الفصل العاشر

19.1K 426 10
                                    

الفصل
العاشر
كانت تجلس في مكان منعزل قليلاً خلف مبني كلية التجارة في الجامعة تعودت أن تأتي اليه دائماً هرباً..من بعض الزميلات عندما يكثر عليها الضغط منهن في محاولة لجعلها تتحدث عن حياتها الخاصة..لقد كانت في الحقيقة تماثل تليد غموض حول حياتها ربما أصبحت تنطلق معهن في الحديث أو تشارك في تجمعات مظاهرة ما دائماً تدلي بآرائها بدون خوف ولكنها مازلت تحتفظ بمسافة بعيدة عن الاختلاط بهن في صداقة قوية والأهم انها لم تحد أبداً عن مبادئها لا صداقة أو حديث منفرد مع أحد الشباب..حتي مع محاولة البعض منهم بإستماته لطلب ودها حتى لو عبر زمالة عابرة..تعلم أن قوتها الغريبة لهم وحدة خوفها يثير حولها علامات الاستفهام عن من يسندها هكذا لجعل بعض الاساتذة تتغاضي عن أرائها الجريئة بهم..
فعندما كشفت علاقتها الحقيقية بتليد..إحترم رئيس الجامعة تحفظها عن عدم تصريحها بأنها زوجة له..وإحترم طلب تليد أيضاً بأن لا يلحوا بالأمر على الملأ  لحمايتها هي من أي إنتقام سخيف من أحد معارضيه..يوجه لها..
أتاها صوت ساخر مرافق دائماً لصديقتها الوحيدة بحق كعادتها دائماً وهي تجلس بجانبها تخبرها:
"ما بك..يا طويلة اللسان هل هذه إحدى نوبات جنونك عزيزتي..وتعبرين عنها بالعزلة"
ردت أثيلة بصوت مرهق من أفكارها التي تعصف بها:
"حياة أرجوكِ اليوم بالذات لن أحتمل مهاجمتك لي"
أثارت إهتمام حياة وهي تقول:
"ما الذي حدث..ولما تبدين مرتبكة..وعيناكِ ضائعة هكذا"
رمشت بعينيها وهي تحدق بوجه حياة المهتم:
"أنا لست مرتبكة..خيالك دائماً هو ما يصنع حولي أشياء غير حقيقية"
عبست حياة قائلة:
"أثيلة أرجوكِ..لا داعي للإنكار أصبحنا نحفظ بَعضنا جيداً فلا تنكري الأمر ما الذي حدث"
أستندت أثيلة على الجدار من خلفها أغمضت عينيها تحاول أن تحصل على سكون جزئي من صخب أفكارها تحجب حقيقة إرتباكها لمن أمامها تهرب من إجابة السؤال الذي لم تجد له أجابة منذ الصباح..هي ببساطة لا تعلم..ما الذي حدث ولا تجد ما تجيب به حياة..ماذا تخبرها أن تليد قرر المجازفة ووضعها أمام خيارات لن تجد مهرب واحد منها..إبتسمت مرغمة وهي تتذكر نبرته الحازمة..وما طرحه أمامها خفق قلبها بعنف..وهي تتذكر جملته القوية ولكنها تحوي بين طياتها توعد حارق مجنون"الموت على صدره..الاحتراق بين ذراعيه"ربما لا تستوعب كيف سوف يحدث هذا ولكنها لا تنكر أن فضولها يأخذها ويجبر عقلها المتحجر أن يحاول إتباعه وخوض التجربة لمعرفة كيف من الممكن أن يحترق إنسان على صدر أحدهم كما قال هو..تأففت حياة بضجر وهي تهتف بها:
"أنتِ ما بك وما سر هذه الابتسامة البلهاء على وجهك..لقد أعتقدت سر إرتباكك أن ربما تليد قام بمعاقبتك بعد الجنون الذي صدر منك بالامس"
عبست أثيلة وهي تفتح عيناها تنظر لحياة قائلة:
"من أخبرك بما حدث..لقد حرص المعيد على عدم إنتشار الخبروأكتفي بإعتذاري"
نظرت حياة للسماء وهي تهز رأسها بسخريتها المعتادة وهي تقول:
"يا حمقاء..مهما حاولوا حفظ الأمر بينكم..حدث كهذا يجب أن ينتشر في جميع أرجاء الجامعة الى أن وصل الى مبني كلية التجارة خاصتي..ولكن بالطبع لن يجرأ أحد على التحدث علانية"
عقدت أثيلة حاجبيها قائلة:"وكيف علمتي أن تليد تدخل بالأمر"
هزت حياة كتفيها بلا إهتمام وهي ترجع ظهرها للوراء تستند على الجدار مثلها وهي تقول:
"توقعت ليس الا..كالعادة بالطبع لم يعلم أحد بأنه هو من يقف دائماً خلفك"
خرجت زفرة قوية من صدرها وهي تجيبها:
"ربما تليد لديه حق ويجب أن أضع حد لجنوني..وأتأكد من حقيقة ما يحدث أمامي قبل أن أتدخل وأساعد أحدهم"
ضحكت حياة بصخب وهي تخبرها:
"أثيلة عزيزتي هذا محال..أنت تفقدين السيطرة تماماً عند إستفزازك..وأيضاً ما حدث بالامس..لم يكن مساعدة..بل فضيحة إحداهن يا بلهاء"
رفعت أثيلة رأسها لأعلي تراقب سرب طير مهاجر يتشكل في السماء في عدت دوائر متداخلة يعلو ويهبط برتابة..ثم تُفك تلك الدوائر عبر خروج أحد الطيور من السرب فيتبعه البقية بسلاسة في خطوط مستقيمة طبيعية ومثالية ؟!!
كانت مازالت تتبع السرب بعينيها وهي تخبر حياة بشرود:
"هل تعتقدين حقاً..أنه ربما العيب فينا نحن يا حياة..الجميع يتقبل ما يحدث من مشاعر وقصص غرامية بل ويسعي اليها بقوة..إلا نحن نراها بطريقة مختلفة تثير حيرتي في الحقيقة !!"
أراحت حياة نفسها أكثر على الجدار لترفع عينها تتبع ما تراقبه الطيور مثلها لتقول بذكاء:
"العيب لم يكن فينا يوماً..نحن لم نولد معطوبين أثيلة..بل ما حدث لنا على يد أقرب الناس منا هو سبب ما حدث..ليجعل عقولنا تتوقف عند نقطة ما وتخاف التقدم..نخشي من الوقوع أو تعود لنا ذكرياتنا المريرة إن تجرأنا وسمحنا لأنفسنا..بأن نعيش حياة طبيعية ونتبع السرب من حولنا"
خفق قلب أثيلة وهي تصدق على حديث حياة:
"نحن طيور شاردة من السرب..كسرت أجنحتها قديماً وتعاني للوصول..ولكن هل هناك أمل في الوصول ؟!!"
صمت حل لدقائق بينهم كلتاهما تتأمل غياب الطيور من أمامهم..ليتبقي طائر واحد..متأخر قليلاً عن أتباعهم..إبتسمت حياة بهدوء وهو تراقبه يقف ويحلق منفصل في السماء وكأنها كلها ملكه يرفرف بأجنحته..بحرية لتخبر أثيلة قائلة:
"تذكري دائماً..ليس بالضرورة إتباع السرب لنصبح طبيعين أن نكون جزء منهم هذا لا يميزنا..ربما نجاحنا الحقيقي أثيلة أن لا نكون أبداً جزء من القطيع"
أعتدلت حياة من مجلسها تمد يدها وتضع يدها على قلب أثيلة مباشرة وهي تخبرها:
"هنا..هنا أثيلة يقع تميزك الحقيقي..هنا صديقتي مكمن قوتك..إسمحي لهذا بالتحرر أثيلة حتى تجدي إجابات أسالتك المعلقة"
عقدت أثيلة حاجبيها بغرابة وهي تقول:
"هل أنت متأكدة من دراستك يا حياة..أصبحتي تتحدثين..كعبير كثيراً"
صمتت لبرهة وهي ترفع حاجب واحد وتقول بلوم:
"تنصحين وتدفعيني لتحرير قلبي كما تقولي..اذاً لما لا تخبري نفسك بهذا وتغلقي على نفسك في ذكرياتك الموجعة بدل أن تحاولي أنتِ التحرر"
إكتسي وجه حياة الجمود وهي تقول:
"بعض البشر فاشل جداً في نصح نفسه..ولكنه يجيد صنع الامل ودفع الأخرىن لايجاد حياة سليمة"
صمتت لبرهه وهي تبتسم بدون مرح وتكمل حديثها قائلة:
"تذكري دائماً أثيلة نحن نختلف عنك..أنتِ لم تكوني مثلناً يوماً"
أجابتها أثيلة قائلة..بل أنا كنت ومازلت منكن حياة,لا تحاولي وضعي في مكانة بعيداً عنكن"
أعتدلت حياة من جانبها تلملم أغراضها الموضوعه جانباً وهي تقول دون إكتراث:
"أتعلمي..رغم سعادة عبير بك..والفرحة الغريبة التي تتقافز من عيني تليد عند رؤيته أياك وأنتي تحذين حذوه في دفع بنات الدار للتقدم..ولكن أنا لا أراك الا طفلة غبية"
حذرتها أثيلة بجمود:"حياة لا أسمح لك بأهانتي"
هزت حياة كتفيها بدون أهتمام وهي تسوي وقفتها قائلة:
"أنا لا أهينك انت تعلمين هذا..أمالت مرة أخرى عليها وهي تهمس أمامها قائلة بسخرية:
"كفاكي هروب..حتي وإن لم تتحدثي بما يجري بينك وبينه يا غبيه أنا أعلم بما يدور..خذيها نصيحه يا صديقتي وإسمحي له بأن يتسلل الى داخلك..مثله لا
يقاوم أويرفض"
حاولت أثيلة الرد عليها لتقاطعها حياة وهي ترسم إبتسامة جميلة على محياها قائلة:
"تليد..حلم الكثيرات يا حمقاء..إخطفيه لنفسك وأعتبريها تضحية من أجلنا جميعاً بدل أن تقدم إحداهن ،علي خطفه منا..نحن نريده دائماً مرتبط بالدار..وهو لا يري الا أنت..حافظي عليه أثيلة من فضلك,انا أطالبك بهذا"
واجس غريب تسلل اليها وقبضة مؤلمة عصرت قلبها وكأنها لم تطرق قبلاً لفكرة أن تأخذه أخرى منها لتقول بتردد:
"واحدة أخرى تقصدي إمرأة..هو ليس من هذا النوع"
إعتدلت حياة عنها وهي تقول بتلاعب:"لما عزيزتي..هو في. النهاية رجل..وبالتأكيد..لن ينتظر أميرته المدلله كثيراً لترضي عنه وتأخذ هي خطواتها في الاقتراب منه وتبادله حبه"

كانت أثيلة تقف مع حياة وبعض من زميلاتها أمام أحدي قاعات المحاضرات تقلب أحدي الاوراق بيديها لذة إنتصار قطعت حياة تأملها لتلك الورقه وهي تقول هامسه:
"سوف يقوم بقتلك هذه المرة..ما الذي تهدفي اليه بالضبط,من هذا التمرد"
عبست أثيلة وهي تبادلها الهمس قائلة:"أي تمرد بحق الله وماذا فعلت؟؟"
خطفت حياة تلك الورقه وهي تقرأها بصوت عالى قليلاً:
أثيلة خطاب المكي وقع الاختيار عليها لمنحها تدريب في إحدي الصحف تحت إمرت أمهر صحفي البلد بناء على أحد طلبات الالتماس التي قامت به الطالبة"
أعادت حياة الورقة بعنف وهو تخبرها:
"زوجك..صحفي ويمتلك أسهم في صحيفة ضخمة..وأنتي تلتفي من ورائه..ووتجرأي لتذهبي في صحيفة أخرى..لقد أخبرتني سابقاً بأنه عرض عليكِ أن تتدربي معه..وأنت رفضت..فما مقصدك الان الا التمرد"
زفرت أثيلة بضيق وهي تقول..
"من حقي..يا حياة ،أن أبني نفسي وحدي أبحث عن هويتي بعيداً عنه..وأخرج من عبائته"
أغمضت حياة عيناها بيأس ولم تعلق..تعلم رأس أثيلة المتحجر لن..تستطيع أن تجعلها تتراجع عن فعلتها..خاصة الان وقد وصلت أخيراً لما كانت تسعي اليه..
(هل أنتِ..أثيلة خطاب )
رفعت أثيلة عيناها الزرقاوين في وجه الشاب المبتسم ينظر لها بتفحص غريب قبل ان تقول:"نعم هي أنا..هل من خدمة أستطيع أن أقدمها لك"
مال فم الشاب بإبتسامة ماكرة ومد يده مصافحاً و أخبرها:
"لا..لقد بحثت عنك للتعرف بك فقط وربما بداية صداقة بيننا"
رفعت أثيلة حاجب واحد وهي تتأمل الشاب الواثق في نفسه زيادة عن الحد تتأمل وجهه المبتسم الغامض بعدم رضي لتقطع الصمت وهي تنظر الى يده الممدودة قائله بجفاء:
"هل بحثت عني خصيصاً من بين كل بنات الجامعة الضخمه لصنع صداقة معي ؟!
التوي فمها بأمتعاض وهي تقول بنوع من التقليل:
"يا مسكين..يبدو أنك أخطأت الاختيار..أنا لا أصدق..الصبيان"
توسعت إبتسامته بسماجة وهو يقول:
"صبيان ؟! هل نبدو لك في الروضة"
أجابته ببرود:
"بالتأكيد كونك تأتي تطلب صداقة..من إحداهن بصبيانية تبدو لي في الروضة..وعلي ما يبدو أنك لا تعرفني حتى"
لدقائق كان ينظر لها بتفحص غامض لن ينكر أنه صدم بصدها الحازم..ما علمه من خالته جعله يجزم أنها سوف ترحب على الفور بصداقته التي يعرضها..
أجابها قائلا في محاولة منه لجعلها تتراجع عن هذا الهجموم:"ولكنيِ أعرفك جيداً في الواقع نحن أقارب..تستطيعي القول أن كلانا نسب قوي يربطنا بعائلة العمارية"
أخذت نفس عميق قبل أن تقول:
"أنا لا أعرفك..وكونك تنتمي للعائلة بشكل أو بأخر لا يمنحك الحق في أن تأتي تطلب صداقتي بدون سابق معرفة"
أجابها وعيناه تبرق بغموض ووتتأملها بوقاحة:
"ولكن أنا أعرف كل شيء عنكِ من خالتي عواطف..أنا وليد خطيب نجلاء أبنة العم تهامي..بالطبع تعرفيها"
رغم الغضب الذي كان يحتل ملامحها دارته جيداً وهي تخبره وكأن الأمر لم يثر فيها أي إهتمام:
"مرحباً بك على كل حال..وأياً  كانت الصلة التي تربطنا..هذا لن يجعلني أسمح لك او لغيرك بالاقتراب على كل حال"
أنهت جملتها وهي تلتفت لحياة المتحفزه تخبرها:
"هيا حياة..تأخرنا على العم (محمود ) ينتظرنا منذ ساعة ليقلنا الى وجهتنا"
همت بالانصراف من أمامه قبل أن يوقفها مرة أخرى قائلاً:
"أنا مازلت أمد يدي..لم كل هذا الصد منك وأنا فقط أريد سلام بيننا"
أعتدلت أثيلة مرة أخرى وهي تقول ببرود:
"ظننت أنك من الذكاء أن تفهم أني لا أريد مصافحتك..ثانياً أي صد أنا فقط أوضحت لك الأمر وردي على مطلبك أنا لا أعرفك يا هذا..واحتراماً للعائلة فقط..
تحدثت معك بهدوء..إن كنت تعلم قواعد بلادنا جيداً كنت إحترمت رأيي وعلمت وحدك..أنه غير المسموح على وجه الإطلاق بأي تعارف جانبي بيننا"
أنهت كلامها الحازم وهي تمسك بيد حياة وتنصرف من أمامه بهدوء عجيب
أعاد يده بجانبه يبتعد خطوات عن الفتيات التي تنظر له بعجب..علي الرغم من إحراجه القوي ولكنه أبداً لن يتراجع عن طلب ودها..
"حلوة"
همسها لنفسه وهو يستلذ بنطقها ويراقب بعينيه الوقحة عودها المتمايل بغير تصنع يتذكر ملامحها الجميلة..في الواقع هي أحلي بكثير من وصف خالته التي كانت تحاول أن تشوه جمالها بأي طريقة وهي تقول أنها تشبه الساحرات الشريرات بملامحها المختلفة..ذكرتها خالته عواطف  أمامه وهي تعيد الحديث كل مرة..
عن عمة الفتاة التي سحرت قديماً لتهامي بعشقها وهي تخلصت من هذا العشق..لتعود أبنة أخوها بعد عشرون عام تفعل فعلتها وتسحر زين رجال عائلتهم..فبرغم عدم عفة الفتاة في ليلة زفافها كما تدعي عواطف..الا أن تليد أحبها وسحرته بإحدي الاعمال السفلية..لقد علم من تلك الطفلة السخيفة نجلاء صدفة..أن زوجة أبن عمها تدرس في نفس جامعته ولكنها في قسم الصحافة..وقد جاء بدافع الفضول ليري بعينيه..والاسم المميز كصاحبته ساعده أن يجدها..ولكم أعجبته اللعبة معها سيستمتع جداً بإخضاع تلك الشرسة والتلاعب بها كالعديدات..وزواجها سوف يساعده اكثر للتوغل معها بدون حذر..
أبتسامة خبيثه إعتلت شفتيه وعيناه تقسم بوعد صامت..اذا كان المدعو تليد..يتدخل بحسم في زواجه من نجلاء ويؤجله مرغماً بتعنت...فليعوضه اذاً هو بالتلاعب مع زوجته قليلاً فقط........
كرر همسه مرة أخرى قائل بشيطانية:( الساحرة حلوووة يا خالة..شرسة ومثيرة..لاتماثل طفلتك الغبية المهتزة..الان علمت سبب حقدك عليها وعلي عمتها"

............

عادات خادعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن