الفصل الثامن لو أن الحب قرار..

4.7K 150 35
                                    

  (الفصل الثامن)
يوم عقد القران
تحدد عقد القران قبل الزفاف بأسبوعين
كم تاقت لهذا اليوم الذي تخيلته نقطة
تحول في علاقتهما خاصة عندما صرّح لها
بإحدى مرّاته النادرة أنه هو من سينقل لها
المحبس في اليد اليسرى بعد عقد قرانهما
ابتسمت بخجل وهي تتخيل أول لمسة بينهما
لينبض قلبها بقوة وعقلها يصوّر لها الكثير
من الخيالات الرومانسية .
أحضر لها الدفتر شقيقها الأكبر مروان لتضع
توقيعها ومعه مساعد الشيخ حتى يسمع
موافقتها كما جرت العادة.
وسرعان ما تعالت التهنئة لتجد نفسها تدلف
إلى المجلس المخصص لهم وشقيقيها يجلسان
مع يحيى..
ألقت السلام على استحياء ليبادرها سامر
مشاكسا:"مش هتسلمى على يحيى يايويو؟"
كادت يارا تقتله لإحراجها الشديد ولم ترد
عليه فابتسموا جميعا ثم قاما وتركاهما
بمفردهما.
بادرها يحيى غاضبا:"انتي لسه لابسه الدبله
في اليمين؟!"
نظرت له يارا بدهشة.. ألم يخبرها أنه من
سينقلها لها؟!
أنسي كلامه أم تناساه؟! أم أنها كانت فورة
مشاعر زائلة رغم ندرتها؟!
هل تذكّره بوعده لها أم تصمت؟!
فى النهاية اختارت الصمت فقد شعرت بالخجل
أن تذكّره بشيء مثل هذا كان من الأحرى
أن يتذكّره هو لا هي..
اكتفت بنقل المحبس من اليد اليمنى إلى
اليسرى وقلبها يبكي بصمت لحظة تمناها
كثيرا!
إنه حتى لم يندهش أنها دخلت له بكامل
حجابها ولم تبدل ثيابها ولم تخلع حجابها..
أم أن الأمر لا يهمه؟!
ألا يتوق لرؤيتها دون حجاب؟!
زفرت ببطء ثم جلست بهدوء بعيد عنه نسبيا
ولم تتكلم ليهتف يحيى:
"انتي قاعده بعيد ليه قرّبي هنا جنبي"
"انا مرتاحه هنا"
قالتها بخفوت وهي تشعر أنها على وشك
البكاء ليدرك أنها غاضبة من طريقته
بالحديث فنهض وجلس في المقعد المجاور
لها لينبض قلبها بعنف وهو يأخذ يدها بين
يديه ويقبّلها قائلا:"مبروك يا يويو"
ابتسمت بخجل وبالكاد خرج صوتها وهي
تهمس:"الله يبارك فيك"
"هانت فاضل اسبوعين ونبقى مع بعض على
طول إن شاء الله"
أومأت بابتسامة وهي تقول:"إن شاء الله"
"طيب انا همشي دلوقتي وهجيلك بكره إن
شاء الله على الساعه 5 كده عشان نخرج مع
بعض ماشي؟"
قالها وهو ينهض لتشعر بالصدمة ممتزجة
بخيبة الأمل قبل أن تقنع نفسها أنها ستراه
غدا فلا داعٍ للحزن.
استأذن وخرج وظلّت هي جالسة مكانها تشعر
بالسعادة ممتزجة بالخوف والقلق..
السعادة لأنها أصبحت زوجته وستكون معه
في غضون أسبوعين..
وخيبة الأمل لأنه لم ينفّذ وعده لها ويبدو أنه
نسي ما وعدها به بل لم يتلهّف لها كما
ظنّته سيكون!
"ايه ياستي استحليتي القعده في الصالون وال
ايه؟"
انتفضت يارا التي كانت مستغرقة في أفكارها
ولم تشعر بدخول مها الغرفة لتقول ضاحكة:
"تصدقي اول مره آخد بالي ان السجاده لونها
حلو كده"
ضحكت مها وهي تقول بتنهيدة:
"فكرتيني بالذي مضى"
لوت شفتيها وهي تقول ضاحكة:
"اها بدام فيها الذي مضى يبقى اقوم انا بقى
اغيّر هدومي وابعتلك ابيه مروان"
ضربتها على كتفها بخجل لتضحك يارا
وهي تتحرّك لغرفتها حتى تبدل ملابسها
بملابس منزلية مريحة من بنطال من خامة
الجينز أزرق اللون مع قميص أنثوي بنفس
اللون وتعقص شعرها على شكل ذيل فرس
كما نطلق عليه ثم تخرج لتبادرها مديحة:
"يارا حبيبتي اطلعي نادي العيال من فوق عند
سامر عشان جهزتلهم اكلهم"
أومأت قائلة:"حاضر يا ماما"
صعدت يارا لتنادي لأطفال شقيقيها المجتمعين
بشقة سامر ليتناولوا الطعام.. طرقت الباب
ففتح لها الباب أحد الأطفال واختفى من
أمامها فدخلت خلفه وهي تضحك وتنادي
عليهم حتى يتناولوا الطعام الذي أعدته
جدتهم..
وفجأة اصطدمت بجدار ظهر أمامها بغتة..
كانت المرة الأولى التي تقابل بها أحد
المصطلحات التي تقرأ عنها بالروايات ..
(الجدار البشري)
نبض قلبها وهي تتعرف عليه والارتباك يغزو
محياها.. تارة لأن عقلها يخبرها أنه غادر منذ
فترة وتارة يخبرها قلبها أنه هو وحده من
يمتلك القدرة على بعثرة كيانها بهذا
الشكل!
رفعت بصرها لتقابلها عيناه اللذين ظهر فيهما
تعبير غريب تراه لأول مرة طوال فترة خطبتهما
"انتي كويسه؟"
بادرها يحيى لتقول بذهول:"انت هنا؟!
أجابها يحيى مبتسما:"انتي شايفه ايه؟"
كادت تسأله إذا فلِمَ ذهبت وتركتني سريعا
ولم تجلس معي سوى خمس دقائق؟!
ولكنها تذكرت ما ترتديه فذهب اللون من
وجهها ونزعت يدها من يده وهي ترميه بنظرة
حانقة لهذا الموقف الذي وُضِعَت فيه..
نادت الأطفال بحدة ثم تركته ونزلت دون
كلمة واحدة .
دخلت حجرتها وهي تحترق غضبا..
يجلس هناك ويتركها فى يوم عقد قرانهم!
ألا تهمه؟! ألا يريد الجلوس معها؟!
لماذا فعل ذلك إذن؟ لماذا تركها سريعا وصعد
ليجلس معهم بدلا من أن يجعل هذا اليوم
مميزا لها كأي عروس!
لماذا يتجاهلها بهذه الطريقة الغريبة ولا ينفّذ
ما يعدها به؟!
تكاد تجن من التفكير فيه وفي تصرفاته
الغريبة لتقرر تنحية كل شي جانبا لتسأله
غدا عندما يأتي.
***
في اليوم التالي
استيقظت يارا قبل الظهر بقليل ثم أسرعت
للمطبخ لتساعد والدتها لتجهيز الغداء قبل
وبعدها بدأت في تجهيز نفسها للخروج مع
يحيى وبداخلها شعورين متناقضين..
أحدها يكاد يقفز من السعادة لأنها ستخرج
معه لأول مرة منذ خطبت له منذ سنتين
والآخر شعور بالحزن من تجاهله وتباعده
الغريب عنها..
حاولت أن تتلهى بالسعادة عن الحزن ولكنها
شعرت أن سعادتها منقوصة بسبب غرابة
تصرفاته خاصة أنه رأت شقيقيها في فترة
خطبتها وشقيقه أيضا الذي خطب منذ فترة
قصيرة ولهفتهم على خطيباتهم على الرغم
أن زواجهم جميعا ليس عن حب مثلهما!
"ايوة ياعم من لقا احبابه نسى اصحابه"
قالتها مها مشاكسة يارا لتتورد وجنتيها خجلا
لتهتف سما ضاحكة:"بس يا مها ماتكسفهاش
مش شايفاها وشها احمر زي الطماطمايه ازاي"
"ايوه استلموني بقى نعم عايزين ايه؟ انتوا مش
اتجوزتوا خلاص عايزين ايه تاني؟
هتعيدوا شبابكم على قفايا وال ايه؟"
قالتها يارا مغيظة إياهما لتهتف سما:
"هنعيد شبابنا؟ ليه يا بت احنا عجزنا؟ ده احنا
لسه شباب وزي الفل ماتقولي حاجه يا مها"
أومأت مها موافقة وهي تقول:"ايون فعلا احنا
لسه شباب وزي الفل ده حتى لسه كنت بقول
لسما بعد العيل الرابع مش قادرة اعمل كدهو"
تعالت ضحكاتهن ومزاحهن حتى قاطعهم صوت
أحد الأطفال "عمو يحيى جه"
شحب وجه يارا ودقّ قلبها بعنف.. نظرت إليها
مها وسما وهما تضحكان بشدة لتزم شفتيها
حانقة منهما لتأتي مديحة تخبرها أن يحيى
بانتظارها..
خرجت يارا تقدّم قدم وتؤخر الأخرى وقلبها
ينبض بقوة وهي لا تدري أتفرح بخروجها معه أو
تطبق على رقبته لأجل ما يفعله معها!
