الفصل الحادى والعشرون

18.5K 384 9
                                    

الفصل الواحد والعشرون
كانت تطرق برأسها منذ ما يقارب من الساعة,,تستمع إلي عبير بصمت مطبق ، والأخري كالعادة تشجعها تصبرها وتمحنها السلام والهدوء الذي تحتاجه لم تعاتبها مثل الجميع,,ولم تحاول حتي أن تلومها على ما حدث,,وحتي لم تلقيه هو بإتهام لفعلته فقط تقف على الحياد,,أتاها صوت عبير مرة أخري خافت مهتم:"أثيلة هل مازلتِ معي حبيبتي"
"نعم عبير أسمعك كل ما هناك لا أجد اجابة أخبرك إياها,,لم يعد لدي ما أقوله أو أكرره وأنتِ تعلمين كل شيء بالفعل"
تنهدت عبير طويلاً وهي تقول بهدوء وسكينه:"إسمعي أثيلة سأذكرك بجملة بسيطة كانت مفتاحك في الماضي,,أخبرتك يومها صغيرتي أن تبحثي عن الأنا خاصتك !!"
أغمضت أثيلة عيناها وهي تقول:"وفعلت يا عبير ومن الواضح أني غرقت بين حروفها"
عادت عبير تخبرها بذات الهدوء المسترسل:"نعم فعلتي,,ولكن ما أريد أن أخبرك إياه,,في كثير من الأحيان نستخدم قوة كلمة (الأنا ) ضد مصلحتنا فلا ندرك مدي تأثيرها على مستقبلنا ،،قاعدة تختصر بالقول ( ما يتبع كلمة أنا يتعقبك على الدوام )لقد فتحتي لها الباب دون حرص وأعطيتها إذن الدخول لحياتك لتتوغل الى حياتك وغرقتي فيها كما أخبرتيني"
همست أثيلة تخبرها:"عبير أنا"
قاطعتها عبير وهي تقول:"أنا لا ألموك أثيلة ولكن أوضح لكِ بعض من الأمور,,أنتِ غرقتي في الأنا خاصتك دون وعي طوال الوقت تخبرين نفسك أنا ضحية..فأصبحت كما خُيل لك ومنحتي نفسك كل الطاقة السلبية التي تمكنت منك دون البحث عن علاج حقيقي يخلصك من عذابك الداخلي تتحررين من قيودك الوهمية,,صغيرتي نحن لسنا وحدنا بالعالم,,نعم يجب أن نعلم الأنا خاصتنا ولكن يجب أن نراعي الأنا الخاصة بالمحيطين حولنا"
قالت أثيلة بحيرة متخبطة:"وأنا لا افهم عبير,,ما عدت أستوعب كل ما يجري معي,,كيف أتنازع بين شقين بداخلي وأعاني,,أفعالي مع البشر تخرج متزنة واثقة,,كيف أمنح من يحتاجني الاستقرار أو حتي هدنة سلام,,وأنا أتخبط,,ولا أجد حل لمصائبي"
ببساطة قالت عبير:"كما أخبرتك لأنك غرقتِ في إقناع نفسك بإهتزازك,,لم تمنحي أحد الثقة الكاملة,,ولم تعطي نفسك حتي الثقة الخاصة والقناعة الداخلية بأنك سليمة"
بخفوت ردت أثيلة:"لأني حقاً لست سليمة مازلت مكسورة بداخلي"
تنهدت عبير مرة أخري ودون يأس كانت تخبرها مشجعة:"أتعلمين أثيلة,,في اليابان,,عندما يكسر إناء ماذا يفعلون"
أخذت أثيلة نفس عميق وردت:"بالتأكيد يتم التخلص منه لأنه لن يصلح لشيء"
إبتسمت عبير بهدوء قائلة:"متسرعة ذات نظرة تشاؤمية"
صمتت لبرهة ثم أردفت:"بل يتم إلصاقه بماء الذهب ..فيصبح لوحة فنية بديعة الشكل"
وهكذا حبيبتي الجروح بداخلنا إن تغلبنا عليها,,ورممناها بذهبنا الخاص وصفاء أرواحنا,,سنعود أفضل من أي شخص طبيعي لم يتعرض لما تعرضنا نحن له,,من وسط المحن يخرج النور ..هبة من القدر بتجاربنا نصبح كالحديد الصلب لا شيء قادر مرة أخرى على كسرنا,,بل وسنمنح الجميع من خلال بعثنا من الرماد القوة,,ليقف على قدميه من جديد,,ولن يكون هناك شيء قادر على كسره أبداً"
بإستكانة عجيبة كانت تقول أثيلة:"نعم عبير فهمت,,لقد بدأت أجد اول طريقي أشعر بأني أعود لقواعدي,,أتعلم ببطئ كيف أرفرف بجانحي لأحلق هذه المرة بنفسي,,دون مساعدة أحدهم"
بتشجيع كانت عبير تخبرها:"نعم هذه صديقتي القوية التي أملت فيها يوماً والأن حبيبتي,,آخر إختيار لديك لن أتدخل فيه,,كما أخبرتك حياة المجنونة. سيقيم تليد مؤتمر صحفي,,لينفي ما ذكر آنفاً,,وكما اخبرتك حياة ايضاً,,يرفض تدخل أحد منا,,ولكن لا أحد قادر على خرس كل الألسن إلا أنتِ"
تبدلت ملامح أثيلة بقنوط وهي تقول بيأس:
"لقد سد كل طريق عليّ ، أنسيت انا فقط الأن مطلقته لم أعد أملك الحق في الاقتراب منه"
بمودة ورفق قالت عبير:"لم يخبر أحد بهذا ، لم يعلنها إلا لي وناجي,,ولا أعتقد بأنه قادر على إعلانها يوماً ولكن دعينا منه,,أثيلة أنا أريدك للذهاب لتواجهي خطئك ومن ظلموك في وقت واحد,,ذلك سيمنحك أنتِ الرضى عن ذاتك,,كما أنه يستحق رغم,,ما فعله مؤخراً دفاع بسيط عنه منك"
صمتت لبرهة لتضيف مازحه:"إعتبريها واحدة بواحدة فعل معك جميل اياً كانت أسبابه وها أنتِ ترديه لسماحة نفسك"
..........................
لم يرُد أصيل بشيء لكن شفتيه إبتسمتا ،. وهو ينظر لها نظرات لم تفهمها,,لوقت طويل منذ أتته تخبره على نيتها,,في الذهاب إليه,,وهو يطرق برأسه وبين جملة ورجاء مستتر تخبره إياه موضحة,,كان يومئ بتفهم يحثها على شرح نفسها اكتر دون تدخل منه ..عيناه الغامضة مثلها كانت مشتعلة بنزاع وصل إليها واضحاً حين قال:
"ولكن ما فعله في حقك,,أنا لا أستطيع التفاهم فيه,,لقد فعلت ما علينا وأخبرته ببراءتك من تلك التهمة,,وتورط زميلتك,,إذن كل علاقة لنا به إنتهت"
كان كل كيانها يشتعل,,ونار التمرد تستعر بها,,وجنتيها يتوهجا بإحمرار,,غضب يعرفه جيداً منذ طفولتها نطقت أخيراً قائله بدفاع:
"ولكن أنت وخطاب أكدتما أن لن تتدخلا في حياتي وسأكون سيدة قراري,,وأنا منذ نصف ساعة مضت أشرح لك أسبابي ومازلت,,تخبرني أنك تريد معاقبته"
قال أصيل أخيراً بصوت خافت مداعب,,وعيناه تشمل أخته بنظرات بدت تخترق روحها:
"لا أحد,,يريد معاقبته,,على شيء تخلى عنه بنفسه,,ولكن فقط هذا إعتزاز بك أنتِ,,أم حبك له سيجعلك تغفري وتسعي إليه,,متناسية ما حدث؟!"
إرتعشت شفتيها وهي ترفع أناملها تمس بها أطراف وشاحها الذي تضعه كما إتفق بينما وجهها ينخفض بإحمرار خجل همست متجنبة الارتجاف الذي عصف بداخلها:
"تحشم يا أصيل وتذكر أني أختك,,عن أي حب تتحدث,,أنا فقط أريد الدفاع عن نفسي,,كما أنه يستحق أن يقف أحد بجانبه,,كما أخبرتك يرفض مساعدة الجميع,,وأنا فقط من لدي القدرة على خرس كل لسان خاض في كرامته دون حق"
ظل أصيل ينظر لها طويلاً,,بنفس العينين المشتعلتين,,في حرب متنازعة خاصة به وحده,,ولكن لم ينطفئ ذلك الوهج الحنون المتفهم من بين جمرتيه,,أخيراً نطق بخفوت قائلاً:"يوم رفضي لطلاق هدير,,أقسمت بداخلي أن لا أخذل إحداكن أبداً مرة أخري,,سأكون السند الداعم وقت الحاجة لكن يا (شقائي ) أتفهم حاجتك وسأدعمك فيما تحتاجين إثباته لنفسك"
إنتصب بعدها من وقفته المائلة على الحائط الخارجي للدوار في حديقته الخلفية,,وهو يستدير يجذب يدها ويشد عليها بعزم مساند قائلاً:"ولكن يجب أن تضعي في عقلك مساندتي إن تعارضت مع كرامتك سأسحبها فوراً,,وأعيدك لعقلك"
شدت أثيلة على يديه بقوة وهي تقول بخفوت حزين:"أين كنت طيلة تلك السنوات يا أصيل,,ربما مساندتك لي معه,,كانت غيرت الكثير من توهاني"
إلتفت إليها أصيل مجبراً ,,بينما عيناه تتهربان منها ثم ما لبث أن قال بنبرات مختنقه:"ألم فقدك وخذلانك بدلني فجعلني أغرق في التفكير المتنازع أكثر وأنعزل أطول,,وأثق في من حولي أقل ،،لمنحهم مشاعري الحقيقية"
أجفلت أثيلة مكانها وهي تسمع ذلك الاعتراف الصريح منه,,فمنحته إبتسامة هادئة وهي تتعلق بمرفقه أكثر وكأنها,,تمنحه رضاها الكامل عن إعترافه المتكرر في الخطأ في حقها والوعد الصامت ، أن يكون دائماً جدارها الحامي"
لم يعقب أصيل بشيء أكثر مكتفياً بتلك العلاقة الهادئة التي نشأت بينهم مؤخراً,,ثم ما لبث أن قال بهدوء:"أنا أدعمك وسأذهب معك,,ولكن,,يجب أن يوافق والدك على الموضوع أولاً,,فمهما إتخذنا من قرارات يجب أن تضعي في عقلك أن الكلمة الحاسمة لأبي"
دلف أصيل إلي ( المندرة) الداخليه للمنزل يجذب أثيلة في يده,,بهدوء كان يترك يدها ويتوجه إلي أحد الأرائك المقابلة لجلسة والده يقول بإبتسامة:"أبي إن لأثيلة رجاءاً منك وأنا أعلن موافقتي منذ الأن على أي قرار تأخذه هي"
نظرت أثيلة لعيني والدها بنظرة تحمل تحدي واضح وهي تقول:"ليس لدي رجاء يا أصيل بل قرار واضح أخبرتك إياه"
كان والدها يجلس على أحد المقاعد الضخمة,,إبتسم لها إبتسامة غريبة لم تزده إلا وقار وهيبة فمنحته مظهر سلطاني الهيبة وهو يقول:"وأنا لن أخالفك يا قرة عيني,,سميه قرار,,ولكن بما أنك عدتِ بعد طول شرود,,فيجب أن تنصاعي للعادات التي تجبرك للتنازل أمام ولي أمرك"
هدرت في وجهه بنبرة حادة:"شرودي كان بسببك كما كان ضعفي يا أبي,,فلا تُلقي بأخطائك على غيرك"
تدخلت نعمة بغضب تنهاها بالقول:"تأدبي يا عديمة الحياء وأنتِ تتحدثي مع والدك,,أنتِ عيارك فلت ويجب إحكامك"
رفع خطاب كفه بهيمنة وعيناه لا تحيد عن عيناها المتحدية والتي لم تهتز في مواجهته وهو يقول:"لا تتدخلي نعمة وأتركيها تفضي كل ما في جعبتها,,لعلها تدرك خطئها من نفسها"
صمتت نعمة على مضض,,بينما أثيلة تتراجع قليلاً عن إندفاعها,,تتحرك بسكون جزئي وتجلس بجانب عمتها التي تفترش الأرض وبداخل حجرها وتين,,أدارت عينيها تنظر لعمتها التي تمنحهم نظرات غير مبالية,,وتستمر في دفع بعض شرائح البطاطس داخل فم وتين التي تنظر لهم بإنبهار عجيب سلل اليها ابتسامة داخلية..قطع تأملها والدها وهو يقول بنبرات وخيمة:"إن كان إنتهي عرضك للقوى,,أنا أنتظر ذلك القرار أثيلة"
رفعت أثيلة وجهها إليه بإرتباك وعدم ثقة تملكتها للحظات ثم همست بصوت خافت:"أريد الذهاب للعاصمة,,هناك مؤتمر سيقيمه تليد,,ينكر فيه ما قيل على لساني ،. ويوضح حقيقة أمر زواجناً."
بهدوء كان يسألها والدها رغم نبرات التشدد التي ظهرت في نبرات صوته:"ولماذا تريدي الذهاب,,إن كان هو من سينكر الأمر ولم يطلب وجودك ،"
صمت لبرهة ثم أردف بهدوء مبتسم لا يخلو من الاعتزاز والفخر:
"وما أنا متأكد منه أنه سيرفض ظهورك,,وتعريضك لبعض الأسئلة التي قد تعرضك لضغط أو إحراج ،"
بإندفاع جاف كانت تقول:"أنا لها,,كما أنه لا يحتاج طلب,,ذو الرأس المتحجر لن يطلبها يوماً وأنا وحدي القادرة بظهوري على خرس كل لسان"
لم يتخلى خطاب عن نظرات الفخر والزهو التي خَصتها وحدها وهو يقرنها بالقول:
"كبرتِ يا قرة عين أبيك وزدتي صلابة,,تستطعين المواجهة كما أملت يوم أن أتيتك معتذراً ورفضتيني؟!"
إرتجفت أثيلة وهي ترفع عينيها حزينة إلي والدها,,لا تخلو من العتاب الصامت قبل أن تقول بخفوت شارد:
"لم أحصل على تلك القوة بالسهل أبي,,بل ذقت الذل المخلوط بالألم ليالٍ طويلة مقهورة,,أتمني الموت لعله يكون خلاصي,,فلا تلوموني الأن على رفضي لأحدكم,,لا شيء يدعوك للفخر بي حقيقة وأنا حصلت على ما حصلت عليه بطريقة مؤلمة"
تدخل أصيل بهدوء حازم قائل:"أثيلة ركزي على مطلبك ..لن ندخل في عتاب سيطول ويعود بكِ لنقطة الصفر,,الوقت يمر بنا"
فاغرة أثيلة شفتيها مجفلة عندما أتاها صوت أمها مندفع هاتف بقوة:"ما الذي تتحدث عنه أنت وتلك ( عديمة الحياء ) لقد طلقها ورماها بين أقدامنا,,وأنتم تتناقشا الأن,,في الذهاب إليه لتجميل صورته ،،(يولع هو وعائلته ) لن يخصنا"
ساد صمت متوتر قطعته فاطمة وهي تقول بإمتعاض بذات اللا مبالة:"ولع لسانك يا بومة والله لا أحد عديم حياء هنا غيرك"
لم تعيرها نعمة إهتمام عندما قفزت من مكانها مرتبكة وهي ترى وجه خطاب الذي تحول لغضب مبهم وهو يقول بنبرات قوية صلبة لم تنقص ذرة واحدة عن ما تذكر دوماً:"منذ متي تتدخلين في حوار بيني وبين أحد يا نعمة وتُعلني رعونتك"
إلا إنها لم تتنازل وهي تقول بذات القوة رغم إرتعادها الداخلي:"أنا لا أتدخل ، ولكن ذلك الذل الذي تنتويه إبنتك بذهابها إليه,,يجب أن أرفضه وأعدل رأسها المائل"
بقوة زلزلت جدران (المندرة ) كان خطاب يهدر:"ضبي لسانك يا نعمة ولا تتدخلي مرة أخري فيما لا يخصك"
إشتد وجه نعمة غضباً وهي توجه حديثها لأصيل بِسم زعاف منتقم لإبنتها:"إبنك الدكتور الحيلة يشجعها من أجل عيون إمرأته التي توجهه كما يبدو من أجل أن يكسب رضاها,,متنازلاً عن كرامة أخته"
إلتفت أثيلة متوسعة العينين مذعورة وهي تراقب وجه أصيل الذي إنخفض ولكنه لم يستطع أن يحجب تلك النار بداخله والتي عبر عنها إشتداد فكه وقبضتيه التي تعصر بقوة إبيضت لها أنامله على طرف المقعد:
أجفل الجميع عندما رفع نظراته المستعرة يفجر قنبلته بنيران متصلبة:
"يوم وراء يوم يا أمي تثبتي لي جهلك بنا,,بي على الأخص,,هل خُيل لكِ حفاظي على إبنتي,,وعدم ظلم إمرأتي ضعف؟! لذا حاولتي يا نعمة أن تُبخسي من قدري,,عبر جلبك فتاة صغيرة جاهلة,,لتزوجيها لي,,هل خُيل لكِ أني قذر ضعيف يلهث وراء رغباته فتلصقي له صغيرة عديمة الحياء هي وامها؟!"
"عديمة الحياء هي وأمها؟!"
قطع حديث أصيل أبيه الذي هدر بصوت مرعب بنبرات سلطاوية متشددة:
"ما الذي يقوله إبنك يا نعمة,,هل تعديتي علينا جميعاً وأخذت قرارك بتزويج إبنك من تلقاء نفسك"
قلبت نعمة نظراتها المذعورة بينهم كفأر مبتل مسكين وقع في مصيدة لم يكن يضع لها حساب,,بصوت مرتبك لاهث كانت تحاول ان تدافع من شدة الخزي:
"ما عاش من يتعدي عليك يا حج,,ستبقي درة رأسنا جمعياً,,ولكن كان من حقي أن أبحث عن راحة إبني,,الذي خط الشيب رأسه,,وبنت العمارية تزيد في الغرور عليه,,حتي نسله من الولد حرمته منه"
إنتفضت مجدداً على نبرات خطاب الحادة كنسل سكين وهو يقول ساخر:
"فتخطيني وصغرتي من ولدك ومني أمام النسب المشرف الجديد الذي إنتقيتيه,, من نصبك كبيرة هل كونك إبنة عمي وإحترامي لكِ كتكريم وسكوتي عن أفعالك منحكِ تفكير شيطاني أني سأتهاون يوماً عن أفعالك"
شعرت أثيلة بمن تهبط جانبها بهدوء تسألها بفضول:
"ما الذي يحدث هنا؟؟ولما أمك تبدو بمأزق كبير"
نظرة سريعة خاطفة منحتها لها أثيلة وهي تقول بلا مبالة مضحكة:
"إصمتي وتابعي الحدث المسلي,,لخطة تزويج زوجك"
قاطعتها فاطمة بنفس الامتعاض ترد قائلة:
"نعمة تتهمك بحرم أصيل من النسل وإجحافك في حقه في منحه الولد"
إلتوى فك فاطمة أكثر وهي تقول بصوت واضح متسلي:"لما نحن النساء نتحمّل كل الأخطاء,, لقد إعتقدت البومة أن العيب فيك وليس في إبنها الذي خط الشيب رأسه كما تقول"
بذات حدة التعليق كانت ترد أثيلة على عمتها قائلة:"ألا يوجدك لديكِ سوى هذة الاتهامات لرجالنا,,إصمتي عمتي وتذكري أن المسكينة وتين تسمع كل حرف ننطق به,,لا تخدشي حيائها"
ردت فاطمة بتهكم:
"أنا أحاول فقط,,أن أكون منصفة ،،أما عن وتين أحاول تدارك أخطائي معك,,بتعريفها كل شيء منذ طفولتها"
نظرت إليها أثيلة بذهول وهي تقول بنزق:
"يا الهي ألا يوجدك لديكِ حل وسط,,لذا الفتاة تتمتع بالانتباه الكامل لكل ما حولها ..ولسان محلول لا يتوانى عن فضح أسرار الجميع"
لم تبالي هدير كثيراً بأحاديثهم الجانبية بل كل إهتمامها كان مصوب نحوه وحده تبدلت نظراتها بصاعقة وهو يقف بتمهل يسير ناحيتها يقاطع غضب والده وهو يشد يدها يوقفها جانبه وهو يقول:"إن كان عشقي لها ترينه ضعف مكبل بالعار أمي,,فأنا أفتخر بعاري ولا نية لدي في التحرر منه"
إنتفضت نعمة وهي تهتف بغضب:
"لا تستحقك,,ما الذي تراه فيها ببرودها,,ونقصها من قدرك بتمردها عليك ثلاث سنوات,,بل ستنصاع وتتزوج من أفضل منها قدراً وو..."
هنا لم يحتمل خطاب المزيد وهو يهدر بغضبه يخبرها:
"قطع لسانك الذي يقلل من إحدى بناتي,,ولا طلع لك شمس نهار آخر قبل أن تفرضي أرائك على الرجال يا نعمة"
عادت نعمة للانكماش مرة أخري وصوت خطاب يتوجه لهم بهدره السلطوي يجزم حازماً أخيراً:
"أثيلة لكِ موافقتي على طلبك وأخيك سيصطحبك للذهاب والعودة معه,,ولن أقبل بغير هذا تليد أنت ممنوعة من الحديث معه إلي أن أقرر أنا في طلاقك المعلق ،،أما أنت يا أصيل,,خذ إمرأتك وأخرجوا من هنا جميعاً.,,فلي حديث مطول لتأديب أمك"
إرتعشت نعمة بعيون دامعة مخزية وهي تقول:"أتهينني يا إبن عمي بعد كل هذا العمر بيننا!!"
بتصلب خافت كان يرد:"لم أهنك يوما يا أم الدكتور ولم أقلل بقدرك حتي وجميع العائلة يطالب كبيرهم بالزواج عليكِ,,ليكون لي نسل كبير,,أنتِ من أهنتي نفسك,,بتخطيكي إياي والتعدي على إحدى بناتي"
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
يراقب دورانها الحائر حول نفسها منذ ساعات تقترب منه ثم ما تلبث أن تبتعد,,تجلس بجانبه ثم تفر هاربة,,ترتب أشياء وهمية في غرفة نومها,,فيزيد تبعثرها كما يجزم أن كل داخلها مبعثر..حينها تنفس بإهتياج مكبوت قال بصوته العميق:"ما بكِ محتارة يا هدير؟ ردود أفعالك تصيبنى بالخيبة فيك وفى نفسى ..هل كنت سيء في عينيك لهذه الدرجة"
إنتفضت بقوة تثبت عسل عينيها الغارق في تخبطها بعينيه مباشرة فتابع هو كأنه يتوقع عدم ردها بعتاب مداعب:
"كنتِ تعلمين بمخطط أمى,,رأيتي تلك الفتاة وهى تحاول جذب إهتمامي و سرقة حقك في دون أن تبالى أو تثوري و تعلني عن رفضك وتشبثك بعبائتي وأن لا أحد يستطيع دخولها سواك"
إبتلعت تلك الغصة الخانقة وهى تتذكر بجاحة الفتاة وأمها,,تحدي نعمة السافر في كسب المعركة لتقول بإختناق:
"أنت لم تمنحنى يا أصيل سبب واحد يدعوني للمجازفة خفت أن أُكذب و توقعت خذلانك لي,,وعنادك وكبريائك إن أعلنت رفضي أن تفعلها حقاً,,وتحطم آخر شيء بيننا,,كان يحمينا من فراق متوقع من الجميع"
إلتقت أعينهم للحظات طويلة فذاب معه كل عتاب ووجع,,قبل أن يقول معترفاً:
"وها أنا أخبرك أنى أخطأت في حقك منذ ليلتنا الأولى,,ولكن كنت أنتظرك أنتِ على أمل أن يمنحني قلبك السماح وتتفهمي حربي ونزاعي,,تقحمي في عقلك الصغير عبر كل تجاربنا أنى لن أتخلى عنكِ ولو كان المقابل حياتي"
غرق عسل عيناها في بحر من الدموع وهى تقول بخفوت هامس عاجز عن التوضيح:"أصيل انا,,أنا"
هب أصيل من جلسته سريعاً متوجهاً إليها يجذب مرفقيها بعنف ويدفنها في صدره يخبرها دون تحفظ بإبتسامة مستسلمة:"لا أنا بعد اليوم بل كلانا,,أنا أسف ست البنات على تلك التجربة التي أعلم جيداً أنها أدمت قلبك"
بكت بحرقة وهى تتبشث بكفيها بقميصه وتخبره:"كل مرة كان ألم لا يُطاق أحترق دون قدرة لى على الصراخ,,كدت أموت عندما رأيتها تغويك بنظراتها متصنعة البراءة بعد أن كنت بين ذراعي أنا تبثني عشقك الصامت"
بصوت أجش خشن متحشرج كان يقول:
"لا عاش من يحرق قلبك يا ست البنات,,ولا عشت أنا ليوم إن ألقيتُ بنفسي بين ذراعي غيرك"
رفعت عيناها الدامعة تخبره بدهشة حقيقة:"يا إلهى أنا ما عدت أفهم من أنت بحق الله لا تزد جنونى"
زاد توسع إبتسامته وهو يبتعد عنها خطوة واحدة دون أن يحررها ليخبرها بهدوء مداعب:
"عاشق يا إبنة جلال,,ضل طريقه لأعوام كثيرة وحانت عودته لساكنة روحه,,فهل يجد عندها الترحاب"
عقدت هدير حاجبيها بطريقة مضحكة قبل أن تقول:
"هل أنا في حلم أو هوس أن تعود لي يوماً أصيل المحب الذي عرفته هو ما يرسم,,بعض من أحلام اليقظة"
إبتسم ببطئ مداعب خبيث قبل أن يقترب من خديها المحمرتين من أثر الانفعال الباكى:
"امممم,,يبدو أنكِ لن تقتنعي ما رأيك,,بعرض بسيط على أرض الغرفة,,يثبت لكِ أن لا تحلمين
ضربته على صدره بضحكة عصبية كل ما يحدث كثير على إستيعابها وسرعان ما كان يعود بشغفه المشتعل يلتقط شفتيها,,فإرتعشت إستجابه تودع كل أفكارها المشتعلة سريعاً لفت ذراعيها حول عنقه مستسلمة,,أسبلت جفنيها وهى تستشعر بفراشات وردية ترفرف في معدتها,,قبلته تتوغل أكثر بإشتعال كان كثير على إستيعابها,,كفه تتسلل بحزم تطوق خَصرها تشد عليها بقوة بينما أنامله تندفع متسللة بين طيات شعرها الكثيف,,جذعه الضخم كان يحجب عنها,,أي فرصة لتبدي حركة حرة,,يسيطر عليها كلها وهو يجذبها ببطئ لتستلقي معه على أرض الغرفة كما وعد !!!
حررها أخيراً قائلا بصوت جدي مُشتعل بنيران الحب و الرغبة فيها:"فاطمة تتهمني بالعيب والتقصير معك,,وأنتِ لم تدافعين حتى عني يجب أن أعود لأمنحك بعض الجلسات الطبية يا دكتورة,,لأحسن صورتي أمام عمتى"
نظرت له هدير بذهول للحظات,,ثم لم تلبث أن إنفجرت ضاحكة بصخب على الرغم منها..
تبعها وهبط بوجهه ليعلوها بجسده ويثبت جذعه بكلا ذراعيه المحيطة لرأسها يقبل ذلك العرق النابض المرتعش في نحرها,,ويهبط بشفتيه على جيدها وأنامله تمتد في حركة أحرقتها,,تداعب قمة ملابسها وهو يقول بتأوه محترق
"لقد أُرهقت من نزاعي جداً وأتعبتك معي,,لا تعودي لبردوك مرة أخرى يا هدير وإستسلمي دون خوف أو حذر لرجلك,,فلم يعُد في القلب بقية لتنازعنا"
يديها إرتفعت تحاوط وجهه وشفتيها تغمران وجهه وعنقه بقبلات محمومة تخبره:
"آن الأوان أن تصدق أنى حقاً لن أجافيك أبداً,,لن يحدث هذا بعد اليوم لن يحدث أبداً"
ولفترة طويلة كانت تمنحه إستسلام ذائب يعقبه إستسلام عاشق"
كانت تختبئ كلها في صدره فيضمها أكثر بين ذراعيه يهمس مازحاً:
"لقد طالت نومتنا على الأرض,,ويبدو أنكِ مستمتعة بالأمر ولا نية لكِ في التحرك من مكانك"
دفنت وجهها أكثر على صدره العاري برغبة لم تنطفئ قبل أن تقول بميوعة ماكرة:
"ربما لأنك كنت مختلفاً عن أي ليلة سابقة ..يبدو أن الأرض بها البركة"
إعتدل سريعاً يُطل عليها من علو وهو يقول بصرامة متذمرة:
"هل هذا تشكيك بقدراتى يا إبنة العمارية؟!هل صدقتي إتهام عمتي؟؟"
توسعت إبتسامتها بخبث وهي تقول ببراءة:
"أنا أخبرك فقط ما شعرت به..يبدو أن إتهام عمتك وجد عندك صدى فحاولت بغرورك الرجولي إثبات عكسه"
أمسك أصيل بذقنها بغيظ وهو يقول من بين أسنانه عكس كلماته التي زادتها غرور أنثوى كانت تحتاجه:
"بل لأنى كنت أحترق فوق بشرتك,,لقائك هذه المرة كان لقاء محبة خالصة,,عقلي كان لا يحتله سواك"
عيناها تألقت بعسل ذائب وهى تتنهد بإستسلام ويديها ترتفع تحاوط عنقه تخبره:"أعانني الله على جنونك يا أصيل,,وزيادة حيرتي منك,,فقط أرجوك لا تتبدل مرة أخرى وإبقى هكذا يا إبن المكي"
مال إليها برأسه مرة أخرى وهو يقول بصوت أجش:"لن أفعل يا ست البنات أبداً"
كادت شفتيه أن تصل إلى شفتيها المرحبة عندما همس لها بنوع من البلاهة أشعلت كل حواسها بتوجس:"ولكن أعتقد أنى فعلت شيء بدون علمك وكلي رغبة أن يكون قراري فيه وحدى,,ربما عندما تظهر بشائره ستقومين بقتلي وسحب كل وعودك"
توسعت عيناها المتوجسة وهي تسأله بنبرة إجرامية تنوى على القتل:"ماذا فعلت يا أصيل أخبرني حالاً"
إتسعت إبتسامته اللا مبالية ويده تمسد بين جسديهما تداعب بطنها العاري يخبرها بسماجة:
"ستعلمين وحدك قريباً,,لن أدمر الهدوء النسبي الحديث بيننا"
..................................:.::
"لقد تأخرتم عن الموعد"
قال ناجى العطار بنوع من الهدوء لكل من أثيلة وأصيل وهو يقف أمام الجريدة المقام بها ذلك المؤتمر,,كانا يخطوان ناحية السلالم الرخامية الطويلة بتعجل..مد أصيل يده بهدوء مرحب قائلاً:"مرحباً يا سيد ناجى,,نعتدر فالطريق من المطار إلى هنا كان مزدحم,,كما أن أثيلة عانت من بعض التوعك"
بادلهم ناجى السلام مرحباً بوقار يومئ بتفهم لينقل عيناه لأثيلة بوجهها الشاحب المتوتر,,فأتاها صوته الرخيم المتزن بالقول:"هل أنتِ بخير الان؟؟"
بخفوت هامس كانت ترد:"نعم لقد منحنى أصيل بعض الأدوية المهدئة لغثيانى وو..."
قاطعها ناجى بذات الاتزان قائلاً:
"جيد ولكن ما توشكين على مواجهته يتعدى بكثير بعض الأدوية المهدئة بل يريد منكِ بكل خطوة ثقة ثابتة,,وكل هدوء وحكمه تستطيعين إيجادها داخل عقلك"
إبتسمت أثيلة بتوتر وهى تضغط على يد أصيل بشدة كأنها تستمد منه بعض التجلد للقادم ..فهمس لها أصيل بهدوء:
"أنا بجانبك وفى ظهرك تذكري هذا و إفعلي ما جئتِ من أجله ولا تخشي شيئاً"
عادت بعيناها لناجي تخبره بخفوت قلق:"أنا فقط أتوجس خيفة من ردة فعله إن رآني,,ربما يُنكر صلته بي ويعلن عن ..عن ...."
تحشرج صوتها وهي تهمس بألم وخزي:"إنفصاله عني"
أسبل ناجى أهدابه للحظات ثم قال بنبرات لائمة:"كيف عشتي معه ثلاث سنوات أثيلة وأنتِ تجهلينه هكذا؟!!"
عندها تولى أصيل الرد وهو يخبرها بنبرات قاطعة جازمة:
"هيا أثيلة,,تليد لن يفعلها أبداً حتى وإن كانت سكين على رقبته,,لقد تحدثنا مطولاً وأخبرتك أن ردة فعله كانت للحدث وقتها ولن يهينك أبداً علانيةً أمام عدسات الصحف,,لو لدي شك واحد أنه سيفعلها ما كان أحد منا وافق على مفاجئته"
..........................
رغم النار التي لم تهدئ بداخله كان يلتزم بإبتسامة هادئة وهو يجلس على تلك المنصة المنخفضة,,يجاوره ماجد السباعي في مساندة صامتة متأهبة لأي اتهام ليقوم بالدفاع,,تُجاورهم دينا التي فرضت نفسها وهى تجلس بعد أن إمتلئت الحجرة ببعض الصحفيين التي تتفاوت أعمارهم ومكانتهم الصحفية,,ما بين جالسين على بعض المقاعد,,وبين الواقفين على أقدامهم"
كان إنتهى من إلقاء خطابه المكذب لما نُشر موضح ببعض التحفظ عن علاقته بإمرأته,,نبراته الحازمة القوية بتشدد متسلط,,ينفى بكل قوة أنها قامت بكتابة,,ما ذكر ..وحان وقت أسئلتهم عندما سأله أحد الصحفيين بالقول:
"ولكن أستاذ تليد,,رغم كل توضيحك,,لم تنفى بزواجك من قاصر لم تتعدى السن القانوني,,أليس هذا كفيل وحده بقلب كل موازينك ومعاكسة مبادئك"
لحظات طويلة بدت كالدهر للجمع المترقب صمت تليد,,ثم ما لبث أن قال أخيراً بصوت باتر صارم:
"هذا أيضاً يندرج تحت حياتي الشخصية والتي رفضت طوال مشواري الصحفي أن أعلن عنها ولكن,,أنا قُلت سابقاً أنه زواج ملزم بعادات تخص عائلتنا"

عادات خادعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن