السادس عشر

25.1K 411 11
                                    

الفصل السادس عشر

ابتسامتها ببطئ وصينية الطعام تسقط من بين يديها..تدوي بصوت رنان بين قدميها وقطع الماوي تناثرت حول قدميها مثيرة الفوضي التي شابهت الثورة التي نشبت داخلها..ووجهها تعاقبت عليه عدة مشاعر متفاوتة ومتطرفة بوجع تذكرألم..خيبة..حنين وشوق..احتياج لتعود ويحمر بغضب عارم غير متحفظ..هزت رأسها بالرفض القاتل وصرخت بأنين:
"لن أسامحك يا تليد..أبداً أخبرتك أني سأغفر للجميع..ولكن من ذبحني لا..من كان سبب وجعي وفقداني الثقة لا.."
إلتفت وشعرها المحمر يهيج حولها بثورة متطرفة مثلها فأصبحت كتلة من الجحيم وهي تقول بغضب عنيف:
"ما الذي تريده مني خطاب؟ لقد كسرتني في الماضي عندما لجأت اليك..أخبرتك أني لا أريد رؤيتك ولن أسامحك انت وفاطمة أبداً ما حييت لغدركم بي"
إقترب منها تليد بحزم ليخبرها بنبرات متشددة وهو يمد يديه محاولا ان يكبح جنونها الذي أفلت من عقاله:
"أثيلة إهدئي وكفي جنون..أنتِ ستسمعي رغماً عنك ما أتي والدك لقوله"
رفعت عينها المشتعلة تنفض يديه بعيدا عنها بغضب وأخبرته بذات الجنون الغاضب:
"لا أنت ولا هو تستطيعا اجباري فهو ليس لديه شيء يهمني لسماعه..لقد أصدر حكمه على نفسه منذ زمن هناك على قارعة الطريق الصحراوي"
إقتربت خطوة واحدة تنظر لأبيها الذي يناظرها بهدوء رغم الالم والوجع الذي يعصر قلبه أردفت بقسوة:
"لقد لفظني فلظته !! وانتهي الأمر..إن إبنته التي يبحث عن وصالها ماتت كما مات كل حب له في قلبها..ولم يتبقي غير الأضحيه..التي قدمها فداء لعائلته وابنه والعادات"
اقترب منها تليد مرة أخرى وحاول ان يجعلها تهدأ وألا تحطم بقسوة كلامها المزيد قائلاً:
"الماضي انتهي بكل أوجاعه لقد سامحتيني..وان كان يوجد أحد يستحق الحديث والغفران فهو خطاب من بين الجميع"
التفت بشراستها وجنونها المتعاظم لتخبره بتعنت رافض شرس:
"لم ينتهي شيء تليد..لا توهم نفسك أبداً بهذا..ربما سامحتك انت او غيرك لكن هو لا..لا يكن احدا منكم يوماً مثله ولن يكون أبداً..فلا تجرؤ على عقد المقارنة"
هدر فيها بغضب لم يستطع ان يسيطر عليه:
"أثيلة توقفي عن جنونك لم تعودي مراهقه نزقه لنعذرك بهفوات حديثك"
وقبل ان ترد كان يسبقه خطاب الذي تقدم خطوة يخبره بهدوء حازم:
"أتركها تليد لتخرج كل ما في قلبها نحو والدها الذي لفظته"
توقف تليد إحتراما لطلب الرجل الذي حاولت غبيته بجموح حديثها كسره..نظرة واحدة هي كل ما منحها اياه..خاطبها بصمت..لن يحتمل أحد المزيد من رفضها وستبدأ وحدها في مواجهه كل ماضيها الذي دثرته وتظاهرت بعدم وجوده..بعزيمة واصرار..إلتفت لأمه المتوترة رغم محاولتها التمسك بالهدوء ليخبرها:
"هيا أمي هناك حديث مؤجل وخاص ستخوضه أثيلة وحدها"
تحركت أحلام بتردد حائر ما بين البقاء والمساندة وما بين كلام ابنها الصائب..وبطواعية كانت تخرج مغادرة برفقته ونظرت للأخرى المشتعلة بنظرات حانية أسفة..سمعت من خلفها صوت زوجة إبنها الصارخ رغم توسلها المستتر:
"تليد..أين تذهب وتتركني لقد وعدت دائماً بمساندتي أتتركني معه ؟!"
إلتفت لها من فوق كتفه ليخبرها بصرامه:
"دائماً وأبداً أنا في ظهرك..ولكن حان وقتك أنت لتساعدي نفسك"
بتشدد كان يضغط على حروفه وهو يردف قبل ان يختفي من أمام عينيها..
"سأتركك مع من هو أحق بك من الجميع"
بخطي سريعه كانت تخرج من المطبخ تلحقه ليصدمها والدها الذي اعترض اندفاعها يخبرها بألم متعاقب على وجهه وصوته خرج جريح رغم هيبته:
"تعاتبي زوجك لأنه تركك مع والدك..تستعيري اسمي بتشبيهات يا قرة عين ابيك.."
إبتعدت للوراء خطوات تكافح الالم والحنين المتعانق سوياً مع صخب مشاعرها التي تهفو لصوته وحضنه الدافئ ولقبها القديم ورغم كل شيء خرجت نبراتها شديدة القسوة وهي تقول بتزمت:
"أنت لست أبي الذي عرفت..أنت مجرد رجل غدر بي..باعني جاهلة صغيرة وألقي بي في أحضان رجل مجهول"
رفعت عيناها ببرود جليدي تتمعن ووتتلذ بعذابه المتعاقب تردف بغلظة:
"لقد أخبرتني وأنت تلقيني..أن تليد أصبح كل ما أملك لأحتمي به..فلما تستعجب الأمر أنا أنفذ ما أمرتني به خطاب"
أنفاسه كانت ثقيلة..وكأنه يبذل جهد كبيراً جداً للحفاظ على هدوئه ليحتوي قسوتها التي توقف انفاسه التي كانت تخرج رتيبة..رغم الوجع المكتوم الذي يهدر كموج ثائر جبار يجرف كل ما في طريقه المماثل لعيني وكلمات إبنته..بنبرات محملة بالذنب أخبرها بخفوت رزين:
"كعادتك تحوري الأمور لتناسب عقلك المتجبر..لم أسلمك لمجهول بل لمن صانك..أكمل رسالتي التي فشلت فيها معك بني لك طريق للنور كنت أعجز منحك إياه في قرية مظلمة ظالمة ظلمت قرة عين لي أخرى من قبلك"
اقترب منها فابتعدت هي. تنظر بعين متجمدة رافضه لمبرراته تخبره بصمت عبر ابتعادها الرافض انها تبني جسر مهدم محطم حتى لا يستطيع عبوره للوصول اليها ردت هي بهمس متوحش غريب:
"خطاب لا تحور أنت الأمور..لقد كنت عازم على التضحية بي من أجل أصيل..من أجل أي شيء حتى تبقي بمكانتك كبيرا في البلد والعائلة..تخليت عني وأنا هشة ضعيفه لا أملك حتى قوة للدفاع عن نفسي"
بنفس منطقها كان يجيبها بوجع قاتل:
"ولكنك سامحتي أصيل وارتميتي بين ذراعيه..لقد طالبتيه بالاقتراب منك..فلما تقتليني برفضك الاستماع لحزني بفقدك لسنوات"
انفاسها تلاحقت والضعف حل على كل جزء فيها..فجأة بعجز فتح فمها وأُغلق عدة مرات متلاحقة كأنها تكافح لإخباره بما تُخبئ من سنين..فالوجع لكل ما تمر به من عجز قاتل وحروف تخون لسانها للنطق وتحشرج صوتها وهي تغلق عينها والدموع تتعاقب على محياها الذي انقلب بعدة ألوان سوداوية غريبة كفاحت حقاً بكل قواها وهي تخبره بصوت مرير تردد ما سمعته منه من خلف باب غرفتها:
"لا تتدخل يا أصيل فيما لا يعنيك..زواجك من إبنة العمارية هو ما يهمني وعدم عودة العداوة القديمة..سأضحي بها ولكن سأنقذ العديد من الأرواح..أثيلة ستتزوج من تليد سواء رفضت أم وافقت"
أعقبت جملتها بصمت قاتل لكل منهما فتحت جفونها ببطئ لتنظر له بعجز وتردف بصوت مرتعش يماثل كل ما فيها:
"ألم تكن هذه جملتك خطاب التي رددتها على مسامع أصيل وهو يحاول إنقاذي"
رفعت يدها تخبط على رأسها بإنفلات مؤلم تصرخ بأنين والذكري تخرج وتطفو للسطح من خبايا العقل..أخيرا الصور تتلاحق بتعاقب فتقتل كل شعور فيها وهي تقول:
"لا تنكر يا خطاب فالذكري هنا تعيش وتحيا حاولت قتلها وتناسيها..امتثلت لأمرك وأطعتك بتسليمك لي يوم الزفاف متظاهرة اني لم أسمع هذا أبدا..فالصغيرة وقرة عينك كانت تنكر بجهلها وبراءتها أنك من المستحيل أن تُضحي بها او تؤكد ما قلته لأصيل..انه خيالى ورعبي من المجهول هو ما خَيل لي ما سمعته منك"
اقترب خطاب بلهفه وحاول منع ما تفعله بنفسها..مذهولا مما رددته وقلبه كاد يتوقف كما عقله..صدره يكافح ليأخذ أنفاسه ليبقي على قيد الحياة وبقوة وعزيمة رغم الوهن الذي حل به كان يضمها لصدره مرغمة..تخبطت وهي تقاومه بالرفض فشد على ضمها وأخبرها بأنفاس متلاحقة حاول ان ينكر الأمر ويوضح الأمرفخانه لسانه وهو يخبرها بكلمات لا ترقي لتحطمها وخيبتها منه:
"والله الذي جل في علاه لم أضحي بك..كنت أبحث لك عن الأفضل..عن من يصونك..فضعفك كان يقتلني ولا أجد ما استطيع فعله وتوسمت فيه نجدتك من خطر يتراقص من حولك كلهب النار كان سيلتهمك ويحرقك حية"
فردت هي بحروف متوجعه تهز رأسها بالرفض القاتل تهتف بنيران تشتعل في عقلها وتمتد بخيوط من لهب لثائر جسدها فيحرق قلبها الملتاع بشوقه وأنينه ورفضه المتساوي:"لا..لا..لا كذب أنت تُجمل صورتك..فأنت قتلت دون رحمة ،،لم تمهلني الوقت لأستوعب..لم تنجدني عند استغاثتي بك..ذبحت وسلخت وأنا حيه دون أن يرف لك جفن واحد..أي لهب خطاب الذي تتحدث عنه وانا كنت في حماك..كنت تحت جناحك مستسلمة عاجزة"
فرد ووجهه يكسوه السواد والشحوب يقاوم تمردها ويضم جذعها المنهار بين ذراعيه فينهار معها بكل شموخه ليخبرها بتوسل يعانق مرارة حروفه:
"الكثير يا قرة عيني هناك الكثير تجهليه ولم تكوني تستوعبيه..قيود من حمم كانت تكبلني..حاولت أن أُبعدك عنها وأنقذك منها..إمنحيني الفرصة لأفهمك لأشرح..لتغفري"
تحشرج صوتها أكثر ورائحة من الماضي البعيد تتسلل الى صدرها الملتاع تقيدها مرغمة فتغلق عينها بوهن تستسلم لدوارخفيف وببطيء موجع تتلمس حنانه مترددة..فالذكريات بهذا الحضن الأبوي تطفو للسطح فتتذكر لمحات طفولة بعيدة ودلال طفلة بهية تختبئ في تلك العبائة لتحتمي وتنعزل بها عن العالم بثقة..فتخبره بنزيف ذابح معاكس لفعلتها:
"لا أستطيع منحك شيء ليس بيدي أبي..أنت كنت ستري وحمايتي..فارسي الأول والأخير..وغدرت بكل شيء..لقد نضجت يا أبي وعلمت ان حمايتك كادت تكون سبب هلاكي..إستسلامك (للعادات الخادعة ) حطمتني كلياً وتركتني مجرد بقايا..فلا تحاسبني ولا تلقي بلوم على لأمرأعجز عن فعله.."
ساد الصمت عقب كلماتها طويلاً..فقط إكتفي بضمها المتردد وتلمسها بحنان ودفء قديم..حاول أن يجعلها تعود الى عبائته بصمت كان عاجز كلياً عن الرد..شعر بخلو جسده من كل حياة..حاول أن يجمع ما جهزه لمواجهتها منذ سنوات..فأبي العقل الذي تشبع بحديثها المرير أن يسعفه..لمواساة جسدها الضئيل الذي كان يرتعش كلياً بين ذراعيه..قواها خارت من كل مقاومة..خرجت شهقة عظيمة من بين شفتيها شقت الهدوء المتوتر الذي لف الغرفة من حولهم رفعت ذراعيها بهشاشة لتصدمة برد فعل متناقض وهي تتعلق بعنقه مثلما كانت تفعلها قديماً وإندست في صدره الذي يموج بالوجع المكتوم وأخبرته بهدر منفلت مستسلم:
"أنا إشتقت اليك جداً ،.أبي .ثلاث سنوات أعاني من إشتياقي وحنيني لقبلة تطبعها على رأسي..لضمة تمنحها لي في ليلة شتوية باردة..فتبث الدفء لأشلائي التي مزقتها خيانتك لي..لإطمئنان وأمان تمنحه لي عندما تقوم (الشرقية) بإخافتي"
رفعت حدقتيها بغلالات دموعها التي تتعاقب دون توقف لتخبره بإبتسامة مريرة:
"هل تذكر عندما كانت الريح تأتي عاصفة..وتجعلني أنهار من الرعب والبكاء..فلا يحتمل قلبك الحنون..ضعفي..فتقترب تأخذ بخاطري وتطمئني أن كل شيء بخير"
رفعت كتفيها بعجز موجع له لتخبره وطعم مر علقم في حلقها يتضامن مع حروفها:
"كنت تحميني من أشياء واهية وهمية..توهمني بأنك سندي وبطلي ،،ولكني لم أكن أدرك بأنك أنت من ستكون جلادي وقاتلي يوماً"
بوهن و ثقل كتفيه كان يخبرها بمحاولة مقنعه:
"لو كنت تركتك كنت ستذبحين وعلي يدي وأمام عيني كنتِ ستُحطمين وأنا عاجز عن الدفاع عنكِ..أنظري لنفسك الأن..لزوجك الذي إحتميتي به مني..وستعلمي أني لم أضحي بك يوماً..بل أخرجتك للنور من ظلمات..ونار محرقة"
صرخت وهي تنتفض بعيد عنه تزحف على يديها للوارء والدموع الكثيفة تشوش مقلتيها لتخبره بتأوه:
"لا تردد حديثك خطاب ،،مما كنت تخاف..هل قضيت ثلاث سنوات تحيك الحجج لإقناعي به .العفو منك لأني كبرت وعلمت كل شيء..أدركت ان كل أفعالكم كانت محض خدعة كبلتوني بها..ربيتوني على العيب والخوف من المجهول..لم تفسرو لي حتى سبب أفعالكم..تفهموني الدنيا على حق..إكتفيتم بحبسي وراء ظهوركم حجبي عن العالم..وبكل قسوة وتجبر منكم..رميتوني لنفس العالم الموحش بكل فداحته..بدون إعتذار أو حتى توضيح واحد لأستطيع أن أقاوم..أن أنجو بنفسي ."
إنتفضت عندما اقترب منها مرة أخرى ليخبرها بلوعة وأنفاسه تخرج متحشرجه وهنه..كل كبريائه وهيبته التي عهدتها تنهار بشكل رتيب متوازي ليخبرها متألماً مثلها:
"كانت تماثلك تماماً في جموحها أخذتي كل شيء منها وظهر بوضوح منذ طفولتك فإرتعبت أن تلاقي نفس المصير كنت أحميكي بطريقتي الخاصة..والتي عجزت بقيدي ان أجد سواها..ففرضت عليكِ كل قيد من حرير..لأحاول به إحتوائك"
هزت رأسها بعجز وهي تقترب منه مرة أخرى مازال القلب والعقل ينازع..للغفران لأبيها لترتمي في أحضانه..وجزء مقيت شيطاني مليئ بالوجع يريد محاسبة خطاب الذي رماها..فأخبرته بصوت خافت ويدها توضع على كتفه التي إنحنت كأنها تريدها أن تشمخ من جديد فتعاكس حنينها بقولها:
"لم تحتويني..كان خطأ كل ما بنيته بي غلط..عانيت منه لسنوات ومازلت أكافح ما زرعتموه بي"
فأخبرها بتشدد:"ولكنك وجدتي طريقك..خرجتي من الظلمات الى النور..لن تستطيعي تحقق أياً مما أنت عليه لو بقيتي هنا.."
فهزت رأسها بيأس وفمها يتصلب كلياً وهي تقول بنبرات تؤكد جفائه:
"ليس بفضلك خطاب..ما انا عليه وما لا تريد إدراكه أن تلك هي مصيبتي..من أصلح رجل أخرغيرك أنت أبي"
رفعت حدقتيها بإهتزاز تردف بنبرات عميقة متحسرة:
"ومن أخبرك أني شفيت تماماً مازال هناك الكثير داخلي محطم وهش..ناقص ولا اعلم إن كان سيكتمل يوماً..أو يتم إصلاحه"
كان ينظر لها بعجز موجع ملامح وجهه الذي نكسه جعلتها تتمزق إرباً فإقتربت بلهفة تقطع حديثها..تُسلم أخيراً لحاجة أعوام أخبرته وهي تتعلق بعنقه
"لا أرجوك أبي لا تنحني بسببي إرفع رأسك..ولا تجعل تضحيتك تذهب هباء"
أغمض خطاب عيناه بيأس وهو يتلقفها بين ذراعيه ليضمها بين حنايا روحه يخبرها بتشدد:
"لم أضحي بك من أجل نفسي..أخشي عليكِ يوماً من إكتشاف حقيقة بعد فوات الاوان..فتحيي بالندم وتحطمك حقاً
..ثلاث أعوام يا (جافية) ترفضين الاستماع..ثلاث أعوام أتلظي بنار ريحك الذي أتلمسه في بعض من بقايا ملابسك والعابك..من أين أتيتي بكل تلك القسوة..ومتي اكتسبتي تلك النزعة الاجرامية التي تحاول ذبح أبيك"
فتوسلته بصمت ان يكف عن العتاب و يتوقف عن جعل حنينها يتدفق اليه..وبجنونها ونزقها كانت تأن قائلة:
"أبي..أنا فقط أشتاقك جداً..وأحتاجك جداً.."
فضمها بلوعة..وقبل أعلي رأسها..وأغرقت هي جبهته ووجنتيه ولحيته التي شابت من بعادها وتعاقب هموم الزمن..تشدد من احتضانه وتسكن اليه بصمت غير قادرة على مجابهته أكتر وإكتفي هو بإستكانتها بين ذراعيه..حاول ان يتفهم التخبط الذي تمر به..يعلم مسبقاً ان إكتسابها مجدداً لن يكون أبداً بالشيء السهل على كليهما..
بتحشرج كان يخرج صوتها واهن ضعيف لتخبره:
"(توحشت) رائحتك المسكية العطرة..أنا أيضاً ألجأ اليها بإغراق نفسي بالمسك لعلي أتلمس ريحك أبي"
أبعدها خطاب عنه يمسك وجهها بين يديه يخبرها بتشدد مترفق مبتسما بعجز:
"متي تنضجي ؟!أخبريني متي تتوقفي عن تناقض أفعالك ؟؟ متي تمنحيني الغفران و تستمعي لأسبابي بتعقل؟؟"
أغمضت عيناها لبرهة وببطئ كانت ترتكز على ركبتيها تقبل أعلي رأسه وتخبره معتذره:
"لم تمنحوني الوقت لأنضج أبي..ولم تعطوني فرصة واحدة للغفران..سامحني لجفائي وعدم إعطائك ما جئت من أجله الحقيقة انك خنت أبي!! خنت مبادئ وقيم زرعتها بي..حتي وإن كانت كاذبة خادعة !!"
وبدون إدراك كانت تبتعد عنه تقف بتخبط تمنحه نظرة أخيرة قاتلة ببهوت طفلة مذنبه تنازع ما بين أب يقتلها الشوق للجوء اليه..وما بين رجل خان في عينيها وتنازع لمنحه الغفران..
كان خطاب يهز رأسه برتابه يراقب ركضها الهارب منه وروحه سرقتها معها..ولا يجد حتى ما يستطيع قوله وفعله او حتى تفهما..وقف يلملم بقاياه التي بعثرتها طفلته بجهل منها..وقلب الاب فيه يحاول عذرها والأمل في فرصه أخرى تمنحه ما يهفو القلب والوجدان اليه..
وعينين لآخر يقف ويراقب ما يحدث بعجز مماثل يخبط رأسه في الحائط الخلفي الذي يحجبه عن الأعين برتابة يردد بتساؤل حائر لنفسه:
"الى متي يستمر نزاعك..وماذا أفعل أكثر لأصلح كل تشوهات روحك ؟!"
**************
لم يا( ضنايا) كسرتي خاطر أبيك..إن كنتي تتعذبين من بعاده هكذا"
قالتها أحلام وهي تجلس أمام أثيلة المنزوية..في إحدي أركان الحائط بغرفة هدير القديمة الذي قضت فيها ليلتها الاولي عندما جاءت..من العاصمة"
رفعت أثيلة وجهها الذي تدفنه بين ذراعيها المستريحه على ركبتيها تخبرها بتيه:"لا أعرف يا خاله..هناك غصه لم تشفي بعد من الماضي..خيبتي فيه أعظم من أن أغفرله أو حتى أستمع اليه"
مدت أحلام يدها برفق تربت على إحدي كتفيها تخبرها بتأني:"لم يؤذيكِ حبيبتي أبداً ،، كما يحاول شيطانك أن يقنعك..هناك أشياء يقوم بها الاهل عن دون عمد فقط لحماية الأبناء..ربما تروها أنتم بالصورة الخطأ فتغضبكم منا..ولكن أبداً لا نقصد أذيتكم"
فتحت أثيلة فمها تحاول ان تجد كلمة واحدة منطقية تجيبها بها فلم تجد..أغلقته مرة أخرى بعجز تدفن وجها مكانه السابق وتئن بصمت..فإقتربت منها أحلام مرة أخرى تضمها بين ذراعيها مشفقه من تخبطها الذي ظنت انها تخلصت منه..نضجت وكبرت..وأصلح تضحية إبنها لأعوام فيها..ليخلق انثي جديدة قوية واثقه كما توهمت .
لم ترفع أثيلة وجهها وهي تخبرها بحسرة:"أنت أم رائعة يا خالة..تحني على أولادك ولا تفرطي فيهم أبداً..هذا ما علمته عنكِ لأعوام ،..صمتت لبرهة لترفع رأسها تخبر أحلام بأبتسامة ساخره:
"هل تعلمي أن أمي لم تحاول رؤيتي خلال تلك الأعوام..تكتفي بإتصال متباعد بيننا..تطمئن فيها على أحاولي وتوصيني بان أحافظ على بيتي..ورضيت برفضي رؤيتها دون حتى أن تحاول مجادلتي..كأنها فقط تؤدي واجب ثقيل على قلبها..وكأنها ما صدقت ان تخلصت من حملي"
ردت أحلام بحنان حازم وهي ترفع يدها تمسد على رأسها برفق:
"لا تقولي هذا أبداً..أمك تتعذب..من بعدك مثل الجميع..ولكن ربما هي فقط مثل العديد من أمهات القرية لم تكن تريد أن تخرب عليك..إن أصرت على رؤيتك عقلها المحدود..لم يصور لها انك تريدين فقط القليل من الضغط لتتقبلي حنانها"
هزت أثيلة رأسها ببطئ تخبرها:
"لا يهم حقاً أي شيء فانا لا اعتب عليها..أعرفها منذ صغري وأفهمها..عتبي على من خيبو ظني فيهم وكنت اعتقد إنهم يختلفو عنها..أبي وعمتي؟!"
الضوء الذي فتح فجأة في الغرفة وبدد ظلمة المكان جعلها تقطع حديثها تنظر لوجه تليد الغاضب..لم يمهلها حتى الشرح وهو يمد يده يمسك بذراعيها المضمومة يشدها لتقف على قدميها:
خاطب والدته بغضب مكتوم:
"أعتذر منك أمي..يومنا كان طويل..والإرهاق تمكن من كلينا على ما اعتقد..تصبحين على خير"
بهدوء وتفهم ردت أحلام على ولدها:
"ولا يهمك تليد تصبح على خير..أعقبت كلمتها وهي تقف هي الأخرى من جلستها تخبره:من خلف ظهره المنصرف ويسحب زوجته التي لم تبدي أي رد فعل:
"ترفق بها بني"
هز رأسه دون رد..وهو يتوجه الى غرفته معها...
دلف الى باب الغرفة..يغلق بابها ورائه وترك يدها..
وتوجه هو الى الفراش وجلس عليه بتعب رغم ملامحه المتجهمة..لم ينظر اليها حتى وهو يخلع ملابسه بصمت..أعقبها تراجع وتمدد على الفراش..كانت مازلت في وقفتها المتجمدة..مستنزفه كلياً..لتحاول أن تبدأ الحديث معه..أن تبرر ما حدث..تعلم جيداً انها خيبت أمله فيها وكسرت طلبه الصامت بأن تمنح فرصة لوالدها بالاستماع..
تحررت من تجمدها وهي تتجه..الى..نور الغرفة تحاول فتحه وقبل ان تمتد يدها..كان يخبرها بخفوت:
"أتركيه مغلق..العتمة افضل لكلينا حالىاً"
بتردد ونبرات لم تخلو بعد من نشيج بكائها كانت ترد:
"أحتاج..بعض الملابس من الخزانة..و ان أتوجه للحمام بعدها ولن استطع تلمس طريقي هكذا"
رفع رأسه يسندها على إحدي يديه ينظر لها بتأمل للحظات..ليخبرها بعدها بنعومة خطرة:
"آه نسيت أن أخبرك..هناك بعض القواعد الجديدة قررت وضعها بيننا..أولها..لا إختباء خلف الأبواب..تريدين تغيير ملابسك..خلعها أياً كان فيكون هنا وأمامي"
بإستنكار كانت تهتف به:
"ماذا..ما الذي تقوله"
أعاد رأسه مرة أخرى للوسادة يخبرها ببرود:
"ما سمعتيه أثيلة..أعتبريها مثل قاعدتك القديمة..هل تذكريها..لالمس"
صمت لبرهة وهو يغلق عيناه يخبرها ساخراً:
"على كل حال..الظلام سيساعد لعدم المساس بخجلك العظيم"
إقتربت تقر مذنبه وهي تسأله مرتبكة:"أنت غاضب علّي"
للحظات طويلة لم يمنحها الرد حتى ظنت..أنه لن يفعلها ليصدمها بعدها بقوله المعاتب:
"نعتيني بالرجل المجهول عدة مرات..وقفتي بوجهي تخبريني أن لا ماضي أنتهي..بعد كل ما بيننا أثيلة مازلت الرجل الغريب الذي سلمكِ خطاب له"
الارهاق كان أكبر منها حقاً بعد ليلة طويلة قضتها معه..ومواجهتهم لم تكن ابداً مشاعرها المنهكه تحتملهم..
إقتربت لتجلس بجانبه بوهن..وهشاشة تثير الشفقة تخبره بضعف مهلك معاتب مثله:
"وكأنك تجهلني..أنا عند غضبي لا أتحكم في سطو حديثي..تعلم جيداً انِي لا أرك هكذا.."
صمتت تدفن وجهها بين كفيها تفركهم بعجز وهي تردف:
"تليد انا..انا..لا أَجِد ما أخبرك إياه..متعبة جداً حبيبي وأريد أن ألجأ اليك..تليد..أحتا.."
وكعادته لم ينتظرها لتطلب جذبها سريعاً بين ذراعيه ضمها برفق..أخبرها بحنان رجولي متفهم:
"إياكِ وطلبها يوماً..فقط إفتحي ذراعي حتى لو رغماً عني..وخذي كل ما تحتاجيه"
إندست فيه لتسكن اليه..رفعت يديها لتطوق خصره..تحتضنه بقوة..تحاول أن تستمد منه بعض الهدوء والسكينة التي لم يبخل هو في منحها اليها يوماً"
أطلق زفرة مرتاحة ممتنة وهو يخبرها ببساطة:
"ثاني قاعدة يا بحرية..علاقتي بك لا تربطيها أبداً بما يحدث حولنا..مهما غضبت منكِ..إنفجرت فيك او فعلتي أنت..أريدك أخر الليل أن تلجأي لأرضك الدائمة..وتريحي رأسك على صدري"
ضحكت مرغمة وهي تخبره:"هل لو صرخت الان وأعلنت حبي وعشقي لك..سيحدث شيء"
إبتسم هو بيأس من تناقض أفعالها فأخبرها برزانه:
"لا سيقولون فقط أنكِ عديمة الحياء..ويأمروكِ بالتحشم كما كنتِ تفعلي معي لسنوات"
ثقلت جفنيها..وهي تمتم بين ذراعيه بصوت ناعس:
"أنت لن تنسي تخلفي أبداً"
أراح رأسها بين خصلات شعرها الحلزونية ليخبرها بشرود..وعقله يحلل كل كلمة وردت فعل..خرجت منها..يتفهمها..ويعلم أن نصف حديثها لم تقصده..ربما لهذا السبب لم يغضب حقاً مما قالته رغم حزنه على ما أل اليه الأمر ولكنه بداخله كان يعلم جيداً..أن هناك الكثير مما تخفيه إمرأته التي تماثل البحر في عمقه وأسراره المكتومة !!
رغم مظهره الهادئ الذي يجذب للغوص فيه..ولا يدرك أنه مفقود بين جنون أمواجها؟!
ومثلما إستسلمت لغفوتها كان يفعل هو مؤجلا كل شيء ليوم وصباح مشرق آخر ربما يمنحهم بعض السكينة..
**************************
كان يقف أمام المرآة يعقد عمامته بعقد متتاليه بطريقة مرتبة منمقه وبسلاسة أبهرتها..إلتفت اليها مبتسم..
إقترب منها بتمهل وجلس على طرف الفراش يخبرها بصوت رخيم:
"صحي النوم يا نعسة..أصبحنا في الظهيرة"
ضحكت وهي تتمطي بالفراش وأخبرته بدلال:
"مازلت عروس ويحق لي أن أستيقظ وأنام وقت ما أحب طالما أنت بجانبي"
مد حسن يده يمسد وجهها الهادئ وأخبرها بتعجب داخلي:
"تحيريني يا زينة بكل الحب المخبئ في قلبك..وأفعالك المندفعه نحوي ومازلنا لم نكمل سبع ايام زواج"
إعتدلت زينة تقبل باطن يده ببطئ تخبره بذكاء:
"أنا كغيري يا حسن الخجل يقتلني..ولكن تستطيع القول أني حفظت طباعك جيداً وكنت شغلي الشاغل لسنوات..وأمي لم تقصر بإخباري كل شيء يخص قريتكم هنا..ربما هذا سبب كافي لتعلم لماذا أتعامل معك بأريحية"
ضم رأسها الى صدره يخبرها برزانه وهو يطبع قبله على جبينها:
"قريتنا يا زينة !!أنتِ أصبحت جزءاً مني..فتنتمي لأي شيء يخصني بالتالى"
فردت بفطنة مطاوعة:"نعم حبيبي وهذا شرف لي..أن تجعلني جزءاً منك"
صمتت عندما تورد وجهها تهمس بداخلها إعترافاً لم يصل مسامعه قط:
"أه لو تمنحني الفرصة يا حسن لأعترف بحبي الكبير لك"
هز حسن رأسه مبتسم بدفء يخبرها بمرح:"لما قطعت كلامك يا زينة إن كان هناك شيء أخبريني"
هزت رأسها برفض خجل ثم تمتمت:"لا أبداً..ليس هناك شيء"
زفر حسن بهم وحزن وسألها:"هل مازال يزعجك ما حدث ليلة زفافنا ؟؟"
إعتدلت بعيداً عنه تجذب الغطاء حولها تخبره.بخفوت متأني:
"لا..ربما حزنت وقتها ولكن أمي أخبرتني ان هذا وارد الحدوث هنا..كما يكفي أنك حميتني مما كانت تنوي خالتي فعله بي"
إقترب منها حسن يطبع قبلة طويلة على جبهتها..ثم قال برقة:"كملكِ الله بعقلك..يا زينة الصبايا.."
إبتعد عنها مبتسم وداعب خديها برقة..ثم مال يقبل شفتيها بشغف لم يبخل به معها طوال الاسبوع الماضي..ربما خجلها الذي زاده هوس معها..وحبها الذي كانت تبثه له من وسط حيائها رغم تحفظها التي تحاول كسره ما جعله راضي تماماً ويشعر بالفرحة والارتياح سوياً .

عادات خادعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن