صباحاً..
فتحت أثيلة عيناها ببطئ..لتجد أمامها وجه تليد الباسم..يتأملها بتلك الابتسامة واللمعه في عينيه الزيتونية والتي لم تسطع حتي اللحظة إيجاد كلمات وافية..في كل قاموسها اللغوي تستطيع وصفها بها..همست بخفوت متورد:
"مازلت هنا لم تذهب الي عملك"
حرر تليد يد واحدة من على صدره وهو ويوجها الي شعرها يجذب أحد خصلاته ويلويه على إصبعه بهدوء..ثم قال:"لا عمل اليوم..سأقضيه معك حبييتي"
أسبلت أثيلة جفنيها مستمتعه..بذلك الهدوء والسكينة الذي يلفهم..قبل أن تشعر به يتحرك بجانبها وذراعاه ترفعها قليلاً تضعها على صدره..ويستند جذعة على ظهر الفراش قبل أن يقول:"دراستك بدأت وهذا عامك الأخير حبيبتي كما أن وِلادتك لم يتبقى عليها إلا شهر ونصف على أقصي تقدير ،.ولا علم لي حتي اللحظة كيف سأجعلك توازني بين الأمرين؟!!"
عضت أثيلة على شفتيها قبل أن تقول بخفوت حذر حريص:
"اممم..إتفقنا على عدم تضييق الخناق عليّ يا تليد..هل تذكر فتوقف عن حمايتك الزائدة نحوي وإقتنع أرجوك أنني أصبحت قادرة على ان أخطط لحياتي..لهذا الشيء التافه على الاقل!!"
ربت تليد على ظهرها وهو يقول ببرود:
"هذا ليس شيء تافه..كما أني أتحدث عن إبنتي هنا أي أنه شيء مشترك بيننا..بالتأكيد لي حرية التدخل فيه!!"
رجعت أثيلة بجسدها لتريح رأسها على كتفه وتلف ذراعيها على خصره قبل ان تقول بتردد حذر:
"دعنا من هذا الجدال تليد..لدي شيء أفكر فيه منذ شهور..وأخشي أن أخبرك به."
أجابها تليد بقلق:"ما هو..وما سر خوفك؟!"
قالت أثيلة بنفي خافت:"ليس خوف على وجه التحديد ولكن كل ما هناك..أنها مجازفة..او نقول أمر مجنون او.."
قاطعها تليد بجفاء وهو يشدد الخناق عليها:
"أثيلة..مباشرة!!! ما الذي عندك؟!"
توتر جسد أثيلة وخفت صوتها أكثر وهي تخبره:
"أنا لن أكمل في مجال الصحافه.."
إنتفض تليد من مجلسه كلياً وهو يبعدها عنه..غير ناسي ان يتعامل معها برفق حتي لا يصيبها بالضرر..ثم قال وهو ينظر لوجهها الذي طالعه بتحدي متمرد فوري:
"أنتِ جنتت..بعد كل هذا التعب..والاجتهاد منك وتمردك وكسر قيدك وبحثك عن ذاتك..تأتي ببساطة تخبريني أنك ستتوقفي؟!"
هتفت أثيلة بحدة:
"من قال أني سأتوقف عن شيء..ولكني لن أستطع ان أكمل..في شيء ليس أنا تليد..ليست هويتي التي أبحث عنها ولم تكن حلمي..بل كانت لأماثلك أنت..كانت تلمسي للأمان وأتبعك عبرها..ولم أكن أعرف أبداً وقتها..أني فقط اتبع من حولي..فقبل زواجي منك كنت أريد ان أصبح كهدير وأصيل..وبعد زواجي منك أردت أن أصبح مثلك..وبين هذا وذاك فقدتُ أثيلة يا تليد فقدتُ هويتي حلمي لنفسي فقدت الأنا التي عشت أبحث عنها !"
أنفاسها كانت تخرج سريعة جداً ووجهها يتغضن بالألم..فلم يتحمل أكثر..فإرتخت ملامحه على الفور وهو يسيطر على غضبه..قبل أن يسحبها اليه يهدئها..ويلامس شعرها بحنان وهو يقول:
"إهدئي..الأمر كان صادم يا أثيلة ومفاجئ..لذا لم أسيطر على نفسي..ولكني أسمعك..وسأدعمك في كل ما تحتاجيه."
أخذت أثيلة نفس عميق قبل ان تخبره بتصلب:
"انا سأكمل عامي الدراسي..ولكني لن أعمل بها أبداً..وبصراحة لن أقدم على أي دراسة أخري..ربما ربما سأحاول أن اخذ محاضرات ما في ( علم النفس السيكولوجي ) هذا غير مؤكد بالطبع..ولكن قد أحتاجه لأنفذ حلمي لاحقاً.."
غامت عينا تليد بالرفض قبل أن يقول بصوت باهت:
"أثيلة هل تعي ما تقولينه حبيبتي بالتأكيد هرمونات الحمل تؤثر فيك وتجعلك تطلقين بعض المهاترات التي ستندمين عليها لاحقاً!!!"
ساد الصمت بعد سؤاله فأخفضت أثيلة وجهها وداعبت أصابعها..قبل ان تُجيبه بحرص وحذر:
"تليد لما المجادلة..على كل حال كلانا يعلم أني لم أكن لأنجح في الصحافة يوماً..أنا متهورة عنيدة..غبية في كثير من الأحيان..مترددة في أحياناً أكثر مزاجية..وغير لينة بالمرة..كما وبكل صراحة العالم يا تليد..أنت تغاااار بطريقة لا تتحكم بها في نفسك..وأنا قد تضطرني الظروف مؤكدا ان أجري لقاء صحفي مع أحدهم منفردين فهل ستتحمل أنت الأمر؟!!!"
أجفله سؤالها كلياً..وكاد أن يجيبها بالحقيقة وأنه لم يكن يسمح لها بفعلها يوماً ولكنه تحكم في نفسه بجدارة وهو يقول ببطئ:"إسمعيني جيداً يا ابنة خطاب..أنا ما كنت يوماً..لأحرمك من حلمك من أجل كل هذا الهراء الغير منطقي بالمرة وإن كان فعلاً سأرفض وجودك مع أحدهم منفردة"
قاطعته أثيلة للمرة الثانية وهي تقول بإرهاق:
"تليد أرجوك حبيبي أفهمني الصحافة او الطب..او أي من طموحاتي السابقة..ليست أنا أبداً..أريد أنا يا تليد. هوية خاصة بي تحررني من التبعية..كسر هذا القيد الذي يُكبلني ويشعرني بالاختناق!!!"
رفع تليد وجهها إليه..فقال ببطئ دون أن يحيد عن عينيها:
"لا تلفي وتدوري يا ابنة خطاب..ليس طبعك ولا أسلوبك..لا تخشي شيء ولا تترددي وإعلمي دائماً أني معك!"
هتفت أثيلة بقوة أمام وجهه:
"أريد أن أُنشيء مركز خاص يا تليد..مركز يحمي المرأة والفتيات..مركز يقوم بتوعية الأهالي ويساعد الآباء على فهم أطفالهم..مركز صغير أبدأه أنا بقيادتي وأنميه ليكبر مع الزمن ليمتد لجميع المحافظات..أقدم من خلاله كل عبره..ودرس..للناس عبر قصص الفتيات التي دمرت ربما يردعون أخيراً عن قتلنا وإسالة دمناً..يتوقفون عن التضحية بنا صغيرات..يراعونا ويحمونا بأنفسهم..يمنحونا الفرصة للنضج العقلي والجسدي والعمري على حدٍ سواء!!!"
لم يستطع منع تلك الابتسامة الفخورة التي تسللت الي قلبه وهو يحاورها بالقول:
"ولكن لديك الدار أثيلة..فما حاجتك لمركز مستقل؟"'
هزت أثيلة رأسها ببطء قبل ان تقول بصرامة:
"أولاً الدار سرية يا تليد هل تذكر؟!لا نستطيع أبداً المغأمرة بقاطنيها..ثانياً وهو الأهم..أنا لن أنتظر حدوث المصيبة لأجري أبحث عنها وأحاول مداواتها..بل مشروعي هو للحد من تلك الجرائم..إن كانت حججهم الجهل سنعلمهم..وان كان الفقر الذي من أجله يبيعون الصغيرات..سنحاول مدهم بمشروعات صغيرة..وإن كانت عادات خادعة قاتلة ! صمتت لبرهة قبل أن تلتقط أنفاسها وهي تقول بقوة حاسمة:
"اذ سنقوم بتوعيتهم ونفتح عقولهم رغماً عنهم!! أبداً لن أسمح لنفسي أن أصمت يا تليد وانا أعلم أن لديّ القدرة لمساعدة ضحايا أخري بالتأكيد تنزف دمائهم يوماً!"
صمته طال فرفعت عيناها بعينيه لترى رد فعله..فجمدتها تلك النظرة اللامعه الباسمة فيهما وهو ينظر اليها..همس تليد أخيراً بصوت أجش:
"ما الذي أستطيع ان أطلقه تحديداً على حلمك أثيلة؟!كي أستطيع مساعدتك به."
أخفضت أثيلة عيناها..قبل أن تندس فيه فرفع ذراعيه يضمها اليه بشدة..فمدت يدها تتمسك بقلادتها ذات الحمامة بشدة ،، قبل أن تهمس:
"إنه حلم يا تليد..لا أعرف حتي تحديداً ما صفته في المجتمع..ولكنه أمل لكل يمامة مكسورة الجناح ولا تجد من يداويها..جهة حرب لكل ضعيفة تريد ان تبحث عن ذاتها ولا تجد من يأويها..حلم سيشمل كل شيء يخص
(اليمامات الزرقاء!!!!!!!!!!!!!!"
إرفعي رأسك..عنان السماء..طالبي بحقك...وحرري جناحك..
إستمدي قوتك من ذاتك وتلمسي طريقك..بنفسك..
لم تكوني الأولي ولا الأخيرة..من يتحطم حلمها على صخور العالم القاسية
الحزن هو مُسكناً يدور بداخلنا..اليأس يفرض نفسه بين سطور حكاوينا..
والخوف قيد أضلعنا..فتركنا الجميع وحيدات في منتصف الطريق..صغيرات..ضعيفات..فإلي متىىىىىىى..
الي متى سنغرق في بكائنا الى متى..سنستسلم لمصائرنا
الى متى تقبلين بقيدك يا حرة؟!
تحرري من الخضوع..وأطلقي لعقلك الحرية..
أرفضي اي قيد يكبل أحلامك..ويجعلك مجرد
شبح تابع..حاربي وقاومي كل عادة سافرة تنادي بأسرك..
إرفعي رأسك وأطلقيها كالرصاص حرة أبية في مجتمع ظالم لا يعرف الرحمة أنفضي عنك الذل والإمتهان..إفردي ذراعيك وارفعي وجهك للسماء..
الشمس تشرق لتُبدد الغيوم ويأس القلوب ينقشع لا محال..اصرخييييي أنك
تستطيعين إكمال حلمك وأنك أبداً لن تضيعي يوماً..سيري على درب الامل المباح ودعي ألمك ها هنا..وإنفضي وجعك للبعيد..أستقيمي على قدميك كي تخطين نحو المنى..إصرخي مراراً طالبي ( بالأنا) تمرررردى ثورى..وتحررى..لم نخلق أنصاف..و لم نعانى يوماً من النقصان..أرفضي ان تكوني شماعة لأخطائهم..
او خاضعة لعاداتهم الخادعة أبداً....
بعد عام
نظرت أثيلة حولها بحيرة وهي تحمل طفلتها بين ذراعيها سألت بهدوء:
"أين نحن تليد"
أخذ تليد نفس عميق قبل أن يمد ذراعه ويأخذ الصغيرة منها ليخبرها:
"هيا أمامي تحركي إتفقنا ان لا تسألي اليوم على شيء مطلقاً"
تنهدت أثيلة بصبر وهي تتبعه بصمت الي أن توقف أمام منزل صغير من دور واحد..محاط بأسوار حديدية عالية..توسعت عينا أثيلة بانبهار غير مصدق وقلبها يخفق بعنف .وهي تتأمل ذلك السور العالي الذي ينتهي بأسياخ حديدية..ولكن ليس بشكل تقليدي..بل عند نهاية كل طرف..يوجد تمثال صغير ليمامة..تفرد جناحيها للأعلى كأنها على إستعداد للطيران..يمامات ملونه بالألوان الأزرق البحري الصافي..ويتداخل ببراعة..مع بعض الألوان المبهجة للنظر وان كان الأزرق بالبطبع السائد فيهم..:
"هذا مذهل..مذهل..كيف ومتى؟!!بل لمن هذا؟"
مال عليها تليد حتي يساوي طول قامَتَها القصيرة وهو يسند إبنته الي كتفه بحماية قبل أن يقول بهدوء خافت مدعي الحيرة:
"لك بحريتي..حلمك..هو هديتي بمناسبة تخرجك يا أستاذة..ام أقًول..يا من لا أجد لك صفه حقيقية بمشروعك هذا..؟'
ضحكت أثيلة..بشدة قبل أن تنفجر دموع غزيرة من عيناها وهي تقول بسخط:
"أنت ثور يا تليد..كيف فعلت هذا دون أن تخبرني في مكان مستتر"
رفع تليد حاجبيه وهو يقول بدهشة:"لا داعي لشكري حبيبتي هذا واجبي..نحوك"
وضعت أثيلة يدها الأثنان على فمها قبل أن ترفع له زرقتها الساحرة..بموج هادئ ساكن جميل..ثم قالت بضحكه متحشرجه:
"آسفه..ولكني كنت أريد أن أحتضنك بشدة الان أغرق وجهك وقلبك بقبلاتي..يا الهي لا أستطيع أن أصدق"
إقترب منها تليد يحيط كتفيها بذراعه يخبرها هامساً وهو يقبل رأسها من فوق الحجاب..بلى حبيبتي..صدقي..انا أضعك على أول الطريق..ولكن حلمك ستسعين له بنفسك..سأترك أثيلة تتخبط كما تشاء..تتحرر كما تريد..ولكن تذكري أن قلبي دائماً موطن..مهما هاجرتي وابتعدتِ هو ملاذك الذي يجب أن تعودي له وتتلمسي أمانه."
رفعت أثيلة عيناها له هامسه من بين دموعها المتألقة في مقلتيها:"أحبك"
همس تليد بهدوء ويديه تنزلق لتتشابك مع كف يدها..قبل أن يشدها الي داخل مركزها الجديد:
"وأنت نبض القلب الخافق..يا طويلة السان .؟!"
.......................
بعد اسبوع
يوم إفتتاح مركز (اليمامة الزرقاء)
كانت أثيلة تقف متوترة..وهي تخبر حياة التي تتحرك بصعوبة بسبب ثقل حملها في شهره السابع:
"أين نجلاء؟لما لم تصل الي الان؟أنا إعتمدت عليها في شيء ما يجب ان نفتح به خطبتناً"
ردت حياة بإرهاق:
"لقد إتصلت بي منذ قليل هي على الطريق لا تقلقي هكذا..الأمر لا يستحق كل هذا التوتر منك"
قالت أثيلة بانزعاج:
"لا الأمر يستحق أكثر بكثير يا حياة..إنه خطوتنا الأولى..لنقنع المجتمع بنا والأوساط الصحفية التي وفرها تليد لنا حتي يجعل لهذا المركز صدى..ليجلب اليه كل أسرة تحتاج منا مساعدة..كما يجب أن يثق بنا بعض من رجال الأعمال الذين آتوا خصيصاً ليدعمونا"
شعرت بيد عبير التي قاطعت حديثهم تربت على كتفها وهي تقول مشجعه بهدوء:
"لا تخافي..أنت حضرتي نفسك جيداً..كما أن خطبتك المرتجلة..دون تحضير حتي في هذا الأمر بالذات أكثر من مقنعة وكافية"
إهتزت إبتسامة أثيلة رغماً عنها خوفاً من خطواتها ولكنها لم تكن أبداً خالية من الحماس والترقب لمجرد التفكير بالأمر...
راقبت ذلك المهندس قريب العم ناجي الذي قام بديكورات المركز ورفض ان يأخذ اي مال..مخبرا تليد بأن تلك هديته كما انه سيكون من المشاركين الداعمين مالياً..من أجل تلك الدورات التعليمة التي سيقيموها في المستقبل القريب لتثقيف الأهالي..عن كيفية التعامل مع أولادهم..تعليمهم الحياة العملية..التحدث معهم في كل شيء..ومحاوطتهم حتي لا يلجأوا الي أصدقاء السوء او أشياء خاطئة..كما أيضاً سيكون هدف المركز الأساسي تعليم الأهل ثقافة( لا لختان الاناث بل والتعامل معه..بشكل أقرب للحالات المرضية التي يجب إستشارة الأطباء..وقضيتها الأبدية التي ستحاربها بكل ما أوتيت من قوة زواج القاصرات!!)
ابتسمت بلطف في وجه الرجل..وهو يشير بيده معرفاً:
"العذر منك ان كنت دعوت بعض الأشخاص من غير ان أخبرك"
قالت أثيلة بهدوء:
"لا أبداً المركز هدفه الأساسي هو فتح بابه أمام الجميع..يا بشمهندس"
إبتسم الرجل وهو يقول للمرأة خمرية البشرة الأنيقة بشدة..ويظهر الترفع والترف بين قسمات وجهها:
"هل رأيت الفتاة..ودماثة أخلاقها ،ليس كتلك..الطفلة التي مازالت تتعلق بنا كالعلقة..ولا تناديني إلا عمي"
رفعت أثيلة حاجب واحد بتعجب رافضه نبرة الرجل عن تلك الفتاة المدعوة..كتمت المرأة ضحكة مترفعه وهو تقول:
"توقف عن منادتها بالعلقة..حتي لا تسمع وتبدأ في نوبة بكاء كئيبة وإتهامات لا تنتهي بأن لا أحد يحبها"
قطع حديثهم المتواري دخول رجل ذو هيبة وقور ينتشر الشعر الأبيض في رأسه بشكل ملحوظ رجل ربما تخطى عمره الأربعين بأعوام قليلة..تتعلق في ذراعه..فتاة هادئة الملامح بيضاء الوجه بشدة وشعر بني..يختلط بوضوح به خصلات عسلية..تتمايل الفتاة برقة..وهي تقترب من وقفتهم بصحبة ذلك الرجل..همست عبير بتسلية وهي ترى عينا أثيلة وحياة التي جحظت بذهول تراقب الفتاة العسلية فقالت:
"الأن فقط علمت معنى بسكوتة ذائبة"
إمتعضت أثيلة وهي ترد ببديهيه على الفور:
"بالطبع تعرفي..يا قطعة السكر..يا صاحبة العباءة"
توسعت عيناي عبير هذه المرة بصدمة:
"ماذا من أين علمتِ بهذا الأمر"
ردت أثيلة بتسلية وهي تقول:
"زلت ليا بلسانها أمام وتين عن لقب قطعة السكرالذي لا يناديكي العم ناجي إلا به رغم مرور ما يقارب العشرة أعوام على زواجكم..أما عن العباءة سمعتك أنتِ يا دكتورة"
عقدت عبير حاجبيها بجدية وهي تقول:
"حسناً سأخبر عمتك ان. وتين ممنوعة من زيارة الدار تماما"
طرقعت أثيلة بلسانها وهي تقول قبل ان تلتفت لضيوفها:
"الأجدر بكِ أن تحرمي ليا هانم يا عبير..وتجعليها تضب لسانها الذي لا أحبه"
إقتربت أثيلة تعرف عن نفسها نحو الزائرين وهي تقول بهدوء:
"أثيلة المكي مديرة هذا الحلم..بالتأكيد السيد مراد أخبرك عنه"
إبتسمت المرأة بمودة وهي تقول:
"إسراء زيدان..زوجة مراد وللحقيقة أنا متحمسة وبشدة لتسمحي لي بأن أتطوع معكم في هذا الحلم"
شعرت بتليد ينضم لها أخيراً بعد ان أشرف على تنظيم القاعة بنفسه قبل أن يمد يده مرحباً بمراد أولاً..ثم ينتقل للرجل الوقور بجانبه الذي عرف عن نفسه:
"إيهاب زيدان..لقد تحدث معك مراد عن رغبتي بدعمكم المادي بالطريقة التي تريدونها"
أومأ تليد رأسه بهدوء قبل ان يقول:
"التعامل سيكون مع صاحبة المركز سيد إيهاب..وسيكون هناك مختص بالتأكيد سيتولى الأمر"
إلتفت إيهاب لمريم ليخبرها:
"لم أتي الي هنا إلا من أجلك..كنت سأكتفي بإرسال المال فقط"
إبتسمت مريم بدلال وهي تخبره:
"لا..أنا أريد ان أشارك معهم..فالفكرة التي قالتها إسراء تعجبني وبشدة..كما أنها ستفتح أمامي أنا والتوأمين فرصة للتعرف..على الناس والمجتمع"
هز إيهاب رأسه برفض..قاطع وهو يقول بتشدد:
"..إنسي التوأمين تماماً يا مريم..لن يتحركا خطوة الى مكان غير آمن او دون حراسه والتي لا تحبين أن ترافقك"
صمتت مريم على مضض حتي لا. تنقلب صحبتهم الي جدالهم المعتاد عندما يصل الأمر الى ليبرتا وإياس..لقد رفض أن يصطحبهم الي هنا..وأجبرها على تركِهم مع سحر مربية أبناء مراد وبصحبة أولادهم....
إنخرط إيهاب ومراد مع تليد وناجي..في حديث جانبي للتعارف او ماشابه..وراقبت مريم تلك الفتاة زرقاء العينين..التي تقف متوترة كقطة على صفيح ساخن..قبل ان يتهلل وجهها عندما ظهرت فتاة ضئيلة الحجم سمراء ترتدي حجاب وملابس واسعة مماثلة..لتلك النسوة وكما ترتدي إسراء منذ ما يقرب الأربع أعوام..سمعت الفتاة زرقاء العينين تقول بنزق:
"لماذا تأخرتي نجلاء؟ لقد سببتي لي التوتر"
ضحكت نجلاء بخجل وهي تهمس لأثيلة بخفوت حتي لا يسمعها أحد:
"كنت عند الطبيبة لقد توعكت صباحاً وأيمن أصر ان نذهب اليها ليطمئن على"
سألتها أثيلة ببطء:"ثمّ؟!!"
همست نجلاء بنبرة تنبض عشق وهي تراقب عيناي أيمن التي مازالت تحاوطها بذلك الشغف والحنان ولم يتغير حتي للحظه:
"أنا حامل..سأتي بعماري خالص الدماء أثيلة"
ربتت أثيلة على يد نجلاء بمحبة وهي تنظر لتليد الذي يقف وسط الرجال..حامل ( جوين ) النائمة على كتفه دون أي حرج او تردد..حتي وهي تراه يخوض جدال ما معهم إبتسمت بحب وهي تقول:
"مبروك حبيبتي..إحترسي على نفسك نجلاء"
عادت سريعاً تسألها:
"أين أمانتي لا تحاولي تشتيتي"
رفعت نجلاء ما بين يديها وهي تقول:
"ها هو..لا تقلقي كل شيء بها كما طلبتي وأيمن ساعدني لنتقن صنعه..ونخرجه كما أردتي"
إستلمته منها شاكرة وهي تعود تبحث عن عبير بعيناها..فاوقفتها تلك الفتاة (المائعة)
التي إقتربت لتقتحم الدائرة الصغيرة التي للرجال وهي تسحب يد زوجها على ما يبدو كما عرفت عنه..رفعت أثيلة شفتها العليا بإستنكار..ورأسها يميل على جانب واضح وهي تنظر لتلك..الذائبة ذات العيون التي تستطيع ان تصفها ببساطة مغوية بالفطرة!تضع رأسها على كتف الرجل دون حياء او خشى وصوتها يخرج خافت رقيق ناعم وهي تخبره:
"لقد تعبت حبيبي من الوقوف..قدماي تؤلمني ويبدوأن هذا المؤتمر النسائي لن ينتهي"
سمعت الرجل يقول بهدوء وحنان وهو يرفع يده يُمسد على خصلتها الذهبية برقة:
"على الفور سأجد لك مقعد صغيرتي..أسف لتعبك ولكن أنت من اصررتِ أن تشاركي معهم"
كادت أثيلة ان تتوجه اليهم بتهور تفصل كليهما عن الآخر وتضرب تلك الحريرية الي أن تجعلها تتحشم..ويشتد عودها المائل كما حالها..قبضت حياة على ذراع أثيلة بإستماته وهي تكتم ضحكتها بصعوبة تخبرها:
"إهدئي يا مجنونة..إنهم ضيوف عندنا..مالنا نحن بهم؟!!"
نظرت أثيلة بغيظ تجاه تلك الفتاة..قبل ان تقول ممتعضه ساخرة:
"عديمة الحياء لا ينقصها الا أن تخبره ( إحملني يا حواش ) أنظري اليها إنها..إنها ذائبة لعينة..صوتها ومشيتها ورقتها يا الهي كيف تستطيع فعل كل هذا؟!!!"
نظرت حياة للفتاة قبل ان تقول بهم مضحك متحسر:
"كل ما فيها ناعم يا أثيلة رقيق مُغوي..أنظري اليها كيف تستكين على صدر الرجل بهدوء مستسلمة..سوف تقلب بالتأكيد رجالنا علينا..لاعنين ثورتناً ومحاولتنا المستميتة لكسر قيودنا..فمن أمامهم خير مشجع"
لم ترد أثيلة عليها..اذ جذب أنظارها شيء مختلف أخر في الفتاة..شيء تعرفه هي عن يقين..رفعت أثيلة يدها على صدرها بحيرة تفتش في طيات ملابسهاعن (قلادتها ) فقبضت عليها بشدة في كفها وهي تنظر لتلك القلادة المطابقه تماما لقلادتها..حتي وان كانت ممزوجة بملاكين صغيرين يحملان بين يديهم قلب أحمر صغير..إقتربت منها أثيلة تسألها بتعجب:
"آسفة لسؤالي..ولكن هل يمكنني ان أعلم من أين حصلتي على تلك القلادة..أعني تلك الحمامة بالتحديد"
إبتعدت مريم عن إيهاب خطوات..وهي تبتسم برقة تخبر أثيلة مرحبة:
"بالطبع يمكنك..إنها صنعت خصيصاً لأجلي..منذ ما يقارب الخمس أعوام..لديها معني خاص جداً بي أنا وزوجي واطفالنا"
إبتسمت أثيلة..بطريقة غريبة قبل أن تفتح كفها..تبسط حمامتها أمام عيني مريم التي توسعت بذهول قبل أن تقول أثيلة بثقة وقوة:
"أياً كانت أسبابك..أنا متأكدة أنها تحمل بين طياتها..معني الحرية وكسر القيود..وفرد جناحيك أمام الدنيا دون خوف يكبلك"
تلعثمت مريم وهي تضع يدها على شعرها بإضطراب..قبل أن تهز رأسها بحيرة متردده:
"اه نعم..تستطيعين قول هذا..فقصتنا كانت صعبه وتلك القلادة كانت تعني لنا الكثير ومازالت !"
صمتت مريم للحظة قبل أن تقول بشجن خافت:
"نعم كانت رحلة ولدت من بين مخاض مظلم نتلمس طريقها للنور!!!"
رقت ملامح أثيلة كما قلبها..للحزن الذي طغي على صوت المرأة التي ربما تماثل حياة في العمر فابتسمت إبتسامة قصيرة وهي تقول:
"جميعنا تُقابلنا العثرات والعواقب..المهم ان نتغلب عليها ولا تكسرنا أبداً!!"
مدت مريم كفها بلطف وهي تقول بخفوت حريص:"مريم زيدان..إسراء تحدثت مع دكتور عبير عني لأني أريد الانضمام لكن إن سمحتي لي"
بادلتها أثيلة السلام مرحبة..قبل أن تقول بهدوء:
"زرقاء اليمامة..ترحب بكل يد متطوعة تقدم المساعدة والمساندة للمرأة بشكل خاص مريم..فمرحباً بك بيننا"
أمالت مريم رأسها وهي تقول بنعومة:
"ولكن أنا..لا أعلم كيف أساعدك؟هذا العالم جديد علىّ كلياً"
همت أثيلة لتركها مغادرة وهي تقول بتفكه:
"سنجد لك ما تفعليه..حتي وان سلمتك أمور تنظيف المركز ربما يخشن عودك المتمايل هذا!!"
..............
كانت تقف منذ ما يقارب الساعة على المنصة تلقي كلمتها الافتتاحية..بصوت واثق قوي جهوري بكلمات منتقاه بعناية شديدة حريصة كل الحرص على التركيز على هدفها وما تريده وعيناها لا تحيد عن عيناه الفخورة المشجعة والدامعه ملامحه المهيبة التي مازالت تحمل بين طياتها الشعور بالذنب نحوها..كانت بينما تلقي كلماتها دون أي تشتت..تتبادل حديث صامت معه تمنحه ذلك الغفران..الذي لطالما طالبها به..والان لا يريد تصديق أنها حتي ما عادت تذكر سر سخطها عليه..لن تنكر ان جميع الذكريات..تتدفق لعقلها الان..بعضها سعيدة وبعضها مؤلم مرير موجع روحاً..وجسداً..ولكنها..وصلت لبداية طريقها وما تريده..الرضي الذي تشعر به كان أكثر بكثير مما حلمت يوماً..قطعت أثيلة نظراتهم المتبادلة أخيراً..وهي تميل على الأرض تلتقط شيء منه..لم يكن الا قفص متوسط يتواجد به أربعة يمامات على وجه الدقة فتحت القفص تحررهن..فصدم الجميع فعلتها التالية..اذ جمعت تلك اليمامات التي فردت جناحيها على الفور تحاول الطيران والبحث عن حريتها..بخيط طويل معلق بأقدامهن..
راقبت الحاضرين الذي تبادلوا الهمس بينهم على فعلتها بعدم فهم بينما حامت عيناها تراقب تليد الذي يقف بجانب المنصة خلف الستار يعقد ذراعيه على صدره ويرفع حاجب واحد مستمتع جداً بما تفعله..فهمس لها بشفتيه دون صوت:
"تحرري يا بحرية..وأطلقي جناحيك فالسماء متسعك والأرض مدارك"
عادت بوجهها وهي تأخذ نفس عميق قبل أن تقول بصوت قوي حاسم جازم:
"تلك اليمامات هي نحن نُون النسوة..في أنظار المجتمع لا فرق بين رجل وأمرأة..فالعادات يا سادة التي ترسخت في عقولنا منذ خلق البشرية كانت تؤكد على نظرة واحده*نحن الأضعف نحن الحمل الزائد..نحن من يجب أن نتحمّل تبعات كل ذنب..نحن ونحن ونحن *ولا تنتهي أبداً قوى التجبر علينا وتحميلنا كل ذنب..حتي الحرية التي ينادي بها محاربين المجتمع ومناصرين المرأة ما هي إلا خدعة..منح مشروطة منهم رتبت بعناية لمنحنا إياها بطرقهم الخاصة واهمين إيانا بالتحرر وتلك المساواة..ولكن"
صمتت لبرهه وهي تنظر لليمام الذي يرفرف أعلى رأسها يقاومها ويجاهد لكسر قيده الذي تتمسك به..ثم عادت تبتسم بجمال قبل أن تقول ببساطة:
"ولكن مهما أوهمتونا بتلك الحرية يظل ذلك القيد الخفي..تحملوه بين أيديكم حتي نصبح تحت رحمتكم..كما تشاؤن ولا نخرج عن مداركم أبداً"
تركت أثيلة الخيط من يدها مرة واحده فحلق اليمام أخيرا محتفل بحريته وأجنحته مرفرفة فوق رؤس الحاضرين يلف ويدور في القاعة ويصدر صوت هديل جميل بنغمة واحده أسر كل الحاضرين الذين رفعوا رؤسهم يراقبون العرض ذاهلين..
قبل أن تقول أثيلة بهدوء تنهي كلمتها برضا:
"حدثونا عن الحرية..بدل أن تمتهنونا صغيرات..إمنحونا الوقت للنضج لكي نفهم ونعي ونكبر بدل أن ترمونا لأول ساعي طامع..يستغلنا قاصرات نحن جزء منكم..ولم يخلقنا الله زوائد يوماً..لتخلصوا منها..ولم يكن سبب وجودنا يوماً..لعادات عقيمة خادعة تثقلو بها أكتافنا الهزيلة التي لم تعرف النضج بعد!ربوا عقولنا قبل أن تتهمونا بالنقص فيها..إسمحو لنا بحرية الفكر والبحث والتحليق..بدل أن تكسروا أجنحتنا..حاوطونا ونحن نبحث عن ذاتنا..بدل أن تخنقونا بقيودكم..؟!"
..........................
أنت تقرأ
عادات خادعة
Romanceعادات خادعة ..حكايات وحيوات من قلب البيئة العربية عامة وروح الصعيد خاصة ..تتنازع العادات التى تنمو وتكبر غارزه جزورها عميقه بداخلنا وبين المنادئه بالحرية والعدل وقتل تلك العادات التى تنتهك المرأة .. الحكاية الأولى الصحفي المشهور بمنقذ الصغيرات المنا...