#عادات خادعة#
الفصل الأول
*أصبحنا مجتمع لا يعرف القيم..يتحجج بالجوع والفقر وضيق اليد..ليبيع الصغيرات الجاهلات في صفقات مربحة..و حتى نأخذ من (الستر )ظل لأفعالنا الشنعاء..ومستتراً تحت كلمة العادات..احقاً نأسف على ما وصل اليه مجتمعنا من جهل وتأخر..وأمراض منتشرة أمراض العقول !!قديماً قال أحد الزعماء (الأم مدرسة..اذا أعددتها أعددت شعب طيب الأعراق)
ونحن أصبحنا نغتال براءة صغيراتنا..نرميهن الى النار بأيدينا..هن ضحاينا..فكيف ننتظر من المجني عليه العطية أو المساهمة في بناء مجتمع؟!!*
أنهى مقاله الأسبوعي وضغط على زر الإرسال فوراً الى الصحيفة التي يملك بعض الأسهم بها لطباعة المقال في صحف الغد..قضية يناضل من أجلها منذ أن شق طريقه في بلاط صاحبة الجلالة..طريق لم يكن سهل أبداً ومكانة وصل لها بعد عناء..ولكنه لم يتخلى عن النداء ومخاطبة ضمير المجتمع ليتوقفواعن هدر دماء الصغيرات..فبحكم عمله كصحفي رأى العديد من ضحايا الزواج المبكروما سببه من دمار نفسي وجسدي وأسري..رجع برأسه الى الخلف وأغمض عينيه بإرهاق دقائق فقط أكد لنفسه..يستريح قليلاً ويصفي ذهنه حتى يستطيع مواصلة عمله..قطع رنين هاتف المنزل استرخائه..مال فمه بإبتسامة ساخرة..يبدو انه من المستحيل الحصول على بضع دقائق يلتقط فيها إنفاسه..
مد يده ورفع سماعه الهاتف ولم يعتدل من جلسته..ليأتيه على الفور صوت أمه الغاضب تهتف فيه:
"تليد أين انت من الصباح لا أستطيع العثور عليك؟"
بهدوء أجابها وصوته يخرج مسترخي غير مهتم بغضبها المرافق دائماً لحديثها معه:
"مرحباً أماه وأنا أيضاً اشتقت اليك"
أنفاسها الغاضبة وصلته بوضوح وهي تخرج زفره حانقه لتخبره مباشرة:
"اسمعني لا وقت لأشواقك الأن..أريدك أمامي غداً في الصباح الباكر"
اعتدال من مجلسه وقد تبدد كل استرخائه في الهواء ليحتله القلق من حديثها يعلم انها لا تطالبه بالذهاب اليهم إلا لكارثه وقعت أو على وشك الحدوث:
"ما الذي حدث أماه؟!!"
بطواعية أخبرته مباشرة كعادتها دائماً:
"الذي حدث فضيحه تليد بكل المقايس..وعمك هو من أوقد نار الفتنة بدل ان يتحلى بالعقل ويقوم بالتستر"
القلق استبد به كلياً وهب من جلسته يسألها بخوف مما قد يسمعه ليخرج سؤاله مقتضب لا يخلو من الأمر:
"أخبريني بإختصار"
صمت عم بينهما لدقائق أصابته بالرعب الحقيقي طالما عمه هو المتسبب في كارثه ما..اذاً الخطر المحدق على شقيقته التي حاول عمه منذ سنوات أن يفرض أفكاره الحاقدة وأعرافه القديمة عليها وكم حاربه هو ليبعد يداه الآثمة عنها..
جائه صوت أمه القوية دائماً بغصة بكاء:
"هدير أخطأت بني وعمك استغل الفرصه جيداً..ليُشهر بها وحجته انه يحمي شرفه"
صرخ بجنون لم يسيطر عليه:
"من التي أخطأت أماه ؟!!ما الذي تتفوهين به ؟؟"
أجابته تنهي المكالمة مكتفية بما أخبرته:
"تعال تليد..ولا تتأخر بني الحديث لن يجدي في الهاتف"
أغلقت الخط على الفور لتتركه مبهوت مصدوم عقله يصور له ألاف الصور البشعة و كلمات أمه القاتلة تلف بعقله مصدوم يرددها بعدم تصديق:
"هدير أخطأت !!كيف؟"
صغيرته العاقلة..ربيبته المتقدمة دائماً في دراستها..الفخور دائماً بأخلاقها..لقد شجعها دائماً وإحتواها لم يكن لها الأخ فقط بل الصديق الصبور المتفهم دائماً..حتى أوصلها لأفضل الجامعات وها هي الان تقضي سنه الامتياز في الوحدة الطبية بقريتهم في الصعيد كمعالجة نفسية متدربة..
أغمض عينيه بقوة يحجب النيران المشتعلة في صدره وتعكسها عيناه توجه الى غرفته يجهز حقيبة سفره الصغيرة..ويتحرك على الفور متوجهاً الى مسقط رأسه..لن يضيع الوقت في الاستنتاج يجب أن يفهم ما الذي حدث رغم ما أخبرته به أمه ويجب ان يتلاعب شيطانه بعقله ولكنه لن يستطيع فهدير من غير الممكن ان تفعل ما يضع رأسهم في الوحل...
............................
كان الاضطراب هو ما يسيطر على مجلسهم كلياً..
منذ ان أتي الى القرية منذ ساعات..وقام عمه بعقد مجلس العائلة لشحنهم عليه وضده ؟! نبراته الحازمة بسطوة بين الرجال بثت الخوف ليتراجع البعض عن ما يتفوهون به..سمع صوت عمه المجلجل يتوهم بإرتفاع صوته انه قد يجعله يتراجع عن غضبه أو حتى يهابه..
"لقد صدر الحكم تليد من كبار العائلة..إن فشلت أنت في تربية أختك..فلن ننتظر نحن الى ان تلوث عمامتناً التي لم يشوبها شائبة يوماً.."
زمجر تليد غاضباً وهدر به ينهاه:
"يكفي الى هنا عمي..وتذكر ان من تخوض في عرضها بدنائة هي ابنة اخ لك..ولم تفعل ما يسوء"
هدر الأخر وشيطانه يتحكم بِه يتبع هوى نفسه المظلم:
"لم تفعل ما يسوء!! يبدو أن المدينة أنساتك ما الصحيح وما الخطأ..أنساتك أعراف مجتمعنا.."
تنفس بعنف وهو يطرق عصاه بغضب أعمى يردف بتساؤل مستفز:
"اذاً ما فعلته لم يكن عار سنتكبل به طوال العمر؟!"
أغمض تليد عينيه يحجب عنهم نيران غضبه..يستفذونه بكلماتهم الطاعنه..حاول ان يُذكر نفسه ان من أمامه عمه..يداه تتقبض بعنف مكتوم فسيطر على نفسه حتى لا يتوجه اليه ويبرحه ضرباً لتجرؤه وتكرارهه اتهام شقيقته..
"عمي للمرة الأخيرة أحذرك ما حدث لم يكن يستدعي ان تعقد مجلس لإصدار حكم باتهامات مجحفة..ان كانت هدير أخطأت وكسرت قاعدة بدون قصد عماه والحثالة مرضى النفوس وجدوها لقمة صائغه لتلوكها ألسنتهم القذرة"
صمت لبرهة يأخذ نفس لينطق عاتباً لائماً:
"وأنت عمي بدل ان تدافع عنها عن عرضك أعطيت لهم أذنك تصغي الى اتهامات وتزيد من سوء الأمر"
بصوت حازم مسيطر واجه المجلس أجمع يخبرهم بنبرات قاطعة:
"أبنتكم قبل أن تكون أختاً لي..لم ترتكب جرماً لتحاسب عليه"
عاد بنظراته لعمه يقف بشموخ وقوة توازي قوته بل تتفوق عليها ليقول:
"حلك مرفوض عمي..كما رفضته أنا العديد من المرات أختي ليست بعار تسارعون لمداراته بزوجها من ابنك ."
هدر الأخر بغضب:
"هل ترفض ابن عمك تليد بدل ان تشكرني وتشكره"
بدون اهتمام وببرود أخبره ونبراته لم تخلو من الفخر عند عقد المقارنة:
"وعلى ماذا أشكرك عمي؟ على محاولة إلصاق تهمة بشعة في أختي ومحاولة قلب الطاولة لصالحك..لقد طلبت مني العديد من المرات ان أزوجها لإبنك حسن..وقوبل طلبك بالرفض لن أزوج الدكتورة هدير لشخص لم يحصل حتى على تعليم متوسط"
ثار المجلس مره أخرى بالمهمات الرافضه وبعضها المساند والراضي بموقف الاخ المدافع القوي..والبعض شامت معترض
لتكون نهاية الحديث لتليد وهو يفجر قنبلته التاليه .:
من تتهمون أختي بانها على علاقه به..من اجل بعض حديث جانبي بينهم أو رأيتموها في المحافظه معه في مكان عام وسط جميع الناس"
كان قد طلبها مني منذ عام مضي وأنا أعطيتهم موافقتي ولم نعلن الأمر"
ولكن ما حدث الان يستجوب ان تعلمو جميعاً"
عقب كلامه استدار مغاداً على الفور لن يستمع الى المزيد من الهدر والرفض بينهم لقد ألقى ما لديه..والان يجب ان يتصرف مع أخته والحقير الأخر الذي وعده بعدم الاقتراب منها..يجب أن يحاسبه حتى وان كان سيزوجها له في النهاية..
...............،،،.،،،،،،،...
دلف الى الغرفة بدون استئذان ملامحه العابسة لا تفسر مشاعره بتلك اللحظة..كانت تضم ركبتيها برعب حقيقي ترتعد له جميع أوصالها رفعت عيناه الباكتين اليه تخبره بتقطع فبدت له كطفلة لا شابة بلغت عامها الرابع والعشرون:
"انت لن تكون ظالم مثلهم وسوف تفهم مني قبل إصدار حكمك"
اقترب منها يجلس بجانبها على أرضية الغرفة يريح جسده على حافه فراشها يوازي جلستها المرتعشة قائلاً:
"أخطأتي..وخلفتي وعدك لي هدير؟!!"
أجهشت في البكاء تضم جسدها بذراعيها تخبره بإرتعاش يحتل نبراتها:
"أعرف..ولكن أنا لم أتجاوز الحدود يوماً صدقني..يتهمونا أنهم رأونا عدة مرات..وهذا لم يحدث تعلم جيداً بحكم عمله كطبيب في الوحدة الصحية هو رئيسي"
بغضب جز على أسنانه يسألها:
وجلستكم في نادي الشرطة المطل على النيل في المحافظه هدير كانت طبيعة العمل أيضاً؟!"
أجابته بخزي وهي تدفن وجهه بين يديها..
"كانت مرة واحده فقط استجبت لطلبه لم نتجاوز أي حدود أنت يجب ان تصدقني..والله مره واحدة يا أخي"
زفر بضيق وهو يراقب رعبها المتمكن منها وشعورها بالخذي والخجل الغارقة فيه يصدقها ويثق بها..ولكنها أخطأت في عرفهم خطأ لا يغتفر .
صوتها المتوسل وبكائها العالي جعل قلبه يشفق عليها..اقترب منها يشدها من ذراعيها التي تحتضن بها جسدها ليحاوطها هو بذراعيه ويحتضنها ليبثها أمان لا تشعر به..في هذه اللحظة حاول ان يتعامل معها بحكمه فزاد بكائها على صدره لتزيد من ضعفه..لم يستطع ان يعاقبها منذ وفاة والدهم وقد تركها أمانة في عنقه رغم فارق العمر بينهم الذي لا يتجاوز ست سنوات ولكنه كان الأب والأخ لها وفي تلك اللحظة هي تحتاج لحنان الأب واحتواء الأخ فكيف يستطيع ان يبخل عليها..
رفع يده يمسد على شعرها بحنان يخبرها بهدوء:
"كانت مرة واحدة هدير ودائماً الغلط يبدأ بخطوة لتتوجهي في طريقه..تنازل يعقبه تنازل يا قلب أخيك حتى تصلين الى نقطة لا رجوع منها"
بكائها زاد ولم ترد..فأكمل بتمهل وهو يحاول ان يتمالك نفسه ويحجب عنها نيران غضبه التي تتملكه كلياً:
أرأيتي ماذا فعلت بمرتك تلك وسط مجتمع لا يتفهم..أسف لأخبرك أني معهم حتى وان لم تتجاوزي حدودك ولكنها تبقى هفوة وانتِ من سوف تدفع ثمنها"
بذعر سألته واهتزاز جسدها يزداد بين ذراعيه:
"ماذا تعني..لا أرجوك انت لن توافق على حكم عمك وتزوجني من حسن"
صمت لدقائق وهي تحترق رعباً ليحركها من بين يديه يرفع وجهها يخبرها بصبر:
"أنتِ خنتي ثقتي هدير وأصيل خان صداقتي..ربما عقابكم سوياً ان أوافق على طلب عمك"
ساد بينهم صمت ثقيل وعيناها تترجاه بصمت ان لا يحكم عليها بعقاب يدمرها
ليقطع تليد الصمت يكمل بحزم:
"من أجلك فقط سوف أتنازل عن العقاب وأتحدى العائلة..وعادات القرية وأعرافنا..وسأنفذ وعدي لكما"
أنتِ له هدير وهو لك يا قلب أخيك..والله يعينني على الجنون الذي سأواجهه..وأنتِ يجب ان تتحملي ألسنتهم والعواقب هذا جزاء مرتك هدير."
...............
عودة لمجلسهم ولكن المختلف هذه المرة بضم العائلتين..
أعراف وأحكام مهما وصلوا لأعلي المراتب في المجتمع تعليماً ومكانة لا يستغنوا عنها أو يتنازلوا..يجب أن يتم كل شيء بالطرق القديمة..عائلتان يتصرعان بصمت ولولا عقل ورزانة والد صديقه وتحكمه هو في عائلته لكادوا أن يفتكوا ببعضهم فتكاً لم يُبقي أحداً..كان تليد يقلب عيناه في وجوه الرجال بغير رضى ورافضاً لأفعالهم..أتاه صوت والد صديقه السيد (خطاب المكي )رزيناً هادئاً رغم النظرات العاتبة لعمه:
"ما حدث لن نتحدث فيه مرة أخرى يا حج(تهامي )جميعاً نعلم أخلاق بناتكم اللاتي يُضرب بهن المثل في العفة..والطهارة.."
وقف يقترب وهو يضع يده على كتف ابنه و يكمل بنبرات قوية شامخة:
"أصيل ربما تعدى على الأصول ولم ينتظر الى أن يعقد عليها وتصبح ملكه وحلاله..ولكن في النهائية هو أخذ وعد رجال من أخيها بأنها خطيبة له..أنا لن أبرر الخطأ ولا نريد ان نخوض في الأمر ونلوث عراقة عائلتنا بأيدينا"
قطع كلامه تهامي غاضباً رافض لمحاولته في تهدئة الأمور:
"أنت تحاول المدارة على جريمة ابنك يا خطاب والذي لا يمحيها إلا الثأر منكم"
برباطة جأش لم يتخلي عن هدوئه رغم محاولة الأخر في نشر فتنته واتهام لم يحدث رد بتعقل:
"أنا لا أحاول مدارات شيء..ان ارتكب ابني دنائة في حقكم لكنت أنا من عاقبه بيدي..ولكن دعنا نأخذ الأمر بتعقل..أنا أتيت اليكم ماداً يديا لأطلب يد ابنتكم الى ابني وفخر عائلتي وكبيرها من بعدي وقبولكم طلبي ومباركته فخر سوف أضعه فوق رأسي طوال العمر"
عقب كلمات الرجل المتعقلة الرزينة..عبثاً كان يحاول تهدئة جنون عمه وغضب بعض رجال عائلته
قطع الموقف بحزم وهو يتوجه الى خطاب المكي يمد يده يصافحه وهو يقول بعينين عاصفتين غاضبتين يوجهها لأفراد عائلته:
"وأنا قبلت منذ عام مضى والأن أؤكد لك سيد خطاب أن هذا النسب هوالذي نرضاه لأختي..أنا وكيلها وأنا من أحدد مصيرها"
صمت تام عقب كلماته الحازمة وقوته في اتخاذ القرار وإصداره..
وجه كلامه بعدها وكأنه يتحدى ان يراجع أحد قراره بعد الهرج الذي تسببوا به:
"هل هناك من لديه إعتراض هنا ؟لأني لن أتراجع في كلمة أعطيتها"
نطق العم تهامي بزمجرة شراسة:
"انت تتحدَّانا تليد؟!"
بشيء من القسوة كان رده:
"نعم عماه أتحداك وحدك أنت المتسبب في كل هذا لذا وبدون أسف لن يكون لك رأي في زواج أختي"
ارتد رأس عمه للوراء وبُهت وجهه من كلماته الوقحة القاسية..ولكنه لن يستسلم ولن يخرج خاسر وبكبرياء مهزوم لن يرضى إلا بوضع شروطه هو في النهاية حتى وهو يرضخ لاتفاقهم..
نظرة أخرى في وجه الرجال الموجهة له هو بلوم عقب حديث ابن أخيه مثقفهم وصاحب العقل الراجح في نظرهم علم انه سوف يخسر المساندة أن تعنت لذلك أدار..دفة الاتفاق بذكاء يحسد عليه وهو يدب بعصاه الارض ويضع شروطه قائلاً:
"وأنا لن أراجعك في كلمة أعطيتها كرجل رغم تطاولك عليّ تليد ولكن لن يتم الزواج إلا بالشروط القديمة بين العائلتين"
عبث تليد وعقله يتحير في مقصد عمه..أما خطاب المكي وإبنه أصيل لم يستطيعا ان يحجبا القلق أو فهم ما يرمي اليه تهامي..
أردف تهامي قائلاً بإبتسامة شامتة:
"مبارك عليك نسبنا ومعالجة نفسية العائلة أبنة أخي..ولكن"
ببطئ وفحيح أكمل:
"إبنتك لا غيرها من بنات عائلتكم..تتزوج من أحد أبنائي"
"لا..أختي لا"
نطقها أصيل بحزم وعيناه تطلق شرر وجسده المتحفز يعلن عن جنون قد يقوم به شده والده من يده ليعيده بجانبه..همس له:
"لا تتدخل يا أصيل الى ان أحل أنا هذا الوضع..لا يحق لك الاعتراض في وضع أنت من حصرتنا فيه ."
كان قلب خطاب يهدر بصخب مرعب بين أضلعه طفلته وقرة عينه تتزوج ابن من هذه العائلة الجبابرة كيف يستطيع إنقاذ فتاتين أحداهن لوث سمعتها ابنه بغباء
والأخرى مدللته وصغيرته التي يحجبها حتى عن نور الشمس لا تعرف من قريتهم الى طريق مدرستها والعودة منها على يديه..عجز كان يُكبله والهمهمات تعلو مرة أخرى مستنكرة..وتهامي ينظر له بشماته وكأنه انتصر هل يحطم قلب أبنه..ويخاطر بكلمته كرجل وكبير عائلته من أجل إنقاذ ابنته؟؟ليت الأمر يتوقف على اتهام وعقاب وفراق حبيبين ولكن الحرب التي ستقع بين العائلتين قد تصل للدم في عرفهم ابنه تطاول بغير وجه حق على العِرض حتى وان لم يحدث شيء..
لا يعرف كيف اتخذ قراره حاول ان لا يستمع لصوت عقله ولا يطاوع قلبه النازف على مهجة روحه صغيرته..كيف يستطيع ان يسلمها بيديه لتهامي ليذيقها عذاب..انتقام منه ومن ابنه الذي قضى على مخططه بزواج هدير من ابنه..
"أوافق يا تهامي سوف يتم التبادل بين العائلتين ابنتي لكم"
نظرة الانتصار بعيني الرجل جعلته يرتعد كلياً ويستشعر بخطر محدق على طفلته..
ليقطع إبتسامته الشامتة وهو يضع شرطه قائلاً:
"ولكن يا تهامي العادة تقول البدل أن يتزوج كل رجل من أخت الأخر أي تليد هو الأحق بإبنتي لا أحد أبنائك وهذا شرطي لإبنتي"
جسده الضخم ارتد خطوتين للوراء بصدمة وكأنه يريد أن يهرب مما قاله الرجل:
"لتلجم لسانه نظرات الرجل المستعطفه والوجوه التي مازالت يسكنها التحفز وكأنها تريد الرفض وان ينتهي المجلس بالفشل حتى يستطيعوا إعلان الحرب"
كيف ؟كيف؟ رددها لنفسه برفض يتزوج بدل !! يجبروه هل جنوا أم هو الذي جن؟!ان وافق على ما يتفوه به الرجل ويباركه مجلسهم ؟!
...........
بعد وقت كان يقف أمام باب (المندرة) يودع زائريه بعد ان تمت قراءة الفاتحة بينهم
لخطبته هو وأخته سوياً..
مصدوم كلياً وبأنفاس مبهورة كان يستعيد ما حدث لقد رضخ لهم ووافق على حكم وفخ وضعه عمه للرجل ليقع بِه هو في النهاية..والكارثة الكبرى أعلان عمه ببجاحه أن ليلة العرس سوف تكون بالعادات القديمة..أغمض عينيه المشتعلتين يحجب نيران غضبه يتحرك ليجلس على أحد (الدكك) بعد أن ودع أخر الخارجين ليبقى هو فقط حتى عمه الجبان قد هرب بعد فعلته خوفاً من مواجهته..
هم وتعب تمكنا منه فخلع عبائته السوداء التي لا يتخلي عنها أبداً عندما يأتي للبلد ليبقى بقميص أخضر باهت وبنطال أسود من الجينز..فرد جسده وهو يحدق في سقف (المندره ) بشرود وهم ما الذي كبل نفسه به !!سؤال متحير يلف بعقله هل سيتزوج بتلك الطريقة البشعة؟! ألا يوجد لتلك العادات القاتلة من نهاية..
يد حنونة متفهمة قطعت أفكاره..
"أماه"
نطقها بتخبط فهي الوحيده التي تفهمه ويستطيع ان يخلع أقنعته أمامها ويبدو تخبطه !!وبحنانها الأمومي الفياض..كانت تجلس بجانبه تمسد على شعره بحنان..وكأنه طفل صغير يحتاج للدعم..خاطبته:
"دائماً كنت سندي الذي أحتمي به منذ موت والدك يا رجلي والليلة لم تخيب ظني بحكمتك وصبرك بني..رغم نارية طباعك التي أعرفها"
إبتسم بسخرية وأجابها:
"نعم أماه انقذت الوضع وحققت لهدير ما تتمناه..وكبلتهم بما يرفع من شأنها..ولكن تورطت أنا في زواج..أجبروني يا أمي"
أجابته بهدوء:"كنت تستطيع الرفض"
"لا يا أمي لم أستطع ترك أخرى لمواجهة انتقام عمي تعلمين جيداً كراهيته لخطاب المكي على وجه خاص فحقده القديم لا يهدأ ربما لهذا لم أفصح عن خطبتهم لهدير..وأثرت الانتظار حتى تنتهي من سنة الامتياز لنستطيع المواجهة"
رفعت أحلام يدها عن أبنها تستقيم في جلستها تخبره بحزم:
"ما حدث قد حدث تليد قدر من الله أن يتم بهذا الشكل ربما لنتجنب صراع أكبر"
اعتدل يسألها بإهتمام لا يخلو من السخرية:
"تلك الأثيلة خطيبتي المصون هل تعرفيها؟"
بغموض وجهت هي سؤال:
"وأنت لا تعرفها ظننت ان صداقة تربطك بأصيل"
فرك وجهه بتعب يجيبها:
"صداقة شبابية أماه لم يتطرق لذكرها يوماً..وأنا لم أهتم بالسؤال..كم عمرها أمي هل انتهت من دراستها حتى"
بغموض غلفها كلياً ردت بدون توضيح:"لا يتبقى لها عام.."
بإستنكار رد:
"يتبقي لها عام..أي انها في العشرون ربما..أنها صغيرة بالنسبه لي"
لم تجيبه وهي ترمقه بنظره طويلة لتجيبه بعدها:
"نعم بني صغيرة فإتقي الله بها..وتذكر انك تملك أخت مثلها..نصيب بني ولا أحد يستطيع أن يعترض على قدره"
...................
بعد شهر..
عندما تعال إطلاق الأعيرة النارية معلنة عن قدوم العريس ليأخذ عروسه كما هو متبع من عادات فقام عمه بغروره المعتاد مخاطبا له بمحاولة لفرض تسلطه عليه....أخبره بترفع:
"سوف أصعد للعروس لأخرجها من عباءتي كما هو متبع لننهي هذه المهزلة التي أصر على رفضها حتى اللحظه.."
نهض هو الأخر من جلسته يتجنب التهنئات المنهالة عليه من المدعوين بزواجه وزواج شقيقته ليوازي وقفة عمه ليمنعه من الاسترسال وينهي أي حديث أخر في الأمر وقال:
"ما حدث قد حدث يا عمي وانتهينا..تحفظك دعه لنفسك ولن تخرج أختي من عباءة غير عباءتي وفر مجهودك"..
هم عمه للرد عليه بغضب ليلفت انتباه بعض الرجال الذين دخلوا السرادق الضخم والمبهرج الذي يقام فيه الاحتفال ليكتم غضبه ويلتفت لهم وهو يقابلهم بتعجرفه المعتاد وتكبره..تحرك تليد مباشره الى المكان الذي يقام به الاحتفال الخاص بالعروس فور دخوله من باب الغرفة الضخمة التي تمتلئ بالنساء والفتيات التي نظرن له بحالمية ما بين متحسرة على زواجه الذي كان أخيرا وما بين فتيات العائله التي تدعو بداخلها لفشل الزواج وعودته حرا وإختيارها..توجه بهيبته الرجولية وسحره الطاغي كعادته ليفتح عباءته السوداء المطرزة على طرفيها بخطوط ذهبيه ليكشف من تحتها بدلة سوداء من أشهر الماركات العالمية بقميص ابيض يلتصق بصدره العريض وجذعه الرياضي الملفت للأنظار..لم يهتم أو يلتفت لصوت الدفوف التي توقفت والهمهمات الانثوية التي ارتفعت عند دخوله كعادته يثق بسحره على جنس حواء ان كان هنا في الريف أو المدينه أو حتى عندما يسافر الى الخارج في مهام لعمله يعلم جيداً الجاذبية التي يملكها وجه الأسمر وشعر حالك السواد وعينيه بلونها الأخضر البراق التي نادر ما يملكها أحد أبناء الصعيد..
رفعت هدير عينيها التي تبرق بالدموع فور رؤيته يقف أمامها بثقة ويبتسم لها بحنان دائماً يخصها به لتقف وتتحرك بإندفاع تدس نفسها في أحضانه ليحيطها بتشديد ذراعيه وهو يميل الى جانب أذنها..
"مبارك يا حبيبة أخيك"
شهقت بغصة بكاء لترفع عينيها اليه تخبره بحسره.."
مبارك على ماذا يا تليد ليس هذا ما حلمت به ان أزف بهذا الشكل والنساء من حولي يتغامزون على كأني ارتكبت جريمة حقاً"
لينهيها بصوت خافت أجش مؤكداً:
"أرفعي رأسك يا هدير ولا تستمعي لأحد لم ترتكبي إثم.."
ليضيف شارح لها:
"اما عن طريقة الزفاف القديمة هذه تعلمين إني وافقت لكرمك أنت وأخرس كل لسان يتحدث في حقك وأولهم الحاقد عمنا"
لينهي حديثه وهو يبعدها قليلا يخبرها بمشاكسة وهو يريد إن يبثها الثقة:
"سوف أتنازل عن هيبتي وأرقص معك رقصة أخو العروس ما رأيك؟"
إبتسمت من بين دموعها وهي تومئ له وترد له بشقاوة محببة:
"سوف يكون سبق صحفي ان رآك أحد ويأخذوه حجه عليك تليد المتغطرس جامد المشاعر يرقص في زفافه وزفّاف أخته"
ضحك بخشونة مع تعالى الموسيقي ليفرد ذراعيه لها يحركهم لأعلي وأسفل في رقص جذاب متناغم وحركات تخص أبناء الجنوب لتجاريه وهي تتمايل جذعها بصعوبة بسبب فستان عرسها الضخم ودموعها تنهمر بسعادة يتخللها الحسرة..
لم تستمر رقصتهم وقت طويل ربما دقائق معدودة
عندما تعالت الزغاريد مرة أخرى توقفت وهي تنظر لباب الغرفة التي يقف عليها عريسها وعينيه تخاطبها بآلاف قصائد الغزل والفرحة والسعادة..ليضمها تليد مرة أخرى الى أحضانه يغطيها بعباءته استعداد لتسليمها للعريس كما هو متبع ليستشعر جسدها الذي ارتجف خوفاً مره أخرى وبكائها الذي ارتفع ليهمس لها يطمئنها..
"هدير اهدئي أصيل لن يؤذيك أبداً مهما حدث لتقول بصوت مرتجف معتذر سامحني تليد ما سوف يحدث ويصر عليه عمك يرعبني"
إبتسم لها يطمئنها وهو يؤكد:
"لا تخافي يا حبيبة أخيك"
ليضيف موضح باعتذار:
"لولا ما حدث لكنت رفضت هذا الأمر ولكن اعتراضي كان سيزيد الأمر سوء خاصة إن أمك تصمم على ان يتم هكذا أيضا."
اقترب أصيل يفتح عباءته في استعداد ليتلقفها في عادة مره عليها الزمن ولكنها مازالت تحدث في بعض القرى كإعلان ووعد صامت انها خرجت من حماية الأهل وأصبحت تحت حماية من سوف يكرمها ويصونها ليبدأ أخوها في فتح عباءته وتحريكها لعباءة العريس المقابل له في وقفته تشبثت به وشهقاتها تعلو وهي تخبره برجاء:
"أنا لست خافه على نفسي أنا ناضجة تليد وأستطيع تفهم الأمر هي هي يا أخي من لن تستطيع الفهم والتقبل"
نظر بتوجس لها وهو يعقد حاجبيه لينطق مستفسر:
"من تقصدي؟؟"
لتقول بصوت مرير و بنظرات أسفة نادمه:
"عروسك أنت انها صغيرة للغاية طفلة لم تكمل السن القانوني لقد خدعناك لننجو سامحني ولا تؤذيها أرجوك ترفق بها.."
جذبها أصيل منه بتوتر يريد ان ينتهي الأمر كله خوفاً من ثورة من أمامه
حاوطها في عباءته وضم طرفيها فإنطلقت صيحات النساء لإعلان انها أصبحت في عصمت وحمايه زوجها وتركوا الأخر التي انمحت سعادته والإبتسامة من على وجهه لفرحة أخته وفوزها بمن تحب مذهول بصدمة وجسده يقف بتصلب لا يستطيع ان يتقبل ما وصل لعقله هل زوجوه قاصر؟!!يد أحد أبناء عمه نبهته وهو يخرجه من صدمته قائلاً..
"الأن تليد دعنا نتحرك لانهاء هذه الليلة"
لم ينطق ببنت شفة وهو ينظر لأمه بشكل خاص لائم عاتب بخيبة أمل لم يستطع أن يداريها تحرك يلحق أخته في سيارات الرجال المتعددة خلفها..عرس مهيب وعشرات السيارات التي يتم أطلاق النار منها لتشتعل السماء بأعيرتهم النارية بدون حاجه للإضاءة..طريق طويل غير ممهد هو ما عبروه لبيت زوج أخته وعروسه القاصر..
قاصر صغيره جاهله يرددها عقله بتغيب كيف؟ كيف؟ والسؤال لا يجد مجيب عندما عقد القرآن بالامس تمعن في عمرها جيداً ما كان مكتوب يتعدّه العشرون عام ببضع أشهر هل هدير مخطئة من رعبها الخاص ولكن كيف ولم قد تخبره بشيء موحش كهذا ؟
بعد وقت وصلت سيارتهم لبيت العريس الذي يقع وسط الأراضي الزراعية بأسوار عالية تحيطه..كانت الأبواب مفتوحه على مصرعيها ويوجد صوان ضخم يماثل صوانهم لا يخلو من موائد الطعام وصوت مقرئ القرية يتلو بعض آيات الذكر الحكيم..كل شيء كان يجري حسب العادات القديمة..
وقف بشموخ ينظر للرجل الذي مازالت نظراته المستعطفة يخصه بها الان علم معناها وأسبابها ضعف الرجل واهتزاز يده عندما كان يزوجه ابنته..بدون تفسير فهم ان الأخر علم بكذبته اقترب منه يتوسله..
"اخترتك لعقلك ولقضايك التي تناضل من أجلها ابنتي أمانتك..لو تعرف فقط ما تعنيه لي هي بالذات لترفقت بحالي فيها"
جز على اسنانه بصوت خافت وهو يجيبه:
"لو كنت تملك ذرة رحمة واهتمام بها لم تكن وافقت ورميتها لي..اذا أنت لم ترفق بها فماذا تنتظر مني"
كان خطاب يحجب دموعه بصعوبه يحسد عليها وإلا كان خَر صريعاً تحت قدميه يتوسله الرحمه بصغيرته التي رماها بيديه منصاع للأعراف ويحقن دماء لتأتيه كلمات الأخر تجلده بدون رحمه:
"أب أخر لا يستحق حمل اللقب..ضحى بطفله لإنقاذ نفسه وابنه الندل"
أبتعد غير مهتم بجمود ساخر أردف:
"وجهني لزوجتي للننهي الأمر عمااه"
وهذا ما تم لن ينتظر البشاعة التي ستحدث الان وشرف أخته يتراقصون به في كشف سترها بحجه التفاخر..تأوه بألم حقيقي عند تصور الأمر ما الذي يجبره لإنصياع لعادات وقيم ؟! اي قيم هذه من تكشف ستر وتهتك عرض
يتفاخرون انها مشرفه!!خسئو جميعاً بل هو قمة الانتهاك للأعراض لو يفهون أو يشعرون ببشاعة ما يقومون به..ولكنه فرد واحد وسط غيلان متحجرة العقول كما القلوب..بجسد متصلب رافض كان يرمق هذا الجسد الصغير المهتز وبكائها الطفولي يجلده باليه فتح عبائته وتلقاها من عمها..
فأخوها لاهي في عروسه الان وأبيها تبعاً للاعراف لن يقدمها له..ضمها مجبر يحجبها عن الأنظار..وتعالت الزغاريد مرة أخرى معلنة عن انتمائها له..
ولكنه لن يستطيع إعطاء اي وعد لهذا الجسد المهتز بين يديه لا بحماية ولا رابط مقدس يدوم للأبد !!!
..............
رفع يده يمرر أنامله في خصلات شعره الى الخلف بعنف يكاد يقتلعهم اقتلاعاً
لقد تم خداعه من عائلته بجدارة، لم يستطع تخطي صدمته بعد..هو من يعمل له ألف حساب وحساب لقلمه وكلمته من كبراء البلاد خُدع من أمه أولاً قبل أي أحد..
عاد بنظره الى الجالسة أمامه تفرك يديها بخوف، رأسها منكس للأسفل وجسدها كله يرتجف يكاد لا يري ملامحها التي لم يعرفها من قبل..زفر بضيق وهو يلتف حول نفسه في دائرة مفرغة يلعن غبائه ألف مرة إذ لم يهتم أن يرى من قبل أي كان ثائرا على نفسه..كيف استطاعوا أن يفعلوا به ذلك؟تعالت ضحكاته الساخرة وهو يعود بنظره لعروسه العتيد التي تكاد تغرق في طيات فستان زفافها ليجد ارتجافها قد ازداد..بدون أي تفكير وبفقدان سيطرة تام توجه اليها وهي تجلس على طرف الفراش ليقترب منها وهو يقف من علو ويمد يد أسفل وجهها يرفعه اليه واليد الأخرى تمتد لأعلي رأسها ليخلع عنها طرحة الزفاف السخيفه اللعينة..
تأوهت بألم مكتوم للحظة واحدة..نظرت اليه بعينين كالبحر الصافي متوسعتين بهلع لتعود لتطبقهما سريعاً بقوة وهي تضغط على شفتيها تكاد تدميهما ليهدر بها بغضب ويكز على أسنانه وهو يتبين ملامحها الطفولية:
"كم عمرك يا فتاة وإياك والكذب؟!"
ازدردت ريقها بتوتر لتتحرك شفتيها بصعوبة عدة مرات لتنطق بعدها بصوت خافت يكاد لا يسمع وهي تتمتم له بعمرها:"سبعة عشر"
نزع يده من إمساكه بوجهها وهو يتراجع للحائط الذي بجانبه يضربه بقبضة يده بقوة.."يا إلهي، أنا من ناديت من بداية تاريخي الصحفي..بزواج الصغيرات وحاربته بكل قوتي أتزوج طفله تباً تباً!!"
تعالت طرقات الباب على غرفته..أغمض عينيه بيأس، هو المخطئ حين وافق على تلك القوانين السخيفة التي ترتبط بها العادات ولكن كان يجب عليه إنقاذ أخته التي أقسم عل حمايتها ليجد نفسه الآن يجبر على اغتيال براءة أخرى..نعم يعلم لم الطرقات الجنونية فعائلته العتيدة وعائلتها ينتظرون خروجه لإعلان اغتيالها..عاد اليها بغضب لا يستطيع السيطرة عليه ليهدر بها بانفعال:
"هل تعلمين ما هو مطلوب منك الآن ولم أنت هنا معي؟"
تمتمت بخفوت بصوت هامس:
"أمي قالت أنك زوجي وأخبرتني أن أطيعك في أي شيء تطلبه"
ليصرخ بها بجنون:"وهل تعلمين ما هو طلبي؟ما طبيعته ؟"
هزت رأسها بنفي لتبتلع ريقها وهي ترفع عينيها الزرقوين بهدوء بريئ زادت جنونه إذ أدرك جيدا براءة تلك العينين من معرفة مخطط اغتيالها القريب..
سمعها تقول:
"لا اعرف ولكن أبي قال أنه اختارك أنت من بين عائلتك زوجاً لي لأنك أبداً لن تؤذيني، ربما أنا لا أعرفك ولكني أثق بأبي"
توسعت عيناه وكلامها يضربه في الصميم، كيف استطاع أن يخون مبادئه وينفذ لهم ما يريدون ؟!كيف يخون ذلك الرجل الذي وثق به وسلمه أعز ما يمتلك، ابنته، حتى لو كان خدعه ؟!ازداد الجنون خارج غرفته وصوت المزمار البلدي يهدر ويتعالى مع الهتافات من اَهله كما يبدو في محاولة لتوجيه رسالة له أنه تأخر كثيراً على المطلوب منه..اقترب منها بعزم وهو يتخلص من رابطة عنقه وهو يلحقها بكنزته السوداء لطقم زفافه الرسمي مخرسا كل الأصوات في عقله فأبيها المذنب الوحيد الذي وضعه في هذا المأزق لتتراجع هي بخوف وقد أدركت الآن فقط حجم الكارثة الذي وضعت فيها من ملامحه الشرسة..اقترب منها بعزم يحاول ان ينفض تصارع أفكاره وتضاربها..كان يتخبط بين معتقداته الخاصة مبادئه..وعادات يعلم جيداً أن لم يرضخ لها..وينفذ ما يريدون..سيترك خلفه العديد من الضحايا..عندما وصل اليها كان تخلص من جميع ملابسه العلوية لا يعرف متي وكيف فعل هذا ؟!كانت تتراجع بخوف فطري..الى الجهة الأخرى من الفراش..
تتراجع زاحفة على كفيها وفستان الزفاف الضخم لا يسعفها للهرب السريع..لم تحد بعينيها المرتعبة عنه ولم يرف عينيها وهي تتفحص ملامحة الشرسة..أخيراً استطاع. ان يسمع صوتها المرتجف تسأله:
"ما الذي تريده مني..ولم خلعت ملابسك؟"
تملكته السخرية كلياً وهو يميل عليها بجزعه العلوي يشدها من قدميها لتصبح تحته مباشرة ! ويحاوطها بذراعيه..الشراسة هي ما كانت تتحكم به الغضب الغير مفسر وفقدان السيطرة التام وهو يجيبها:
"ألا تعرف الصغيرة ماذا أريد؟!هذا ليس خطائي..بل خطأ من ضحوا بك"
يديها ارتفعت بخوف تدفعه عنها تحاول التملص منه بل كانت تصارعه بشراسة مماثلة للتي تسكن عينيه ولكن صوتها المرتجف كان يكشف رعبها الجلي:
"أي تضحية ومن تقصد أنا لا أفهم..فقط أريدك أن تبتعد عني"
يدها دفعته بقوة لم تعلم من أين حصلت عليها اذا جعلته يتزحزح عنها بالفعل خطوات للوراء..جعلته فاقد السيطرة تماماً. اذا لم يشعر قط في حياته بكل هذا الغضب..والانفعال..يداه كبلتها ليهزها بقوة..وكأنه يريد ان ينهي صراعه الداخلي عبرها يهدر بها منفعل وكأنه يهدر بنفسه..
"الم تخبريني أن والدتك الغالية قالت اتبعي كلامي هذا ما أريدأثيلة"
عندما مال عليها يحاول تجريدها من فستان زفافها بعنف وكأنه يريد إنهاء الموقف وما يحدث كأن في صراع داخلي .موجع له كما لها..لا يعلم ما الحل وما هو بديله
أغمض عينيه بشدة على صوت تمزيق فستانها وصراخها الرافض الطاعن لكبريائه وكرامته..مازالت مقاومتها لم تهدأ أبداً..صوتها الملتاع كان يمزقه ويزيده جنون وغضب أسود أعمي..جسدها الحريري البض بين يديه كان يرتعش وينتفض بقوة..كانت مرتعبة وهي تتوسّله بكلامات طفولية تقتله..
"أرجوك..ما تفعله عيب وحرام..ألا يوجد لديك فتيات ؟!"
كان يريد ان يضحك ويبكي في ان واحد ولكنه لم يتوقف عن محاولة اغتيالها ؟!
انتحابها زاد وتيرته وصراخها الذي لم يستطع كتمانه وهي تحاول ان تذكره تستنجد بمن..ألقاها له:
"أبي..امنعه عني..أتوسل اليك ابتعد لقد وثق بك أبي"
وصل معها لنقطة فاصله لم يعلم فيها هل يتراجع ويكسر طوق العادات ام ينالها ويخسر جزء من روحه ويحطم فتاة صغيرة بيديه..حاول ان يلغي عقله وهو يخبرها بصوت متألم من وسط صراعه ودوامته بنبرات عميقه غامضه:
"استسلمي لطوق العادات أثيلة..هذا قدرك..وقدري لن نستطع منعه وأن أردنا..استسلمي لإغتيالك على يدي .بل ويجب ان تكوني ممتنه..قدرك هو قدرك يا صغيرة التضحيه بك..بل وسوف أنال الشكر والثناء لقتل روحك"
عندما مال عليها مره أخرى يحاول ان يلغي عقله ويندمج معها..يمحور افكاره المشتعله حول نقطة واحده..من بين يديه يحتويها كلها بين ذراعيه وتحت ثقل جسده هي زوجته ومطالب بتفعيل زواجه منها..صوتها بُح من الصراخ ولكنها لم تتوقف لحظه واحده عن المقاومة..وصراعه وتوسلها الموجع الضعيف الموجه اليه..
عندما زأرت كحيوان جريح يذبح..وخفت صوتها بالتدريج وانتفاض جسدها زاد مرة واحده ثم سكن تماماً تحته ليشعر باهتزارها كل جزء من جزعه..انتفض عنها مبتعد بخوف ورعب جلي يهزها:
"يا الله..يااارب..ما الاثم الذي كدت ان افعله"
لم تمهله الطرقات الجنونية على الباب محاولة ان يرى أبعاد جريمته أو ان يتفحص الجسد البارد بين يديه..مكبل تماماً إنقاد يفتح الباب والغضب الأعمي يسيطر عليه هم من دفعوه لهذا..أغمض عينيه الحمراوين بشدة عندما دفعته أمه من أمام الباب لتغلقه خلفها..تحجب عن الأنظار المتلصصة الرؤيه..لم تنظر اليه حتى وهي تتوجه الى السريري المشعث وكأن إعصار ما قام بضربه..توجهت للمسكينه تحاول ان تجس نبضها وهي تتفحص جسدها العاري تشد الغطاء عليها وتضمها لصدرها تهدر به بسخط:
"ما الذي فعلته يا مثقف العائلة هل جننت..ما الذي حدث للفتاة تكلم"
شرر عينيه كان مجيبها وهي يصرخ بها لم يفق بعد من دوامته الخاصه..كانت كلمة مرعبه حاده قاطعه:
"قتلتها"
لم تكن الضحيه الاولي..لكم ولن تكون الأخيرة"
بإصرار وقوة أجابته:
"ولكنها الأولي لك أنت يا مدافع الحق وبطل الصغيرات"
بهت تماماً وسواد بخزي احتل وجهه كما روحه ليحاول الدفاع عن نفسه عن هفوه أمات فيها ضميره وانقاد لجريمة كاد يرتبكها بعزم..
"أتدافعين عنها الأن أماه..وأنتِ شريكتهم الم تكوني تقفين على باب الغرفه تنتظرين انتهاكها على يدي"
بشراسة وصوت منخفض كانت أجابتها:
"ظننتك سترفض الأمر تخرج تنهيه ترسخ مبدئك الذي تتغني به..أو بأسوأ الحالات تخدعها وتتمم الأمر في هدوء لا ان تغتصبها"
كان يجاهد للحفاظ على البقية المتبقية على أعصابه عنف الكلمة يتردد في عقله فيصفعه بحقيقة ما كان يجري كان يغتصبها طفلة صغيرة جاهله..كان ينتهكها يقتل روحها وبرائتها:جرم عظيم وهفوه لا يمكن غفرانها كان يحاول ينفي بحزم لا يخلو من الارتباك:
"لم اغتصابها..لم أتم الأمر"
لم تجبه ولم تعيره اهتمام وهي تقول ببرود لاذع:
"أقترب لنحاول افاقتها وبعدها نحاول أن نجد حل لتلك المصيبة"
هز رأسه بنفي وهو يتفحصها من البعيد بين يدي أمه..لن يستطيع أن يواجه جريمته مهما حدث..ووسط إلتهاء الأخرى في إفاقت من بين يديها كان ارتدى ملابسه بعشوائية..ليفتح الباب وهو يسمع شهقات الأخرى الصارخه المستنجده برعب لقد أفاقت كان يعلم جيداً انها موجة إغماء تمكنت منها بسبب الرعب الذي تسبب لها هو فيه
........
صدمته الوجوه المنتظرة..لتقترب زوجة عمه ببجاحة تسأله أين الاشاره
وبصرخه فاقد السيطرة كانت أجابته القاطعه:
"لا يوجد إشارة..اذهبي لزوجك وأخبريه أني أرفض الأمر برمته..لن يحدث أن تتلقفوا شرفي بين أيدكم بوقاحه"
لم يعر الشهقات المستنكره أهتمام وهي يولي وجهه ويفر هارباً تارك المنزل ومحاوله البعض ايقافه ليستقل سيارته يمسد على قلبه بقوة سوف يصاب بنوبه قلبيه أن لم يغادر من هنا كل ما يحدث كان كثير على تحمله..سوف يغادر القريه بأكمالها ووسط كل جنونه غضبه وهفوته كان يتنسي ما سوف يحدث للضحيه من خلفه..هرب العريس بدون أشارة غاضب ووجهه لا يبشر بخير..العروس الصغيرة..معيوبه..وفرطت في شرفها
انتهى
قراءة سعيدة
أنت تقرأ
عادات خادعة
Romanceعادات خادعة ..حكايات وحيوات من قلب البيئة العربية عامة وروح الصعيد خاصة ..تتنازع العادات التى تنمو وتكبر غارزه جزورها عميقه بداخلنا وبين المنادئه بالحرية والعدل وقتل تلك العادات التى تنتهك المرأة .. الحكاية الأولى الصحفي المشهور بمنقذ الصغيرات المنا...