الفصل الثاني

316 9 0
                                    

الفصل الثاني
مر اسبوعان دون حدوث اي جديد، فقط يذهب لعمله و يمضي بعض الوقت مع حبيبته ثم يعود للمنزل ليفكر في أمر والده المختفي و مفاجأته المخيفة ثم ينام ليذهب للعمل في الصباح... الخ
حياته تسير علي وتيرة واحدة و ذلك المعتاد منذ الصغر.
حان موعد استراحة العمل فقام من مكتبه ثم خرج ليصطدم بزميله دون قصد فنظر له الاخير بامتعاض قائلا بخشونة :
مش تفتح! _
نظر له (آسر) ببلاهة قبل ان ينظر له رافعا كتفيه قائلا :
_ايه يا سامر! مكنتش واخد بالي محصلش حاجة
نظر له (سامر) بتهكم قبل ان يربت علي كتفه قائلا بسخرية :
_ طب خد بالك بعد كده
نظر له (آسر) باستغراب قبل ان يرحل و يري (ديما) تأتي من بعيد فابتسم و وقف لينتظرها.
لم تكن منتبهة له منذ البداية فكان يبدو عليها الضيق و الاسي قبل ان تراه لترسم ابتسامة رقيقة و تعدل من خصلة شعرها التي اسدلت علي عينيها و هي تقترب منه قائلة بنبرة خافتة :
مستنيني بقالك كتير! _
_ لا انا لسة واقف دلوقتي حالا
طيب يلا نطلع! _
اومأ بهدوء ليخرجا سويا قبل ان يذهبا لاحدي الكافيهات القريبة من البنك و يجلسا علي طاولة ملاصقة للنافذة لتنظر (ديما) للشارع بشرود جعله يقضب حاجبيه باستغراب قبل ان يمسك بيدها قائلا :
ديما انا حاسك مش مظبوطة من ساعة ما جينا! حد ضايقك في الشغل؟ _
سحبت يدها من تحت يده لتشبكها بيدها الاخري بتوتر و ترسم ابتسامة مفتعلة علي شفتيها قائلة بإيماءة نافية :
  لا خالص، ليه بتقول كده! _
نظر لها بتمعن ثم قال ببطيء :
ديما انا اكتر واحد عارفك! في ايه مالك ؟_
عدلت من شعرها المعقود علي هيئة كعكة مرتفعة بإهمال و هي تقول مشيحة بنظرها بعيدا عنه :
عادي يا آسر مودي مش مظبوط.. مش اكتر _
ثم نظرت له بابتسامة رقيقة و هي تقول له بلطف :
سيبك مني! طمني انت عامل ايه؟ حصلت حاجة جديدة بينك و بين باباك! _
اومأ نافيا قائلا بنبرة متحيرة :
لا.. مكلمنيش من ساعة اخر مرة... انا حاسس انه مقلب و مش هشوفه اصلا _
ثم قال لها باستفهام :
صحيح يا ديما... متعرفيش سامر ماله؟ _
ماله ازاي يعني! _
مش عارف بس من الفترة الاخيرة دي و هو طريقته مش كويسة مش فاهم ليه_
عضت علي شفتها بتوتر قبل ان تضع يدها خلف عنقها و تنظر للجانب مشيحة بنظرها عنها و هي تقول له بتلكؤ :
مش عارفة يا آسر بصراحة! بعدين سامر من ساعة ما جه و هو رخم _
نظر لها بعدم اقتناع ليقول لها :
تفتكري! _
اومأت بسرعة فحدجها بشك قبل ان يشير للنادل كي يأتي بينما هي نظرت له بتوجس
فماذا ستقول له! اتقول بأن (سامر) اعترف لها بحبه من قبله و عندما رفضته لأجله صار يكن العداء له!
خصيصا بعد نجاح (آسر) الملحوظ مما جعل الحقد يتزايد في قلب (سامر)!
تنهدت بضيق ثم استندت بوجهها علي قبضتها لتنظر الي النافذة بتفكير!
تفكير في حل للخروج من مأزق وضعت فيه!
******
كان والدها بالخارج كالعادة فشعرت بالضجر الشديد فقامت من سريرها لتتجه للخزانة و تنتقي بنطالا و تيشيرتا صيفيا..
كانت جميع ملابسها سوداء اللون مما جعل بشرتها البيضاء تبدو واضحة اكثر..
اقتربت من المرآة لتري وجهها الرقيق الذي لم يستطع الشحوب اخفاء جماله..
عدلت من شعرها القصير الذي لا يتعدي رقبتها قبل ان تتنهد بثقل و تخرج من غرفتها لتتجه الي المسبح و تجلس علي مقعد امامه تنظر الي من حولها بنظرات خاوية...
حالتها مزرية! لا تعلم علي اي نحو ستسير حياتها..
لا تعلم كيف ستتأقلم مع اخ عرفت بوجوده توا! حتي هي لا تعلم كيف ستتأقلم علي حياة في بلد اخري...
نعم مصر موطنها الاصلي و هي قد ولدت بها و لكنها عندما ادركت الحياة من حولها وجدت نفسها في بلد اجنبي!
و رغم اصرار والديها _و بالأخص والدتها_ علي التحدث معها بلغتها الام بل و علي زرع تقاليدهم فيها حتي في ظل مكوثها في دولة اخري... الا انها لا تشعر بنفس الانتماء!
كانت تأتي في زيارات دائمة الي مصر و لكنها لم تتوقع قط بأنها ستأتي لتمكث بها!
مع اخ لا تعلم عنه شيء!! و اب ايضا لا تعلم ماذا ينوي!
قضبت حاجبيها بأسي و هي تتذكر حال والدها....
كانت تعلم جيدا بأنه لم يكن علي وفاق مع والدتها المتوفاة... و لكنه ظل صابرا فقط لأجلها!
و ايضا والدتها... رغم أنها تتذكر شعورها بالضيق ناحية ردود افعال والدتها السلبية بشأن خيانة ابيها المستمرة لها... الا انها ادركت بأنه كان لأجلها!
و ادركت ايضا انها كان لحبها لزوجها الذي لم يقدر ذلك الحب!
كانت والدتها حنونة و مُحبة للجميع.. و خاصة زوجها
زوجها الذي قابل عاطفتها الصادقة بجمود و صدم دفئها ببروده العجيب!!
كانت تعي كل ذلك!
هي لا تكره والدها.... فقط لا تستطيع!
فهي بالتأكيد لن تنسي محاولاته في توفير حياة كريمة لها... و لحظاته اللطيفة معها
في الواقع هي لحظات بالفعل.. ذلك اللطف لم يكن يدم طويلا علي كل حال
و لكنه والدها... بالتأكيد لن تكرهه
و لكنها تشعر بضيق ناحيته... ضيق سيطر عليها اكثر عند وفاة والدتها
و ازداد الضيق عندما وجدت ردة فعله الباردة ناحية الامر... حتي لم يتظاهر بالتأثر!!
و ها هو يأتي اليها بعد ايام من وفاة والدتها يخبرها بعدم اكتراثه المعتاد بأنها ستمكث في مصر مع اخيها... ذلك الاخ الذي لم تكن تعلم بوجود والدته في حياته والدها في الاساس!
ها هو والدها يخبرها بلا مبالاة بأنها ستغير نمط حياتها في التو و اللحظة!
ضغط علي كف يدها البارد بضيق قبل ان تزم شفتيها مانعة شهقة باكية كادت تنفلت منها!
تنفست بعمق قبل ان تزفر بثقل ثم تغلل اصابعها في شعرها القصير لتقوم و تعود ادراجها كي تنال قسطا من النوم!
هي لا تجد سوي النوم كي تجعل الوقت يمضي!
*****
فتحت باب الشقة بتنهيدة متعبة قبل ان تدلف و تغلق الباب خلفها ثم تخلع حذائها ذو الكعب القصير نوعا، امسكت حقيبتها بإهمال ثم سارت متهدلة الكتيفين من التعب!
تنهيدة ثقيلة اخري خرجت منها قبل ان تجد والدها يقف أمامها ناظرا اليها بصرامة قبل ان يقول بلهجة حادة :
ايه اللي اخرك ؟! _
ارتسمت علي شفتيها ابتسامة مفتعلة و هي تنظر له بإرهاق قائلة بنبرة خافتة :
  الطريق كان زحمة اوي يا بابا.. ما انت عارف ساعة الذروة! _
ساعة الذروة برده ولا آسر بتاعك! _
قالها بسخط فتنهدت بضيق ثم اخفضت بصرها قائلة بنبرتها الهادئة :
لا يا بابا... الطريق كان زحمة فعلا.. انا مقعدتش مع آسر بعد الشغل انهارده_
جاءت والدتها من خلف والدها لتكمل بتهكم :
مقعدتيش معاه بعد الشغل! يعني قعدتي معاه قبله!! _
فركت عينيها بإبهامها و سبابتها متنهدة بضيق قبل ان تستغفر بملل ثم تقول بتعب :
هو في ايه بالظبط!! _
في انك بتعصي كلامي يا ديما _
عصيته في ايه؟ _
لا ولا حاجة! قولتلك تقطعي صلتك باللي اسمه آسر ده و مع ذلك بتتكلمي معاه_
_ يا بابا....
قاطعها هو بسرعة قائلا بحدة :
_متحاوليش تضحكي عليا... سامر قايلي انه شافكم  خارجين مع ببعض ساعة الغدا!
زويت ما بين حاجبيها بغضب ثم قالت له بنبرة غاضبة :
_ و هو ايه اللي يديله الحق انه يراقب تحركاتي!
يعني انتِ كنتي معاه فعلا! _
قالها والدها بجمود فنظرت له بضيق ثم قالت بنبرة لينة محاولة اقناعه :
يا بابا آسر كويس صدقني... هو بس مستني باباه يجي من السفر _
_ديما ... انا هديله فرصة اخيرة مع اني مش مستريحله... بس لو مجاش و معاه ابوه انا مش هسمحلك تشوفيه او تكلميه تاني حتي لو ادي الامر اني اخليكي تسيبي الشغل
قضبت حاجبيها بضيق ثم اومأت لتذهب مسرعة لغرفتها و تغلق بابها و تلقي بجسدها علي السرير..
نظرت للسقف بشرود و حيرة..
هي تحب (آسر)... تتذكر حبها له منذ الوهلة الاولي 
كانت جديدة في عملها و بسبب كلامها القليل و خجلها الكبير لم تستطع تكوين صداقات في البداية فكانت تشعر بالحرج من زملائها و تنزوي وحدها..
حتي جاء هو و حاول الحديث معها لكسر ذلك الحاجز الذي تفرضه دون قصد منها. حتي نشأت بينهما صداقة وثيقة سرعان ما تحول لحب... ليحاول (آسر) بعدها توضيح حبه لها دون تصريح واضح
الا ان جاء في يوم و صرح لها عن حبه ورغبته في الارتباط بها
تتذكر فرحتها الكبيرة و احساسها بحبه الذي كان ولازال يتزايد في قلبها، لم تكن تظن يوما بأن احدا سيحبها و هي في نظر الجميع المملة الباردة التي لا تظهر اي مشاعر...
و لكنه خلف توقعاتها هو و (سامر) الذي فاجأها قبله ليصرح بحبه و لكن حب (آسر) كان قد احتل قلبها
و هي لن ترضي ابدا بالارتباط من شخص و في قلبها شخصا آخر
و رغم حبها الشديد لآسر الا انها كانت تشعر بخوف من ان يكون غير جدي في شأن علاقتهما... و لكنه بدد خوفها بذهابه لعائلتها و اخبارهم بنيته الصادقة في خطبتها و لكنهم اصروا علي المجيء مع عائلته.. او والده بمعني اصح
و عندما تأخر في ذلك الامر تذمروا و اعلنوا عن عدم رضاهم به و انه غير جديا معها.
و ها هو الوضع يزداد سوءا!
هي لا تريد الطلب منه بإحضار والده مجددا لعلمها بالوضع المتوتر بينه و بين والده..
تنهدت بضيق قبل ان تسمع صوت هاتفها فاعتدلت في جلستها و مالت بجذعها لتخرج هاتفها من الحقيبة.
وجدته (آسر) فتنهدت بضيق و حكت مقدمة رأسها بإصبعها بتوتر قبل ان ترد بصوت خافت و مجهد :
ايوة يا آسر.. ايه اخبارك ؟_
ايوة يا حبيبتي... ايه مال صوتك؟ _
مفيش حاجة الطريق كان زحمة و الشغل كان كتير انهارده.. بس _
لا يا ديما انتِ مش مظبوطة من الصبح! _
مفيش حاجة يا حبيبي صدقني _
قالتها بنبرة لينة فسمعته يتنهد قبل ان يقول :
_طب انا هقفل عشان تستريحي.. انا بس حبيت اطمن انك وصلتي بالسلامة يلا روحي نامي انتِ
ماشي.. مع السلامة _
اغلقت معه لتلقي بهاتفها بإهمال و تحل ربطة شعرها لتطلقه حرا قبل ان تلقي بظهرها علي السرير مجددا و تدفن وجهها بين يديها بتعب.. داعية الله ان يمر الامر علي خير..
فهي لن تتحمل اي خسائر
****
_ That’s enough for today
((هذا يكفي اليوم
تشدق بها للطلبة امامه فبدأ الجميع بالذهاب من امامه قبل ان تقترب منه فتاة علي وجهها ابتسامة رقيقة قبل ان تقول بنبرة خافتة :
  دكتور رامي.. انا كان عندي مشكلة في جزئية معينة ينفع تبقي تقولهالي تاني_
تنهد (رامي) باجهاد ثم اومأ لها مبتسما بتكلف قائلا بلهجة مهذبة :
اكيد طبعا... ابقي تعالي المكتب بكرا و قوليلي عليها
بدا الاعجاب واضحا من عينيها و هي تبتسم قائلة برقة :
_حضرتك زوق اوي
ابتسم بحرج ثم قال بنبرة مرحة :
_ لا زوق ولا حاجة.. دي شغلتي امال انا بعمل ايه هنا!
ابتسمت له مرة اخري بينما هو توتر من نظراتها الساهمة نحوه فأشاح ببصره بعيدا عنه و صوب تركيزه علي جمع متعلقاته فتنحنحت هي و ابتعدت لتخرج خارج القاعة فزفر بضيق ثم قال ساخرا :
_دايما اللي انا بعوزه بيجي من الشخص الغلط
ثم ضرب كفا بكف قائلا باستهزاء من حاله :
_طب ده العيب مني ولا منهم ولا ده النت!
جمع اشيائه و خرج قبل ان يشعر بصوت هاتفه في جيبه فأخرجه ليجده صديقه فابتسم ساخرا قبل ان يجيب قائلا :
_ ايه يا زميلي!
_ ايه يا ابني! ؟
_ ايه ياض؟
انت لسة في الجامعة؟ _
اه لسة في المخروبة! _
مخروبة! الجامعة الامريكية بقيت مخروبة! _
قالها (آسر) بسخرية قبل يتابع باستنكار :
_ بعدين ايه الاسلوب ده! ما تحترم شغلانتك يا اخي! فين الوقار؟
  موجود علي فكرة بس بيبقي جوا السيكشن بس _
خلاص يخربيت رغيك! عدي عليا انهارده! _
ليه ؟_
زهقان _
_طب و انا هاجي اعملك ايه! هرقصلك! هو انت مش بتكلمني غير لما تبقي زهقان او مخنوق! خلفتك و نسيتك انا!!!
رامي _
نعم! _
انت رغاي اوي _
تسلم يا زوق _
تعالي يلا و جيب غدا معاك _
سبحاااان الله! هو انا كمان اللي هجيب الاكل!  _
اه _
_ يا ابو برودك! حاضر... حاجة تانية من خدامتك نعمات!
اه ، متتأخرش _
اقفل يا آسر عشان كلامك كله بيعصبني _
اغلق الهاتف و هو يزفر بضيق قبل ان يهمس لنفسه بغيظ :
_ طب امي زمان صاحبت امه! انا مالي بيه اصاحبه علي خيبة ايه!
وضع الهاتف في جيبه قبل ان يسير متمتما لنفسه :
_يلا هعتبرها كفالة يتيم و اهو كله بثوابه
*******
خطي داخل المطعم الفاخر بخطوات هادئة و واثقة قبل ان يمشط المكان بعينيه بحثا عن شخص ما سرعان ما رفع يده ليلوح له فابتسم بهدوء و اقترب من الطاولة الذي يجلس عليها ذلك الشخص حتي اقترب و قال :
ناني! _
التوت شفتيها المصبوغة بالأحمر القاني بابتسامة جذابة قبل ان تقوم و تمد يده مصافحة :
_ ازيك يا سالم؟
ابتسم لها (سالم) بهدوء و كاد ان يرد الا انها قاطعته متنهدة :
وحشتني اوي _
_ انتِ كمان وحشاني جدا
قضبت حاجبيها بضيق ثم قالت بدلال :
لو كنت وحشتك مكنتش غيبت عني كل ده _
تنهد بثقل ثم قال لها :
ما انتِ عارفة عقبال ما عرفت اقنع لونا انها تيجي و نقلت حاجتنا لمصر_
لوت شفتيها بامتعاض عقب ذكره لاسم ابنته و لكنها رسمت ابتسامة مصطنعة قائلة :
هتقول لولادك امتي ؟_
اكيد مش هقولهم اني هتجوزك الفترة دي! _
قضبت حاجبيها بضيق و لوت شفتيها بضيق فابتسم بلين ثم قال :
_حبيبتي انا نقلت  حاجة لمصر عشان خاطرك انتِ مش معقول اول ما ننزل هقولهم اني هتجوز
ثم امسك بيدها ليقول مبتسما بهدوء :
يجي الوقت المناسب و وقتها هيقتنعوا بدخولك حياتهم بصفتك مرات ابوهم_
*****

رواية حب من نوع آخرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن