السابع والعشرون

17.8K 391 4
                                    

السابع والعشرون

*نصارع الزمن ونتحدى الاقدار..نقاوم بكل ما أوتينا مستقبل مرعب حتى نتخلص من ماضينا..ولكن ما خُط لنا منذ مولدنا..يتحقق بأسوأ الكوابيس فتتمثل أمامنا بأبشع صورة..فلا نملك إلا الإعتراف بأن الأقدار هي من صنع الخالق وحدة ولا نملك السلطة يوماً للنجاة بتحديها....*
كان جالساً القرفصاء أمام باب غرفة الطوارئ التي توارت بها أثيلة فور دخوله المشفي يحملها بين ذراعيه..وصرح بكلمات مختصرة حول وضعها إلى بعض الأطباء الذين إلتفوا حوله..فأمروه بوضعها على الفور فوق سرير طبي متحرك..وأخذوها راكضين الى الداخل ومعهم قلبه وعقله..رفع يده التي مازال أثار دمائها تخضبها ووضعها فوق رأسه ربما يمنع ذلك الضجيج الذي لا يرحمه ويخترق عقله..إنه يمر بحالة من التوهان وعدم الإتزان حتى إنه لا يعلم كيف حملها أو من قام بمرافقته ومساعدته للوصول إلى هنا ..ضجيج..ضجيج يتعالى بقلق مرعب يشطره الى نصفين..ولا يمنحة أي ثبات إنفعالى لتفكير منطقي لأمرواحد سليم ..ضجيج إستطاع أن يتبين من صخبه رنين هاتفه الذي لم يتوقف..حرر إحدى يديه التي تضم رأسه وإستل هاتفه ببطء ودون أن يرى حتى المتصل اللحوح كان يفتح الخط..فأتاه صوت ناجي الهادئ:
"أين أنت كنت أحتاجك في أمر هام و....."
قطع تليد حديثه وهو يقول بصوت دل على عذابه:
"أثيلة تعرضت لحادث وأخذوها مني ناجي ولا أعرف حتى ما الذي تمر به"
تبدلت نبرة ناجي للقلق سريعاً و سأله:"أي حادث؟!أين أنتم الأن؟"
بضياع أجابة مختصراً:
"لا أعرف ما الذي حدث..أنا في مستشفي السلام الأن"
أغلق الخط بعدها مباشرة كأنه لا يستطيع أن يمنح المزيد..عاد لوضعة السابق وعينيه لم تفارقا الباب أمامه يستجدي أي خبر عنها إذا تبرع به أحد الممرضين ...
كان خطاب مرعوبا يقطع ممر المشفي مهرولاً بخطوات مهزوزة..مما سمعة وذكرى قديمة تنحر قلبه الدامي..هل كان الشبح المرعب الذي جعله يُضحي بها صغيرة وأخرجه عن كل مبادئه ليغش تليد بزواجه منها كي يلقي عليه بحملها..وكأنه حق مكتسب وتعويض عن ما فعله أهله بفاطمة..كان سراب والقدر الأسود المحتوم الذي خيم على كلٍ من قرتي عينه يتحقق الان ببساطة هكذا..هل جميع مخاوفه المؤلمة تتحقق بوتيرة واحدة وكأن الدنيا تتحداه وتحقق أسوأ مخاوفه تعثر في جلبابه من خطواته الغيرمحسوبة فتوقف يبتلع ريقه بأسى موجع نآدم وصفعة قاتلة لم يكن لها حساب أصابتة في الصميم..حاول لملمة مشاعره وروحه المبعثرة..توقف للحظة وهو يخبر أصيل الذي ينتظره من فترة أن يخبره بما يحدث معه فخرجت نبراته جريحة وهو على شفي الانهيار ليشرح الخبر الحزين:
"لقد إتصلت بي أختك باكية منذ ساعتين..لتخبرني أنها لن تستطيع الإحتمال أكثر وتريد العودة للبلد..لم أناقشها في شيء وإنتظرت وصولها ولكنها لم تأتى في الوقت المحدد..فعدت للاتصال بها فردت عليّ أخرى منحتني عنوان المشفي وقالت أنها أجهضت طفلها"
توقفت أنفاس أصيل للحظات مصدوما..وإنهار على كرسيه زائغ العينين قبل أن يتدارك نفسه ويسيطر على ذاته ليخبر والده:
"سأتي الأن أبى..ولكن أرجوك تماسك من أجلها..إلى أن أصل"
...............
من بين كل الأصوات والأقدام التي تمر أمام عينيه الزائغة تمثل أمامة أخر وجة يريد الان مواجهته..رفع عينيه العاجزة بعيني خطاب الملتاعة قبل أن يصرخ به بإنفعال وقد فقد كل سيطرته:
"كان يجب أن أعلم..من يوم أن خنت نفسك فيها أنك لن تكون حافظاً للأمانه ..كيف غفلت أنك وحدك من ستكون سبب هلاكها"
هز تليد رأسه برفض و أغلق جفنيه..لا يجد حتى القدرة على الرد..
عاد خطاب هادراً كنار آتية من الجحيم يذكره بحديثهما ووعده القديم:
"سلمتها لك..آمنت بندمك وإعتذرت لك عن ما بدر مني..أخبرتك بالخطر الذي يحوم حولها..وأنت وعدتني أنها أمانتك إلى أخر يوم في عمرك"
تتسارع أنفاس الأخر ليخرج من دوامته ويبدي رد فعل آدمي وهو يفرك وجهه بكلتا كفيه بتعصب يخبره:
"حاولت وهربت بها منكم وحميتها من جحيمكم"
إشتد ضغط خطاب على قبضتيه وكأنه يقاوم نفسه ألا يقتله ويرى دمائه كما رأي دماء إبنتة التي تغطي ملابس من أمامه فأخبره صارخاً:
"وحدك كنت جحيمها..ووحدك كنت حاميها وقاتلها..منحتك الفرصة وراء الأخرى لأربع شهور كاملة علك تدرك خطئك لتعود لعقلك وتوازن أمرك وتحجم غضبك ولكن أنت قتلتها ليلة وراء الأخرى..جعلتها شبح لأنثى..قهرتها بتصرفاتك وأخيراً جعلتها نسخة من ضحية عمك"
إندفع تليد واقفاً تهتز ساقية وكأنه عاجز عن الثبات على قدميه..وأخبرة بما دار بينهم قديماً:
"لم أنتمي لتهامي يوماً..قبلت توسلك حتى بعد أن تم غشي فيها..تحملت خطأك أنت وإبنك ..قبلت بثورة غضبك وتفهمت مخاوفك بعد أن علمت بضعفها الذي زرعتوه فيها..أنقذتها من زواجها الكارثي وهي صغيرة من أحد أبناء عائلتكم خوفاً عليها وحدها..أكملت رسالتي التي تحملتها على عاتقي..بنيت وصبرت وتحملت..أنكرت رجولتي وحقي فيها ثم تأتي الأن لتحاسبني"
