الفصل التاسع

20.8K 446 7
                                    

الفصل التاسع


"لطالما تساءلت كيف يكون مذاق إمرأة تحمل رائحة البحر يابحرية؟!! ولم أعد أحتمل جهلي بإجابة السؤال الذي كان يقض مضجعي طوال الأعوام الماضية"
"تليد"
همست كمغيبة عن الوعي وفمه المثير يقترب ليلامس شفتيها الندية..رمشت بعينيها بعدم إًستيعاب وجسدها كله يتصلب لدقائق تحت ضغط جذعه الضخم..كان يحاصرها كلها عندما هبطت يديه ببطئ مثير غريب لم تستوعبه ليمسد على ذراعيها برفق متمهلا لتلامسه الحنون لشفتيها وكأنه يستكشفها! يتذوق على مهل وكأنه يملك وقت العالم كله..أغمضت عينيها مستسلمة لتلك الغيمة المضللة لعقلها..تستكشف معه ما قاله تحاول إستيعاب ما يفعله..عقلها يثور فتعبرعنه بإعتراض واهي عبر يديها التي إرتفعت على صدره تدفعه عنها..ليعود قلبها ينبض بتسارع وخفقان مؤلم لذيذ حالم يجبر كل تركيزها على تذكر صور عدة..كانت تطرق بعقلها طيلة تلك السنوات وتسيطر عليها بمهارة ونكران لضيجج قلبها..قبلته توغلت بحنان بالغ يديه إرتفعت تضم يديها المقاومة لإجتياحه لها..يمسكها برقة ويحركها ليضعها على تلك المضخة الذي تسكن صدره..
قلبه الذي يدوي بضجيج عال..كان يعبر عن حالة كليهما..وأستسلمت لم تملك الا رفع راياتها سامحة لنفسها لتجرب ذلك العالم الذي أقنوعها بأحقيته هو فيه..تجرب وما الضرر من التجربة إن كانت عاصفه فريدة مهلكة ومتعة خالصة..لا تتذكر الا وسامته المميزة..عينيه بزيتونيتها الدافئة..وأبتسامته الجذابة المهلكة لقلبها البكر ومشاعرها العذرية...؟!
خفق قلبها بقوة عندما رفع يداه يحاوط وجهها الملتهب تلامسه الرقيق يضمها اليه أكثر يضغط جسدها الرقيق بقوة وكأنه يريد أن يخفيها بين أضلعه..جسدها إرتعش باستجابة فطرية..لتلامسه جسده الضخم كان يرتعد وكأن مس كهربائي يعبر خلاياه..
ترك شفتيها ليهمس بصوت أجش مفعم بالعاطفة وتأوه بصوت عجيب لم تسمعه منه من قبل:
"يا بحرية..نار تخيل مذاقك أرحم من عذاب تذوقها"
فتحت عيناها تحاول أن تعود لواقعها تستوعب ما يحدث..رفعت عينيها بزرقة شفافة رائقه..جعلته مقيداً مرغماً يريد العودة لتذوقها مرات ومرات..ولا يتركها إلا أن تسلم راضية راغبة معترفة بتلك العاطفة التي تنكرها رعباً لسنوات..كان تليد يحاول أن يكبح رغبتة بصعوبة قاتلة..يعاملها برقة شديدة مانحا لها كل الوقت لتنجر لذلك العالم الذي ترفضه..حاول عبر قبلة واحدة أن يبدأ معها طريق تأخر جداً في جذبها اليه لتعرف الفرق جيداً بين جنونه الذي لم يغفر لنفسه حتى اللحظة..وبين جنون من نوع آخر يسعي اليه ويتقبله كليهما راضيين وساعيين..مال بوجهه يقبل خديها المحمرتين الشهيتين برقة يخبرها عبر قبلة وأخرى:
"مذاقك لاذع..حار..مالح مخلوط بالعسل..يا بحرية تأوه مرة أخرى بحرقة عندما شعر بتوتر جسدها ليردف:
"يا إلهي..لم أتوقع هذا الاختلاط العجيب يا ثورية"
تأوهُ المتكرر جعل قشعريرة عميقة ببرودة عجيبة سرت في أنحاء جسدها لم تسطع الكلام..الرد..الصراخ..أو حتى مبادلته ما يفعله..يدها هبطت من على قلبه تدفعه من صدره بإرتباك وتخبط واضح عقلها يعود بصحوة إفاقة مزعجة..حاول ضمها مرة أخرى..محاولته كانت مرفوضه تماماً لها..إزدادت شراسة وهي تدفعه تحاول الصراخ ولا تجد قدرة لخروج صوتها..كل قوتها تبخرت..لسانها خرس..لا تعلم ما حدث..دموعها هبطت بدون تباطئ تسبق بعضها..يدها إرتفعت تضربه بوهن على صدره..تقاومه..حاوط وجهها يرفعه اليه يسألها بلهفة:
"ما بك أثيلة..أنا أسف حبيبتي..أخفتك"
تملصت منه بقوة..تهمس بضعف:
"إبتعد فقط إبتعد..أنت تنتهك حرمتي مرة أخرى تليد"
إبتعد خطوات مصدوم وكأنّ أفعي لدغته لم يفهم أو يصل لعقله..جملتها وإتهامها له لم تبدي إعتراض لقد كانت تستقبله بترحاب مستكشف مثله إذاً ما الخطأ الذي إرتكبه
لم تتحرك من أمامه..صدرها يعلو ويهبط مثله..أنفاسهم العنيفه تكاد تصم أسماعهم قطعت الصمت وهي تنظر له بعجز ومشاعرها متضاربه..لتهمس بصدق إستشعره قبل أن تفر هاربة من أمامه:"أنا أسفة..مازلت أثق بك"
صمت للحظات طويلة..ينظر في آثارها بجمود عيناه تشتعل ببريق غاضب والعقل يحلل كل لحظة هي كانت فيها بين ذراعيه..حاول أن يتذكر أي محاولة إعتراض منها..أي علامات تقززوإشمئزاز كما كان حالها معه قبل ثلاث سنوات ولكنه لم يتذكرإلا ذوبانها الكامل فيه..براءتها وتخبطها في مبادلته قبلته..مبادلته ؟!..لم يستطع أن يتمالك..ذلك الصوت الهامس الساخرداخله أي مبادلة تلك التي يرجوها منها..خطأ كبيرإرتكبه معها..زوجته لثلاث سنوات مرت..ولم تفهم معني قبلة عيناها التائهة رغم تسليم حصونها كانت تعبر عن عدم فهمها لتلك المشاعر التي كانت تحاوط كلاهما..كموج هائج يغرقهما ويغوصان به أكثر فأكثر بدون قدرة على النجاة...إبتسم عند تلك الخاطرة بشقاوة غامضة..موجة من المشاعرة المهلكة..وماذا قد يتوقع من بحريته المتقلبة كموج البحرولا يعلم لها موج واحد ثابت..
تحرك بدون تردد من وقفته المتجمدة توجه الى باب غرفتها طرقه بعنف مقصود يهدر بدون أن ينتظر إجابتها:
"هو سؤال واحد يا من تثقين بي وأريد إجابة محددة وواضحة"
لم ترد..ولم يهتم بالاجابة وهو يهمس بأنفاس مشتعلة:
"أنا لم أعد أهتم بثقتك او أريدها..بل ما يهمني، هل أخفتك أثيلة؟؟"
..........
كانت أثيلة منذ هربت من أمامه الى ملاذ غرفتها ولم تعي حقاً ما حدث مازالت منذ مدة في نفس وقفتها متسمرة تسند رأسها على الباب بعينين دامعة وشبح إبتسامة يتسلل ليرتسم على شفتيها طواعية..قلبها يرتجف بخفقة لذيذة ممتعه ومؤلمة..تغوص في ذلك العالم ولا تجد قدرة على التوقف عن الفهم..ما الذي حدث منذ قليل وما أسبابه؟!عاد العقل للذكري..ويطوف الخيال المخبئ لسنين في خبايا ذاكرتها يهب بثورة..ويربط ما حدث بما كان يطرق العقل ومشاعر مراهقتها لثلاث سنوات وبقوة من صخر الجبل الذي ربيت بين ربوعه كانت. تحجبه عنها..رفعت يدها المرتجفة كسائر جسدها تتحسس شفتيها بغرابة هل جربت حقاً تلك المشاعر التي كانت تقرأ عنها..عبر القصص الرومانسية الغريبة لإستيعابها و التي كانت تمررها لها بعض الزميلات في سنتها الاخيرة في الثانوية التي ألحقها بها تليد ولطالما خبأتها عنه..وقامت هي بالتخلص منها أو ارجاعها بخجل لرفض عقلها إستيعاب ما كان يحدث بين أبطالها..قشعريرة باردة غريبة سرت على طول عمودها الفقري..تتذكر قصص الغرام التي كانت تعلم عنها في الجامعة بين الزملاء وكانت مشاعرها المراهقة تجعلها تسمح لعقلها الصلب بأن يتوقف قليلاً عن حجب نفسه عن عالمهم...وتنجر لتخيل نفسها أنثي تعشق من رجل وسيم محبوب متفهم رغم حزمه القوي..رغم حنانه مشاكس و ذو هيبه..كتليد؟!"يا الهي"
همستها بعدم تصديق تبحث داخل عقلها عن أي ذكري لمشاعر تمنتها عبر المرات القليلة التي كانت توقف عقلها فيه عن تذكر من هي !! لتتخيل نفسها أنثي مرغوبة..ولا تجد إلا تليد بطل حلمها..ولكن الحلم يتحول الى كابوس بشع..يذكرها بالماضي الذي دفنته وكعادتها دائماً..هزت رأسها برفض قوي وعزم عادت لتدحر تلك الذكري بعيدا في مكانها الكامن منذ سنوات لن تعود لها أبداً !! لا الساذجة بقيت ساذجة ولا الوحش كان وحش من الأساس بل هو صانعها ومنقذها..فجأة سمعت الطرق العنيف على بابها وصوته الغاضب يأمرها بالاجابة..أغمضت عيناها بقوة وطرقه يتزايد سؤاله تشعر به يخرج غاضب محترق يكرر فقط..
"(هل أخفتك )
فتحت فمها ثم أغلقته بعجز..إذ لم تكن جاهزة بعد لأي إجابة..حقيقية تخبره إياها عاد صوته يأتيها مهدداً
"أثيلة إن لم تجيبيني..سوف أحطم هذا الباب فوراً"
همسها علا قليلاً وهي تخبره:
"أنت هكذا تخيفني تليد"
سمعته يزفر بضيق ليصمت لثوان معدودة وهو يسألها مردداً:
"مازلت أنتظر إجابتي..هل أخفتك أثيلة"
إبتسمت بإرتعاش وهي تضغط جبهتها الى باب الحجرة بشدة تهمس طواعية بصدق:
"أنا لا أخافك تليد..لقد حررني حنانك من خوفي منذ زمن"..
..........:................
قرب الفجر
نهض من سريره بهدوء عكس أفكاره المشتعلة..عقله لم يتوقف لحظة واحدة إنه لم يخطط لما حدث مطلقاً..يدور ويدور حول نفسه مثل ليالى طويلة..كان يسهر ليله المقلق بجانب تلك الحجر الصوان البارد المتمثل في تلك الأنثي المشتعلة بثوراتها المتعددة..طفلة متناقضة و لم يعد يطيق قربها الى هذا الحد وبُعدها كالنجوم المتوهجة في السماء العالىة..تحرك ناحية شرفة غرفته لعل هواء الفجر البارد يُخفف من حدة تلك المشاعر الحارقة لروحه وقلبه وجسده متضامنين سوياً في حرب صامتة على صبره الذي نفذ..لقد أخطأ في حق نفسه وحقها عندما قطع وعده بإنتظارها..ولكنه عندما قطع هذا الوعد لنفسه ولخطاب بحمايتها لم يحسب حساب لذلك القلب المتمرد (بحبها)
هو معترف ولم ينكر عشقها..ربما إنجذب في أول الأمر لذلك البرعم البريء الساذج فيها..أعجب بتلك القوة التي كانت تنبض بكل فعل منها رغم مرارتها التي كانت تعانيها..سحرته بجنونها طول ذلك اللسان الذي كثيراً ما رغب بقصه..إبتسم مرغماً وذكريات معاناته معها ثلاث سنوات تتدفق بدون رحمة على ذاكرته..
تذكرأول يوم في العودة الى دراستها بمدرسة فتيات إختارها بنفسه لها..وبعناية شديدة..المتبجحة كانت ومازالت تأمره بقاعدتها لا مساس بينهم وهي من كانت تندس فيه طواعية..مازال يتذكر عندما إصطحبها الى هناك وتوجه الى غرفة..مدير المدرسة وبعض المدرسين لحديثه معهم سابقاً عن حالتها بدقة من رهباها في الاقتراب من أي رجل..وحذرها في صنع أي رابط صداقة مع الفتيات..
لم يستطع أن يمنع نفسه بخروج ضحكة عالىة وهو يتذكر وجه المدير المصدوم عندما حاول الاقتراب منها يربت على كتفها بحنان أبوي..ليشعرها بألفة بينهم..لتأمر المدير بالتحشم بلهجتها الصعيدية الخالصة؟!..لقد أثارت عجبهم بعيناها التي تبرق بعاصفة غاضبة رغم أنها تتواري خلف ظهره وتتمسك بثيابه..وتذكر أيضا حركتها الأثيرة عندما هم بوداعها أمام حجرة الدراسة فأمسكت بطرف كم معطفه تلويه بتوتربينما تنقل نظراتها بينه وبين فتيات الصف اللاتي ينظرن لهما بفضول
لم تعاني كما توقع هو وعبير مع الفتيات وتحولت أثيلة المرتعبة بنهاية العام الدراسي لصوت رنان ثائر على أي خطأ تصادفه بناريتها المعتادة..ربما جلسات عبير وتشجيعه هو لها وإنخراطها في مآسي بنات الدار بجانب الأخصائية النفسية الخاصة بالمدرسة وضعوها على الطريق الصحيح..لتنفض عنها تلك التبعية والرعب الغير مبرر..تذكر أيضاً عندما ظهرت نتيجة الثانوية العامة رغم أنها حصلت على معدل عالى بدرجاتها إلا أنها أخبرته بتحدي رغبتها بدخول مجال الصحافة وتشبثت برغبتها رغم رفضه في بادئ الأمر بعناد وصلابة رأسها الى أن أطاعها في النهاية وساعدها بنفسه للالتحاق بها..تذكر أيضاً أول يوم لإلتحاقها بالجامعة لقد أخبرته بجملة قوية ما زال لها صدي رنان برأسه:
"إلتحقت بها لأكون مثلك أنت..أمثل صوت الحق وأرفع صوت الضعفاء والمظلومين لكل طبقات المجتمع وأعدك تليد أن أصنع مبادئ لنفسي..ولن أحيد عنها أبداً مهما كان الضغط والعجز الذي سأتعرض له"
عاود الابتسام بكسل مرغماً طويلة اللسان كانت تجلده بصمت عن فعلته معها..كانت تخبره أنها تفهم أنه حاد عن مبادئه ووقع في الشرك الذي نُصب له بقيد العادات..
تنهد بقوة وهو يسند ذراعيه على السور البارد للغرفة يتأمل النهر بسواده المعتم كليله الطويل
..بشرود كان يحدق في الموج الساكن من بعيد وأمنية أثيرة في القلب تسابق رغبته العارمة..في الذهاب اليها الآن يكبلها بكلا ذراعيه ليهمس لها بعشق خبئه دائماً عنها بمهارة ورباطة جأش يحسد عليها..تأوه بكبت وأمنية أثيرة لديه،ليته يستيطع الاقتراب ليذوب فيها ويحترق..يعلمها أبجديات عشقه الذي ترفض الإعتراف به..يُعلمها الفرق بين وحشها المرعب في ليلتهم السوداء وبين رجلها العاشق الذي يتمني ان يلهبها ويحترق بين ذراعيها بنار تملكه همس بوعد لنفسه وقد إتخذ قرار قاطع بتحريك المياه الراكدة بينهم:
"كلك يا بحرية وإلا بلا..أنا رجل يرفض أنصاف الحلول ولا يقبل بالبقايا والتفضل"
......:::::::..............
صباحاً.
إستيقظت تفرك عيناها المنتفخة من أثر البكاء بغيظ من نفسها..ما الذي جري لها لتدخل في نوبة هستيرية ليس لها سبب؟؟وما سبب بكائها من الاساس؟؟قبلة من تليد هل هي مجنونة أم تلك العاصفة التي عجزت عن تفسيرها وفهم أحاسيسها؟؟
نفضت عنها الوهن وتخلصت من ذكري ليلة إنتهت ربما كان يعاقبها..لما فعلته تعلم أنه ضاق منها ذرعاً لتسببها الدائم في مشاكل متعاقبة له..تلعن ذلك اليوم الذي علم فيه رئيس الجامعة بصلة تليد الحقيقة بها..عندما شاركت في مظاهرة تندد بالظلم الواقع على أساتذة لهم قد قاموا بعقابها بدون سبب فقط لترقية أحدالاساتذة الرجال وإعطائه منصبها وتطرف البعض بالتخريب داخل المدرجات كتعبير عن غضبهم فقام رئيس الجامعة بفصلهم والبلاغ عنهم للشرطة..وكالعادة كل من له صله بأحد الكبار إستنجد به..وكانت هي من ضمنهم عندما أخبرته أنها زوجة .الكاتب والصحفي المعروف (تليد جلال العماري )
لم يصدقها أحدا من الأساتذة او حتى الرئيس في بادئ الأمر ربما لحرصها الشديد خلال عامين عن عدم اعلانها لمعرفته او صلتها به..إبتسمت بسخرية تتذكرعندما كان أحدهم يأتي لأخد مقالات تليد الرنانة أو حتى إحدي كتبه ليتناقشوا بها فيما بينهم والبعض يتخذ منه مثل أعلي..وتمني أن يصل لمكانته التي نالها بجدارة رغم صغر سنه في مجالهم وعدم مساعدة أحد له مطلقاً..تذكرت وتذكرت كم التعليقات من زميلاتها عن وسامته..جاذبيته..بل وسحرهم بإبتسامته..الرزينة بل وخجله الذي يزيده وقار إن أبدت إحدي المعجبات به رأيها بجرأة أمامه في إحدي المؤتمرات
وتلك الهالة الغامضة الذي يرسمها حوله عن حياته الخاصة تزيدهم فضول..
أخذت تنهيدة طويلة تنفض عنها كل أفكارها جانباً تتسلح بقوتها وحجب مشاعرها المبهمة بعيداً..تعود لوجهها الشرس كما يخبرها هو..إتخذت إدعاء الجهل سلاحاً وطريقاً للإلتفاف حول ما يجري من أحداث..لتستطيع أن تواجهه..حزمت أمرها وهي تتوجه الى الحمام..لتأخذ حمام دافئ وتتخلص من كل آثار ليلتها المتعبة لتذهب الى جامعتها..وكأن شيء لم يحدث
.......
جلس على تلك المائدة الصغيرة في مطبخ المنزل..يتناول كوب قهوته برتابة غريبة..عيناه الثاقبتين تنظر الى باب المطبخ يتأمل وقفتها المرتبكة وهي بكامل ملابسها الفضفاضه حتى حجاب رأسها. قد إرتدته على غير العادة في السنوات الماضية..بل تعودت دائماً.أن تنتظر الى أن تنتهي من الوجبة الوحيدة التي يتناولاها يومياً بشكل منتظم فمتوحشته العتيدة كانت تتعمد أن لا يجمعها به أي أجواء حميمية فدائماً ما تتحجج بأنها تناولت الغداء في الدار أو الجامعة وفي العشاء تضع له الطعام وتفر هاربة من أمامه..وتخبره أنها تكتفي بكوب حليب. فقط كعشاء لها ؟! لم يتحدث بكلمة واحدة بل بكل هدوء أشار بعينيه للكرسي المجاور له يخبرها بصمت أن تجاوره..تحركت بهدوء تجلس على بُعد كرسي واحد منه..جذبت من أمامه بنوع من الحدة شريحة توست مخلوطة بالعسل الابيض حضرها لنفسه !!
وبغيظ أكبر دفعتها لفمها مرة واحدة..رفع حاجبيه بتعجب وهو يراقب مضغها بصوت عال مفتعل..ما الذي تفعله بحق الله؟؟ أهي إحدي نوبات جنونها ؟
راقبها وهو يكتم ضحكته بصعوبة وهي تشرق بشريحة التوست وتحاول مدارات شرقتها بكلتا يديها وضع كوب القهوة بكل هدوء على الطاولة ومال بجسده نحوها رفع يده و ضربها على ظهرها من الخلف بنوع من العنف..سعلت بشدة وعينيها تجحظ بتوسع ونظرت له بذهول من فعلته وهي تبتلع الطعام الذي يقف في حلقها..لتجده عاد يعتدل في جلسته و يلتقط فنجان من أمامه ويقدمه لها بنفس الهدوء الرتيب ولم يتفوه بتعليق واحد عن ما يحدث..إلتقطت الفنجان منه بنفس الصمت ترتشف منه جرعات متفرقه..تحاول إستطعام الحليب المخلوط بالشاي ومحلي أيضاً بالعسل..لم يستوقفها أمر مشروبها المفضل كثيراً..تعلم جيداً أنه أصبح يحفظ كل ما تحبه أو تفضله..ويحرص كل الحرص على توافره دائماً لها لم تستطع أن تقاوم حدة لسانها وهي تحاول أن تزيح هذا الجو المتوتر بينهم و تخرجه من هذا الهدوء الغريب والتحفظ الذي يبديه قائله بهجوم معتاد:
"أنت ضربتني لن أنساها لك تليد..مهما كانت حجتك"
لم يعرها إهتمام وعاد لجذب فنجانه ليرتشف منه بمنتهي الهدوء المغيظ لها..يراقبها من فوق طرف الفنجان بنفس النظرات الثاقبة..عادت للإرتباك وهي تنظر الى كل مكان ما عداه..تخبره بصوت أجش نزق:
"لا داعي لما يحدث بيننا الأن تليد..ومراقبتي هكذا فما حدث بالأمس أعلم أنك لم تقصده وأثق كل الثقه أنه لن يتكرر منك..فلا داعي لخوفك مني أنا لن أتهمك بشيء"
أخفضت عينيها تنظر ليدها المعقودة في حجرها تفركهم بعصبيه وهي تردف:
"أعلم أنك ربما راغب أن تعاقبني لفعلتي..و..وربما تريد أن تريني الفرق بين ما أعتقدته وبين ما كان يحدث حقيقة بين هذا الاستاذ والطالبة"
هز رأسه بلا مبالاه غريبة وهو يخبرها:
"أعاقبك..هل أنتي حمقاء..في الحقيقة سيدة أثيلة خطاب المكي..أنا قصدت ما فعلته الليلة الماضية..ولا لم أعاقبك كل ما هناك أني أردت مع سبق الإصرار والترصد أن أقبلك"
أجابته بصدمة غير مستوعبة لما يقول وهي تنظر له بحدقات مهتزه:
"ماذا..أنت تمزح أنت لن تفعل هذا أبداً بي متعمداً"
أعاد فنجانه الى الطاولة وهو يجيبها بعدم إكثرات:
"ولما قد أمزح في شيء كهذا..وما سبب عجبك او صدمتك الحمقاء..أنتِ زوجتي ولم تعودي صغيرة لتتهربي من حقيقة علاقتنا..أنا أردت أن ألمسك أقترب منك..ولا أحتاج لحجج لأحصل منكِ على ما أريد"
هتفت وهي تفقد أعصابها لتقف بحدة من مجلسها تخبره:
"ما هذه اللهجة الجديدة تليد وما الذي يعنيه هذا..أنت تحاول إخافتي مجدداً وإحياء تاريخ حافل بالمواجع بيننا وقد وعدت سابقاً..أنه ماضي ولن يعود"
إبتعدت خطوات عن الطاولة تلف في المطبخ الواسع بجنون تردف برعونة:
"ما تشير له مستحيل أن يحدث بيننا..أنا وأنت لا نطيق بعضناً كلانا أجبر على هذا الرابط العجيب..الغريب أنت تتحمل وجودي بصعوبة..وانا سلمت بوجودك في حياتي لأنه لا يوجد لي سند وعون غيرك بعد أن تخلي عني الجميع ورموني لك..وحتي إن أردنا فتاريخنا الحافل بالمصائب سوياً لن يعطينا المجال لأي خطط مستقبلية تحاول أن تلمح لها"
وقف من جلسته وهو يرفع طبقه وفنجانه بنوع من السكون يضعهم في حوض الغسيل..أعتقدت للحظات أنه لا يعيرها إهتمام بثورتها كعادته لجعلها تهدأ ويتحدث بهدوء بعدها همت أن تزيد جنونها عندما إلتفت لها فجأة اقترب منها بخطوات متمهلة كأسد متكاسل يحاصرها كلياً وهي تتراجع خطوات الى أن أصطدمت بدولاب المطبخ خلفها..دفء جسده حاوطها وحجب عنها بعض من البرودة التي شعرت بها..رائحته الرجولية غمرتها فزادت من توترها..راقبته بذهول وتجمد جسدها حين رفع يديه بهدوء ليفك حجابها ويحرر شعرها من عقدته وأخبرها بصوت أجش كسول وعيناه تشع شقاوة غريبة وكأنه رجل آخر غير تليد الذي تحفظه:
"هذا أفضل بحريتي المتوحشة..حتي تستطيعي أن تفهمي كل كلمة سوف أخبرك بها وتستوعبين الخيارات التي سأطرحها عليكِ"
حاولت أن ترد أن تجد صوتها لتسمع صوته يأتي رخيماً بنبرة رجولية رزينه:
"أولاً انا لا أكرهك كما تحاولين أن تُشيري..ولم يجبرني أحد على تواجدك بحياتي..ربما خُدعت مثلك في هذا الزواج كما أصبحتي تعلمين جيداً..ولكني أكملت فيه وقبلت الصفقة لاني أردتها ببساطة"
هتفت فاقدة أعصابها وهي تحاول أن تزيح من صدره بعيداً عنها:
"حسناً أي ما تقوله ولكنك تعلم جيداً أيضاً..أني طفلة غبية جاهلة لا تليق بالكاتب والصحفي الكبير تليد جلال..ربما أنا كنت حالة أثارت حسك الحمائي كبنات الدار لمساعدتها"
لم يتخلي عن هدوئه وهو يكمل حديثه بدون أن يعير كلامها أدني إهتمام:
"تاريخنا الحافل الذي أشرتي اليه أثيلة فقط يوجد برأسك أنتِ وحدك..لا تريدين التحرر منه..وأنا في الحقيقة ضقت ذرعاً من تصرفاتك ولم أعد أحتمل وجود إمرأة بحياتي دون أن أنول منها شيء"
صمت وصمتت للحظات طويلة عاجزة عن الرد تماماً عن معاني كلماته..عينيه الثاقبتين المتحديتين تنظر لها متخللين كل حواجزها..وهو يقول بعدها بذات الهدوء:
"أنت لم تعودي تلك المراهقة المرتعبة التي تخاف ظلها أثيلة أكررها لكِ..بل أصبحت أنثي ناضجة كاملة وواعية تستطيع أخذ قراراتها بنفسها..وأنا أطرح أمامك مستقبل علاقتنا التي أصبحت أريدها ولك حق الاختيار"
إرتباكها زاد وهي تسأله:
"وما هذه الاختيارات..وما الذي تريده بالضبط ؟"
حرك يديه يمسك كتفيها وهو يخبرها بقوة:
"أنت..لطالما أردتك أنتِ..ولن أتراجع الان بعد أن بدأت"
هزت رأسها بدون معني حقيقي وهي تجيبه:
"ما الذي يعنيه هذا وكيف هذا أختيار"
تمكنت من رؤية بريق خافت في عينيه بريق إنتصار ربما لم تستوعبه ليخبرها وفمه يلتوي بشبه إبتسامه ولم يتخلي عن جديته في الحديث:
"ربما أنت لا تملكين إختيار من الأساس في الحقيقة ولكن..أنا أريدك زوجة بكل ما تحمل الكلمة من معني..أُطرح أمامك خيارين لا ثالث لهما..تأتين راضية راغبة بكامل إرادتك تبادليني رغبتي فيك..أو تكتفي بعلاقة زوجية رتيبه لا تحمل بين طياتها ذلك التناغم الناري الذي جربناه سوياً بالامس"
صرخت به وهي تدفعه بحدة وعيناها تبرق تحديا قائلة:
"أنت جننت أنا لم أعي حتى معني ما كان ما حدث بالامس..هذا مرفوض تليد ولن يحدث أبداً أنت إستغللت جهلي وصدمتي بالأمس لتفعل ما فعلت أنت.."
• صدمت وعيناها تجحظ بدهشه عندما مال عليها يقطع حديثها يلصقها به ويطبق على شفتيها بمشاعر خطرة جامحه مسيطرة رفعت يدها تقاومه ليطبق على يدها ويضعها على صدره فوق قلبه مباشرة كما فعل بالأمس رفعت يدها الأخرى لتقاومه لتجده كبلها سريعاً ولواها وراء ظهرها..كانت تحاول ان تتحدث من بين شفتيه ولم تستطع تقاوم ولا تجد القدرة على فعلها قبلته توغلت بجموح عكس الرقة التي كان يعاملها بها سابقاً..لتكتسحها مرغمة تجرب شيء جديد مبهم غامض ؟! أغمضت عيناها مستسلمة لغيمة أخرى مرتبكة وشعور لذيذ يترافق مع ذلك الانقباض الغريب لقلبها..تركها بعد دقائق ونظر لها بأبتسامه متوسعه متلاعبه يتأمل وجهها الهادئ الحائر بعجز لا تستوعب هو يفهمها..ولكنه أخذ قراره وإنتهي الأمر يجب أن تفهم وتستوعب وتأخذ خطواتها اليه بدون مساعدة منه كما مضي..تأوه بأنفاس مشتعلة جانب أذنها..يخبرها:
"كنت أعرف أن الوصول الى تلك الشفاه العصية إنتحار..ولكم يسعدني أن أتمزق وأحترق وانا أعيدها مرات ومرات بدون توقف أوندم"...
فتحت عيناها ببطئ فرأي لمعة لدموع حائرة وأخبرته هامسة باستجداء منه وله:
"أنا لا أفهم ما يحدث معي عند إقترابك هكذا لما لا تستوعب..لا أريد ذلك الشعور المؤلم الذي يطبق على صدري..لا أريد أن أدخل في منطقة مظلمة مبهمة تليد..لما بحق الله لا تكتفي بتلك العلاقة الرائعة التي تجمعنا بدون أن نخوض في هذا الأمر المكروه"
يتفهمها ويعلم جيداً حالة التخبط التي تمر بها ربما إحدي أسبابه في الانتظار وتحريمها على نفسه سنوات خوفه من هذا الارتباك في مشاعرها حرصاً عليها من التشتت الذي تبديه الان..وضع جبهته على جبهتها يحاول العودة لهدوئه يكبح نفسه ورغبته فيها مانحا لها كل الوقت لاستيعاب تلك المشاعر الغريبة التي تتحدث عنها قربه المُهلك لهما سوياً..عاد لهدوئه ولم يتحرك من موضعه يأخذ نفس عميق رزين يطرح أمامها حقيقة ما يري:
"ما أريده أثيلة سوف يحدث لاحقاً أو عاجلاً..أنا لا أطالبك بشيء تخافين وتتهربين منه كطفلة جبانة..كل مطلبي أن تمنحينا فرصة للتقارب فرصة من نوع آخر..تسمحين لي بأن أسحبك لهذا العالم الذي تتوهمين أنه كريه..لن تتواري خلف جهلك أثيلة مرة أخرى في الحقيقة أنا لن أسمح لك مطلقاً بهذا..ولن أتراجع عن ما أريده"
همست بضعف لم يعرفه فيها مطلقاً قائلة:
"ولكني لا أريد..الاختيار"
تراجع عنها ينظر لعينيها بحزم وهو يقول:
"بلي أثيلة..يجب أن تحددي ما تريديه..فجبن منك..أن توقفي حياتناً عند تلك النقطة هذا غير عادل لكلينا سوياً"
أردف بقوة يخبرها:"لم يعد لديك فرصة للتراجع..إختاري ما بين عشق أصهرك به بين ذراعي وعلي صدري أدفنك به بين ضلوعي..أو أن تكوني مجرد ذكري لظل إمرأة بين دفتر ملاحظاتي وفي ربوع ذاكرتي..إختاري الاقتراب وإنصهري معي..أو البعد وإنعمي بجليدك وحدك..لن أحتمل جُبنك وتهربك مني كطفلة..أريدك إمرأتي يا أثيلة"
أنهي جملته وهو يتركها تنهار مستندة على سطح المطبخ..أنفاسها تخرج متسارعة لاهثة وبدون تباطؤ تركها مانحاً لها كل الوقت لتوازن مابين إختياراتها ولتأخذ قرارها بدون أي تدخل منه رمي كل شيء بين يديها..وحدها .وبقرار قاطع كان يخبر نفسه كفاه مراعاة لها..حان الوقت أن تمنح كما أخذت وتشبعت حد التخمة..
إلتفت اليها قبل أن يغادر غير قادر على منع نفسه بأن يرد لها ضربتها كما فعلت معه بالامس قائلاً:
"ولا تخافي أميرتي المدللة لكِ مني كل الوقت ولن تحتاجي لمنحي إجابة تخدش حيائك العتيد سوف أحصل على ردك عندما أقترب منكِ مرة أخرى وتبادليني إحتراقي كما حدث الان"
............../////........
"أستاذ أيمن..أنا أريد الذهاب للمنزل قبل اإنتهاء موعد الدوام الدراسي"
إلتفت أيمن ينظر لإبنة عمه المرتبكة تفرك يديها بتوتر وتخبره بجملتها هامسة من وراء ظهره..ظل يتأملها للحظات طويلة بطيئة بقلب متعاطف متوجع..علي ضعفها البادي..وشعورها الدائم بالدونية!! إقترب منها خطوات وهو يقول بهدوء:
"لماذا نجلاء ؟اليوم الدراسي لم ينتهي..صغيرتي بعد"
إرتبكت أكثر وهي تخفض عيناها بالارض لتخبره بتلعثم:
"أنا لم أكن سآحضر من الاساس..أمي قالت أن خالتي ووليد سيأتيان غداً..ويجب أن أستعد لاستقبالهم"
تقبضت يداه بقوة على دفتره عند ذكرها لذلك الطفيلي الذي ظهر من العدم منذ عام تقريباً..ليخطف إبنة عمه في غفلة منهم جميعاً تحت مسمى خطبة..علم لاحقاً أنه إتفق مع عمه تهامي عليها منذ أقدم حسن على خطبت إبنته..ولم يستطع أيمن قطع الطريق عليه..لزواج البدل الذي يرغمهم على الخضوع للعادات أولاً..ومصيبته الكبرى علمهِ جيداً أن عمه متحجر القلب والرأس لن يمنحه حق الاقتراب منها..إن علم برغبته فيها كإنتقام من والده لوقوفه في وجهه تهامي سابقاً بالاتحاد مع عمه جلال..وإجبار تهامي على طلاق إبنة آل المكي منهم..مازال جرح رجولة تهامي منهم لم يهدأ حتى وإن لم يصرح بهذا أبداً !! أخبرها وهو يكز على أسنانه بغضب:
"أدخلي الى حجرة الدراسة حالاً نجلاء ومن الافضل لك أن تركزي في دراستك التي فاتك منها الكثير لتكرار غيابك بصورة ملحوظة..أنا لن أستطيع حمايتك من إخطار الرفد كثيراً يا إبنة العم"
رفعت عيناها بعجز لتخبره:
"تعلم جيداً أن هذا ليس بيدي..كما تعلم أيضاً رفض أبي لإستكمال دراستي..لولا وقوف عمي زين العابدين في وجهه"
زاد إرتباكها خوفاً وهي تردف وكأنها تشتكي له ما يحدث معها:
"ان لم أذهب الأن أيمن سوف أتعرض للعقاب من أمي وربما أبي..لقد أتيت هذا الاسبوع بشكل منتظم رغماً عنهم بمساعدة حسن"
غشى الألم عيني أيمن لحظات قليلة تعاطفاً معها يعلم جيداً مدى الكبت والتجبر الذي تُعاني منه في ظل أبوين لا يوجد في قاموسهم للرحمه مكان ليخبرها برفق:
"عودي لصفك..وحاولي أن تُحصلي ما فاتك من إحدى الزميلات..وانا سأصطحبك بنفسي عند إنتهاء اليوم الدراسي وسأتحدث مع حسن لحمايتك منهم إن تطلب الأمر"
رفعت اليه عيناها تستعطفه و ترجوه بصمت وهي تقرنه بقولها:
"هل تعدُني بأني لن أتعرض لعقاب لمخالفتي أوامرهم"
خفق قلب أيمن بقوة وهو يقول:"أعدك نجلاء..والله يا إبنة عمي لو كان الأمر بيدي لأحميكِ من الجميع بدون حتى أنتظار لطلب منك"
للحظات حدقت فيه نجلاء حائرة من نبراته الغريبة وقسمه الأغرب..لا تعلم لما أيمن بالذات من وسط أبناء عمومتها تشعر معه بالامان وعدم الخوف فتخبره عبر حديثهم القليل بكل ما يقلقها بدون أن تشعر بالقلق..لولا وجوده هنا في المدرسة الثانوية للبنات في المركز ربما لما استطاعت أن تكمل عام واحد فيها..تعودت منه دائماً على حمايتها..مساعدتها حتى و إن لم تطلب..لم تعلق بشيء وهي تخفض عينيها سريعاً تقطع سيل النظرات المتبادلة بينهم دائما تلمح في عيناه طيف مشاعر غريبة عقلها المحدود الخائف لم يستوعبها يوماً او يفهمها..إستدارت على عقبيها مغادرة لتعود الى حجرة الدراسة كما أخبرها وشعور بالطمئنينة يتوغل الى صدرها ويريحها مع وعده فهي تثق بأيمن منذ أن عرفته ؟! أتاها صوته من خلفها يسألها بصوت غريب غامض يتخلله بعض الغضب والحدة:
"نجلاء أنا لم أسألك سابقاً..وربما ليس من حقي السؤال ولكن هل تقبلي حقاً بالمدعو وليد إبن خالتك زوجاً لك؟"
إلتفت له برأسها تخبره بألم حقيقي رغم حيرتها من سؤاله قائلة:
"ومنذ متى يا إبن العم كان هناك رأي للسبايا"
كلماتها وهي تصف حالها أصابته بالحزن والوجع سوياً..اذاً الطفلة تفهم حقيقة ما يراها والدها..لم يعلم ماذا يُخبرها والوجع النابض بين حروفها يخبره حقيقة شعورها..حاول أن يخفف عنها و يصحح لها حقيقة ما يراه هو قائلاً:
"أنتِ ست الصبايا يا إبنة عمي..ومن حقك أن تختاري ما تريدين بنفسك"
ضحكت بتهكم..وهي تهز رأسها بيأس قائلة:
"كلام مجرد كلام وخطب رنانة..تلقوها على مسامعنا يا أستاذ أيمن..إبحث في كتب التاريخ خاصتك..وستعلم حقاً كيف يرانا المجتمع منذ بداية الخليقة."
دمعت عيناها مع ختام كلامتها لتفر هاربة من أمامه وتتركه بخافق متألم يائس يعلم حقيقية وضعهم..قضية ميؤس منها..خُطفت منه الصغيرة التي كان يراعيها من بعيد منذ زمن وينتظرها لتنضج وبقلة عقل منه كان يتعشم أن يد تهامي سوف تبتعد عنها..سخر داخله وكيف الابتعاد يا أحمق وقد قام بتزويج أختها وهي فتاة لم تكمل الخامسة عشر بعد فما الذي يدفعه لترك نجلاء لحالها..تأوه بعذاب وهو يغادر من طابق المبني يستل هاتفه ويحادث حسن كما وعدها..يعلم جيداً أن على الرغم من قسوته التي يبديها أمام الجميع لكنه بداخله الأقرب في الشبه له ولتليد..وهذا يتلمسه بوضوح من خلال تعامل حسن المترفق بشقيقاته !!!
...................//////
ضحكاتها المشرقة كانت تشق هدوء أرجاء الشقه الهادئة..يسمعها منذ ما يقرب النصف ساعة الأن وهي تداعب طفلتها..تشاكسها بمرح وتنفصل عن كل عالمها..نهض بتكاسل من مرقده يتحرك ناحية غرفة صغيرته يقف على الباب يراقب كلتاهما..يتدحرجان على الأرض وكأنهن في سباق لإيجاد شيء ما ليصل الى مسامعه هتاف صغيرته بإنتصار لإيجادها ما كانت تبحث عنه..تلوح أمام أمها بفردتي حذاء أبيض بشرائط وردية..تهمهم ببعض الكلمات غير واضحة التفسير ويبدو أن هدير فهمتها..عندما علت ضحكتها وهي تخفي إبنتها واعتدلت من انبطحاها على بطنها تستلقي على ظهرها وهي ترفعها من كلتا ذراعيها تدغدغ بطنها بوجهها وضحكات الصغيرة تتعالى بصخب وهدير تخبرها:
"حبيبتي الشقية..غلبتيني وتين ووجدتيه بنفسك"
قطعت الصغيرة ضحكاتها وهي تتملص من أمها تنظر اليه وهي ترفع كلتا يديها تشير اليه بفرحة غامرة تردد فقط بكلمات واضحه:
"بابا..تعال"
لم يتحرك من مكانه نقل عينيه السوداوين بين صغيرته وأمها التي ضمتها الى صدرها وهي تعتدل ببطئ من استلقائها لتقف على قدميها تسيطر على اعتراض الصغيرة التي تحاول الفكاك منها تخبرها بجمود وقد إنقطع مرحها قائله:
"إهدأي وتين..ودعيني أنهي ارتداء ملابسك صغيرتي لقد تأخرت على عملي"
سطحت الصغيرة على الفراش الواسع و انهمكت في تبديل ملابسها..بجفاء دون أن تلتفت اليه سألته:"هل تريد شيء أصيل؟"
اتكئ على إطار الباب وهو يربع يديه على صدره يجيبها ببرود:
"وإن أردت يا دكتورة هدير هل لديك الوقت لتلبي مطلبي"
إلتفت له بنفس البروده وهي تقول:
"ما تأمر به دكتور أصيل بالطبع يجب أن ألبيه..أنا أعلم الأصول وواجباتي جيداً"
لوقت طويل لم يرد عليها وهو يراقبها تلتفت لصغيرته تكمل ما كانت تفعله..
لا تعيره إهتمام كعادتها منذ أعوام..بعد وقت حملت صغيرتها وهي تتوجه الى الخارج نحو عمته فاطمةاو حتى أمه لترك الصغيرة معها أمسك بمرفقها يوقفها وهو يقول:"ألن تنتظري حتى تعلمي ما أريده"
أغمضت عيناها بقوة وهي تقول بجفاء:
"أعرف ما تريده أصيل..وتحت أمرك دائماً ولكن دعني أوصل الصغيرة لعمتي فاطمة أولاً..فما تريده لن ينفع في وجودها"
ضحك بدون مرح وهو يقول بتهكم:
"يبدو أن أفكارك إنحرفت بشكل خطير يا هدير..أنا لم أمنحك تلميح واحد أني أريدك بشكل خاص..في الواقع يا ست البنات تلك العلاقة الباردة من جانبك لم تعد تُغريني..لأطالبك بها كثيراً"
لم يبدو عليها الارتباك. وحتي الألم من تهكمه وهي تقول:
"إذاً أخبرني ما تريده بدون لف ودوران أصيل لا أريد لوتين أن تراك أمامها كثيراً..الطفله تتعلق بك وانت لا تعيرها إهتمام وهذا يؤثر بها سلباً"
مد يده يمسد على شعر طفلته الساكنة في أحضان أمها بهدوء وهو يقول:
"يكفيها حنان الجميع ودلالهم لها..ماذا قد أمنحها أنا زيادة عنهم؟!"
حررت ذراعها منه وهي تبتعد عنه بطفلتها تخبره بجمود:
"هذا صحيح يا أصيل..وماذا قد تمنحها وأنت تحمل بين أضلعك قلب أعمي البصر والبصيرة"
أستوقفها وهو يخبرها بدون تعبير:
"هدير..إنتظريني سوف أذهب معكِ الى الوحدة..لم يعد يعجبني ذهابك وحدك مع السائق..كما أني أيضاً متغيب منذ أسبوع مضى بسبب المؤتمر الطبي"
إلتفت له وهي تسيطر على طفلتها التي تُجاهد للفرار من أحضانها تحاول الوصول اليه وهو لا يعيرها أي انتباه لتقول:
"بالطبع أمرك يطاع..سوف أنتظر"
حاول إطالة الحديث معها وهو يراقب إبنته من بعيد دون حتى أن يحاول الاقتراب أو حملها قائلاً:
"ألا يوجد لديكِ فضول لتعرفين ماذا دار في المؤتمرالطبي او حتى لما تأخرت..أنتِ لم تسألى حتى متي وصلت؟"
أعطته ظهرها وهي تغادر المكان قائلة:"ولما قد أسألك في أمر لا يثير فضولي ولا يعنيني حقاً أصيل..تذهب أو تأتي أصبح الأمر لا يفرق معي"
خرجت من الشقه تقف على السلم لدقائق تسمح لدموعها الساكنه ان تهبط أخيراً ترثي حالها وحال صغيرتها..ضمت إبنتها اليها بقوة تغرقها بقبلات أمومية حنونة لعلها تعوضها مشاعر الاب والام سوياً..
تمتمت بحرقة لإبنتها التي لا تعي حقاً حديثها الأحادي:
"رباه لمَ يفعل هذا بنا..وما الحل معه قاسي القلب المتحجر"
لم يتغير شيء فيه كما أملت بل زاد تباعداً وهي زادت بردوة وجفاء..لقد نحر أصيل أنوثتها كما نحر قلبها العاشق له..ثلاث أعوام مرت ولم تستطع أن تتخلص من قيد عشقه..رغم كل ما فعله بها..رغم قسوته معها..ضمت صغيرتها أكثر الى صدرها..وهي تتذكر يوم ولادتها العصيب..تعشمت يومها أن يرافقها يقف بجوارها..بل تتذكر صراخها بإسمه هو من بين الجميع ولكنها لم تجده..تحجج يومها بأحد المؤتمرات الطبية الهامة ولم يأت اليها..الجميع وقف بجانبها تذكر عندما فتحت عيناها بإفاقة البنج الكلي الذي أخذته بسبب ولادتها القيصرية لتجد نفسها مغمورة في حضن رجولي حنون يربت عليها بهدوء يبثها الاطمئنان..و لم يكن الا تليدأخيها الحبيب أتى لها خصيصاً ومنحها الغفران ومحاوطته الدائمة لها رغم إعتراضه الذي مازال قائم على تمسكها بعدم الطلاق..وَيَا ليته توقف عند هذا فقط..بل لا تذكر انه حمل وتين مرة واحدة منذ مولدها..ربما يكتفي من وقت لآخر أمام عائلته بتقبيل خديها بجفاء أو أن يمسد على شعرها..ورغم هذا إبنتها البالغة الان عامين ونصف..تحبه بجنون وتتعلق به..وتجن كما حدث عند رؤيته فقط ربما يلين قلبه القاسي ويحملها ولكنه يأبي الالتفاف لها..وصغيرتها تأبى اليأس من المطالبة بحبه الأبوي..مسحت عيناها سريعاً وهي تُطمئن إبنتها التي نظرت لها ببراءة وتبدو على وشك البكاء مثلها فأخبرتها بصوت خافت هامس:
"إهدأي يا ملاكي..أسفة يا ماما لا أريد لعينيك الزرقاوين الحزن أبداً..مدت الصغيرة ذراعيها تحاوط عنق أمها بصمت وتربت عليها كما تفعل معها هدير في كثير من المرات..ضمتها هدير بقوة تتشبس بها بتشدد تخبرها بحرقة:
"أنت جائزتي المرضية وتين وسوف أفعل أي شيء من أجلك يا قلب ماما حتى لو كان البقاء مع..متحجر القلب أبوكِ"
..........................:::::
"مرحباً بالغالية بنت الغوالي..صباح الخير يا حبيبة جدك"
قالها خطاب وهو يفتح ذراعيه ويستقبل الصغيرة التي فور أن رأته..أخذت في التهليل والمناداه بلقبه..لترمي نفسها سريعاً على جدها الجالس على احدي ( الدكك) ينتظرها كما عاداته اليومية فور أن إستقرت الصغيرة في حجره ضمها خطاب الى صدره وأغلق عليها طرفي عبائته !! يخبرها برفق:
"الجو بارد عليكِ صغيرتي..كانت عمتك تستمتع في هذا الجو بدفء عباءتي وهي في عمرك..وعندما كبرت قليلاً كانت تأتي الى يومياً تختبي بها وتطالب بدفئها"
وضعت وتين قبلة صغيرة على خد جدها وكأنها تعبر له عن إمتنانها بصمت..تخبره بحبها له وتعلقها به..ضمها خطاب أكثر بلطف بالغ وهو يقول لأمها مبتسم بوقار:
"إذهبي أنت في رعاية الله بنيتي..أنا سأهتم بها الى أن تأتي فاطمة ."
هزت هدير رأسها بالرفض الصامت غير قادرة على الكلام وهي تتوجه تجلس بجانب خطاب تمد يدها الى رأس إبنتها الظاهر من طرف العبائة تمسد على شعرها الاسود الغزير بشرود..
راقب خطاب مشفقاً الدموع المترقرقة في عينيها ليمد يده يضعها على يد هدير الممتد الى إبنتها يربت عليها بحنان أبوي وهو يخبرها:
"لا أريد أن أرى الحزن في عينيكِ يا هدير..أخبريني هل أزعجك لأذهب اليه الان وأنفذ فيه قرارنا القديم بطرده من هنا"
ضحكت هدير بمرارة وهي تخبره نافية:
"لا يا عم أطمئن لا هو يزعجني ولا أنا أصبحت تفرق معي من الأساس"
صمت خطاب للحظات طويلة وهو ينظر لها وكأنه يكشفها ويفهم معانتها قبل أن يقول:"لست مضطرة للتظاهر أمامي يا هدير"
أجفلت هدير من هدوئه وثقته في حديثه وكأنه فعلاً يعلم ما يدور رددت مرتبكة:"أتظاهر..أنا لا أتظاهر بشيء عمي"
بلى يا هدير أنت تتظاهرين بأن الحياة على ما يرام بأنك لا تعانين من قرب أصيل هكذا وبعده عنك من جفائه معك ومع صغيرته"
رفعت هدير رأسها بكبرياء وهي تقول بصوت مكتوم:"هذا غير صحيح عماه..لقد إنتهي هذا منذ زمن صدق أو لا..أنا قبلت البقاء معه قديماً من اجل حكمكم جميعاً  بعدم الطلاق,ومن يومها عودت نفسي أن لا يكون في حياتي سوى شيئين لا غيرهم"

رفعت عيناها بعسليتها الحارقة تنظر الى باب المندرة الواقف عليه أصيل وعيناه تبرق غضب لتردف باقي حديثها بقوة:
"عودت نفسي عماه أن ما يهم هو عملي وصغيرتي..وأي شيء آخر يأتي في ذيل الصف الطويل لاهتمامتي وربما لا يأتِ من الأساس"

عادات خادعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن