
تنهد هو قبل ان يدلف للبناية و يصعد للداخل ..
فتح باب المنزل ليسمع صوت نحيبها من غرفتها فتنهد ليغلق الباب و يتجه الي غرفتها ثم يطرق عليها و يدلف بعدها ..
وجدها جالسة علي سريرها و قد بدلت ملابسها تضم ركبتيها لصدرها و تنتحب مخفية وجهها خلف كفيها ، الا انه عندما سمعته يدلف لغرفتها ابعدت يديها لتكفف دموعها بقوة محاولة التقاط انفاسها ..
نظر لها بأسف قبل ان يخلع حلته و ربطة عنقه ليبقي بقميصه ثم يجلس بجانبها ، فتنحت جانبا لتترك له مكانا فجلس بأريحية قبل ان يحتضن كتفها قائلا :
_ انا عارف انك زعلانة ... بس بصراحة مش فاهم انتِ منهارة بالشكل ده ليه ؟ يعني انا كنت فاكرك اتعودتي !
نظرت له بحزن قبل ان تشهق و تقول بانفعال :
_ ايوة بس مش كده ... انا معنديش مشكلة انه يتجوز .. بس مش بالسرعة دي ... ماما مبقالهاش كتير يا آسر !
ثم تابعت من خلف دموعها بغيظ :
_ دي استحملت كتير عشان البيت يمشي .. استحملت علاقاته .. خسارة فيها يستني شوية يراعي انها مش ميتة من كتير !!
شعر بأن والدتها المسكينة كان حالها كحال والدته ، حتي هو يتذكر انه شعر بشعور مشابه عندما كان في مثل عمرها تقريبا ...
_ ده انا حتي لما جيت سافرت معاه علي هنا قولت فرصة نتقرب من بعض .. لأني مليش غيره بس رماني عندك و راح يشوف حياته .. حتي مكانش بيتصل بيا كتير !
تابعت بغضب باكي فشعر بالشفقة نحوها فضمها اكثر بينما هي تابعت بحنق :
_ و جاي يوم خطوبتك يقول انه هيتجوز .. و هو عارف ان الخبر كان هيضايقنا بس مع ذلك قاله في وقت زي ده !
اسند رأسها عند تجويف عنقه بيمسد علي شعرها بحنو قائلا :
_ خلاص اهدي ... بعدين انا معاكي اهو !
رفعت انظارها إليه بتعجب فابتسم له ليربت علي شعرها فابتسمت له بين دموعها لتعود و تلقي برأسها علي كتفه قائلة برهبة :
_ انت شوفت شكل خطيبته و اختها ! شكلهم مش مريح يا آسر !! هو حقه يختار اللي هو عايزها بس انا مش مرتحالهم
ثم ابتعدت عنه بسرعة لتنظر له بخوف متسائلة :
_ انا ازاي هعيش معاهم لما يتجوزوا ؟
اومأ نافيا ليقول لها مبتسما :
_ هتفضلي معايا مش هسيبك تقعدي معاهم !
تشكلت ابتسامة سعيدة علي ثغرها و هي ترمقه بامتنان قبل ان تعود و تعبس بحرج قائلة :
_ و ديما !! ما انت هتتجوزوا برده
توترت نظراته بارتباك قبل ان يتنهد ثم يقول محركا كتفيه :
_ مظنش ان ديما هتضايق ... حتي هي بتحبك جدا
تنهدت بأسي فنظر لها مبتسما قبل ان يربت علي كتفها :
_ متشغليش نفسك بحاجات لسة بدري عليها
اومأت له فربت علي رأسها ليقوم و يذهب الا انها اوقفته منادية فوقف امام بابه و التفت نصف التفاتة ليجدها تقوم لتقف امامه قبل ان تبتسم و تحتضنه قائلة :
_ thank you !
_ انا ملاحظ انك بتيجي في الاخر بتفتكري انك كنتي عايشة برا فتقومي طالعة بجملة انجليزي !!
قالها بسخرية مداريا حرجه الا انها ضحكت فابتسم قبل ان يضمها و يربت علي رأسها قائلة بابتسامة هادئة :
_ ده انا اللي thank you و الله
ضحكت قبل ان تبتعد عنه فلكمها بخفة في كتفها قائلا :
_ يلا روحي نامي صدعتيني
نظرت له بغيظ و هي تمسد علي كتفها بألم بسبب ضربته فنظر لها بسخرية قائلا :
_ وجعتك ! ده انتِ طرية اوي !!
خرج من غرفتها ليلوح لها بابتسامة قبل ان يسير الي نهاية الرواق حيث توجد غرفته ليغلق الباب بينما هي ابتسمت بأسي لتغلق باب غرفتها بدورها و تتجه الي السرير لتعود و تتذكر خطبة والدها .. فالتمعت عينيها بحزن قبل ان تغلق ضوء المصباح الخافت لتحاول النوم رغم الغصة المسيطرة عليها
********
ظلت جالسة علي مكتبها تنظر الي اللا شيء بملامح بدا عليها الأسي!
فما المتوقع منها بعدما حدث في نهاية اليوم!!
كانت تختلق لوالده الاعذار دائما و لكنها صدمت من فعلته..
لم يستطع اخبارهم بزواجه في وقت انسب من هذا!!
تنهدت بغيظ قبل ان تمر من امامها والدتها لتتنهد هي الاخري بغيظ قائلة بصوت عالي :
_ منه لله نكد علي العيال يوم خطوبتهم!!
زفرت (ديما) بعد جملة والدتها قبل ان تسمعها تتابع بتساؤل :
_ هو ابو خطيبك ده مش بيتهد يا بت!!
_ معرفش بقي يا ماما هو حر في حياته و خلاص
قالتها (ديما) بملل فنظرت له والدتها باستنكار قبل ان تقول لها :
_ بس مش للدرجادي.. انتِ مشوفتيش شكل آسر!!
نظرت لوالدتها بأسي قبل ان ترحل الاخيرة فامسكت هي بهاتفها لتتصل به، اجابها بسرعة ليقول لها :
_ ازيك يا ديما.. كنت لسة هكلمك
_ عامل ايه يا آسر؟
_ هكون عامل ايه يعني... عادي
قالها بسخرية بدت مغتاظة فتنهدت بحزن قبل تمرر يدها في شعرها المفرود و كادت تتكلم الا انه تنهد قبل ان يقول لها بنبرة احزنتها :
_ انا أسف يا ديما... اليوم قفل قفلة وحشة و نكدت عليكي
_ ايه اللي انت بتقوله ده يا آسر! بعدين المهم انت دلوقتي؟
تنهد هو قبل ان يمدد جسده علي السرير و ينظر امامه بشرود و هو يجيبها :
_ انا مفرقتش معايا.. يمكن اتضايقت عشان بابا مختارش الوقت المناسب.. او عشان حسيت ان موضوعنا مش فارق معاه اساسا
ثم اعتدل في جلسته علي السرير ليتابع باقتضاب :
_ انا مش فارق معايا دلوقتي غير لونا.. من ساعة ما وصلنا و هي كانت عمالة بتعيط.. حتي مش مراعي ظروفها
_ محدش عارف ظروفه يا آسر
ليست مقتنعة بما تقوله.. تعترف و بصراحة
و لكنها لا تملك سوي ان تواسيه بكلمات تعلم انها لن تفيد و لكنها تحاول..
_ ظروفه! ظروف ايه يا ديما !!! مكانش عارف يستني شوية في ظروف افضل من كده... دي واحدة امها لسة ميتة من كام شهر و يدوبك بدأت تفوق
قالها بحدة غلبت نبرته بعد جملتها الأخيرة لكنه تنهد و هدأ قليلا ليتمتم بضيق :
_ معلش انا اسف اني اتعصبت عليكي
_ انا مقدرة وضعك يا آسر متخافش
قالتها بنبرة حنونة فابتسم قائلا :
_ ربنا يخليكي ليا!
لم ترد فشعر بخجلها فلم يريد احراجها حتي تكلمت هي :
_ لونا نامت دلوقتي!؟
تنهد عقب سؤالها ليقول رافعا كتفه :
_ تقريبا... انا لسة سايبها من شوية!
_ خليك قريب منها الفترة دي.. هي محتاجاك جنبها
_ حاضر.. ربنا يستر عليها بس لما بابا يتجوز
_ خير متخافش
لم تكن حالتهما تسمح لتبادل الحديث لأكثر من ذلك فأغلقا الخط ليقوم هو من سريره و يخرج من غرفته ليتجه الي غرفة اخته..
توقع ان تكون نائمة الا انه سمع صوتا من الداخل فمال برأسه ليضع اذنه علي الباب فسمع شهقات بكائها فتنهد بأسي اختلط بالغيظ قبل ان يتجه إلى صالة البيت و يجلس علي الاريكة فاركا وجهه بغيظ...
بالفعل أمر والده لا يهمه لأنه يعلم عدم اهتمام والده به..
يعلم منذ انفاصله عن والدته و عدم اتصاله به..
عندما سافر و توفت والدته و لم يأتي...
عندما قرر ان يلغي دوره في حياة ولده بكامل إرادته!
هو يعلم و متأكد أنه لا يهتم..
و لكن ما ذنب تلك المسكينة!!
لن يكذب عندما يقول انه يتألم لأجلها.. هي شقيقته الصغري في النهاية!
بالفعل لم يعلم بوجودها.. الا من شهور
بالفعل استنكر وجودها في البداية.. و لكنها لا تملك سواه!
مهما شعر بالضيق او الغيظ.. تلك شقيقته
تلك شقيقته الرقيقة التي رغم سخافته معها في البداية الا انها حاولت بكل طاقتها ان تسعده..
حاولت مسعادته و فرحت لسعادته!!
زفر في النهاية و هو يشعر بأنها في تلك الفترة الاخيرة اصبحت قريبة من قلبه.. بل هو شعر اليوم بأنها ابنته!!
ابتسم عندما تذكر احتضانها له في النهاية اليوم..
هو لا يتذكر ان احد احتضنه بحنو من بعد وفاة والدته!!!
يكفي ان وجودها اصبح يشعره انه لازال يملك احدا من عائلته..
قطع تفكيره صوت الباب يُفتح فاظلمت عيناه و هو يرفع رأسه نحو الباب ليجد والده يدلف داخل المنزل..
_ ازيك يا آسر؟
ابتسم (آسر) بسخرية عقب سؤاله قبل ان يعتدل في جلسته و يشير لنفسه بكلتا يديه بتهكم :
_ انا؟ انا زي الفل!!
ثم تابع و هو يقوم ليضع يديه في جيب بنطاله الذي لم يبدله بعد :
_ يعني يوم ما اخطب اعرف ان بابا كمان خطب و هيتجوز... هو في احلي من كده؟
قال جملته الاخيرة بسخرية كبيرة فقطب (سالم) بضيق قبل ان يقول له بجمود :
_ عايز تقول ايه يا آسر؟
_ اظن ان حضرتك فاهم
قالها بجمود مماثل قبل ان يتنهد (سالم) و يقول له :
_ فاهم قصدك.. بس مش فاهم ايه المشكلة اني اشوف مناسبة و اقرر اتجوزها
_ لا مفيش مشكلة طبعا... و مفيش مشكلة اننا نكسر قلب البنت اللي مامتها متوفية من فترة صغيرة و مش بتشوف ابوها غير كل فين و فين
قالها بغيظ قبل ان يبتسم ابتسامة صفراء و هو يجز علي اسنانه متابعا :
_ عادي يعني ايه المشكلة مش فاهم!!
نظر له والده بضيق قبل ان يتنهد بسأم قائلا :
_ انت قولتها.. مامتها اتوفت.. خلاص الله يرحمها مش هنوقف حياتنا عليها
نظر له (آسر) بغيظ من بساطته ليجده يتابع :
_ و عامة لونا انا هروح اكلمها و اقنعها..
قالها و هو يبتعد متجها ناحية غرفتها فذهب هو ليقف امامه قائلا بجدية :
_ لا... ياريت حضرتك متتكلمش معاها دلوقتي
_ ليه يعني؟
سأله (سالم) بحدة فنظر له (آسر) بغيظ شديد ثم قال له :
_ عشان هي نفسيتها مش مستحملة اي مناقشة من اي نوع!
_ و ده من امتي؟
تشدق بها (سالم) بها بسخرية و هو يتطلع إليه بغيظ فابتسم له بتهكم قبل ان يقول :
_ من انهارده
ثم رفع كتفيه و هو يقول مبتسما بسخرية :
_ دي اختي برده!!
لم يرد عليه (سالم) و لكنه ابتسم في النهاية فنظر له (آسر) بوجوم قبل ان يتركه و يذهب لغرفته..
لا جدوي لحديثه في النهاية...
******
استيقظت في الصباح بعد ان تململت علي سريرها بمحاولة بائسة علها تكمل نومها، و لكنها شعرت بأن لا جدوي فقامت و اعتدلت من نومتها و هي تفرك عينيها بتعب و هي تحاول إزاحة شعرها الطويل والكثيف من علي وجهها قبل ان تجمعه خلف ظهرها و تهذبه بأناملها..
في الواقع لم يكن بحاجة لتهذيب فهو كان مالسا من البداية..
فردت ظهرها و ذراعيها قبل ان تفتح باب غرفتها و تخرج لتجد اختها الكبيرة تجلس علي الكرسي الذي بجانب النافذة تنظر للسماء بشرود و هي تضم ركبتيها لصدرها محتضنة كوبها بين كفيها!
_ سرحانة في حبيب القلب!
تشدقت بها (ميان) بسخرية و هي ترمق شقيقتها التي انتفضت في جلستها بفزع ليقع بعض من المشروب الساخن عليها فقامت متأوهة لتضع الكوب ثم تمسك بكنزتها لتبعدها عن جلدها ناظرة لاختها بسخط قائلة :
_ في ايه سرعتيني!!!
نظرت لها (ميان) بلا مبالاة اختلطت بسخرية قبل أن تقول و هي تقترب منها لتجلس علي الاريكة المقابلة لكرسيها :
_ ايه اللي واخد عقلك؟
حدجتها بغيظ قبل ان تمسك بالكوب لتعود و تجلس علي الكرسي قائلة بنبرة عادية و هي تنظر للكوب :
_ مفيش!
_ سالم اتخانق معاكي؟
_ شد معايا اه
قالتها (ناني) بلا مبالاة فنظرت لها (ميان) باهتمام :
_ و هتعملي ايه؟
_ هراضيه بكلمتين و خلاص
قالتها (ناني) و هي ترتشف من كوبها بعدم اكتراث قبل ان تبعده و هي تتذكر شيء ثم تنظر لاختها بغيظ قائلة بتهكم :
_ استني هنا صحيح!! هي البت اللي كانت مع آسر دي خطيبته الوحشة!!!؟
اومأت لها (ميان) ببرود فرفعت (ناني) حاجبها الايسر بسخرية منها لتقول باستهزاء :
_ يا شييخة!!
_ في ايه يا نادين؟
قالتها (ميان) لاختها بحدة و نفاذ صبر فالتوت شفتي (ناني) بسخرية لتقول متهكمة :
_ في انك غيورة يا عيون نادين!!
ثم تابعت و هي تنظر له بوجه جامد قائلة :
_ هي مين دي اللي وحشة! البت زي القمر!!
نظرت لها بغيظ قبل ان تقول لها :
_ لا علي فكرة دي عشان الميكاب لكن هي عادية جدا اصلا!
ثم تابعت بحدة :
_ الميكاب اللي محليها
نظرت لها (ناني) بسخرية قبل ان تقول بتهكم :
_ الميكاب محليها! ممكن.. بس علي الاقل احسن ما واحدة تكون حلوة بعمليات تجميل!!!
نظرت لها (ميان) بضيق عندما شعرت بأنها تخصها بكلامها فقالت لها بحدة :
_ و مالها عمليات التجميل!
_ مالهاش... بس متنسيش نفسك!
قالتها (ناني) بجدية و هي تنظر لاختها بجمود فنفذ صبر الاخيرة و هي تصيح بها :
_ انا مش فاهمة! انتِ عايزة ايه يعني!! ؟
اعتدلت (ناني) في جلستها و هي ترمق شقيقتها بنظرات غامضة قبل ان تبتسم بمكر و تقول بنبرة خافتة بطيئة :
_ مفيش... بس عايزاكي تاخدي بالك.. المنافسة مش سهلة.. خطيبته حلوة متضحكيش علي نفسك
ثم تابعت و هي تنسد ظهرها علي الكرسي :
_ و كمان باين عليه متعلق بيها و بيحبها جامد... فركزي و خدي بالك.. آسر شكله مش زي العيال العبيطة اللي كنتي بتعلقيهم قبل كده!!
نظرت لها (ميان) بمقت شديد قبل ان تقوم من جلستها و تتجه لغرفتها لتصفع الباب بعنف فضحكت (ناني) بسخرية قبل ان تعود و تجلس بأريحية!
هي تعلم مفاتيح اختها... تعلم كيف تشعل روح المنافسة بها...
و تلك المنافسة لم تكن سوي نشر الاعيبها علي بعض الرجال المقترنين بأخريات..
لمَ؟
لان ذلك يشبع ثقة اختها ببساطة..
شقيقتها.. (ميان) عديمة الثقة بالنفس.. التي أجرت العديد من العمليات حتي يصبح شكلها جميل و فاتن كما هي الآن.. تتغذي علي رؤية نظرات اعجاب الرجال بها!
و ان كانوا هؤلاء الرجال مرتبطين.. فتلك الثقة تزيد اكثر فأكثر
و رغم جمالها الفاتن الآن.. الا ان ثقتها لم تكن بدائمة.. فعندما تنال صيدها و تفرغ منه
تعود لعدم ثقتها مجددا.. فتلك العمليات لم تفعل سوي بأن تشعرها بأن جمالها مصطنع عكس الفاتنات الائي ولدن بجمالهم الطبيعي!
في الواقع.. هذا كله لا يهمها!
هي لا تكترث لأمر شقيقتها.. ففي النهاية هي يجب ان تدفع ثمن فعلتها فهي من أودت بهم جميعا لذلك الحال!
فقط كل ما يهمها كيفية استخدام نقطة ضعف شقيقتها لصالحها..
فطالما صيد شقيقتها ثري.. و سيكون سبيل لجني بعض الأموال.. فهنيئا!
ما المشكلة؟
و الصيد تلك المرة... ليس بهين
ابدا...
*******
اشرقت الشمس عليه و هو علي حاله..
يجلس علي ذلك الكرسي في تلك المشفي الكئيبة، يحاصره شعوره بالاختناق و ان تلك الجدران تضيق عليه و تطبق علي انفاسه..
قلبه يتآكل من قلقه..
ربما كل هذا لا يظهر خلف وجهه الجامد و الذي تنعته أمه ب"البارد"... و لكنه يشعر به..
يشعر بأنه علي حافة الهاوية...
ذلك الراقد بالداخل ليس بوالده فقط.. بل هو كل شيء له
روحه متعلقة بروح ذلك المسجي بالداخل...
ارتعش كفيه فشبكهما ثم اغمض عينيه مخفيا دمعة حبيسة كادت ان تظهر...
ظل علي ذلك الحال حتي جاء الطبيب في النهاية يخبره باستقرار حالته، و انه سيكون في حالة أفضل بعد القليل من الوقت..
بعد انتهاء الطبيب من كلماته و رحيله شعر بأن انفاسه تنتظم و بأن روحه بدأت بالعودة و التسرسب لجسده بعد أن شعر بموته القريب!
سمع والدته تحمد ربها بعينين دامعيتين بطمأنينة فابتسم لها ابتسامة صغيرة و ظل صامتا..
فتلك الساعات العصيبة كانت كافية بالقضاء على جميع طاقاته، فأصبح يشعر بأنه غير قادر علي الحديث..
نُقل والده لغرفة عادية حتي يتأكدوا من ان صحته صارت بحال أفضل قبل ان يعود لمنزله؛ و عندما اطمأن علي حالة والده قرر الذهاب للمنزل بعدما اصرت واادته علي البقاء بجانب والده..
بالفعل عاد لمنزله علي مضض ليصعد لغرفته بخطوات سريعة رغم تعبه ليتجه الي المرحاض ليغتسل و يبدل حلته بملابس اخري مريحة.. خرج من المرحاض الملحق بالغرفة قبل ان يلقي بحلته علي احد الكراسي ثم يلقي بجسده علي السرير..
و سرعان ما لبث ان اغمض عينيه حتي غاص في النوم كأنه لم ينم منذ ايام..
حسنا بالفعل هو لم ينم منذ فترة!!
مر الوقت حتي شارفت الشمس علي المغيب ليستيقظ هو و يتململ بتعب و هو يأن بألم بسبب جسده المرهق..
رفع جذعه قليلا متركزا بمرفقيه علي السرير مغمضا احدي عينيه و فاتحا للأخري محاولا ترتيب افكاره، فتح الاخري لينظر للساعة الموضوعة علي الكومود بجانب سريره ثم اعتدل اكثر ليحرك ذراعيه و كتفيه كي يتخلص من تيبس جسده ثم تأتي و المرحلة الأصعب و هي النهوض!
استفاق بحمد الله لينزل الدرج الذي في بيته بعد ساعة من استيقاظه!
اتجه للمطبخ ليحضر طعاما باردا من الثلاجة ليتجه بعدها لليمكرويف و يجلس علي احد كراسي الطاولة الصغيرة الموضوعة في المطبخ!
فرك وجهه مجددا قبل ان يستند علي احدي يديه مستعيدا احداث الليلة الماضية!
تلك الليلة... غريبة!
كل ما بها غريب... حتي هو كان أكثر غرابة!
في الواقع... هو صار يشعر بأنه شخص جديد لا يعرفه منذ مرض والده!!
مرض ذلك الاخير اثقل كاهله..
حتي هو لم يحاول اثارة غيظ (رغدة) كعادته!
رغدة!!!
تلك الفتاة أكثر شيء غريب صادفه في حياته!!
كان يكرهها.. سيعترف!
فهي كانت سخيفة و فظة معه منذ بداية تعارفهما في اول سنة لهما..
في الواقع هي لازالت سخيفة و فظة! و لكنه اكتشف انها تملك وجها آخر..
وجها اكثر رقة و اكثر لباقة.. و اكثر رقي
رغم فظاظتها معه طوال الليلة الماضية الا انه استشعر شيء جديد بها.. شيء جديد غير هيئتها!
من بداية رقصتهما حتي موقفها معه في المشفي!
رقصتهما! هو بالكاد لا يستطيع ان يلقبها برقصة!
هي فقط كانت ردا منه علي اثارتها لغيظه منذ رؤيتها له، و لكنه في النهاية يكاد ان يقسم بأن حالة غريبة مرت علي كليهما للحظة!
حالة لم يصادفها مسبقا! و تيبس في جسده لم يحدث مع اي فتاة من قبل!
حتي هو شعر بها تمر بنفس الشيء..
صوت الميكرويف أعاده لواقعه ففرك وجهه بكلتا يديه بعنف كأنه يؤنب نفسه علي تفكيره..
يفكر في (رغدة) !! حقا!
و في ذلك الوقت!؟
قام بتكاسل ليخرج الطبق و يضعه امامه علي الطاولة لينظر له بشيء من الملل و الجمود ليعود لذاكرته موقفها معه في المشفي عندما حدثته برقة مراعية لموقفه!
هل كان يتوهم ام انه لمح شيئا جديدا بنظراتها نحوه؟
تنهد بيأس قبل ان ينظر لهاتفه بشيء من التردد.. صوت داخلي يحثه علي مهاتفتها!
و السبب؟
يتعلل و يقول بأنه لشكرها عن موقفها معه؟
و لكن هل هذا سبب حقيقي؟ حسنا لا يعلم!
و لن يفكر لأنه لن يصل لفكرة ترضيه..
اخرج نمرتها ليتصل بها بتردد ليعيد هاتفه لأذنه ببطئ منتظرا ردها الذي طال حتي مل و اوشك علي اغلاق الخط حتي اوقفه نبرتها الناعسة قائلة
_ ايه يا لونا؟ ارحميني و حلي عني!!
حتما كانت نائمة و لم تنظر لهاتفها!!
انفلتت ابتسامة صغيرة منه قبل ان يسمع نبرتها النعاسة الرقيقة لأول مرة تتذمر بغيظ :
_ يووه! من حلاوة صوتي بتتصلي عشان تسمعيه يعني!
_ انتِ صوتك حلو فعلا!!
قالها بتلقائة مبتسما بعذوبة..
و ليس بعبث! و ذلك غريب ايضا!!
اما هي..
فحين سمعت تلك النبرة الرجولية الهادئة فتحت عينيها بهلع لتقوم و تعتدل بجذعها فجأة ليداهما الدوار من حركتها المفاجأة فامسكت برأسها تتأوه بصوت عالي جعله يضع كفه علي ثغره يكتم ضحكة كادت تنفلت
حكت رأسها و هي تبعد الهاتف لتجده رقم غير مسجل فأعادته لأذنها بحرج قبل ان تتنحنح بارتباك و تسأل بغلظة و لكن لم تسعفها نبرتها التي خرجت خافتة :
_ مين معايا؟
_ واحد بيعاكس
قالها بتسلية خفيفة لم يستطع التحكم بها بينما هي تنحنحت مرة اخري فخرجت نبرتها الغليظة المعتادة منها :
_ مين معايا و الا هقفل!!
_ ايوة كده ارجعي رغدة بتاعة زمان!
قالها بسخرية قبل ان يتابع بهدوء مبتسما بعفوية :
_ انا حاتم يا رغدة!
_ جيبت نمرتي منين؟
سألته ببلاهة فأجابها بهدوء :
_ جروب الدفعة.. الحمد لله طلعت بمنفعة منه!
بالفعل لقد خرج بفائدة من تلك المجموعة السخيفة
_ و أفندم عايز ايه؟
قالتها بحرج اخفته خلف نبرتها الغليظة لتتفاجأ بنبرته الجدية و التي ظهرت ممتنة :
_ كنت عايز اشكرك علي موقف امبارح.. و في نفس الوقت كنت عايز اطمن اني مسببتلكيش مشاكل مع اهلك!
و بالفعل هو كان صادقا!!
استشعرت جديته فعادت خصلة ثائرة كباقي شعرها خلف اذنها بخجل لم تعلم سببا له، قبل ان تقول بنبرة خرجت منها خافتة و هادئة :
_ لا اتطمن محصلش.. بابا و ماما قدروا اللي حصل
ثم تابعت علي مضض بحرج :
_ و هما بيسلموا عليك و بيقولولك ألف سلامة
ثم تابعت بتساؤل و كأنها تذكرت :
_ صحيح! باباك كويس؟
_ اه الحمد لله حالته أتحسنت.. هيقعد شوية في المستشفي و لما الدكاترة يحسوا ان صحته استقرت هيخرج
_ ربنا يقومه بالسلامة
_ يارب... شكرا لسؤالك
قالها لها بنبرة هادئة اسرت رجفة مستفزة في جسدها فتحفزت في جلستها لتقول له :
_ علي ايه بس! العفو
مر صمت ثقيل عليهما فقال بارتباك اشعره بالاستغراب :
_ امم.. طيب انا هقفل.. يدوبك ارجع المستشفي تاني!
_ تمام
بنبرة خافتة بها بحة ربما بسبب احراجها لسبب لا تعلمه!
بالفعل أغلق معها ليتنهد هو بضيق من حاله..
يبدو بأن مكالمته لها لم تزيد سوي من شعوره اللعين الذي لا يعلم كنهه!
اما في الناحية الاخري فهي ظلت ممسكة بهاتفها محدقة امامها ببلاهة و فم فاغر...
لا تعلم ما الذي يحدث؟ لها.. و له!
لم تصدق كلام (لونا) صديقتها عندما اخبرتها بأنه تغير منذ مرض والده..
بل و سخرت منها قائلة ان الحمقي فقط من يصدقونه!!
و هي الآن... و بكل سلام نفسي تحاول ان تمتلكه.. تعترف بأنها حمقاء كبيرة!
ليست لانها صدقته.. بل لأنها ادرجت كل ما سمعته عنه تحت لعبة و مخطط سخيف للإيقاع بصديقتها!
بالفعل لا يوجد شخص في ظروف كظروفه سيحاول الإيقاع بأحد!!
بالفعل هي شعرت به مختلف منذ الليلة الماضية..
كلامه المقتضب معها في البداية، عدم رده علي استفزازها في بادئ الأمر!
حسنا اجبرها علي رقصة غبية مثله و لكنها بالفعل كانت قد اغاظته بما يكفي!!
رغم ارتيابها من نظراته الغريبة لها وقتها الا انها ستضع ذلك الموقف في خانة الانتقام!
و لكنها لن تنكر بأنه كان لبق معها علي غير عادته عندما كانا في سيارته!
كانت نبرته صادقة و نظراته ودودة!
لم تفهم نظراته في ذلك الموقف في الواقع و لكنها ستقول ودودة حتي إشعار آخر!
و في النهاية حتي مكالمته الغريبة لها منذ قليل!
مغازلته في البداية لم تكن بتلك النبرة العبثية خاصته.. كانت بنبرة مختلفة!
لا ليست ودودة تلك المرة!
ازاحت الغطاء عنها بعنف محاولة طرد تلك الافكار الغريبة و هي تنهر نفسها بغيظ قائلة بصوت مسموع :
_ اييه! ناقص اقول انه كان حلو كمان!!
و عند استنكارها الأخير عادت لذاكرتها عفويا صورته بحلته السوداء، بشعره الكثيف الأسود الذي يفوق شعرها لمعانا لدرجة تثير الغيرة بها، و عينيه و الذي و للعجب لم تلحظ انهما عسليتان تميلان للخضرة بشكل كبير الا في رقصتهما!!
ضربت جبينها بغيظ من افكارها لتنهد متمتمة لنفسها بحنق :
_ غبية.. بقيت عبارة عن واحدة غبية
********
أنت تقرأ
رواية حب من نوع آخر
Romanceكان وحيدا ابويه .. عاني من تفكك أسري لا ذنب له فيه و رغم وحدته التي فرضت عليه بل و وجود أب حاضر غائب الا انه اعتاد الأمر .. حتي جاء والده أخيرا ملقيا علي عاتقه مسئولية فتاة لا يعلم عنها شيئا سوي انها شقيقته !! شقيقته ! هذا ما لم يعتاده ابدا ... و...