"مع السلامه ياولاد ماتتأخروش"
قالها حلمي موصّيا يحيى ليجيبه يحيى
بتأكيد:"إن شاء الله يا عمي مش هنتأخر"
خرجت معه وهي تكاد تركض أمسك بيدها
فانتفضت ليضحك قائلا:
"ايه يا بنتي هو انا خاطفك خفتي كده
ليه؟ وبعدين براحه شويه انتي هتجري؟"
هدّأت من خطواتها ويدها تستكين في يده
وقلبها ينبض بجنون ووجهها يحمر بشدة..
رمقته بنظرة جانبية لتجده لا يظهر عليه أي
شيء مما يحدث داخلها لتتساءل..
ألا يشعر بشيء؟ أم أن الأمر مختلف لدى
الرجال!
بعد فترة وهما بطريق العودة سألته يارا
"يحيى ممكن اسألك سؤال؟"
"اه طبعا اتفضلي"
"هو انت ليه امبارح مشيت على طول وبعدين
اكتشفت انك فوق عند سما.. ليه ماقعدتش
معايا بدام مش هتروّح؟"
سألته يارا وهي تترقب إجابته بقلق ليجيبها:
"اولا عشان باباكي مايتضايقش مني اني اقعد
وكمان تاني يوم نخرج.. ثانيا عشان لو كنت
قعدت شويه اكتر كنت هطلع من عندكم
بفضيحه"
نظرت له يارا بعدم فهم فضحك ضحكة
خطفت أنفاسها وهو يغمز لها بعبث ففهمت
قصده واحمرت بشدة وأشاحت ببصرها عنه
ليتابع ضاحكا:"مشيت على طول وطلعت اقعد
شويه مع سامر الاقي ال طالعه ورايا لا وكمان
لابسه استغفر الله العظيم وسايبالي شعرك
لما كنت هرتكب جريمه امبارح"
ضحكت يارا بشدة على كلامه ليتابع وهو
يرمقها بنظرات خطفت أنفاسها:
"بس كنتي ... فظيعه, شعرك حلو اوي كان
نفسي المسه لولا انك طلعتي تجري
وال...ال ....اووووف اسكتي بقى ماتفكرنيش"
لم تنبس يارا ببنت شفة وقلبها تتعالى نبضاته
حتى شعرت أن من في الشارع جميعا يسمعه فلم
تتحدث مرة أخرى بل لقد نسيت ما أرادت قوله
من الأساس وهي تشعر أنها محلقة على غيمة
وردية من السعادة.
وصلا إلى المنزل ففتح لهم سامر ليبادره يحيى
مازحا:"اهي يا عم الأمانه عندك"
أجابه سامر مازحا:"اتأخرت 5 دقايق عن معادك
كده مفيش خروج لغاية ماتتجوزوا وممكن
نأجّل الفرح كمان شهرين كده"
قاطعه يحيى متظاهرا بالخوف:
"لا ياعم تأجل ايه ده انا ماصدقت بقالي سنتين
مستني وفي الآخر تقولي تأجّل!"
لم يوافق على الدخول وذهب مودعا إياها برقة
أذابت عظامها..
دخلت حجرتها لتبدل ملابسها فوجدت ريا
وسكينة ..اقصد مها وسما في الغرفة
تنتظراها لمعرفة الأخبار
سألتها سما:"ها ايه الاخبار؟؟"
"اخبار ايه؟"
سألتها يارا يعدم فهم لتقول مها:
"اخبار العريس ياختي روحتوا فين؟"
"وقالك ايه؟؟؟ هيييييييح"
قالت مها لتضحك يارا بقوة على مظهرهما
وهي تقول:"ايه نظام عوانس الفرح ده؟؟
وانتوا مالكوا؟؟"
هتفتا بصوت واحد:"نعم؟؟"
"انتوا عايزين ايه بالضبط؟ امشوا ياللا انا عايزه
اغيّر وانام"
هتفت سما:"مش هنقوم غير لما تقولي لنا"
لتؤكد مها:"ايون غتتاته بقى.."
سرحت يارا بخيالها وهي تتذكر يحيى وهو
يخبرها (بعد مانتجوز هقعّدك على رجلي
واحطّلك الاكل في بقك بدل اكل
العصافير بتاعك ده)
فابتسمت بسعادة وعادت إلى الواقع على أصوات
مها وسما...
لتشاكسهما:"هو ابيه حسب الله ماقلكوش؟"
مها وسما بصوت واحد:"لا ياختي ماقلناش.."
"طب روحوا خليه يقولكم ياللا ياست انتي
وهي كل واحده على جوزها وسيبوني في
حالي"
قالتها مغيظة إياهما لتقول سما:
"بقى كده؟ ماشي بس ماتبقيش تيجي تسألي
على حاجه بقى"
لتؤكد مها:"ايون ولا هنعبرك ولا هنقولك
خبراتنا الفظيعه"
نامت وهي تستعيد كلماته لترتسم على شفتيها
ابتسامة حالمة.  

رواية لو أن الحب قرار..  بقلمي حنين أحمدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن