الثامن والعشرون
أوشك تليد على الانتهاء من أخذ المقاطع الذي يريدها..من كاميرات المراقبة..لابد انه لديه نزعة مازوشية بتعذيب نفسه وهو يعيد مقطع دفع الحقيرة لزوجته..لتتدحرج أثيلة وهي تفقد توازنها على كل درجة وأخرى لقد قرب الفيديو المصور أكثر من مرة يعيد ذلك المقطع الذي يرى فيه صغيرته تحاول رغم ذُعرها حماية إبنتهم وهي تتلقى عنف السقوط على ذراعيها..
كاد أن يعود لرعبه وذلك الألم الجلل الذي يقتله ويتركه خالي الوفاض منزوع الروح..فيخبر نفسه بعنف:"لا..يكفيك فقدان سيطرة كلتاهما بخير..وهي أكثر من آمنة الآن بمحاوطة أهلها لها ..ركز على هدفك لتعلم من أين ستبدأ وكيف تستغل ما حدث لتجعل تلك الوضيعة تعترف بما أنت توقن به الان ....
طرقات مترددة على باب مكتبه قطعت تفكيره..لتجعله يرسم ذلك الجمود على وجهه مرة أخرى وهو يسمح للطارق بالدخول..
عقد حاجبيه بغرابة وهو يراقب علياء تدخل المكتب مهتزة الخطوات وعينيها تحمل من الذعر والخوف ما قد يوصف في كتاب كامل ،..
أبعد عيناه عنها قبل ان يقول بجمود:
"ما الذي تفعلينه هنا في تلك الساعة؟؟لقد قاربت الثانية صباحاً"
إبتلعت علّياء ريقها وهي تقول بنبرة مهتزة:"انا لم أغادر من الاساس استاذ"
لم يبدي تليد أي رد فعل للإجابة عليها بل عاد يثبت نظراته عليها بغموض جعل الفتاة تغرق في الخوف والاهتزاز..فتراجعت عن ما أتت لأجله حقيقةً..وأخبرته بحجة واهية تتقدم تضع بعض الاشياء على مكتبة وهي تقول بنبرة خرجت باهتة:
"هذا هاتف أثيلة..وأوراقها لقد قمت بجمعهم بعد ما حدث..حتى لا تقع في يد أحد قد يستغلهم في شيء"
لم يستطع أن يمنع تلك النظرة المزدرية الساخرة التي وجهها للفتاة..فجعلها تتصبب عرقاً..فاستدارت مسرعة تنوى الهرب إلى أبعد مكان..توقفت عند الباب مرة أخرى قبل ان تستدير فجأة لتخبره بانهيار صادم:
"لم أعد أحتمل..أرجوك ضميرى يقتلنى أستاذ..انا لست سيئة ربما مستغلة للفرص ولكن لست الشريرة هنا"
لم يبدو على تليد أي ردة فعل كأنه يُعرض الفتاة لنوع من التعذيب النفسي عبر صمته ونظراته التي رغم غموضها مرعبة..لم تستطع ان تقاوم علّياء المنهارة بالفعل وهي تعود تسرع إليه تقف أمامه كتلميذة مذنبة ضبطت بالجرم المشهود:
"أرجوك يكفي..انا أطلب الأمان..انا أضعف من ان توجه إنتقامك لي"
عقد تليد حاجبية يدعى الجهل وهو يقول:"هل جننتي ام تحاولي..عقد مؤامرة ما..انا لم أقترب منك بأي طريقه"
عضت علّياء على شفتيها ترفع يدها تمسح العرق المتصلب عن جبينها وهي تقول باختناق:
"ضميري يقتلني أستاذ كل ليلة لما فعلته دون قصد بزوجتك..ومشهدها المضرج بالدماء اليوم أتى علي البقية الباقية مني"
صمتت لبرهة قبل ان تسارع موضحة بذات النبرة:
"والله..والله لم أكن أعلم أنها زوجتك..ولم أعرف حتى بتلك المؤامرة إلا بعد ان حدث ما حدث"
رفع تليد حاجب واحد مستفز وهو يقول:"ألا وهو"
لم تدعي علياء عدم الفهم وهي تعود تتوسله بضعف:
"إمنحني وعد بالحماية..انا وعائلتي أضعف من ان نواجه إنتقامكم"
تحرر تليد قليلا. قليلاً فقط من الطريق الذي يتبعه معها فوقف عن كرسيه وتوجه إليها..فتراجعت الفتاة خوفاً بنوع من الرهبة..قبل ان يقول تليد بصوت رتيب:
"إهدئي..لن أضُرك..يا فتاة ولك مني وعد بالحماية طالما أتيتي من نفسك"
غرقت عينا علّياء بالدموع وهي تنظر له بامتنان قائله:
"شكراً لك وأعتذر منك..ولكن صدقني انا لم أعرف بمخططهم الأساسى"
أخذ تليد نفس عميق مصبراً نفسه..ثم قال أخيراً:
"أصدقك علّياء..طالما ضميرك يؤلمك هكذا..هذا يعنى ان معدنك جيداً..ولكن ربما إغواء الشهرة السريعة هو ما أغراكِ للإيقاع بزميلتك"
بلهفة كانت تقول علّياء:"نعم..نعم هذا ما حدث..ولكن هم لم يخبرونى بأنهم يريدون ان يوقعوا بها..بل طلبوا منى ان أقنعها بمشاركتى تحقيق عادى عن زواج القاصرات..سيوضع أسمائنا عليه..وملء نماذج إستمارات بالسن والإسم..وشرح بعض من ما تعرضت له الضحية القاصر..وانا لم أعلم أبداً ان أثيلة إحداهن..بل صدمت بها تكتب أنها منهن..ولم أعلق..ولكن هما أكدوا لي ان تلك الإحصاءات سرية جداً"
وقف تليد أمامها وهو يقول بصوت صارم أجش:
"من هم علّياء وبماذا أخبروك..لتوقعي بأثيلة تحديداً"
دفنت علّياء وجهها في كفيها..بخوف من القادم وهي تعض على شفتها السفلى..بإضطراب قبل ان تزيح يديها تبعد ووجها عن مرمى عيناه الذي تطلق شرر مخيف قبل ان تقول بصوت مختنق:
"كل ما ورد في تلك المقالات مزور تماماً وانا لدي صور من النسخ الأصلية..لدي عادة سيئة بأخد نسخ من أي ورقة تقع تحت يدي"
أطلق تليد نفخة ضجر قبل ان يكرر بصوت أقل صرامة:
"من هم..وبماذا أقنعوك..ان كنتِ بريئة كما تقولين .."
أغمضت علّياء عيناها بشدة قبل ان تقول بصوت مندفع وجسدها كله ينكمش خوفاً غريزياً:
"لقد قال..أنه يريد التقرب منها..لوجود قصة حب بينهم وهي بعقلها الجنوبى ترفض الاعتراف..وتبتعد عنه..ولكن عبر تلك الفرصة التي يمنحها اليها..قد يجعلها توقن بحبه الكبير لها..وأنا بغباء إعتقدتها قَصة حب وردية يهدي بها الحبيب هدية مميزة لحبيبته"
إنكمشت علّياء أكثر عندما فتحت عيناه لتصدم بوجه تليد الذي أظلم وعيناه أصبحت كجمرتين مخيفتين حتى بدا لها كآلة توشك على القتل..تراجعت خطوة أخرى تخبره:
"لن اكذب وأقول انى فعلتها من أجل ذلك الهراء الذي قاله ولكن مجرد إستغلال للفرصة ان يوضع إسمى على تحقيق كهذا سبق صحفي كما أخبراني"
جز تليد على أسنانه وهو يقول بصوت عنيف:
"من هما ،.لا تختبرى صبرى الان"
تسارعت أنفاس علّياء فبدت كحيوان ضعيف مذعور محشور أسفل أحد الطاولات وهي تقول ببهوت:
"الاستاذ حاتم..والأستاذة دينا..كلاهما على حد سواء كانا لهما دور باللعب في عقلى..واقناعي بالأمر"
تجمد جسد تليد بتصلب قاتل..ولم يرد عليها بل أصبح مخيف أكثر لعينيها..صدمها حقاً عندما قال بنبرة ميتة:"لك الأمان علّياء هذا ما لن أتراجع فيه..مساندتي عبر مستقبلك المهني ولكن بشرط"
لم تجد علّياء أي مخرج لورطتها..فتجاوبت فوراً وهي تسأله:
"ما هو سأفعل أي شيء"
بهدوء ما يسبق العاصفة كان تليد يقول:"أريدك شاهد اثبات لا أكثر وسأحرص ان لا يذكر إسمك حتى وأريد تلك الأوراق"
إستطاعت علّياء أخيرا ان تطلق زفرة خافتة مرتاحة بنفس قصير جداً قبل ان تقول:
"أوافق على أي شيء يجعلني أكفر عن ذنبي..اما تلك الأوراق هي أمامك أستاذ منذ دخولي..لقد دسستها في أوراق زوجتك"
......................
"ساعدتك المرة الأولى..كواجبي نحو صداقتك..ولم أسأل حتى عن أسبابك..ولكن هذا لا يعني ان أفعلها كل مرة"
قالها ناجي بهدوء مسيطر رداً على طلب تليد الذي قال بصوت قاسٍ خافت:
"هذه المرة..يضاهي الطلب الآخر أهمية..أنا لست عاجز عن فعلها بنفسي..ولكن طلبت مساعدتك..لاختصار الوقت..ولقيام رجالك بالأمر أسرع وأدق مني"
وصله صوت نفخة متعبة من ناجي قبل ان يسأله بحزم هادئ:
"لم أعد أكتفي بالصمت أريد ان أعرف كل شيء..وسببك الحقيقي هذا من حق صداقتي التي تطالب بها"
التمعت عينى تليد بالشر الخالص قبل ان يجيبه بهدوء غريب:
"هو من إفتعل تلك الفضيحة..ولم يكتفي بمحاولة تدميري بل حاول الاقتراب من زوجتي بشكل يجعلنى أريد تمزيقه إرباً ."
لم يرد ناجي لفترة طويلة على الطرف الأخر..ملتزم الصمت محاولا وضع نفسه في مكانه فوجد نفسه قد يقدم على الشرب من دماء من يحاول ان يتطاول على عرضه بمجرد كلمة..قال ناجي أخيراً بصرامة:
"أرسل لى عنوان منزله..وساعتين لا أكثر وستجده في المخزن القديم.."
بلهجة قاطعة كان تليد يخبره:
"لا أحد يقترب منه ..أريد ان أؤدبه بيدي قبل ان أسلمه للشرطة"
هنا كان ناجي يقول بهدوء مشدد:"رجالي ليسوا بلطجية..بل لحماية مالنا..المنتشر في الاسواق..من بعض من تخول له نفسه ان يتلاعب بنا..ومساعدتي لك لأنك منا..تذكر هذا"
قال تليد:"أعرف ولا تحتاج للتوضيح"
............................
شعورك بأنك ظالم..حتى وان كان كل الحق معك..يكون أكثر قسوة من التجربة التي مررت بها..ومن حتى الاتهامات الباطلة التي طالت عرضك وسمعتك ..ان يجير على إمرأة بغير وجه حق..كان يعذبه ويلسعه بقسوة ..شعر انه منذ ما حدث انه مازال هناك يقف أمام منزل مغبر بالأتربة..يوجه غضبه وانتقامه الأهوج..لإمرأة ضعيفة تستجير به وتطلب منه الرحمة والستر..تتوسله بحرقة ان لا يلقي بها..بعيد عن ظل بيته الأمن..تنهد حسن بحرقة..وهو يسمع صوت خالته الباكية..تخبره بضعف:"حسبى الله فيك يا حسن ضيعت أولادي الأثنان منكم لله ."
تصنع حسن ان الأمر لا يهمه وهو يقول بصوت خرج صارخ بشر:"إبنك من ضيع نفسه لم يراعي..لا دم ولا حرمانية..وان عاد الزمن لكنت سلخت عظامه عن لحمه وألقيته أمامك دون ذرة ندم"
أغلقت خالتة عيناها بوجع تبتلع ريقها الجاف فتخبره بنبرة أشبه بالتوسل:
"جد فقط زينة..انها فتاة..وحيدة ضعيفة..أعد الى إبنتي يا إبن عواطف"
تصنع حسن اللامبالاة وهو يقول:"لقد طلقتها وأرسلت ورقتها لكم..ولا يعنيني بها شيء..كل علاقة لكم بنا قطعت..منذ ان تطاول الكلب على شرفي..لذا لا أريد ان أسمع صوت أحداً منكم مرة أخرى"
أغلق الخط حسن..مباشرة لتهتف خالته بجنون قاتل صارخة تخبط في كل شيء أمامها..الى ان شعرت بصفعة قاسية..فرفعت وجهها برعب مذعور وهي تنكمش بجوار إحدى الكراسى المهترئة..قبل ان يأتى صوت زوجها مرعب قاتم بقوله:
"كانت شورتك أنتِ والحية اختك..طامعين في المال والنسب..أخبرتك ان فرصة زينة في الزواج..كانت أفضل هنا لذلك الجزار الذي طلب الاقتران بها..ولكنك أصررتي علي الحقير الأخر الذي ضيعها"
إنكمشت والدة زينة حول نفسها وهي تنهار في البكاء فتخبره بصوت ضعيف واهن ذليل:
"وانت أردت لوليد الافضل تزرعه بينهم..ويحصل على ما لم تستطع انت..ان تحققه"
صرخ زوجها فيها بصوت مرعب وهو يعتدي عليها بصفعة أخرى وهو يقول:
"ماذا تقصدين يا امرأة..هل تعتقدين ان هؤلاء أفضل مني؟"
إنزوت أكثر وأكثر وهي تهتف بجزع تحاول ان تحمى وجهها الذي كثيرا. ما نال الاهانة..وصمتت من أجل ان تسير عجلة الحياة وتربي أطفالها كما كان يخبرها الجميع:
"لم أقصد شيء..اسفة اسفة..ولكن خوفي علي ابنتي .هي ليس لها ذنب"
إسودت ملامح زوجها وهو يقول بقسوة:
"الحيوانة..والله ان عثرت عليها لأربطها الى ان أجعلها تتأدب..وبعدها ألقيها لأول حقير أخر يدق بابها"
صمتت هي ويدها ترتفع تلقائى تؤثر الصمت الذي سيجلب لها المزيد من الاهانة..لطلما عانت ابنتها من الضرب والعنف..بل حرمت مبكراً من التعليم..ليتوفر المال لوليد فهو الولد..الذي يستحق كل قرش يصرف ببزخ..رغم انهم لم يعانوا ضيق اليد بل تستطيع القول انهم مرتاحين مادياً وان كان دون المال الكثيف..ولكن رغم عيشتهم هنا في المدينة الذي تنتمى أصول زوجها اليها..يبقي بعقل أسود..قاسى يصل للتوحش في معاملتها هي وابنتها..يستأسد عليها هي بعد حادثة ابنها ولم يستطع ان يتفوة بكلمة مدافعة عن ابنة العمارية..إكتفي بان إتصل بهم وليد بعدها بأسبوع يطلب المال..والملابس..ويخبرهم انه سيختفي لمدة لا يعرف مداها..اما ابنتها المسكينة عندما وصلتهم ورقة الطلاق وعلمت ان لا أحد يعلم لها طريق..إكتفي زوجها العزيز بالتوعد لها بل وربما خنقها بيديه..بعد ان طلقت ولم تعد لمنزلهم:.همست من بين دموعها:
"هداك الله يا حسن..هي بلا ذنب..حماكى الله يا ضنايا وأبعد عنك كل شيء وحنن قلوب الخلق عليك..فهو أكثر رحمة من الذي ينتظرك من أبوكِ وعائلته؟!
....................
كان عمه ينظر له بلا تعبير حقيقي..وهو يراه يدور حول نفسه كأنه فقد عقله تماماً..نطق زين العابدين لأخية طريح الفراش..كعادة يومية يتبعها بأن يأتي يجلس معه قليلاً ويشد من عزيمته:
"المهم سلامتك يا تهامي..ركز عليها واستغفر الله..ما تطلبه صعب أن يتحقق كلنا يعلم هذا..فلا تنزل من مكانتك وهيبتك..ما حدث قد حدث ومر عليه الزمن"
نطق تهامي بحروف مبعثرة من بين فمه الذي إعوج بطريقه قاسية متوحشة:
"فقط ان استطعت أن تصل لأخيها أخبره ان يمنحانى السماح..الموت إقترب يا ابن أبى..وعقاب الله مرعب"
أغلق زين العابدين جفنيه بأسى وهو يربت على جسد اخيه الذي فقد نصف وزنة بل أصبح أشبه بجسد خاوى مجرد من الحياة ضعيف لشبح رجل قد كان..
تنهد زين العابدين وهو يخرج من الغرفة لتقع عيناه على حسن الذي يتمتم بكلمات شبة صارخة على نفسه..
إقترب منه زين وهو يدب بعصاه الأرض يسترعى إنتباهه الكامل وهو يقول بقسوة:
"من يرمي لحمة بأنصاف الليالي..لكلاب السكك الضالة..لا يستحق حتى ان يحمل كلمة رجل"
شحب وجه حسن حتى أصبح لوحة من الرخام وهو يقول بنبرة مهتزة:
"لم تكن لحمي ولا تخصني لقد طلقتها"
رفع زين العابدين عصاه يوجهها لكتف حسن مباشرة يلكزه و يقول بعنف:
"ولكنها إمرأة إحتمت بك..طلبت منك تجيرها وترحم ضعفها..با ابن تهامي"
إرتد حسن للوراء وقد عقد لسانه بعجز وكأنه لا يجد ما يقوله أمام سلطة عمه وهيبته..وربما اقتناعه التام انه يستحق أكثر من هذا التقريع حاول ان يدعي الثبات وهو يقول:"انا عمارى عماه..وما حدث لأختى لم يكن هين أبداً..كيف يستبيح الكلب أختي وانا أستر اخته"
إخشن صوت زين العابدين وهو يقول بصوت سلطوى مهيب:"ولأنك عمارى كان يجب..ان تعلم أننا لا نرضى بالتجبر على الحريم..لقد فعلها أبوك من قبلك..وبالتأكيد تعلم إننا فضلنا ان نكسره بأنفسنا وننصر تلك الضعيفة عليه..وها انا أخبرك يا ابن أخى انك تجبرت وأخطأت..غلطة لا تغتفر"
صمت زين وهو يبتعد عنه مستدير..قبل ان يخبره متنازل:"أختك أنثى..وإمرأتك أنثى..كلتاهما ضعيفتي الجناح كانا يحتاجا لمن يُشعرهن بالامان..يطبطب على وجعهن..ربك قال:"ولا تزر..وازرة وزر أخرى"
بصوت باهت بعيد نادم كان حسن يقول:"سأبحث عنها وأجدها..ولكن لن أستطيع..ان أعيدها لعصمتي..او ان يجمعنى بها سقف بيت واحد"
توقف زين عند بوابة المنزل الضخمة يلتفت ينظر له بصمت طويل متفحص..نظرة جعلت حسن يرتبك للحظات عندما قال زين:"جدها فقط..وانا سأخيرها بين افضل شباب العائلة وأزوجها منه ..يصونها ويستر عرضها ويترفق بها..بالتأكيد الفتاة لا تحتاج..لطورأرعن ينطح كل من يقف ضده"
شُل لسان حسن عن الرد رغم النيران الحمراء التي تخيل انها تخرج من أذنيه بدخان قطار سكة قديم يعمل على الفحم..فأصبح وجهه الذي كستة النيران أشبه بأحد الشخصيات الكرتونية الغاضبة:عندما همس:
"تزوجها هذا على أساس..انك تراني دكر بط عمي من السهل ان تسلب إمرأتي وتسلمها لأخر"
عاد حسن يسند بيده على الحائط يضرب رأسه بقوة..لا يعلم ندماً على فعلته ام ذلك الصراع الذي لا ينتهي ولا يغفر ما كان .......
....................
كانت زينة تشعر بالارتباك من نظرة الرجل المتأنية..ينظر لها بتمهل وكأنه يريد ان يستكشف..ما يجول بأفكارها عقب ما قاله...أخذ الرجل نفس عميق أخر وهو يستند بكلتا يديه على عصاه ويضع ذقنه فوقها قبل ان يقول بوقار:
"لم اخبرك ببحثه الذي شارف الجنون عنكِ...لتأخذي أي قرار مجبرة..بل فقط لتدركي الذي يحدث حولك...فضعي في عقلك منذ دخولك في حمايتي لن يجبرك مخلوق على شيء..ولن تخرجى من باب هذا الدوار إلا بإرادتك معززة ومكرمة"
إزداد توترها وهي تنقل عيناها بين نظرات الرجل الغير مفسرة..وبين عيني ابنه الذي يبتسم لها بتفهم..مشجع قبل ان تقول بخفوت:
"لا مازلت لا أريد لمخلوق ان يعلم بمكاني حتى هو..إلى ان أضع طفلي بأمان عنهم جميعاً..لقد أهانني حسن..ورغم انى أتلمس له العذر..فيما حدث..ولكن لا أستطيع ان أتنازل عن كرامتى"
قال الرجل رافعاً رأسه:"وقرارك لا تراجع فيه الى ان..تخبرينى أنتِ..وبرغبتك البيت بيتك..كما أخبرتك يوم دخلتي هنا مع ام الغالي.."
إهتزت شفتي زينة بشبة إبتسامة..رغم الحرج الذي هي فيه قبل ان تقول بسكون:
"الشكر لك عمى لا أعرف من غيركم ماذا كنت أفعل وحدي..كما أخبرتك رجوعي لعائلتي بطفل قد يجعل قلوبهم المتحسرة على أخي يضرانه"
إسود وجه إبنه وهو يقول بنوع من العنف المفاجئ:"أخوكي إستحق تمزيقه والتمثيل بجثته..ليس فقط تركه في أحضان الجبل"
شحب وجه زينة بخوف غريزى ولم تجد ما تقوله..
فهدر زين العابدين في أيمن قائلاً:
"ما بك..هي ليس لها ذنب فيما حدث..لتحملها أعبائه"
إرتخت عضلات أيمن وهو يتمتم باستغفار مهدئ نفسه قبل ان يقول لزينة:
"العذر منك..لم أقصد..لا أستطيع ان أسيطر على رد فعلى عند سماع إسمه"
أومأت زينة برأسها دون رد .فسمعت صوت زين العابدين يأمر ابنة بالقول:
"إذهب انت في طريقك أريد الحديث معها قليلاً"
خرج أيمن مباشرة..وهو يلقى سلام مودع على كليهما..عندها ربت زين على مقعد بجانبه وعاد يضع ذقنه يسندها على عصاة..عندما إطمئن لجلوسها شرع في الحديث المباشر وهو يقول:
"منذ أتيتِ مع ام تليد..تطلبي الحماية لك ولمولودك..دخلتي قلبى وزدتى تقدير في عينى ومباشرة إعتبرتك إحدى بناتي..لك حمايتى ولن يستطيع بشر ان يدوس لك على طرف"
إغرورقت عينى زينة بدموع الحسرة والامتنان سوياً..وهي تتذكر بعد ساعات من وجودها في الطل هائمة لا تعرف لها وجهه..الى ان لفت نظرها البيت المجاور والذي حذرتها خالتها عواطف من ان تقترب منه او تعقد صداقة مع نسائه..فاستطاعت ان تعلم وقتها ان طالما خالتها تكره سكانه هكذا بالتأكيد هم أفضل منها بكثير وسيقومون لها بالمساعدة..لم تتأخر المرأة ذات الملامح الهادئة الوقورة لحظة إعتنت بها..وضايفتها ليومين كاملين ولكن بعدها أخبرتها ان لصالح الجميع..يجب ان تختفي في مكان أخر بعيد عن تفكير حسن..وأيضاً لمصلحة نجلاء اذا بالتأكيد حالتها لن تستطيع ان تجعلها ترى أي شيء يذكرها بوليد"
نطقت أخيراً زينة بصوت خافت على إستحياء:"لا املك ما أستطيع الشكر به عمى..لقد كنت طوق نجاة لى انت وعمتي في وقت كنت يئست حقاً..من كل ما حولى"
إبتسم لها زين بنوع من التحفظ قبل ان يقول بخشونة:"إجابة سؤالك المعلق منذ أتيتِ..سأخبرك به ولكن..هذا سر لن تنطقي به لمخلوق"
هتفت زينة بلهفة:"أبداً أبداً سأعتبر نفسى لم أسمعه"
أكمل زين العابدين:
"بعد أن تركوا أخوكي في حفرة في الجبل..تركته ليوم كامل عله يدرك فداحة خطئة..ولكن خوف على أبنائي من ان يتهور أحدهم..وعاد اليه بعثت أحد رجالي..تحريره من مدفنه..وأمرته بالاختفاء ..والرحيل عن كل ما يستطيع أبنائي الوصول إليه"
بكت زينة بصمت مطبق ولم تستطع ان تجد ما تخبر به الرجل فمد يده يربت عليها بتفهم أبوي وهو يقول:
"أعرف ان رابطة الآخوة أكبر من أي غضب او سخط تشعري تجاهه..هداه الله يا ابنتي..أريد ان تعرفي اننا ليس بقساة القلب كما يدعون ولكن كل ما هناك..لا نستطيع ترك ثأراً لنا او مخطئ في حقنا دون عقاب!!"
.............
كان حازم يلهث بعنف ويشعر ان أضلعه الذي ربما هشمت تطبق بقوة على رئتيه معلق من قدمية في سقف مخزن قديم بوابة ضخمة حديدية والمجنون الأخر يقف أمامه مباشرة ينظر لوجهه المنقلب..ببرود لا مبالى وهو يكتف يديه على صدره قبل ان يقول متنازل:
"أخبرتك اني..سأتغاضى عن أي حرب قذرة تعلنها ضدي ولكن ان تقترب..من شيء يخصني هكذا..هذا يعنى موتك حازم دون رحمه"
بسماجته وخبثه عن ان يقول لاهث الأنفاس بإبتسامة تصنع فيها البراءة:
"عن أي حرب تتحدث: لقد أخبرتك منذ أول ضربة وجهتها لي..انى كنت أكشف الحقائق فقط..بطل الصغيرات..يستغل منذ سنوات إحداهن..ام ان الحقائق دائما ما تغضب"
أومأ تليد برأسه يدعي التفهم وهو يقترب منه يمسك بكتفه ويوجه له لكمة مباشرة أخرى على خاصرتة قبل ان يقول بهدوء عجيب:
"انت محق..ولذا انا أيضاً سأسلمك للشرطة..بعد ان رتبت لك قضية محترمة..ومنذ أول الأمس لم اترك جريدة في البلاد..لم ينشر فيها تكذيب رسمي مرفق بالأوراق والمستندات الحقيقية الذي وجدتك تحتفظ بها بغباء في مكتبك"
إنتفض جسد حازم كله وهو يصرخ بالألم غاضب حاقد:
"سأكذبك..وأخبرهم بخطفك لى..وإجباري على الإمضاء على تلك الأوراق"
طرق تليد بلسانه وهو يلتف حوله قبل ان يقول بنبرة تدعى التعاطف:
"مسكين أنت..وغبى اذا أعتقدت أني..سأتركك هكذا او أبنى قضية ضدك دون دواعم قوية..جرب ان إستطعت وكلمتي..أمام كلمتك..لقد كان التحديز واضح حازم تدمير مستقبلك وكل تاريخك المهني..مع تلك القضية بتزوير أوراق رسمية ومحاولة إخلال بشرفي المهني..ولذى لن أتنازل عنها..أبشرك بالسجن وعدم إيجاد حتى صحيفة صفراء تقبل بك للعمل بها .."
وصل أمامه مرة أخرى يمسكه بعنف من شعر رأسه يخبره بغضب هادر:
"اما محاولة تطاولك عليها..يكفيني تقيؤها في وجهك..والرعب الذي رأيته في عينيك طوال اليومين الماضيين..ووعد قاطع مني..انك وتلك الحقيرة دينا لن تريا نور الشمس مرة أخرى بل سأجعلكما تتعفنا في السجن.."
..............
بعد أسبوع
كانت أثيلة تتكور حول نفسها على سرير المشفي تحتضن بطنها بكلتا ذراعيها وعيناها لا تفارق باب الغرفة؟! منفصلة..عن محاولة عائلتها الذي أصبحم شبه مقيمين معها في محاولة لجعلها تخرج عن سكونها..
إقتربت منها هدير..تمسد على شعرها بحنان قبل ان تمد يدها..تطمئن على ذلك المغذي الذي مازال يمنحه لها الطبيب كمساعدة لجسدها ليسترخى..وأيضاً مدها عبره بالمثبتات اللازمة..نظرت هدير لعينيها ببؤس وهي تدرك ما تبحث عنه وتنتظره دون حتى..ان تنطق به..ألم تعيش هي نفس الحالة من قبل..وجربت معنى مرارت الانتظار من مالك القلب..والتي تنتهي بخيبة بعدم حضوره..
رفعت أثيلة عيناها الساكنة تمنح هدير إبتسامة هادئة صامتة فأومأت هدير بهدوء معتذر صامت كأنها تخبرها انها معها وتشعر بها..
قطع السكون الجزئى الذي حل على المشفي الطرق الهادئ..فقامت فاطمة بفتح الباب..نظرت لتلك الشابة الثلاثينية جميلة المحييّ هادئة الملامح..ترتدى عباءة زرقاء بسيطة التطريز وتحمل بين يديها لفافة زرقاء مماثلة للون ملابسها..
عرفت الشابة عن نفسها بهدوء مبتسم يأثر القلب:
"مرحباً مؤكد أنكِ العمة فاطمة تحملين ملامح البحرية"
عقدت فاطمة حاجبيها وهو تقول:
"يا مرحب بك ولكن من انت ومن تلك البحرية؟!!"
إعتدلت أثيلة بلهفة فدحرتها هدير وهي توئد محاولتها قائلة:
"ما الذي حدث لك..هل أخيراً تنازلتي لتبدي رد فعل أدمي لإحداهن"
تقدمت عبير وهي تقول:"أنا زوجة ناجي العطار..وصديقة تلك البحرية..التي عذبتنا من يوم معرفتي بها"
تهلل وجه أثيلة..وعبير تقترب منها تميل وهي تحتضن وليدها فتتعلق ذراع أثيلة بها وهي تقول بصوت خرج واهن ضعيف:
"لقد إستعجبت كيف لم تأتي لى..فسألت عنك العم ناجي عندما زارني وأخبرني أنكِ فعلتيها أخيراً"
إعتدلت عبير بعد ان فلتتها أثيلة فقامت بفعل أثار إستغراب عائلتها اذ قامت بفرد ذراع أثيلة ووضع الطفل بها وهي تقول بمرح:"رحبى بالأستاذ آدم..والذي كنتِ تخبرينى بعدم تقبلك إياة هل تذكرين؟"
هبطت أثيلة برأسها تراقب الصغير النائم..وجه أبيض ملائكي الطلّة ببشرة ناعمة حريرية يزم شفتيه بطريقه مضحكة ولكنه يخرج من القلب لهفة محبة لضمة ويزرع محبته جلبت دمعة وحيدة لعينيها وهي تقول:
"جميل جدا...عبير لقد خطف قلبى.."
أمالت عبير مرة أخرى تهمس في اذن أثيلة مشجعة هادئة تدفعها لأمل كعادتها:
"منذ يوم حملي فيه الى ان ولدته كنت أتمسك بالأمل..أقنع نفسي بأنه ولد مثلما أريد..ورفضت حتى ان أراه وأعرف نوعه أثناء الحمل..حتى لا أيأس او أحزن تاركة أمرى لله وحده..ويقيني انه لن يخذلني"
هبطت دمعة أخرى من عيني أثيلة وهو تضم الصغير اليها..فأخذت نبرات عبير تخفو بهمس أجش قائلة:
"كلنا نضعف..وكلنا نتعرض لخيبات الأمل..كل واحد منا يرى الأمر من جهته دون ان ينظر لألم الأخر..نحن بشر صغيرتى لنا قوة إحتمال..معينة..لنا احلامنا الخاصة..صرختنا للتحرر او حتى صمتنا والانزواء..لقد خلقنا الله في كبد..تلك هي الحقيقة..ولكن أمرنا ايضاً بالبحث عن أنفسنا منحها الفرصة..الغفران أثيلة شيء عظيم لن يمنحه إلا الكرام..العمر يمر صغيرتي يُسرق منا .فلا تضيعيه في غضب وسخط على الجميع..إمنحي غفرانك ووجهي طاقة غضبك وثورتك .لشيء أكثر فاعليه تفيدى به نفسك وكل من حولك"
إرتعش جسد أثيلة كما حدقتيها..قبل ان تهمس بخفوت مماثل حريصة ان لا يسمعها سواها:"لم أعد أعرفه..لقد تركني عبير لم يأتي ولم أراه كأنه أصبح يخاف الاقتراب مني او ربما..ما قالته الحقيرة..هو الحقيقة المرة وسيتزوجها"
هزت عبير رأسها بنوع من اليأس قبل ان تقول بحزم وكأنها إكتفت من الدفاع عنه..لن تنكر هي الأخرى غضبها الداخلي منه عندما علمت من ناجي بأنه لم يزور حتى زوجته وليس هي فقط:"إهتمي بطفلتك..حالياً..وإتبعى كلام الطبيب ونحن جميعاً حولك نساندك..ووالدك يقف بجانبك أخيراً يمنحك القوة والثبات لتشقي طريقك.."
إعتدلت عبير تهتف مدعية المرح وهي تقول:
"كما السيد آدم أمرنى ان نراك..فور ان إستطعت ان أنهض من الفراش..يبدو انه يخطط منذ البداية ان يخطف زرقاء العينين التي تعدين بجلبها لنا"
إستمر بعدها الهدر بينهم بترحيب بعبير وتعرف أسرى..راقبت بعينها وهي تبتسم ساخرة او ربما يائسة من أمها التي حملت الطفل بمحبة خالصة تهلل بوجوده وتغرقه بآيات محصنة من عيون من في الغرفة حتى لا يحسدونه"
........................
""حياة..لحظة من فضلك"
توقفت حياة على أول درجة من درجات المشفي تلتفت ببطئ رتيب بوجه لا يفسر لتنظر الى محمد الذي وقف على بعد خطوتين منها..ونظر لها بطريقه غريبة متأملا ..جعلتها تتململ بنزق وهي تقول:
"ما الذي تريده..لقد حذرتك ألاف المرات من الاقتراب منى"
إقترب محمد يأخد خطوتة ليصبح واقفاً معها على درج واحد قبل أن يقول بمهاجمة صريحة دون لف ودوران:
"تعلمين جيداً أني أريد التعرف عليك..الحديث معك..وسأفعل رغماً عن أنفك أريد فرصتي هذا من حقي"
زحف إحمرار الحرج والغضب فوق وجهه الذي شحب وهي تتراجع مصدومة..ثم قالت:"أنت مجنون وقح ..أي حق هذا الذي تطالب به"
هز رأسه قائلاً بخشونة:"إحترمي نفسك..تركتك تهاجمي وتتهمي قبلاً..لان لا علاقة تربط بنا ولكن لن أسمح لك بعد الان بهذا"
حدقت به مذهولة..وكأنها غير قادرة على إستيعاب ما قاله..فأكد ببساطة:
أتظنين أني شاب عابث يلعب معك..ويحاول إصطيادك..أطارد فتيات وأتلاعب بهن!! فكرى قليلاً وتوقفي عن الغباء رجل تعدى عمرة الاثنان والثلاثون رائد شرطة ليس لديه وقت للإستحمام في بعض الأحيان .لما قد يطارد فتاة غبية وسليطة لسان..تدفعه عنها دفع"
تراجعت حياة عنه ببطء .وعيناه تبرق بنيران خضراء متشفية مستمتعة علم سببها عندما قالت ببطء:
"حسناً يا سيادة الرجل الثلاثينى رائد الشرطة..والذي لا يستطيع الاستحمام..دعنى أخبرك من حقيقة من تطاردها..لتهرب أنت بنفسك من ماضيها"
قاطعها محمد بعبث ساخر ويبدو مستمتع بهذا السجال الدائر بينهم عندما قال مشددا على حروفه وهو يطرقع لسانه بالكلمات:"اه ماضيك..اممم هل تعتقدين لأنك مطلقة..هذا سيجعلني أفر من أمامك خائف مرتعب..ياااال حماقتك..حياة"
لم تفكر..مطلقاً عندما إقتربت منه تحاول ان تضربه على صدره تبعده عنها..إلتقط يديها يسحبها خلفه دون مراعاة لأنظار البعض الذي إلتفت إليهم ..وصل لحائط جانبي للمشفي يحجبهم عن الأنظار فلصقها بالحائط وهو يرفع يديه يحاوطها حريص أن لا يلمسها للحظات شعر بالتعاطف مع تلك النظرات المرتعبة التي اطلت من عينيها لتسيطر عليها سريعاً..وهي تشعر بالدماء تتدفق أوردتها عنيفة وهائجة
..فهتفت بعنف وهي تضربه على ساقه:
"إبتعد عنى سأشكوك..لتليد وأقدم شكوى ضدك بالتهجم على"
هز كتفيه بلا مبالة ولم يبدو على وجهه حتى انه تأثر بضربتها عندما قال:
"تليد يعرف تحديداً برغبتي بك..ولم يعترض أبداً على الأمر..بل تستطيعين القول أنه شجعنى على الاقتراب"
عيناها الخضروان كانت تحدق به بإتساع مذهولة خائفة ومذعورة عندما قالت باختناق:
"لماذا تفعل هذا..هل الامر لعبة ممتعة بالنسبة إليك..ان كنت تعلم قصتي كما تدعي..إذاً أنت تعلم جيداً أني أرفض الارتباط بأي شخص"
رفع رأسه للسماء بقنوط وهو يتذكر كم المعاناة الذي عاشها خلال الأسابيع الماضية بعد ما قاله تليد..لن ينكر انه تراجع في أول الأمر..وعد نفسه بالنسيان..ولكن يبدو أن قلبه كان له الحكم الأقوى عندما وجد نفسه..يقوم بالتحريات عن أهلها..جميعاً فعلم أنهم أسرة فقيرة متواضعة الأصل والمكانة..طيبة السمعة غلطتهم الوحيدة رمى حياة صغيرة وتزويجها من تاجر متصابي إستغل فقر والدها وعرض عليه المال الوفير..ليزوجه إياها..وعندما حصل الطلاق أثر دخول حياة المشفي لتعرضها لنزيف حاد نتيجة طبيعية لتعرض ذلك الحيوان الغير أدمي بالتعدي عليها مرات كثيرة متكررة..وبعدها وجدها تليد وهدد والدها بالسجن وأخذها..إستسلم الرجل لما حدث وفتح دكان لبيع مواد التغذية..ليربي باقى أشقائها ..ويتبع قاعدة إمشى جنب ظل الحائط..عاد محمد بعيناه ينظر لعيناها المهتزة فأخبرها بهدوء بنبرة أجشة رخيمة:
"انا أريدك حياة..كل ما أطلبه منك إمنحيني فرصة للاقتراب منك..وضعيني تحت التجربة..ان أردت"
هزت رأسها بيأس رافض وهي تقول:
"لا..أبداً..هل تظن بادعائك معرفتك اني إحدى خريجات دور الرعاية المنتهكات
..ىقبولك بى سيمنحك فرصة..بل على العكس تماماً هذا..سيجعلنى أصمم على رفضك ولفظك بعيد عن عالمى"
بفظاظة كان يقول محمد:"اذاً لا مفر ستتزوجينى رغماً عن أنفك..وبعدها ستطالبين انت بنفسك بعشقي أعدك بهذا"
هتفت شبة صارخة وهي تزيحه من صدره..:إحلم يا هذا.."
سمح لها ان تفلت من حصاره وهو يقول بثقة مرحة:
"وما نيل المطالَب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا..سأتزوجك..خلال شهرين أعدك بهذا"
إلتفت له فاغرة الفاه..تقف بتوتر كقطة على صفيح ساخن..:"
قبل ان تقول ببساطة:"أنت مجنون..لا أعرف كيف يسلمو امان البلاد..بسهولة لمختل مثلك"
إنحنى محمد بنوع من المسرحية وهو يقول:"مقبولة منك سيدتى.."
إعتدل مرة أخرى يضع نظراته الشمسية العزيزة على عيناه وهو يقول بحزم:"سأهتم بتنظيف فمك..بعد الزواج أعلم ان الامر خارج إرادتك لذا أغفر لكِ تطاولك..حبيبتى حياة"
لن تنكر ان كلامه وتحدية المتمسك بها يجعل ضوء صغير يتسلل لذلك الظلام داخلها فينيراه بخجل حذر..وهناك شيء أخر يتفتح بداخلها..ولم تعرف بعد ماهيته..إبتسمت عيناها مرغمة فرآها هو بوضوح عندما قال بنبرة أجشة:
"تزوجيني ولا تفكري في الأمر..جازفي وأعدك أن لا تندمي"
طويلاً كانت تنظر له حياة بخوف..خوف لم يكن مطلقاً موجة اليه ..بل لشيء أخر مجهول..تبينه في نبرة صوتها المرتعش عندما قالت:
"لمَ أنا..ألم تجد فتاة غيري يا سيادة الرائد..أليس من الممكن ان تلك المشاعر التي تتحدث عنها هي مجرد تجاذب..ستعفه نفسك فور ان تحصل على ما تطالب به"
أطلق محمد زفرة طويلة قبل ان يقول بخفوت هادئ:"لقد أخبرتك انى أعرف ما أفعله حياة..فلا تفكرى بالنيابة عني ان تكرمتي..تعودت منذ حداثة سني ان أحدد أهدافي وأعرف الخطوة التي أقدم عليها جيداً..أنا أطرح عليك عرضي وهو الزواج منك..إعتبريها صفقة كلانا رابح بها..كونك مطلقة..هذا لا ينقص من قدرك لدي..أما عن تحدثك كونك خريجة دور رعاية..انا أنظر لها بطريقه أخرى تماماً ألا وهي إنه مجرد منزل أسري كبير ضمك وقدم لك المساندة..فليس هناك ما يسوئك في نظرى..انا متمسك بك أكثر بكثير مما تعتقدين..لذا أنتظر قرارك ومنحى الفرصة للتقرب منك"
................
بعد ان غادر الجميع..أصرت فاطمة أن تبات هي ليلتها مع أثيلة..كالأسبوع الذي مضى..وهي تقنع نعمة ان خطاب يحتاج اليها..وهدير بالطبع يجب أن ترتاح بسبب حملها..إنسحبت الممرضة..التي منحت أثيلة جرعة العلاج التي تجعلها في حالة من اللاوعى..فإستسلمت على الفور لغفوتها..
طبعت فاطمة قبلة أعلى رأسها وهي تتركها مغادرة..تذهب لتلك الاستراحة الفندقية التي تتواجد في أخر الدور..مقنعة نفسها..بأنها تتسلى بالتلفاز..حتى يطلع الصباح..خرجت من الغرفة مبتسمة..بهدوء وهي تعلم جيداً ان كل ما تقوله لنفسها هراء..اذ تعرف ذلك الذي يأتى كل ليلة يدور حول الغرفة ويذهب للطبيب ليخبره بتفاصيل كل المستجدات عن صحة إبنة أخيها..
ذهبت في طريقها وهي تشوح بيدها بنزق ولا تملك إجابة حقيقية لما تساعده بان يصل إليها حتى ولم يطلب..ربما في النهاية هو لا يهمها..ولكن يكفيها أن تشعر صغيرتها بالامان طوال الليل حتى وان لم تدرك بهذا..والا يكفي الشاب ذلك العناء والتعب والهم الذي حملوه له وحرموه من فرحة شبابه مبكراً"؟!
....
تململت بتعب في نومها من تلك الإبرة الطبية التي مازالت تشتبك بيدها كادت ان تفتح عيناها فشعرت بيد كبيرة..تمسك يدها بحرص وتخلصها من الألم..وبهدوء تمسد على مكان الألم..قبل ان يطبع قبلة كل ليلة على كفها الناعم..شعرت بالخدر يتسرب لداخلها سريعاً فأطلقت تأوه مرتاح..قبل ان تشعر بتلك اليد تتركها وجسد رجولى ينسل بجوار جسدها..شفتاه تكبت إعتراضها البسيط..تعرفه.برائحته المألوفة ..بمذاقه..وبدفئه المألوف..يداه تضمها بلهفة..وحرارة إشتياقه تسللت رويداً رويداً..فتبدد كل برود قد تكون أصاب قلبها..تسكن أفكارها..فترفع يدها طواعية دون حتى ان تفتح عيناها تلفها حوله بشدة تضمه اليها وتمحنه موافقتها الضمنية..فتتناغم أنفاسهم كما خفقات قلبها الهادئ تحت دقات قلبه الهادرة الصاخبة ..فتنزلق إحدى يديه تحت الغطاء ترفع جلبابها ويضع كفة على بطنها مباشرة..وككل ليلة تشعر به يمسدها برفق حانٍ مهتم..همست هي من بين غيبوبة نومها فلم تعد تعي هل ما يحدث حقيقة ام حلم كما كل
لياليها:"لقد تأخرت..وانا إنتظرتك طويلا..طويلاً جداً..انتهى
أنت تقرأ
عادات خادعة
Romanceعادات خادعة ..حكايات وحيوات من قلب البيئة العربية عامة وروح الصعيد خاصة ..تتنازع العادات التى تنمو وتكبر غارزه جزورها عميقه بداخلنا وبين المنادئه بالحرية والعدل وقتل تلك العادات التى تنتهك المرأة .. الحكاية الأولى الصحفي المشهور بمنقذ الصغيرات المنا...