لم تسمح حالة خطاب بأن يتفهم أي من هدره وهو يكمل صراخه الحاد يخبره:"لم تفعله..معها لأجلها بل لأجل نفسك..عدت لتحطم ما بنيته فيها ..كسرتها مراراً..وأنا أقف متحامل صامت..ربما تعود لعقلك تحترم وعدك القديم تدرك..أعدتها إليك..فتأتينى باكية وأصمت..تعود هي تطالب بك تتلمس طريقها إليك..ولم اعترض منح كليكما الفرصة..لتدركا طريقكما وحدكما وماذا فعلت أنت"
أغمض تليد عيناه بقوة كأنه يُحجم جحيم ما يعيشه لنفسه قبل أن يقول بعدم ترابط يدافع عن نفسه بنبرة باهتة رغم صدقها فتعانقت حروفه مع ضعفه تجاهها:
"لقد أحببتها..ولم تكن عاطفتي تجاهها مخفيه على أحد..رجوعها إليّ كان مشروط منك ومنها..تنكران حقي وحدي فيها لم أتعمد كسرها يوماً..بل هي شمسي التي أسعى لحجب الغيوم عنها..كنت أتفاخر وحدي بكل شعاع ينثر ضيائة بزهوها رغم إحتراقي بناره..أين كنت أنت وهي تعاني أشباحها ..ضعفها؟! أين كنت أنت وأنا أقاوم محاولاتها للانزواء ويأسها..لا تحاسبني الان على ما إقترفته يداك خطاب"
ساد صمت مشحون لفترة ثم إحتدت عينا خطاب بنظرة قاتلة..لم يتنازل وحرر أخيراً ما يُعتمل في صدره قائلا بحزم قاطع:
"لا أحاسبك..ولكن أضعك أمام مرآت نفسك..أنت المتسبب الوحيد فيما فيه إبنتي..أنت وحدك يا عماري الجاني أقسم بالله الذي جل في علاه..لن أرحمك أبداً وما صمتُ عنه قديماً منصاعاً لحكم المجلس والكبار..لن أنصاع إليه أبداً"
صمت تليد ولم يرد..عادت عيناه لترتكزعلى الباب الذي توارت خلفه..وحدهما من يشعران بالألم المتشاطر..عاد حلقه يتحرك وهو يبتلع ريقه الجاف وصوت مكتوم مكدوم في صدره لا يناجي إلا ربه يتوسل إليه أن ينجيها وينجي طفله !!
زفر خطاب بقوة وهو يجاهد نفسه ليركز علي إبنته وحقيقة ما جرى ولكن من يسأل وقد فقد تليد كل نقاطه وثقته عنده..أخذ نفساً خشناً وقال مجدداً بصوت أكثر عنفاً:"إلى هنا وإكتفيت منكم..ثأر إبنتي وطفلها سأخذه منك يا تليد..هنا وبهذه اللحظة أنت ستطلقها..لن تظل على ذمتك دقيقة واحدة"
إبتلع تليد تلك الغصة الشاطرة لحلقه وهو يقول بتشنج:
"أبداً..لن أطلقها..وأبداً أبداً لن أتركها..إنها نصيبي وحقي الذي خُلق من أجلي..ولو تجمع البشر أجمع ليفرقها عني لن يُحلوها مني"
صمت صوت تليد المتحشرج وعيناه تعود تلاحق الباب الذي فُتح لتخرج منه إحدى الممرضات فسارع يلحق بها ربما يمنحوه خبر عنها..قبل أن يفاجئه خطاب يخبره هادراً ساخطاً وكأن الرجل قد جن ولا يعرف ما الذي يفعله..تقدم ليمسكه من قميصه بعنف هادراً أمام وجهه بتوعد محترق:
"سآخذها منك رغم أنفك..خطئي وحدي من البداية أني أعدتها إليك..حق حفيدى في عنقك يا تليد..سأطالبك به مهما طال الزمن أو قصر"
لم يبدى تليد أي رد فعل لإزاحتة عنه أو الدفاع عن نفسه حتى وهو يلمح بعض الناس تجمعت ترى العرض المضطرب..فمنح خطاب الفرصة ليلتقط انفاسه لعل ثورته تهدأ قبل أن يقول بصوت عميق مترجى فقط من أجلها وحدها:
"إنه إبنى أيضاً..حلم عمرى كما هو حلمها..فهل كففت رجاء عن حسمك بموته..أرجوك توقف وأدعو لها وله بالنجاة"
إرتخت يدي خطاب ببطء لتنطلق من عيناه رجاء ببقايا كبرياء جريح..مماثل لكبريائه قبل أن يقول بنبرة فلت توسلها:
"إبنتها..لم تفقد..هل تكذب..أم تقول الصدق"
وصله صوت تليد بعمق شبيه بليلة مظلمة في طريق مقفر لا يحتوى على ضي واحد أو حتى قمر شاحب يضئ طريقه:
"أتصدق..أنا لا أهتم بالطفل بقدر أن تخرج هي سالمة ولا يطولني الأذى فيها..أبداً لن أسامح نفسي..لأني السبب فيما تعرضت له"
صمت تليد وكأنه لا يستطيع أن يقول المزيد..تارك لخطاب حرية التصرف دون أن يحاول حتى إزاحته عنه..يكرر دعواته بصمت مطبق..
...
تراجع خطاب خطوات إلى الوارء وأنزل يده..أغلق جفنيه وشفتيه تتحرك بابتهال وتضرع لله هامساً:
"ربي إني إستودعتها أمانه لديك هي وجنينها..فلا تحرق قلبي عليها..إلهي أنت رحيم بعبادك فلا تحسر قلبها على قرة عينها"
شعر تليد بيد مساندة توضع على كتفه بعد فترة الصمت المشحونة التي سادت بينه وبين خطاب..إلتفت ليجد ناجي ينظر له بتعاطف وخلفه عبير التي تنظر بعجز لا يخفي من بين طياته القلق..لم يحتاج التفوه او الشرح فما يعيشوه يشرح نفسه..
تراجعت عبير لتستند علي الحائط بتعب مرهق وعقلها لا يسعفها لقول جملة واحدة..هز تليد كتفيه وهو يرفع يديه باستسلام لكليهما دون أن ينطق كلمة واحدة..فهز ناجي رأسه بتفهم..وكأنه يخبره أنه بجواره..ويمنحه مساندته ..
بعد لحظات أخرى..فُتح باب الغرفة أخيراً ليخرج منها أحد الأطباء..وهو يقول بهدوء موجها كلامة لتليد:
"تستطيع..أن تدلف للاطمئنان عليها..رددت إسمك عدة مرات من بين إغمائها"
تحرك تليد ناحية الباب..ولم يبالي حتى أن يسأل الطبيب عن مقدار الضرر الذي حدث..وكأنه يخاف أن يسمع ما قد يقضي على آخر ذرة أمل لديه..
فإنتفض خطاب يخرج من صمته يتوجه إلى تليد مرة أخرى هادراً وكل عرق في جسده ينبض بجنون لم يهدأ بعد كبركان ثائر يرفض التوقف صارخاً بصوت جهوري:
"ماذا تظن نفسك فاعلُ؟ أنت إنتهت كل علاقة لك بها أغرب عن وجهي وفارقنا قبل أن أخذ منك ثأري في التو واللحظة"
إلتوى حلق تليد المتشنج وتثلجت في عيناه نظرة ألم وجرح غائر،، عاد يتوارى خلف قناع الصمت الذي يتبعه..لم يستطع الرد وعيناه تتعلق علي الباب الذي يسكن جسد أثيلة خلفة فتدخل ناجي حائل بينهم قبل أن ينظر لتليد نظرة تحمل الأسى والتعاطف..ثم قال أخيراً بخفوت:
"دعه..يدخل لها يا حاج خطاب..من أجلها هي لا هو"
تصلب فك خطاب وإرتجافة مرعبة مكروهة تجتاح جسده..فتصنع الثبات وهو يقول مكرراً:
"لا..إنتهت علاقته لقد منحتها له أمانة وهو خانها..إجعله يفارقنا"
بهدوء كرر ناجي وعيناه لا تفارق وجه صديقه الذي ينظر الي مقبض الباب الذي يتمسك به بين يديه ويبدو في حالة أبعد ما تكون أنه يسمعهم او في دنياهم:
"تحتاجه هو..لقد إستدعاه الطبيب لأنها تنادى عليه من بين غيبوبتها..إذاً فالامر محسوم لصالحه"
تعلقت يد تليد على الباب وكله يرتجف..وهو يتذكر مظهرها الضعيف وتوسلها الأضعف لا تكرر إلا ان ينقذ طفلتها ..فأغلق عيناه بقوة وهى تدمعان مرة أخرى وكأنه لم يعد لديه القدرة علي التحكم بدمعاته..تلهث أنفاسه وأذنيه تصم عن كل ما حوله لا يفكر إلا في الرعب الذي مازال يتمكن من كل ذرة فيه شعور مرير تعلق بطعم صدئ في حلقه فيلتفت بعينه يري خيال لطبيب يتحدث مع والدها يحاول تهدئته..أغمض عيناه مرة أخرى ويده تتحرك بتردد ليفتح الباب..وأخذ خطوته أخيراً بأن يراها..
إهتزت حدقتي تليد ونبض قلبه بأسى وقسوة وهو يراقب الممرضة تضع إبرة لمحلول طبي في يديها..بادرت لتخبره بشيء ما لكن حالة التوهان العظيم الذي هو فيها لم تمكنه او تمنحه القدرة علي الاستماع..فرفع يده المهتزة كسائر جسده بوهن يمنعها من الحديث..وجسده يتحرك دون إرادة منه ..كقلبه الذي هرع اليها..وفِي لحظة وجد نفسه يقف أمامها..فصدمه وجهها الشاحب الذي تحتله بعض الخدوش..وإحدى ذراعيها مجبرة ومرتاحة علي بطنها..تعلقت أنفاسه وهي تتوقف في صدره مرة أخرى وعيناه ثبتت علي بطنها فنزف قلبه داخل صدره بوجع مرير مؤلم ..عيناه مرت علي بطنها فذكر نفسه أنه لا يهم أي شيء..هي هنا تتنفس ..وتناجيه من داخل غيبوبتها تردد إسمه..حرك حلقه الجاف أخيراً..وهو يهمس بتحشرج:"أثيلة"
تولت الممرضة الرد وأخبرته بصوت خافت:
"لن تسمعك مازالت في طور الإفاقة ..صمتت الممرضة للحظة وهي تعدل من وضع رأسها قبل أن تمنحه إبتسامة هادئة تخبره:
"سيأتى الطبيب بعد قليل..ليخبرك كل شيء بالتفصيل..حمداً لله علي سلامت.."
قاطعها تليد بكفة مرة أخرى وهو يمد يده بتوتر يمسد على شعرها وينادي إسمها بصوت خافت..هزت الممرضة كتفيها بتعجب قبل أن تنسحب متفهمة الحالة التي يمر بها هذا الرجل؟!
فتحت أثيلة عيناها أخيراً ببطء .وحدقتيها تائهة تماماً..قبل أن تبتسم في غيبوبتها تنادي عليه بخفوت:"تليد..أنت هنا"
تلاحقت أنفاسه بانفعال حارق قاتل..قبل أن تهبط دمعة أخرى متجمدة من عيناه فسارع يلتقط يدها التي إرتفعت باهتزاز تحاول التشبث به..فيتشبث بها يقبلها..قبل أن يفقد نفسه وسيطرته وجموده..فلم يتمالك نفسه وهو يستلقي بجانبها يرفعها بحرص وبطء موجع ويدخلها بين ذراعيه وعلي صدره..أطلقت تأوه مضنٍ صامتا متألم أفزعه أكثر وأكثر..ثوان مرت وهو يشعر بها هنا بين ذراعيه إنها آمنة فهمس بتوجع متحشرج:
"أنتِ بخير يا كل روحى..أنتِ مازلتِ هنا لا يهم أي شيء أخر .أنا آسف آسف"
كررها بصوت أخذ يخفو بوجع مماثل لكليهما..قبل أن تدرك هي العالم حولها..فتذكرت مصيبتها وسبب ما هي فيه..فتطلق صرخة جريحة وهي تسأله داخل صدره الذي تدفن وجهها به:
"إبنتى تهم..إبنتى تهم..أخبرنى أنك حافظت علي وعدك للنهاية مرة أخيرة"
مدت يدها المرتعشة تسابق يده تضعها علي بطنها بقوة تخبره بتوسل لا يضاهي الوهن المترجى مع بحة صوتها الناعمة بنحيبها:
إبنتى ما زالت تسكن أحشائى أخبرنى أرجوك..أرجوووووك ارجوووك"
ضمها أكثر ويده تتشابك فوق بطنها يفقد سيطرته وشفتيه تلاحق وجها المصاب بقبل شرسة يائسة وكأنه لا يملك قدرة علي الاجابة ..
فتعود أثيلة بوهنها تترجاه بوجعها:
"أجبنى إبنتى هنا تليد مازلت أشعر بها"
فعجزت حروفه عن منحها إجابة فتنضم يده لكفها المفرودة علي بطنها فتتشابك أصابعهم باتحاد يتحدى من يحاول أن يفصلهما يوماً..وطواعية بحركة لا ارادية كانت أناملهم تعصر بشرة بطنها بقوة..وبحرية عيناها تتحد مع زيتونية عيناه التي يغيمها الحزن في نظرة أمل
ضاقت عينيه وهو يضم رأسها الى صدره بقوة يهمس لها بشرأسه:
"من يجرؤ على آخذك منى بعد كل ما عانيناه ..إبنتي تهم ولكن أنتِ كل الأهم لدي..تتواجد بداخلك او سلبنا القدر إياها..ستبقين شمس سمائي..ولن نحتاج لحجة لربطنا سوياً..هل تفهمين؟؟"
أخرجت تأوه آخر حزين..تخبره بنشيج ناعم:
"لا تقل هذا..كل أحلامي ووعودكم كانت سراب..وطفلتي هي الحقيقة الوحيدة الثابتة في حياتى..فلا تخبرنى بفقدها"
أغمض عيناه بقوة وأنامله مازالت تتشابك مع أصابعها..لم يتخلى عنها وهي ترفق حديثها بضم يديها أكثر وأكثر نحو بطنها ...
طرق الباب جعله يتماسك قليلاً فأعاد رأسها على الوسادة وتحرر من إستلقائة بجانبها فتمسكت بيديه تخبره بضعف مترافق مع دموعها:"لا تتركني"
عاد تليد ليجلس بجانبها بحرص وقبل أعلى رأسها ورفع يدها نحو فمة يقبلها بقوة يخبرها:"أنا بجانبك دائماً..وأبداً"
تعلقت عيناه علي الطبيب الذي تقدم يقف على طرف الفراش..فسيطر على نفسه بإرادة حديدية فقط من أجلها وهو يستسلم للقدر المحتوم..وشعور بداخله ليته يصم اذنيها ويهرب بها مرة أخرى من الجميع..حتى لا تسمع ما قد يجعله يخسرها الى الأبد ،،،
نطق الطبيب أخيراً بنوع من الهدوء المترفق وقد أدرك الحالة الخاصة جداً الذي يمر بها الاثنان عبر حديثة مع أقاربهم في الخارج:"الوقعة لم تكن سهلة..كما ترى..كسر في الذراع وبعض الردود ولكن ..الخبر الجيد ان الأم كانت أكثر من واعية في حمايتها جنينها..لتخفف من وطئة السقطة على ذراعها المكسورة"
لهث تليد من فرط الانفعال وعقله يتعلق بفم الطبيب الذي إسترسل في الشرح:
"لن أستطيع إخبارك أن الجنين بخير..بل الخطر يحيط به إلى أن يتم ولادته وربما تكون ولادة مبكرة قليلاً..المشيمة تحركت من مكانها..وحدوث نزيف لا يمنحني الكثير من التفاؤل ولكن الأمل موجود"
همس تليد بصوت مختنق وهو يميل يضمها كلها دون تحفظ:"تعني أنها لم تجهضه..مازال روح تنبض بداخلها"
حرك الطبيب عويناته وهو يقول متحيراً قليلاً:
"عفواً..كان يجب أن أخبرك الوضع كاملاً ولكن..نعم بالطبع هذا ما أحاول قوله..نستطيع القول حالياً أن حالة الجنين مستقرة ولكن .."
هدر الطبيب بعدها فلم ينتبه وهو يميل إليها بجسده ينظر لعيناها الذي غشيتها الدموع..فمال جانب فمه بما يشبه إبتسامة موجعة يخبرها بصوت مبحوح:
"إبنتك مازالت هنا صغيرتى..رب العالمين كان أرحم بكِ وبها منا جميعاً"
هزت رأسها قليلاً وهي تهمس بإختناق غير واعي:
"تليد أنا متعبة جداً..كلي يؤلمني"
إنخفض وجهه ليضعه على جبهتها وكرر قولها بهمس:
"إبنتك هنا غبيتي..تحتاجك قوية"
هزت أثيلة رأسها وهي تنفجر في البكاء مرة واحدة وهي تهمس بشفاه مرتعشة:
"كنت أعلم أنها أصدقكم..لقد وعدتها ووعدتني بأن لا نفترق أبداً"
إبتسمت ملامح تليد أخيراً يخبرها يائساً مستسلم:
"نعم أنتِ وهي أصدقُنا..وأقوانا..ستصمدان ولا تتركاني"
إرتعشت شفتيها وهي تهمس بشهقة فلتت منها:"لا تتركنا أنت"
لم يسمع سوى صوت غلق الباب ويبدو أن الطبيب غادرهم..فإستسلم مرة أخرى عاد يستلقى بجانبها وضمها بحرص شديد للغاية داخل نبض قلبه وهو يقول بصوت أجش خافت:"أنا هنا ..بجانبك..نامي الان وارتاحي من أجلها وأجلك"
تمتمت أثيلة بكلمات غير مفهومة لم يستطع أن يتبين من خلالها إلا ذكرها ليمامة بيضاء..ثم أغمضت عيناها وراحت في ثبات عميق ونشيجها يخفو تدريجياً"
بينما بقي تليد مكانه مدة طويلة..يكتفي بأنها بين ذراعيه هنا..وطوفان هادر يموج في صدره فعاد له وعيه قليلاً..ونشط عقله الذي توقف في الساعات القليلة الماضية..
فضمها اليه بتشدد رغم حرصه..فوضع قبلة أخيرة على جبهتها قبل أن يحررها منه لامس جانب وجهها الذي يحتله الشحوب فيبدد حمرته الطبيعية التي سلبته لبه يوماً..مرر يده يرسم ملامحها بهدوء وكأنه يريد تأكيد طبعها في عقله قبل أن يهمس أخيراً لها في غيبوبتها:
"جميلة أنتِ صغيرتى..حبى لكِ أعماني..عن أنانيتي فيكِ فحملتكِ فوق طاقتك..وأنا أكثر من يعلم بخفايا صدرك..لن أطلب منكِ غفران..إلا بعد أن أخذ ثأرك من كل من حاول أذيتك"
مال مرة أخرى يطبع قبلة على وجنتها..لكم عشق أن يغرق وجنتيها بقبلاته..وهو يفقد سيطرته التامة معها حتى كانت تئن معترضة"
همس مرة أخرى بإختناق:"أستودعك روحي يا كل روحي..حافظي عليها من أجلي..الحب أعمى صغيرتي فغشى عيني أن أرى الحماقة التي إرتكبتها معكِ مؤخراً"
إستطاع أخيراً أن ينتزع نفسه إنتزاعاً عنها..غادرها وهو يعلم جيداً..ما ينتظره عند إفاقتها ويجزم برد فعل والدها وأخيها لن يعجز يوماً عن الدفاع في حقه فيها ولكن كل عزمه أن يتخلص من كل رؤوس الأفاعي قبل أن يعود ويضمها اليه هي وطفله رغم أنف الجميع..
فور أن خرج من الغرفة..وقع بصره على ناجي الذي يبدو انه يعانى ليسيطر علي إنفعال خطاب وغضبه..لم يحتاج الكثير ليعلم أن الطبيب أخبره بالحقيقة..عندما قال خطاب بحسم:
"أنا سآخذها من هنا وأعود للبلد..الى أن تضع طفلها بسلام وبعدها..لي حديث رجال مطول معك"
لم يرد عليه الا بكلمة صارمة حازمة قاطعة:"لن يحدث"
زفر ناجي بنوع من الضيق قبل أن يقول محاولا أن يفض الاشتباك الكلامي بينهم:
"هل يمكننا أن نؤجل الان أي قرارات فالطبيب حتى اللحظة لم يخبرنا..هل ستظل تحت مراقبة طبية كل شهور حملها ام سيسمح لها بالخروج بعد مدة بسيطة"
إستدار خطاب ينظر لتليد بملامح جامدة..قبل أن يقول بهدوء خطير:
"لا أريد رؤيتك..لقد علمت أن تلك المرأة التي كويت بها قلب إبنتي لشهر كامل..هي من حاولت قتلها..لذا أنا أيضاً قرارى لا رجعة فيه..أثيلة ستظل تحت حمايتي وبعيدة عنك..حتى وإن حاربت ألف باب..قديماً أنا من منحتها لك..وكما تشدقّت أنت انها أمانه تعيدها يوم رميت بها تحت قدمي..أنا الأن أطالبك يا عماري برد أمانتي وتركها لحال سبيلها"
...
كانت عبير تقف متوترة..تقضم شفتيها تحاول التحامل ،.تستوعب الجنون الذي يحدث من والد أثيلة ،.متفهمة الحالة التي يمر بها الرجل..كانت تعي جيداً أن وجود ناجي في ذلك الوقت رحمة..لتليد وخطاب على حدٍ سواء..أغمضت عيناها مرغمة والألم أصبح لا يُطاق..أنفاسها تخرج بتسارع مؤلم لم تعد تدرك..هل هو الألم الذي ينتشر في صدرها على أثيلة..أم ذلك الوجع الذي أصبح لا يُطاق وهو يضرب..في ظهرها وأسفل بطنها..وضعت يديها الاثنان تمسك إنتفاخ بطنها بشدة وإنفصلت عن كل ما يحدث..دموعها أصبحت تشوش الرؤيا حولها..ففقدت السيطرة وهي تنحني فجأة تلامس أرضية المشفي بوجهها وتطلق صرخة مدوية يرافقها مادة لزجة تشعر أنها تدفق من بين ساقيها..
إلتفت ناجي إليها وصدم بوضعها قبل أن يهرول اليها وإنحنى يلتقطها بين ذراعيه..فتخبره عبير صارخة:"أنا ألد ناجي"
أخذ ناجي نفس مبعثراً قبل أن يسألها:"هل أنت متأكدة؟؟ يتبقي على موعدك أسبوعين"
صرخت عبير إلى أن لفتت نظر الممرضات اليها وهي تقول بألم:
"تباً ناجي..لن تكرر تجربة ولادتي بليا وتجعلني أضع الطفل هنا في المرر"
سريعاً كان يندفع الطبيب ترافقه إحدى الممرضات التي إستدعته ومعهم سرير متحرك..فوضعها عليه..
تمسكت عبير بيده بقوة تخبره بصوت لاهث صارخ:
"لا تتركني إياك..كما تفعلها في المرتين السابقتين وأنا ألد إحداهن في طرقة المنزل..والأخرى في سيارتك"
لم يعلم ناجي هل يضحك الان..علي الموقف الغريب..ام يتوارى وراء خوفه..ورعبه..رد أخيراً بثقل رغم قلقه:
"أنا هنا..من قال أني سأتركك..يا إبنة الاستاذ"
كانت العربة تتحرك بها بخطوات سريعة وناجي يمسك بيدها يلاحق سيرهم بنفس الوتيرة قبل أن تخبره عبير بنبرة مشوبة بالبكاء:
"أنا خائفة..تلك المرة مختلفة..أشعر اني"
تحرك قلب ناجي من مكانه قبل أن يضع يده علي شفتيها هاتفا بها بحزم:
"أصمتِ سكرتي..قلقك وجزعك طبيعي..فلا تقتليني أنا وأنتِ تنازعي بالداخل.."
شدد على يديها وهو يأسر بندقيتي عينيها بعينيه قبل أن يطبع قبلة عميقة أعلى رأسها يخبرها مشجع:
"سكرتي الذائبة أقوى من هذا..كلنا يعلم بهذا.."
إبتسمت عبير من وسط ألم مخاضها لتترك يده ببطء وهي تختفي خلف الباب الذي أخذوها اليه قبل أن يسمع صوتها الذي همس بوضوح:
"هل من الممكن أن يكون اليوم أصعب من ذلك"
أسبل ناجي جفنيه وهو يتراجع ليستند الى اقًرب حائط..فيزدرد ريقه الذي جف وهو يقول هامساً:
"أستودعك الله حبيبتى..ولا لن يكون أصعب بل هو يوم الامل للجميع"
..............
سحب تليد نفس عميق وهو يصل لوقفة ناجي ينظر له..دون أن ينطق فقط عينين كجمرتين مشتعلتين بينما حاجبيه منعقدتين..وكأنه تحرر أخيراً من التوهان الذي كان يحتل روحه..أخد ناجي نفس متوتر قليلاً..قبل أن يقول بصوت أجش:
"كل مرة أقنعها بالعدول عن فكرة الانجاب وهي تصر بصلابة رأسها أنها يجب أن تأتى لى بالولد..لماذا لا تقتنع..أنى لم ولن أريد سواها"
إلتوت شفتي تليد بشبه إبتسامة رغماً عنه قبل أن يقول بنبرة مساندة:
"ربما لانها تفهم ما بداخلك أكثر منك يا ناجي..حتى وإن لم تُصرح بها..لقد تعدى عمرك الأربعين..فإلى متى كانت ستصمت؟؟ربما عبير ليست منا ولكن حبها الصادق لك جعلها تتفهم..وجوب وجود ولد من صلبك يحمل إسمك"
هز ناجي رأسه قليلاً رافضاً..قبل أن يقول بلهجة قاطعة معترفة:
"إغراء الولد..لا يجعلني أضحي بها..أنا أعترف أمامك..ربما لأنك الوحيد الذي ستتفهمني..أنا مرتعب..أقف الان جامداً..أبدو للجميع أن الأمر لا يهز فيّ الكثير..ولكني أموت رعباً..أن يطالها ضرر او تتأذى..كل صرخة ألم تطلقها أشعر بها داخل صدري بوجع لا يحتمل"
إهتزت عضلة في فك تليد..وهو يحاول أن يغتصب إبتسامة..فعاد بعينيه للباب أخر الممر .الذي تتواجد ورائه أثيلة واختفي خلفه خطاب..والذي بدا في حالة لا تسمح له حتى بالالتفاف..لما حدث لعبير..إبتلع ريقه وهو يقول أخيراً:
"ستكون بخير..يجب أن تكون بخير رحمة بفؤادك المعذب.."
أخذ ناجي نفس عميق قبل أن يعتدل يرفع يده ويربت على كتف تليد مرة أخرى يخبره بما يجول بخاطره دون مواربة:
"ما حدث لزوجتك ..يؤسفني أن أخبرك أنك وحدك المذنب فيه..لقد حذرتك يا تليد..العناد نهايته دمار..غضبك الأعمى..طالها مرتين مدمرتين.."
ضاقت عيني تليد..وإزدادت سرعة حركة صدره..قبل أن يقول بصوت ميت أجش:"لم أعاند معها من أجل العناد كما تظنون..كان لدي هدف محدد من إظهار علاقتي بها بصورة شبه معدمة..كل جرح كانت تتعرض له كان يسمع في صدرى قبلها..ولكن ما اردته ليرد كرامتي وكرامتها..لم يكن يحدث إلا إن بينت أن فعلتهم نجحت وفرقتنا"
رفع ناجي ذقنه ليقول بصوته المهيب دون أن يفقد ذرة من هدوءه:
"هل ألمح في صوتك نبرة مكابرة..أنت أخطأت وأنا لم أواجهك إلا لمصلحتك ..كنت تستطيع فعل كل هذا و تبعدها عن محيطك أيضاً..أنت إستمتعت باللعبة يا تليد..لا تنكرأعجبتك غيرتها الحارقة..بعد سنين من كتمان كلاكما مشاعره..هل تعلم أخر مرة رأيتها بها .رأيتها كإحدى بناتي..فشعرت للحظات طويلة بالسخط عليك..بل وربما لولا العيبة ومكانتك..كنت تهورت واشتبكت معك في معركة لا تنتهي الا بنصري ربما أخذ ثأرها منك"
إبتسمت عيني تليد إبتسامة لم تصل لشفتيه أبداً وهو يقول:"ربما أنت محق تماماً..وها أنا أدفع ثمن خطأ واحد قمت به ..عبر التهديد بفقدها وفقد طفلي"
صمت ناجي ولم يرد..ولكن لم يخفض وجهه وظلت عيناه السوداوين..في مواجهة عينى تليد المحمرتين..تنازل أخيراً وهو يقول:
"الاعتراف بالخطأ نصف العلاج..ونعم غلطة واحدة منك تدمر أسرة كاملة ..ببساطة لم يمنحنا الله القوامة عليهن عبثاً..بل لنتحمل ونعدل اعوجاجهن ..إن تواجد..بحكمة وصبر كما كنت أنت طوال ثلاث سنوات معها"
ضاق تليد وهو يقول بحزم:
"أثيلة..ليست معوجة..بل كانت تعاني..من أثار قاتلة لعادات خادعة"
إبتسم ناجي دون مرح وهو يخبره بقوة:
"قل لنفسك..وذكرها..بهذا وأنت تتجنى عليها"
........................
بعد عدة ساعات..كان يقف تليد خلف نافذة زجاجية..ينظر للطفل حديث الولادة مبتسم الشفاة موجوع الروح..فرفع يده يتلمس مرغماً نعومتها وكأنه يلمس الطفل الصغير الذي يقبع هناك يهمس بصمت متضرع:"كونى مثلها..وارحمى قلب والدك..تشبثي في الدنيا صغيرتى..وإمنحينى الأمل أن أراكي يوماً وأتلمس دفء بشرتك..إمنحينى فرصة أخيرة لأصلح ما غفلت عنه وسط تأديبي لولادتك"
أغمض عيناه وهو يتراجع عن مراقبة طفل ناجي..وقد كان الأمر أكبر من تحمله..وحمد الله ممتناً من أجل ناجي وحده..أن الله منح عبير حلمها أن تأتى له بالولد..وأخرجهم الاثنان سالمين..
................
رفعت عبير وجهها الشاحب اليه ..وهي تقول بابتسامة واهنة:
"لقد أتيت لك بالولد يا عطار..وأخيراً سترضى عنى أمك"
ضمها ناجي أكثر الى صدره بخشونة زائفة وهو يقول:"هل خاطرتي بقلب وحشك العنيد..من أجل حميدة فقط..ياااال خيبتي فيك"
ضحكت عبير برقة..فشعرت ببعض الألم وهي ترد بوهن:
"قلبك أعرف أنى أملكه كما كنت أعلم جيداً برغبتك الدفينة ورجائك كل مرة أن ما تحويه أحشائى هو الولد..حتى وإن لم تتحدث يوماً بتلك الأمنية..فكيف لا تريد مني أن أحارب العالم أجمع لأحققها لك"
إقترب من وجهها يطبع قبلة مشتاقة الى شفتيها الباهتة وهو يخبرها بنبرة أجشة مداعبة:
"وإن لم يأتى ولد..يا قطعة السكر ماذا كنتِ ستفعلين"
قاومته باعتراض لا يذكر..إلتفتت بعيد عن شفتيه وهي تخبره بخفوت لا يخلو من شقاوتها وعنادها:
"كنت سأكررها مراراً دون يأس..فأنا بارعة في الحمل رغماً عن أنفك"
هبط قليلاً بوجهه يقضم بخفة طرف ذقنها في حركة لم يتوقف يوماً عن فعلها حتى بعد أن مر على زواجهم أربعة عشر سنة وهو يقول:
"انت ماكرة..بقلب انثى عاشقة واثقة..تعلم كيف تستغل حبي لصالح كلينا..ولم يزدني هذا إلا عشقاً اليك سكرتى وإبنة أستاذي"
حركت يديها تضمه إليها بشدة تخبره بسكرها المُهلك الذي يحطم كل حصونه من يوم أن ضمها اليه كانت تهمس برقة:
"أحبك..ناجي..وسأفعل أي شيء من أجل أن يسعدك"
رفع أهدابه لتتسع عيناه بتعبير عاطفي زاخم بمشاعره مزدحم بضجيج ما يُعتمل بقلبه:"وأنا عاشق لسلامة قلبك..ياعبير..رغم فرحتي بآدم الذي لا يضاهيها شيء مهما بلغ قيمته عنان السماء..تبقى أنتِ الأعز والأغلى وتؤام الروح الذي وجدتها ..لتحطم كل حصون فؤادي وعقلى"
دمعت عيناها تأثراً وهي تتشبث به أكثر وأكثر تخبره بنبرة مبحوحة عذبة تفيض بعسل ذائب:
"أسميتة آدم..ليمثل كل آدم الذي إختصرته فيك يا موطن روح عبير"
إبتسمت إبتسامة طفولية لذيذة ذكرته بتلك المراهقة الواثقة المندفعة..التي حاربته هو شخصياً في عقر داره قبل أن يقول:
"كفي عن النظر لى بتلك الطريقة التي سرقت عقلى..أكاد أجن لضمك بين طرفي العباءة أتحد معك تحت شجر الموالح مرة أخرى"
عادت لتضحك بوهن وهي تدفعه عنها بلطف تخبره:
"لا تقلق لهذا..بالتأكيد سأوقعك مرة أخرى هناك لأتي بأخوة لآدم"
حررها من بين ذراعيه وضحكة خشنة جذابة كملامحه تخرج من بين شفتيه يخبرها:"أنتِ إمرأة خطرة على عقلي الباطن والواعي سوياً..سأكتفي عند ذلك الوعد وأذهب لأرى إبني..لم أستطع حمله قبل أن أطمئن عليك"
معاتبة مطالبة قالت:"لقد مرت ساعات ناجي على ولادته..كيف لم تراه..إذهب وأتي لي به أريد ضمه"
إنحنى ناجي يلثم رأسها بحرارة يخبرها:"لم أستطع قبل إفاقتك..سأطلبه لك على الفور لينضم أليكِ..حمدا لله على سلامة كليكما يا تؤام روح ناجي"
..................
عاد تليد لغرفة أثيلة يقف أمامها متردداً..يهفو قلبه للمحة أخرى منها يطمئن عليها..فيتردد العقل الذي حسم أمره..أن يبتعد عنها تلك الفترة يعلم جيداً..عند إفاقتها ستحمله الذنب كله..ويعلم جيداً أنها محقة؟!..فبعد أن توجه الى الطبيب مرة أخرى..يطالبه بأن يشرح حالتها بالتفصيل..علم أنها يجب أن لا تتعرض لأي انفعالات او مواجهات من الغضب..تبتعد عن العصبية تماماً..وأي ما قد يؤرقها..مع أمر مشدد بالراحة التامة في الفراش لمدة ثلاثة أشهر كاملة وربما أكثر..
فرك وجهه بتعب وهو يستدير يحسم أمره ليغادر..ليبدأ إنهاء كل الأمور العالقة..فتشتعل نظراته بوعيد قاتل لتلك التي هربت فور ما حدث..متوعداً ان لا تبات ليلتها الا في السجن..الحقيرة ليتها رجل لكان أخذ حق حبيبته وطفله منها بيديه..ولكن تبقى هناك في عقله مبدأ لا يستطيع الحياد عنه..كيف له أن يمد يده على أنثى ..؟!
رفع عيناه و تجمد وجهه كما جسده الذي تصلب..عندما وقعت عيناه على وجه أصيل..يأتى بخطى متسارعة..ويسند والدته التي تهرول باكية..إستطاع أن يتبين أن المرأة لا تعي حتى ما أمامها وفي حالة من الانفصال عن الوعي ذكرته بحالتها القديمة في غرفته عندما آتوا لينفذو قرار هتك إمرأته عندما صرخت بصوت مرتاع رغم ضعفة:"إبنتى..كيف إستطعت أن تسبب لها الضرر مرة أخرى ألا تكتفي بما فعلته بها..ما جريمتها التي فعلتها معك لتعرضها لكل مخاوفنا"
إبتلع تليد ريقه وهو يتمسك بواجهة مسيطرة على ذاته..عندما رد يتجنب إتهامها:
"هي بخير..لا داعي لجزعك"
إنضمت فاطمة لها وهي تسأله بنبرة أبعد ما تكون عن معاتبة بل متلهفة حانية متفهمة له؟!:"طفلكما"
عيناه تعلقت بعيني فاطمة بنظرة غريبة لم يستطع أحد تفسيرها..بل كليهما فقط..من تصل إليه بمشاعر واضحة متفقة..على ذكرى قديمة..تخبره من خلالها بوضوح أنها أبداً لا تراه مجرماً او شبيه لقاتل طفلتها..إهتزت عضلة واضحة بجانب فكه قبل أن يقول بخفوت:"بخير ..هو وأمه"
قطعت فاطمة سيل النظرات عندما تنازل أصيل أخيراً يخبرهما بنبرة غامضة:"خدى أمي عمتي وأدلفا اليها لتطمئنا بنفسكما"
سحبت فاطمة جسد نعمة المنهار دون كلمة إضافية متوجهة للغرفة التي يقف أمامها تليد..
قبل أن تقترب منه هدير تلقى نفسها بين ذراعيه بعنف تخبره مواسية:
"إختبار أخر تليد..لكما..ستنجيان منه ..سينجو يا حبيبي والله لن يضيع أملك وأملنا فيه.."
ربت تليد على رأسها بحنان معتاد وهو يقول بهدوء وعيناه لا تفرق عيني أصيل الجامدة:
"هذه المرة ليس إختبار..أنا من تهاونت قليلاً في سلامتها..ولكن عتبي عليك يا هدير لما لم تخبريني بحملها الذي كنتِ مؤكداً تعرفينه"
إهتزت عبرات هدير قبل أن تقول مختنقة:
"أنا آسفة كنت حريصة على الطفل خوفي عليه دفعني..أن لا أعرض زوجتك لانفعال..أخبرت نفسى أنها تحتاج للاستقرار في الشهور الاولى..وهي وعدتني أن تخبرك"
بهدوء كان يقول تليد يحاول حجب عنها كم معاناته:
"لا تهتمي..قدر ومكتوب يا حبيبة أخيك ومن يستطيع الهروب من قدره"
لم يتحرك أصيل من مكانه ولم يبدو عليه رد فعل واحد..لن ينكر تليد أنه جعله يغرق في الحيرة..لقد توقع أن يتعرض لمواجهة أخرى معه بل وربما تشابك متهور بالأيدي..إتهامات يُلقيها عليه..ولكنه يكتفي بأن يمنحه نظرة معاتبة صامتة ..
لم يحرك أصيل عيناه عن تليد..ورد فعله هو أيضاً يثير عجبه من نفسه..لقد كان يتوعد له طوال طريق السفر بأنه لن يرتاح إلا أن يقوم بكسره كما كسر
(شق روحه )
ولكن فور أن وقعت عيناه على مظهره المنهك المرهق..وعيناه الذي تعكس الجحيم الذي يعانيه ويحاول مداراته..جعلته غضبه يتراجع تدريجياً وسؤال عاجز عن إجابته لما يقارن دائما ما يمر به تليد مع علاقته القديمة بهدير..لما الأن تجتاح ذكرى قديمة عندما قام بضرب هدير يوماً..فيجد نفسه يضع نفسه مكان تليد..ويحاول الشعور بما كان يحترق به الأخر..أو ربما إكتشافه الذي إعترف به لأخته مراراً..أنه كان يراعيها يزهرها بينما هو يقتل روح هدير ببطئ مميت؟!
قطع الصمت أصيل أخيراً متنازل عندما إقترب يسحب هدير من بين ذراعي تليد وهو يقول بنبرة غامضة رغم حرصها بما يتفوه به:
"يكفي بكاءً يا هدير..الانفعال ليس في صالحك أنتِ الأخرى.."
هزت هدير رأسها بموافقة وهي تنظر له بعينين متوسعتين مترجيتين بتوسلهما أن يتفهم ولا يطلق جنونه على أخيها..
أغلق أصيل جفنيه وهو يومئ لها متفهم قبل أن يسحبها خلفه متوجه الى المكان الذي إختفت عمته وأمه..توقف مكانه دون أن يلتف وينظر خلفه عندما أتاه صوت تليد جامداً لا حياة فيه:
"لم أنتقم منها في شيء..كل ما كنت أطلبه منها مؤخراً..أن تكف عن غبائِها وتطالب بحقها في..كما طالبت بحقي فيها"
صمت لبرهة..يراقب ظهرأصيل الذي تشنج بوضوح فتابع تليد بنبرة إحتلها الدفء:"إنتبه إليها فقط..سأتركها أمانه لديك لفترة بسيطة..أخبرك لأني أريدك أن تُخبر والدك الذي سحب دعمه عني..أنا لن يفرقني عنها إلا الموت"
قاطعته هدير بقلب متلهف حانياً متوجع:
"بعد الشر عنك..كف عن قول هذا الكلام يكفي ما نحن فيه"
حاوط أصيل كتفي هدير برفق يسيطر على إهتزازها قبل أن يلتفت لتليد يخبره بنبرة غريبة هادئة ذات جمود وبلا حياة:
"بيومٍ ما كسرت ذراعي ورسالتك كانت واضحة رغم غضبك كثور هائج..بنات الناس ليست لعبة يا تليد..ورغم كل ما فعلته معها..أنت سقطت مؤخراً وبجدارة ..فالعذر منك إن قررت أن أنضم لجانب والدي في أي قرار يتخذه ضدك أخيرا"
.......................
أفاقت أثيلة من نومها أخيراً على قبلات متلهفة..لعينيها رأسها وجنتيها وحتى يدها السليمة والمكسورة..قبل أن تضمها ذراعين واهنتين بدفء تسلل الى روحها لينشر دفئه الى جزء كان قد تجمد فيها ونست أنه هناك منذ زمن طووويل لم تعي حتى وقتها فدمرتها موجة عميقة بمشاعر سامية متلهفة فتحت جرح متقيح فيها..ولكن للغرابة أنه كان نظيفاً وإندمل سريعاً بتلك الغمرة التي حملت كل حنان وحب العالم ..لم تفتح عيناها ولم تعتدل من إستلقائها وإكتفت أن ترفع ذراعها السليمة تحاوط ذلك الجسد المهتز ببكائه وصوتها يخرج بغصة أشبه بإختناق البكاء:"أمي..إشتقتك"
تلهفت نبرات نعمة أكثر وأكثر وهي تقول بوجع:
"يا نور عين أمك..فداكى أمك وعمر أمك..ولا أعيش ليوم أخر أراكي تتوجعين فيه..إغفرى غباء أمك وقلة عقلها..الذي عجز أن يعبر لكِ عن حبي وإهتمامي يا ابنة بطني"
تكورت أثيلة أكثر بين ذراعيها قبل أن تقول بخفوت متأوهة:"تأخرتي كثيراً..أمي لقد يئست أن تخبرينى يوماً"
أبعدتها نعمة قليلاً دون ان تفلتها قبل ان تُقبل عيناها مرة أخرى ويدها التي تضمها لتخبرها بنبرة أشبه بغرغرة متحسرة ولكن مقرة:"لقد جربتي غلاوة الضنى يا إبنة بطني فأخبريني الان هل تستطيع أم أن تكره ضناها او التفريط به كما إعتقدتي"
تحشرج صوت أثيلة قبل أن تقول ببكاء إنفجر بمرارة على صدر نعمة:"لا أبداً..أبداً. بل هو الروح أميييي نور العين ونبض قلبي..كيف لأم طبيعية التفريط به كيييف الشعور بفقده مرير قاتل مرعب..تركني بروح خاوية.."'
قاطعتها نعمة مرة أخرى وهي تضمها بحنو قبل ان تخبرها:"وهذا ما شعرت به عندما أخذوكي منى خاوية الروح والقلب..ولم يتركني إلا بروح أكثر سواداً وحقداً..وعجزت حتى أن أطالب بكِ ظناً مني أنك بعيد عنا حالك أفضل"
بالكاد إستطاعت أثيلة أن ترفع يد نعمة التي مازالت متشابكة بين يديها لتطبع عليها قبلة طويلة معتذرة لشيء لا تعرف ماهيته قبل ان تخبرها:
"لا يهم أمي..أنتِ هنا جانبي..تعبت أماه من العتاب ولا أريد إلا ان أرسو لبر وأنهي حربى !!"
إنضمت فاطمة بصمت لفراش أثيلة بعين دامعة فرفعت أثيلة عينها مبتسمة مهتزة الحدقتين قبل أن تنظر لعمتها وتخبرها بإرتعاش:
"لقد حافظت على وعدي لك يا فاطمة..إبنتى مازالت تسكني و تجاور قلبي"
عجزت فاطمة أن تجد ما تخبرها إياه وكأن الحروف خانتها ..الرعب الذي عاشوه تلك الساعات كان أكثر من كافي ليصيب الجميع بشلل التفكير..دمعت عينا فاطمة فجأة وهي تقترب معترفة بصوت متعذب..او ربما الذكرى البشعة التي تتماثل فقط في الحادث هي ما تجعلها تكاد تنهار..وتطلق لروحها أخيراً التعبير عن مرارتها..أمسكت فاطمة طرف حجابها تكفكف دموعها وتحاول أن تتصنع الهدوء والثبات..فتمد يدها تربت علي يد أثيلة تخبرها بخفوت:
"نعم..حبيبتي كنت أعلم أنكِ أقوى من فاطمة..ستحافظين على أمانتك..كما وعدتينى..أملى وأملك يا حبيبة عمتك.."
الباب الذي فتح جعل أثيلة تفتح عينها بحركة سريعة مفاجئة..تاهت كلياً وهي تبحث عن شيء مفقود أدركت..أنه لا يحاوطها او ربما..إن كانت دقيقة الوصف شخص توقعت أنه لن يتركها أبداً في هذا الوقت..حدقتيها المتلهفة إحتلتها خيبة الأمل سريعاً ..عندما رأت وجه أصيل وهدير..لم تنتبه لهما..وكل تركيزها بعنينها المتعبة مثلها تتطلع لما خلف الباب الذي يغلق ببطئ رتيب..تعلقت نبضات قلبها كما توسلت عيناها وهي تلمح الجسد الرجولى الضخم هناك بعيداً وراء ذلك الباب اللعين الذي يغلق رويداً روايداً بتمهل سينمائى..همست بشفتيها لعيناه المعذبة التي تعلقت على وجهها همسة لم تصل لأذنيه ولكن وصلت لقلبه مباشرة:
"أحتاجك وحدك..لا تتركنا"
فيرد القلب بقيده الذي يرفض الانفصال أبداً بصمت هامس مماثل:"أنا أقرب إليك حتى من أنفاسك..صبراً حتى أعيد إليك كرامتك..وأكفر عن جنوني في حقك"أغلق الباب أخيراً فشعرت بطعنة نجلاء أكثر ألماً حتى مما تمر به فأغمضت أثيلة عيناها بإستسلام تكتم غصة أخرى تكبحها رافضة أن تجعلها تغادر صدرها..
..............................
بخطوات ثابتة كان تليد يدلف الى الجريدة..كان يبدو غريباً متعب..ولكن جسده القوي صلب جامد يأبى الانحناء او إبداء الانهزام....وجهه لا يفسر معالمه..شديد البأس..عنيد العينين..وكأن ما حدث لم يهز فيه شعرة واحدة ..لم يوقفه أحد من الساهرين كالعادة من صحافيين او عاملين..لسؤاله عن ما حدث بل الجميع كان يتراجع عن طريقه بصمت مطبق..وصل الى مكتبه أخيراً..وبنفس ذات الجمود كان يرفع سماعة الهاتف الداخلية يطلب مكتب الأمن وهو يأمره مباشرة:
"أريد الشرائط التي صورت لمنطقة السلم الداخلي في وقت الظهيرة..حالاً"
أغلق الخط ليجري أتصال أخر بمحمد ليخبره بما يريد مختصراً..شارحاً له ما حدث مؤكداً ان لديه الادلة ..سأله محمد قائلاً بصرامة:
"هل أنت متأكد مما تقول ولما لم تخبرني قبل الان؟؟ربما إستطاعت ان تهرب"
بهدوء جامد لا حياة فيه قال تليد:
"فقط إفتح المحضر كما طلبت منك..إلى ان آتيك لتتمم الإجراءات بالأدلة والإثبات"
سأله محمد بخفوت:"اذاً ما صيغة البلاغ..الذي تريده"
رد تليد بقسوة:
"أريد الابلاغ عن المصورة الصحفية دينا فؤاد ناصر..بالشروع في قتل أثيلة خطاب المكي زوجتي وجنينها..والذي كانت تعلم دينا جيداً بوجوده"
قال محمد بنبرة خشنة بعض الشيء:"ألا يكفي الشروع في قتل زوجتك؟؟"
رد تليد بحزم جازم قاطع:"لا..لا يكفي أبداً..بل تلك هي البداية فقط"

عادات خادعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن