الثلاثون

20.8K 392 11
                                    

الفصل الثلاثون ..

"الصبر من عندك يارب..ما الذي ورطني مع هؤلاء الحمقى؟"
قالها ناجى هامساَ لنفسه..صابراً على هذا الدور الذي أخذه عندما إستنجدت به حياة لدفع محمد عن طريقها..سمع صوت محمد يقول ببرود أثار عجب ناجى شخصياً:
"أنا لا أعرف ما مشكلتِك تحديداً حياة..لقد طلبت الزواج منك وأعتقد أنه طلب طبيعى لكل إنسان..وواجبك أمام البشرية والمجتمع أن توافقي..فأنا ضابط شرطة يوكل اليه مهام حماية البلاد..كيف أفعل هذا وأنا مشتت بالتفكير في جنابك"
توسعت عينا حياة بذهول من ذلك السمج فصرخت وقد شارفت على حافة الجنون:
"أنت مختل ما الذي تقوله؟؟ أتزوج منك وأضحي بنفسي معك من أجل حماية أياً ما تقوله"
كتم ناجى ضحكته..لن ينكر أن سماع حوار هذين المعتوهين ممتع وبشدة..
رد محمد ببعض السماجة آخذاً طريق السجال الدائم معها:
"بالطبع..أنتِ مجبرة كمواطنة صالحة..تخاف على أمن بلدها الحبيب وتلبية النداء"
صمت للحظة وهو يمد يده يأخذ كوب الشاي يرتشف منه رشفة بصوت عالي مستفز قبل ان يقول ببعض الغرور:
"كما أنها فرصة عظيمة لك أين ستجدين ضابط وسيم ذكى وقوى..يحبك ويطلب ودك"
مال وجه حياة تنظر له ببعض الغيظ المستعجب قبل ان تقول بمهاجمة شامته:
"ضابط وسيم أهاااا..ربما يستحم في الأعياد فقط"
شرق محمد بصدمة وفمه ينفجر بالشاي يخرج برزاز ليغرق ملابس حياة مباشرة
توسعت عينا ناجى بذهول وهو يهتف بحزم محذر:
"حياة..تأدبي هل جننتِ..ما الذي تقولينه؟"
إنتفضت حياة وهي تبتعد عن مرماه وهتفت بنزق:
"هو من أخبرني عماه..لم أبتدع شيء من تلقاء نفسي"
أغمض ناجى عيناه بشدة قبل ان يفتحمها ينظر لمحمد بامتعاض وسأله
جازاً علي أسنانه:"هل أخبرت الفتاة التي نقنعها بالقبول بك..أنك لا تستحم؟!
كان محمد مازال في طور الصدمة..إلا أنه قال بصوت مبهوت قليلاً:
"كانت مجرد كلمة أوصف لها بها معاناتى ،.وانشغالى..لم أتوقع ان تستغلها ضدي بمناسبة وغير مناسبة"
زفر ناجى..و تحرك من مقعده وناول محمد بعض المناديل ليمسح أثر الشاي عن فمه..ثم إلتفت لحياة يخبرها ببعض الغضب:
"إجلسى حياة..يجب ان ينتهي هذا الأمر بينكم..الان وهنا"
تمتمت حياة بكلمات حانقه قبل ان تقترب تجلس على أريكة واسعة في بيت ناجى..الذي إستدعاها اليه هي وذلك الاحمق..ليعقد جلسة بينهم بناءاً علي طلبها حتى يبعد عنها بعد..وقت طويل من مطاردته. اليها..لقد كان ينتظرها يومياً بعد كل
إختبار تؤديه مانحاً نفسه حق الاطمئنان عليها ..حتى مع رفضها الشديد وتحذيره أرسل لها رسائل نصيه سمجة علي قلبها...يخبرها فيها عن نهاره او قبضه على أحد المجرمين..وما زاد الطين بلة..يرسل لها صوره بانتظام في أوضاع مضحكه..بحجه ان تملئ عينيها منه وهو يجذم انها تشتاق اليه..ولكن لقد طفح الكيل منه..بالامس عندما فوجئت به وهي ذاهبة لصيدلية قريبة لتشتري منها شيء نسائي..يوقف سيارة لنقل المجرمين ويصر عليها ان تصعد بها معه لأنه يغار أن يراها ..تمشي في الطريق وحدها ..
قطع ناجى أفكارها وهو يوجه سؤاله اليها:
"محمد يرى ان أسباب رفضك غير مقنعة له بالشكل الكافي يا حياة..حتى يبتعد عن طريقك"
لم تمنح ناجى إجابة على الفور بل ظلت حياة تنظر لمحمد بحنق..سرعان ما تحول لشيء أخر أربكها وهي تراه ينظر لها بهدوء جدى..حازم لم تراه في عينيه من قبل..إبتلعت ريقها وهي تقول بنبرة عصبيه:
"ليس لدى أسباب أخرى..إن كان لم يقتنع فهذا شيء لا يعنيني..انا لن أتزوجه..فهل سيجبرني لأنه مجرد ضابط شرطة متباهي"؟!
رد محمد فوراً وهو يسألها مباشرة:
"وانا لا أقبل بهذا رداً ولا بإتهامك لى دون ان تكلفي حتى خاطرك وتعرفيني أريد إجابة واضحه حياة..هل ترفضيني لأني أنا؟ام ترفضي الزواج بصفة عامة"
إبتلعت حياة ريقها بإرتباك وهي تنظر لناجى بنوع من الاستجداء لينقذها..فرفع ناجى يديه وكأن الأمر خرج من سلطته وأصبح في ملعبها هي..حين قال:
"انه حقه حياة..حتى انا أريد ان أفهم لما ذلك الرفض المستميت منك؟؟"
أخفضت حياة رأسها وهي تمتم بسخط قائلة:
"هذا ليس عدل..أنت في صفي أنا..هل تذكر؟؟"
إبتسم ناجى لوقت طويل ثم وقف من مقعده وأخبر حياة بهدوء:
"محمد هو من طلب جلسة منفردة بك..هنا أمام عيني يريد بعض الحديث المتعقل معك دون مطاردات واذا أقنعتيه بوجهة نظرك..وعدني بأن يبتعد عن طريقك دون رجعه"
ضاقت عينا حياة برفض تلقائي..لهذا الاقتراح قبل ان تقول بصوت حاد نزق:
"لا داعي لأي جلسة عماه قراري واضح انا لن أتزوج هذا الشخص مطلقاً..مستحيل"
عقد ناجى حاجبيه و مد وجهه وهو يقول ببطئ حاسم:
"إجلسى يا حياة وإستمعي كما البشر..تمردكِ هذا تمارسيه على عبير او تليد ،.لكن طالما حكمتيني انا..ستمتثلين لقراري دون ذرة مناقشة"
تراجعت حياة..وهي تشعر بالتمرد يجتاح كل ذرة منها ازاء نبرة ناجى المتسلطة..فقالت بحدة:
"ولكن هذا أمر شخصي لن يستطيع مخلوق إجباري"
هز ناجى رأسه نافياً وهو يقول بحزم:
"لا أمر كهذا..ليس لك حرية القرار فيه وحدك.."
راقبت ناجى وهو يغادرهم بهدوء..دون ان تفهم حقيقة ما يحاول فعله..أجفلت عندما سمعت هتاف محمد الحاد الساخر وهو يقول:
"قطتى خضراء العينين يبدو أنها وقعت في المصيدة"
إلتفت له بشررمتطاير تخبره:
"أنا لست قطتك أنت تستغل الوضع كله..أصحابك يساندوك ضدي..كونك مسؤل ما تستطيع أن تهددني.."
ضاقت عينا محمد وهو يقول بسخرية:
"هل اعتبرتي خوف هؤلاء الناس عليك ومحاولة توجيهك لفرصة لحياة جديدة طبيعية هي مجرد إستغلال منى"
نظرت له حياة بطريقة غريبة وهي تتبين نبرة إتهامه المستتر بأنها ناكرة للجميل..عبر محاولة إدعائها ان عبير وناجى او حتى تليد يناصروه عليها..تلبسها الحرج قليلاً وهي تقول:"ما الذي تريد ان تصل اليه عبر ما تفعله؟!!"
أخذ محمد نفس عميق قبل أن يقول بنبرة قاطعة:"أنت"
إرتبكت حياة للحظات..قبل ان ترفع ذقنها تخبره دون تنازل:
"وانا آسفة..أخبرتك مراراً هذا مستحيل"
زفر محمد بضيق وقد بدأ يشعر بالملل من الأمر برمته عندما قال من بين أسنانه:
"لما ما العيب الكبير الذي تجديه جنابك في شخصي ويجعلك تنفرين مني الى هذا الحد يا حياة هانم"
إبتسمت..هل إبتسمت حقاً..رددها محمد بدهشة..عندما توسعت تلك الابتسامة على شفتي حياة .قبل أن تخفض رأسها فينساب شعرها الناعم معها يحجب وجهها عنه..ساد صمت متوتر بينهم لوقت طويل..قبل ان ترفع وجهها بذات الابتسامة .ولمعة ألم تحتل خضار عيناها..أرجعت شعرها المتهدل خلف أذنها بأطراف أصابعها قبل أن تقول بهدوء رغم إهتزاز نبراتها:
"لتلك النبرة المتعالية في صوتك تحديداً يا محمد..أنا لا أؤمن أبداً بالحب من أول نظرة كما أخبرتني عنه وسيصدمك أيضاً..انا ليس لدي أمل في حياة عادله سوية تمنحني الهدوء والسلام..هذا غير وارد لمن في حالتي..انا لا أرفضك أنت كما تعتقد..ولكن أرفض أن أجعل روحي تتعلق بحلم واهي..فور أن أستيقظ منه أجد نفسي غرقت في بر الانكسار والوجع مرة أخرى"
بهتت ملامح محمد وهو يتطلع الى ملامحها الجميلة الحزينة..ونبرة الانكسار التي إستشفه من حديثها..قبل ان تتابع حياة مخاطبته بالعقل:
"أنت ضابط شرطة كما تردد..وبالتأكيد والمنطقى من أسرة عريقة..لديك مجتمعك أهلك وأصدقائك..شاب في مقتبل عمرك..لديك كل المقاومات التي تجعل أي فتاة من طبقتك تنهار أمامك تطلب ودك..اذاً ما الذي يجعلك ترتبط بمن مثلى..منتهكة..مطلقة..تسكن دار فتيات منذ أعوام كثيرة مضت..لا تملك الأهل ولا المكانة التي تستطيع أنت ان تفتخر بها وبنسب أطفالك منها في المستقبل..ما تتحدث عنه يا محمد..إعجاب سيبهت مع الوقت..ولن تجد له حُجة لتستمر معي..ستخرج أنت من تلك التجربة بسهولة وتتابع حياتك..بينما ستمنحني انا الألم والوجع المضاعف..وكسر خاطر لن أجد له العلاج يوماً بعد أن رممت جروحى بصعوبة.."
رفعت عيناها تنظر له نظرة سوداء قبل أن تكمل:
"لذا أعتذر منك إن كنت أحمي نفسي من كل هذا المستقبل القاتم المتوقع"
شعر بغضب يجتاح أعماقه..سيطر عليه بمهارة وقال ببرود:
"إن كنتِ إنتهيت حان وقتي انا الأخر لأفسِر نفسي ومشاعري التي تستخفين بها وتطلقين أحكامك"
أخفضت حياة وجهها بندم..وهي تدرك أنها أخبرته..بأكثر مما ينبغى ولكنها كانت تحتاج أن تدفعه بعيداً عنها قبل ان تُسلم لذلك الضعف الذي يدب في أوصالها قربه..تقتل ذلك الأمل الذي يمتد بداخلها من اصراره ومحاوطته إياها فقالت بخفوت تجيبه:
"نعم إنتهيت..وسأسمعك كما تحب ولكن ضع في عقلك أن قراري لن يتغير أبداً"
لم تتغير ملامح محمد كثيراً ولم تفسر إنفعالاته عن شيء وهو يقول بهدوء ودود:"لقد أخبرتك سابقاً..ان وضعك لا يفرق معي في شيء ..كونك مطلقة هذا لن يغير الكثير لدي وكونك منتهكة وتخبريني بهذه البساطة..يجعلني أنا الأخر..أخذ الأمر بعفوية تامة..لعلمك ان هذا الأمر تحديداً يجعلني..أتمسك بك أكثر اذ أن الأمر لم يحدث برضاك..كما علمت من خلال سؤالي الدؤوب عنك..بل قاومتيه ونجيتي بنفسك"
بهتت ملامح حياة كلياً حتى أصبح وجهها ك لوحة من الرخام الأبيض وهي تسمعه يتابع بإبتسامة هادئه متأنية:
"كما أنكِ لستِ بلا أصل تماما..كما تدعين..بل من أسرة معلومة النسب حتى لو كانت بسيطة..اذاً أيضاً هذا الأمر يبدد لدى أي قلق نحوك من أن ينتهز أحد فرصة عليّ وعليك..أما عن عائلتي أحب ان أخبرك أن والدتي متوفية ولدي أخت وحيدة هاجرت الى الخارج منذ فترة مع زوجها..يتبقى أبي..والذي أخبرته عنك بالتفصيل الممل..وأقنعته أنك الفتاة المناسبة تماماً لي"
قاطعته حياة بعصبية:"هذا كلام فارغ..لن أقتنع به..أنت"
فعاجلها مقاطعها محمد أيضاً ببرود نزق وهو يقول:
"إخرسى قليلاً..الا تعرفين آداب الحديث قبلاً؟'
قالت حياة بامتعاض:
"أخبرتك أنك أحمق..اذ لم تتبين أنى خريجة دار أي أنى لا أعرف أداب أي شيء..لذا أنصحك بالفرار بجلدك"
هز محمد رأسه ضاحكاً وهو يقول ببساطة:
"أنت وقحه..وتكرارك إسم الدار بطفولية لن يغير شيء من إصرارى"
مدت حياة فمها وهي تلويه بجانب واحد..ولم تمنحه شرف الرد قبل أن يكمل هو بجدية:"الأمر كله يا آنسة وقحة..انا أرى الأمر بزاوية مختلفة تماماً..عن زاويتك..أنا سأقدم على الزواج منك..لأني أريدك بكل ذرة بداخلي..وأنت تعتقدين هذا أمل وفرصة..بينما انا أراه أنانية منى نحوك .."
عادت حياة تزم شفتيها قبل ان تقول ببرود:"جيد أنك تعرف هذا"
تابع محمد بذات الجدية متجنب تعليقها:"هل تعلمين أنى يومياً..أخرج من منزلي مودعاً أبي كأني سأذهب لألقى حتفي؟!"
رغماً عنها كانت ملامحها تهدأ وهي تنظرله بتعاطف..قبل أن تقول بخفوت:
"أعلم ان من مثلكم لا يضمن عمره لصباح يوم أخر"
إبتسم محمد وقال بعفوية:
"ها قد وصلتي بنفسك لما أريد ان ألفت انتباهك له..إن تزوجتينى لا تعتقدي أبداً أنه إمتنان مني ولا أمل أمنحه لك..بل هو تضحية حقيقية متبادلة منك..اذ أنك سوف تستيقظى كل صباح..تسألين نفسك..هل ستترملين اليوم..ام أن هناك أمل جديد أن يبقى زوجك بجانبك.."
همست حياة:"الأعمار بيد الله وحده..ما الذي تقوله؟!"
ضحكت ملامحه وهو يقول:"أعلم هذا..ولا أعترض بل مُرحب به في كل لحظة..ولكن كل ما هناك انا أريد ان أخبرك..الحياة ليست وردية تماماً كما تعتقدي أنت..ولا تسير على أهواء البشر..كما انها ليست سوداوية كما تجزمي أنت أيضاً..بل هي صراع أبدي بين الممكن والمستحيل..بين اليأس والأمل..يا حياة..لذا وبكل بساطة التعقيد داخل عقلك..أنا أحبك..ولا أعرف لما او لماذا انت..أريدك زوجة أمام كل البشر الذين تهابيهم او تعتقدين أنى قد أخجل منك يوماً أمامهم..وأنت ستقدمين مستقبلك بمخاطرة معي..نعيشها يومياً..وسؤال يقض مضجعك هل سأعود اليك..ام سيصلك خبر موتى"
عضت حياة شفتيها بقوة وهي تشعر بثقل يجسم على صدرها وإختناق من ترديده موته بكل تلك البساطة والهدوء..قبل ان يقف محمد من جلسته يخبرها بلطف:
"لقد أوضحت وجهة نظري الكاملة..كما استمعت لكل مخاوفك..وكل ما أستطيع ان أخبرك إياه..انا أتفهم ولكن لن تقتعيني أبداً برفضك لي..بل تجعلني أصر عليك أكثر..ولكن سأتركك تلتقطين أنفاسك..تحكمي عقلك وتأخذى قرارك..وكما وعدت ناجي العطار..لن أطاردك مرة أخرى أبداً..بل سأختفي عن طريقك كلياً..يا حياة الجميلة !!"
..............................
كانت أثيلة تجلس فوق فراشها الإجبارى..تفتح احدى أغلفة الحلاوة الطحينة برتابة..تقطم منها ببطئ..وعقلها شارد كلياً في الحبيب البعيد..لم يزرها ولا مرة واحدة..وحتى الرسالة النصية اليتيمة التي كان يداعبها بها قبل الحادث..توقفت تماماً..كأنه يريد ان يخفي أي أثر له معها..ولكن كيف وإبنته تكبر يوماً وراء يوماً في أحشائها..مسدت على بطنها بهدوء وهي تعود تقضم الحلاوة المحشوة باللوز..عقدت حاجبيها وكأنها أدركت شيئاً ما في تلك اللحظة..لتعود تتفحص الكم المهول للحلاوة على المنضدة الصغيرة بجانبها..وهي تتذكر عبر الأسبوعين الماضيين منذ خروجها من المشفي..وتين تأتى اليها يومياً تسلمها حقيبة مليئة بالطحينية المتنوعة بحشوات مختلفة..وعندما تسألها من مرسلها..تهز كتفيها بطفولية مضحكه وهي تخبرها بتحذير يجلب لها الدهشة والضحك حتى تفقد أنفاسها سوياً اذ تقول بحروف معسرة كأن أحد ما لقنها تلك الجملة:
"لا تسألوا عن أشياء ان تبدى لكم..تسوءكم يا بحرية"
إستعادت ضحكتها بقوة عند تذكرها إبنة أخيها..التي يبدو والدها نجح أخيراً في تلجيم لسانها بعض الشئ..عقدت أثيلة حاجبيها فجأة بغرابة وهي تدرك أخيراً لقبها التي تردده وتين بغير وعي..من أين علمت لقب البحرية؟!
عادت تنظر لقطع الحلوى المبعثرة أمامها بقنوط لتترك ما بيدها وقد فقدت شهيتها تماماً..نفضت الغطاء بعنف وعدم إكتراث لما تناثر على أرضية الغرفة..قبل أن تدخل عليها هدير تنظر لها بتعجب وهي تقترب منها تسألها:
"ما بك مزاجك متعكر منذ الصباح"
باقتضاب قالت أثيلة وهي تسحب إحدى الوسائد وتضعها تحت بطنها و تمددت على الفراش:"لا شئ أريد ان أنام فقط"
إقتربت هدير منها تجلس بجانبها قبل ان تقول بتعاطف مباشرة:
"أعلم ما يؤرقك..وأشعر بكل ما أنتِ فيه..وقد عشته من قبل مع أخوك لن أدافع عنه..يستحق كل سخطك عليه ولكن حقاً..يجب أن تتلمسي له العذر..إنه يحارب في جبهات متعددة..كما أن موت عمي تهامي في ليلة عرس إبنته أكمل على البقية المتبقية منا"
أشاحت أثيلة وجهها بضيق غير متعاطف تماماً مع موت هذا الرجل..لقد عانت من إنفجار عمتها الصلبة في بكاء حاد..ليس على موت الرجل في حد ذاته..ولكن من عدالة السماء..ولكن رغماً عن هذا أخبرتها فاطمة..انها تتعاطف مع نجلاء ولم تكن تتمنى أبداً ان يكون عقاب تهامي وكسرته عبر تلك الفتاة المغلوبة على أمرها !!!
قالت أثيلة بجفاء تسألها:"ونجلاء كيف حالها..هل تتواصل معكِ"
ردت هدير بإرهاق:"بخير لقد إنتقلت هنا مع زوجها..في شقة قريبة من سكن تليد..لقد زُرتها مرة واحدة..مازالت تعاني من تبعات كل ما حدث بالطبع..وأيمن المسكين هو من يتحمل كل ما يصدر عنها"
تكلمت أثيلة قائله بهدوء:
"أعانه الله..طريقه صعب معها..أشعر بالشفقه عليه وأتمنى ان تتخلص نجلاء من أي غباء يسيطر على عقلها وتدرك كرم هذا الشاب معها"
نظرت لها هدير بدهشة قبل أن تنفجر ضحكاً غريب وهي تمسك بطنها الذي برز بوضوح..فألقتها أثيلة بأحد الوسائد وهي تهتف بغضب:
"إخرجى هدير..لا أطيق رؤية وجهك..هل ألقيت نكتة عليك؟"
قالت هدير من بين ضحكتها:"آسفة ولكن..أستعجب من تلك الحكمة التي نزلت عليك .فجأة"
إعتدلت أثيلة على ظهرها وهي تحدق في سقف الغرفة بقنوط قبل ان تقول بجدية:
"التجارب التي تمر علينا يا هدير مهما كانت صعبة..بالتأكيد نتعلم منها شئ ..يوماً ما أخوك أخبرني..أن أسمح لنفسي أن أخطئ..أجازف لأتعلم من أخطائي..وأصل للكثير عبر تجاربى"
أشرفت هدير عليها من علو وهي تستند بكلا كفيها على السرير وهي تسألها بهدوء:"هل إشتقتي اليه؟"
فأجابتها أثيلة بسؤال:"هل تشتاقي لأصيل..عبر سفراته للبلد التي يستمر فيها طوال الأسبوع ولا يأتى إلا كل جمعة"
إعتدلت هدير وهي تجيبها صراحة:
"أنا أشتاق لأصيل..حتى عندما يحررني من بين ذراعيه ويوليني ظهرهه..دون ان ينتبه في نومه"
بتهور مندفع كانت تقول أثيلة:
"اذاً سؤالك غبي وبشدة هدير لأن إجابتي بالتأكيد ستكون بأني أحترق حاجة لأخيك في كل لحظة تمر وهو يتركني..وانا في أمس الحاجة اليه"
تجنبت هدير تطاولها اذ إعتادت على طول لسانها..لتقول بهدوء متلاعب:
"تليد ينفذ قرار والدك..وبالتأكيد يعلم ان تلك رغبتك من البداية..إحترمها وإبتعد عنك"
إلتفت لها أثيلة بحدة وهي تقول بغضب:"انا لن انفصل عنه ورغم إحترامي الكامل لرغبة والدي..ولكن أيضاً من قال أو قرر أني أريد ان أبتعد عنه..أنتِ غبية وأخوك ثور أحمق غاضب متحجج متبجح"
هزت هدير كتفيها بلا معنى وهي تقف تنوى المغادرة..وهي تقول ببرود:
"انا سأغفر لك الغلط في حقي..أما شتمك لوالد طفلتك..لا يعنيني في شئ حقيقة تصبحي على خير بحرية الغبية"
فغرت أثيلة شفتيها ذهول..من برود هدير المعتاد وهي تتحسر بندم ليتها تستطيع المخاطرة والتحرك وإلا كانت نهشتها لقطع صغيرة بين أسنانها
........................
تأوهت بخفوت وهي تستيقظ من نومها فلاحظت نور الشمس الذي يملأ الغرفة بعد ليلة مؤرقة قضتها ساهرة لوقت متأخر وهي تفكر في ذكرى الحبيب..لم يخلو تفكيرها من سخط وغضب معتاد إنتهي بانفجارها في بكاء عنيف تشعر انه يثقل مقلتيها المنتفخة بالتأكيد..همست بخفوت وهي تحاول ان تفتح عينيها:
"هدير لوح الثلج فعلتيها مرة أخرى بحجة ان الشمس ضرورية لإبنة أخوكِ التي لم تأتى من الأساس يا غبية..كالثور أخيك"
صوت رجولي عميق كان يأتيها قائلاً بخفوت:
"تأدبي وضبي لسانك داخل فمك"
تلاحقت أنفاس أثيلة على الفور وهي تتعرف على صاحبه..فتحت عيناها أخيراً ببطء حذر..متضرع ان لا تكون أحد أحلام اليقظة خاصتها ولكن الجذع الضخم الذي يقف متشنج ويسند إحدى ذراعيه للأعلى على النافذة وذراعه الأخرى تسنده الى جانبه كأنه يقاوم شيئاً ما بقوة أثبت لها ان ما تراه حقيقة..لم تُبادر بالحديث ولا هو بل ظلت عيناها مثبتة عليه والصمت يسود بينهم طويل رتيب قبل ان تتنازل هي وتسأله:
"كيف دخلت الى هنا ولم جئت من الأساس لقد إعتقدت أنك نسيت حتى حروف إسمى ومحيتها من ذاكرتك"
راقبت كفه المفرودة على النافذة تتقبض بعنف..وجسده كله يتصلب فقال بنبرة سوداوية:
"لقد ساعدني أصيل بعد حديث مطول جرى بيننا أخيراً حولك..وبالطبع إنتظرنا خروج والدك ليقضي حاجةً ما فانتهزنا الفرصة لأدخل لك كاللصوص !!؟"
لم يجبها على نصف سؤالها الأخر متعمداً..فقالت هي بجفاء:
"ولما جئت؟؟لقد تركتني بالفعل رغم تذكري من بين دوامتي آنذاك..أنى توسلتك ان لا تفعل؟!"
تجنب الرد أيضاً على إشارتها وإكتفي بالقول:
"فقط لتوضيح بعض الأمور وفكرت من حقي أن تستمعي مني مباشرة بكل ما حدث..وأخذ حقك من الجميع"
شعرت أثيلة بتشنج في حلقها وهي تحيط بطنها بغريزة الحماية كأنها تعيش تلك الذكرى حية لمجرد أن ذكر تلك العقربة..
فأتاها صوته بنبرة حازمة باترة:
"لقد إعترفت علّياء بكل ما حدث وبالتأكيد علمتي بكل مؤتمر قمت بِه وبالمقالات المرفقة بالإثباتات الحقيقية والتي لم أترك صحيفة في البلد..لم أنشرها فيها وبالطبع حازم ودينا زج بهم في السجن..ولكن تبقى تلك الأفعى جريمتها أكبر..لأني قدمت بلاغ بمحاولتها قتلك والطفل"
فغرت أثيلة فمها للحظات..ثم لم تجد سوى كلمة:"شكراً"
جافه تخبره بها..غير قادرة على الاستفاضة بكل المشاعر التي تشعر بها بالفعل وتجيّش في صدرها تجاهه..أخيراً إلتفت اليها..يقترب منها من جلستها المستريحة على ظهر الفراش..بعينين كان يغلبه الشوق لها مرغماً يملأ عينه من كل تفصيلة منها قبل ان يقول بصوت أجش مختنقاً صدمها:"هل تحركت بداخلك؟؟"
إرتعش فم أثيلة وهي تقول بغباء:"م..ما ..ماذا"
عاد تليد يبعد نظراته عن بطنها وعنها كلها يحاول ان يسيطر على نفسه ويركز كل أفكاره بما أتى من أجله فمنحها ظهره مره أخرى وهو يقول بفظاظة مزيفة:
"لا شكر على واجب ،.ما فعلته كان لتصحيح أوضاع فقط..وإنتقام ممن تسببوا لك في الأذى الذي بالتأكيد نال مني أيضاً..ان كان غبائك أنساك أحب اذكرك أنكِ قطعة منى"
ساد الصمت لفترة قصيرة..قبل أن يسمع صوتها المختنق يخبره:
"لم تُشعرني بهذا مؤخراً..تليد وأنا لا اتحدث هنا عن تلك الفترة الصعبة التي تركتنى فيها وحدي..بل منذ أن رميت بي تحت أقدام والدي..هل تذكر؟؟"
أغمض تليد عيناه بقوة..مقاوم نفسه فيها ومنها قبل ان يقول بحذر:
"ما حدث وقتها كان أكثر من إحتمالي وطاقتي البشرية..وأنتِ لم تتركي مجال حتى للتراجع..هل رأيتِ نفسك أثيلة وأنتٍ تقفين تتبجحين في وجهي أنكِ فعلتيها للانتقام مني..أنكِ سلمتي أخيراً نفسك وقلبك لي فقط لتزيدى من إنتقامك..وتتلاعبين بفؤادي وعاطفتي"
تابعت بذات الصوت المختنق كأنها تقاوم نوبة بكاء حادة توشك على الانفجار وهي تقول:
"تعلم جيداً أني كذبت..والا ما كنت رددتني اليك..متغاضي عن ألمك وجرحك مني؟!
إلتفت اليها بملامح حزينة وهو يخبرها:
"جيد..أصبح لديك عقل يُدرك..مقاومتى لنفسي ووجعي منكِ وردك..إخباري لكِ في ليلتنا الأخيرة أنكِ دائي ودوائي..أنا طلبت ان تقفي معى وتسنديني حتى وان كنت مستتراً..لتطعنيني في الصميم وتنتقمين بغباء..أصحو من نومي فأجد ذراعي تخلو من إمرأتي"
لم تتنازل وهي تعاتبه بإصرار:
"وأنت إنتقمت..شهر كامل أراقب زوجي الحبيب والرجل الوحيد الذي لا ارى في العالم غيره يصاحب أخرى..يخرج ويدخل معها بحرية تامة..يكوي قلبى كوياً..وانا أقاوم وأتحمل النظرات الشامتة والساخرة منها..ان كنت هجرتك بإرادتي وتمردي..فأنت تعلم جيداً أني عُدت لمحيطك بقلبي تليد..أتلمس حنانك وطريقك بإستحياء..غير قادرة ان أطلب العودة إليك جهراً؟'
تهرب بنظراته قليلاً منها غير قادر على مواجهة الوجع في عينيها الجميلتين..قبل ان يقول أخيراً بسيطرة على الذات بنبزة قوية سلطوية:
"عندما أتيت أول مرة مع أخيك كنت أتعذب لضمك اليّ وأن أغفر لكِ..أسامحك وأتقبل إعترافك وضعفك الذي كان تنازل لأول مرة ليّ"
قاطعته بهمس:
"وما الذي منعك..كما علمت لاحقاً انا كنت زوجتك آن ذاك"
نفخ تليد بحدة وهو يقول متابعاً:"منعني غبائك لقد أخبرتك سابقاً..أن كل غلطة ترتكبيها في حقي تنقص من رصيد ثقتك لدي..وأنتِ بفعلتك وان كانت غير مقصودة او حتى لم تفعليها من الأساس..خسرتي كل نقاطك لدي وقتها..فكيف كنت تريدين مني إخبارك أثيلة ..بمخططي للإيقاع بهم جميعاً؟"
الارتباك تملكها كلياً..فخفضت وجهها تتمسك بطرف الغطاء بشدة ولم ترد اذ تدرك جيداً وتتذكر تحذيراته التي تكررت:أن مع كل خطأ او كذبة تفتعلها من وراء ظهره حتى لو كانت بغير قصد ستخسر أمامها كل ثقة لديه فيها"
تحرك تليد يسحب إحدى المقاعد بسلاسة وجلس بجانب الفراش..ثم قال بهدوء:
"لم أتي لعتابك او حتى أتسبب لك في التوتر..بل لأصلح جميع الأمور في عقلك وأبسط الحقائق أمامك"
لم تحاول أثيلة ان ترفع وجهها فيه مرة أخرى بل همست بخفوت:"أسمعك"
فقال هو مباشرة:"دينا لم تربطني بها أي علاقة..لم أقترب منها بأي طريقة..وقد أوضحت لك الأمر سابقاً"
شعرت بالنار تشتغل في أحشائها لمجرد ذكره إسمها فرفعت له أخيراً عينان تموج ببحر ثائر وهي تقول باتهام:
"ربما لم تمسها..ولكنك وعدتها بالزواج..أعلنت خطبتك عليها..التي تحدثت عنها هي بكل وقاحة..وهذا أمر لن أغفره لك يوماً"
إبتسم تليد بتعابير مبهمة..ثم قال:
"إهدئي لم أعد دينا بشئ..ولكن كل ما هناك كنت ربطت الأمور ببعضها..وتأكدت أن لديها يد في الايقاع بكِ..فأخذت مبدأ ان أقرب أعدائي مني بشكل مباشر..أمنحها الأمل كما حلمت هي..أنى أتنازل وأجعلها لي..لأمرين إثنين أولهم أتقي شر مؤامرة أخرى قد تُحيكها..وثانيهم لجمع خيوط اللعبة عبر كلمة عابرة قد تلقيها..او خيط أمسكه ضدها ..أما عن تلك الخطبة أنا لم أعلن شئ وحتى لم أقابل أهلاً لها..هي من إدعت وأنا تركتها تفعل ما تشاء كي أجهز ضربتي دون تشويش"
لم تستخدم أثيلة يوماً سيطرتها على دواخلها يوما..كما تفعل الأن فبينما تئن من الغيرة والألم ردت بهدوء ظاهرياً معاتب:
"ألم تستطع فعل كل هذا دون أن تجرحني تليد؟دون ان تشعرني بأني مهملة..أنا كنت أتألم وبشدة لرؤيتكما معاً وأنت كنت حاد بارد..تنحرني نحراً غير مبالي بمشاعري..وهجراني"
أخذ تليد نفس عميق أخر وهو يقول بحرص حذر..حتى لا يسبب لها أي إنفعال عندما قال ببطء:
"أنتِ من وجهتيني بكل صلف لأخرى هل تذكرين؟!"
غصت أثيلة وهي تقول باختناق:"أااااه هذا..أنا كنت..كنت"
تلعثمت كأنها لا تجد إجابة فتابع هو بنفس الحذر معترفاً:
"أنتِ كنتِ حمقاء غبية فقط أثيلة ..عندما يخبرك رجل بإحتراقه لك وبحاجته اليك ..وأنت تخبريه بسفور انه يهينك مع أخرى وبأن يذهب اليها..وتؤكدي انه لا يفرق معك لا تهتمي لا به ولا بقلبه المقيد بكِ..تحديداً ما الذي كنتي تنتظريه مني"
لم تتنازل عند هذه النقطة لم تتنازل..بل لمعت عيناه بإبتسامة ضارية وهي تهتف بتهور معتاد من بين اسنانها:
"تمسكك بي..وعدك ان تتحمل غبائي مهما تطرف وان لا تضحي بي يوماً مهما حدث بيننا من زوابع..عندما يأتي الليل أكون بين ذراعيك ولا نفترق..هل تذكر كل هذه القواعد والأكاذيب التي أطلقتها لتملئ قلبي وعقلي بها..لأكتشف انك مجرد كاذب مثلهم جميعاً..تخليت عني عند أول مشكلة حقيقية"
إحتدت ملامحه وهو يهتف بحدة:
"تأدبي يا غبية..أخبرتك ان الكون لا يمشي على أهوائك.."
هزت كتفيها بخفة وهي تغلق جفنيها قبل ان تقول بصوت مختنق حقيقي بالبكاء:
"انا مؤدبة جداً ولكن أنت الكاذب تليد..أخبرتك يوماً ان الغدر سيأتي لا محالة..وأنك ستجبر يوماً على التضحية بي وتتركني ..لا شئ يدوم على حاله الى الابد..ولكنك منحتني الأمل والثقة الكاملة..ان قلبك وحنانك دائم لي..أخبرتني ان أتخبط لأجد طريقي وحدي..وسأجدك درعي الحامي وجداري الصلب..أمرتني أن أتحرر من القيد..وأملك أمري بنفسي ولكنك نسيت على ما يبدو .أنك تمسك خيط تخنقني به دون ان تدري .."
نظر لها تليد بعبوس ولم يرد ليس لعجزه عن الاجابة ولكنه ببساطة لم يعد يتحمل بكائها بل لا يحب أي ضعف يدُب فيها ويكون هو السبب فيه..ربما كان يضغط عليها بكل ما أوتي من قوة في السابق ولكنه أبداً لم يكن يريد لها يوماً الإذلال او الضعف
تمددت مرة أخرى توليه ظهرها .وهي تكتم شهقة بكاء خرجت منها رغماً عنها..والتخاذل يدب في أوصالها التي تناقضت مع قولها القوى:
"أكره القيود تليد..أرفضها ولن أستسلم لها يوماً..بل سأظل أحاربها ..أنادي بحُريتي طالما لم أخرج بها عن القوانين التي وضعها لي الله سبحانه وتعالى"
الصمت ساد مجدداً لفترة طويلة جداً..قاطعها سماع أثيلة صوت قدميه تتحرك..ناحية باب الغرفة..فلم تستطع ان تسيطر على دموعها التي ازدادت بمرارة وهي تقول بتوعد حقيقي قوي حاسم وقاطع رغم غلالات دموعها التي أغرقت وسادتها:
"اخر لقاء بيننا في مكتبك أخبرتك أنى لن أسامحك ابداً..وسامحتك؟!! طلبت منك في المشفي مراراً ان لا تتركني..وتركتني تليد وأيضاً غفرتُ لك فور رؤيتي لك هنا في غرفتي..ولكن هذه المرة أقسم بكل الإيمانات ان غادرتني..لن أمنحك أبداً أبداً مسامحتي او غفرانى ..وسأطيع قرار خطاب دون تردد"
أتاها صوته مذهول مدهوش وهو يقول:"هل تهدديني أثيلة"
ردت بتأكيد محترق:"نعم"
ساد الهدوء مرة أخرى بينهم ولم تسمع أثيلة إلا صوت فتح الباب وإغلاقه فإنفجرت ببكاء عالي طفولي دون تحفظ و كانت أنفاسها تخرج بصعوبة وكأن قلبها كاد أن يتوقف عندما شعرت بقبلاته المتلهفة تغرق جانب وجهها وذراعيه الحاسمتين الصلبتين تكبلها بقوة ويضم ظهرها الى صدره العريض وهمسه الحار يخبرها:
"يكفي حبيبتي..توقفي بكائك يقتلني أثيلة"
لم تفتح أثيلة عيناها المغلقة وهي تهمس من بين بكائها الحاد:
"أنت لم تغادر..ام هذا أحد أحلامي التي تخلط صحوي ومنامي"
أزاح تليد شعرها الناعم بحلقاته الملتوية بجانب واحد قبل أن يدفن وجهه في بشرة عنقها يخبرها بحنان:
"لم أكن لأغادر غبيتي حتى قبل أن تطلقي ذلك التهديد الأحمق مثلك والذي كلانا يعلم أنك لن تستطيعي فعله يوماً"
هزت أثيلة رأسها نفياً ببطئ وهي تخبره مختنقة مرتعشة:
"لو كنت كسرت بخاطري مرة أخرى كنت سأفعلها..لم أعد أحتمل حقاً أي جفاء منك يا إبن العماري"
إنفجرت في بكاء ناعم مرة أخرى وهي تقول بصوت أجش مرهق:
"اااه..لقد تعبت من كل ما يحدث أريد أن أرسو اليك.."
إشتدت يديه حولها يضمها اليه أكثر وأكثر حتى كادت أن تمتزج معه في كيان واحد كما يريد ويهوى قبل أن يقول بخشونة:
"سلامة قلبك من( الآه) يا روح تليد وعمره فداكي قلبي قبل أن تخرج من بين شفتيك مرة أخرى بسببي"
ردت عليه أثيلة برعونة مغتاظة:
"مجرد مهاترات..تنساها في لحظة عندما تصبح مثل الدب الأحمق الذي يقتل صاحبه"
كشر تليد وجهه بيأس وهو يقول:"ألا يوجد لطول لسانك آخر.."
ردت هي بحرقة حانقة:
"لا أبداً لن يكون يوما .يا سيادة الثور الغاضب..وإن كان يعجبك"
لمس بشرتها بطرف شفتيه بحنان قبل ان يقول بخشونة أجشه:
"يعجبني يا قصيرة القامة..يا طويلة اللسان..وَيَا بحرية فؤادي"
رفعت وجهها اليه دون ان تلتفت من نومتها لتصبح عيناها في عينيه مباشرة قبل ان تنفجر في بكاء حاد مرة أخرى وهي تقول:
"إشتقت اليك..لما أحتاجت كل هذا الوقت لتأتي لي تليد؟؟"
قبل عيناها بشفتيه وهو يقول بحنانه المداعب:
"لم أبتعد عنك إلا الأسبوعين الأخيرين..ولكن كنت أتواصل معكِ عبر وتين غبيتي"
دموعها إنخرطت وهي تقول بكآبة عجيبة:
"أنت كنت تأتي لي كل ليلة في المشفي هذا لم يكن حلم صحيح؟!"
رفع كفه يمسك بطرف الغطاء ومسح أنفها أولاً وهو يقول باغاظه:
"توقفي عن البكاء فما يخرج منك يجعلني أفقد تركيزي"
أزاحته أثيلة بتهور وهي تهتف بغضب محتد عاصف:
"أنت بارد ثور..لا أريدك إبتعد عنى أخرج من هنا.."
إعتدل تليد مرة أخرى يطرحها على الفراش يثبت يديها فوق رأسها وهو يقول بإشتعال مفاجئ:
"إخرسي يا غبية..هل تريدين إقناعي أنكِ لم تكوني موقنة بجنوني معك كل ليلة بلمسي لجسدك دون أي حواجز..لقبلاتي التي كانت تغرق كل إنش منك بشغف ولهفة مختلطة بشوقي..بذوبانك بين ذراعي ومبادلتك بعض من قُبلاتي وأنتِ في غفوتك"
إبتسمت عيناها بطيف جميل ساكن هادئ ولكن رغم هذا قالت كذباً:
"لا لم أشعر بشئ مما تقوله..ذلك العلاج الثقيل كان يجعلني فاقدة الوعي والإدراك..فما دليلك؟"
نقل ذراعها ليده الأخرى يكبلها بيد واحدة ويده الأخرى إنزلقت ببطئ حسي يمررها على مفاتن جسدها وحاجبيه يرتفعوا بتحدي سافر..قبل ان ينخفض وجهه يلتقط من شفتيها قبلة كان سيجن منذ ان دلف اليها ويحصل عليها..أغمضت أثيلة جفنيها تستقبل شغفه ولهفته..قبل ان ينفصل عنها يخبرها بوقاحه:
"هذا دليلي العملي ربما يتذكر عقلك ما كان يحدث في المشفي بيننا"
لهثت أنفاسها وهي تخبره:
"أنت منحرف عديم الحياء..هل كنت تفعل هذا بزوجتك المريضة..كل ليلة وتضن عليها بمكالمة او زيارة منك وهي متيقظة"
إرتفع حاجبي تليد وملامحه تعود للحدة وهو يقول بصوت أجش قاسى:
"لم أستطع ان أواجهك..خفت منك وعليك..أنت لم تمنحيني يوماً فرصة للفهم والتوضيح أثيلة ..دائماهجومية بغباء..لا تعرفين الغفران الحقيقي او النسيان.."
تشنج حلقه بغصه جارحة قبل أن تنزلق يده يمررها على بروز بطنها الواضح..وهو يكمل:
"ما حدث لم يكن أبداً سهل عليّ..رؤيتك مضرجة بدمائك..مهدد بخسارتك وحملك..حطمت بداخلي الكثير كنت أحتاج لوقت ان ألملمه لأعود أواجهك بقوة..أحاربك ان إستدعى الأمر لتعودي لي راضية مستكنية.."
صمت لبرهة وهو يخفض جبهته يضعها على جبهتها يخبرها بنبرة حارة متألمة:
"حب امرأة مثلك لم يكن يوماً سهلاً..وخوض رجل مثلي في بحور عينيك..كان غرق مدوي..فأخبريني يا بحرية المشاعر كيف الحل والمرسى"
مسكت وجهه بين كفيها وهي ترفع كتفيها في حركة مستسلمة تخبره باختناق:
"لم أكن لأعاتبك على ما فعلته تلك الحية تليد..ربما وقت أن أخبرتني أنك أسرعت للزواج منها قبل ان تدفعني..سقط قلبى بين أضلعي وصدقتها للحظة..ولكن بعد ما حدث راجعت الأمر في عقلى بصورة بطيئة رتيبة أحلل كل كلمة نطقت بها..لأجده مجرد هُراء..فانت لن تأخذ طفلي مني..ولا حتى ستربط نفسك بمن مثلها حتى لو كان هذا حلك الوحيد لتكشف حقارتها.."
رق صوته وسألها:
"وما الذي جعلك متأكدة هكذا بأني لم أخبرها حقيقة بأي زواج"
أخذت أثيلة نفس مشتعل قبل ان تقول ببساطة:
"الأمر لا يحتاج لذكاء خارق..ان كانت ستفوز بك أخيراً ما الذي يجعلها تخاطر وتحاول قتلي وطفلي"
توسعت عينا تليد بنوع من الصدمة وهو يطلق ضحكه خشنة بقهقة عالية جعلت أثيلة تدفعه من صدره بغضب حاد وهي تقول:"تباً لك أنت الأخر ما بالك أنت وعود القصب اليابس أختك..تضحكون مني عند اي منطق أتحدث به"
عاد ليكبل يدها بحنان وهو يحاول أن يسيطر على ضحكاته..فيفشل تماماً وهو يقول بمرح:
"عقلك الجديد يبهرني وبصراحة..أجده مزحة ولا استطيع تصديقه"
قالت أثيلة بحدة:"انت غليظ فظ"
فقال هو برفق حنون مبتسم:"ولكني أحبك"
رقت نظرتها تماماً وهي تجيبه:"وانا أحبك"
مال يقبل خديها ويخبرها بنبرة رخيمه:
"اذاً إثبتي وعودي معي الى منزلنا..الليلة"
تكللت ملامحها بالهم وهي تجيبه بخفوت:"لا"
مد وجهه بصبر وهو يسألها ببطء:"لماذا"
أجابته بصوت إنخفضت نبراته حتى كاد أن لا يسمعها وهي تقول بحذر:
"لن أستطيع كسر خاطر أبي وكلمته..لقد توعدك وأخبرني أنه لن يسمح ابداً بعودتى اليك حتى يؤدبك"
عقد تليد حاجبيه بنوع من الضيق قبل أن يقول بصوت منخفض حاد:
"من هذا الذي يؤدبني..الاولى به أن يربيك أنت وأخوك أولاً حبيبتي"
فتحت أثيلة فمها بإستنكار ومال وجهها بعدم تصديق وهي تقول:
"عفواً..هل تهين أبي ألا يعجبك تربيتي؟؟"
إعتدل تليد أخيراً من فوقها ترك الفراش وتحرك يرتدى حذائه وسترته التي خلعها سابقاً .ثم قال أخيراً متنازلاً ببرود:
"أنا لا أهين أبوك ابداً بل مقامه أحمله فوق رأسى بكل إعتزاز..أما عن تربيتك..أنت حبيبتى لم تعرفي أي ريحه لتربية وهنا لا أقصد أخلاقك بل جنونك وطول لسانك المنفلت"
فتحت أثيلة فمها عدة مرات بذهول بعجز تحاول العثور على أي كلمة جارحة او مدافعة تجيبه بها فلم تجد..فعاد هو يميل الى بطنها يخبر إبنتها بهدوء:
"عذراً حبيبة والدك لم ألقي عليك التحية..ولكن أعدك بضمك قريباً في منزل والدك رغماً عن أنف أمك وجدك"
..وبذات الهدوء كان يطبع قبلة أعلى بطنها ويخرج مغادراً أمام نظرات أثيلة المصدومة
....................
تااااااااااااااااااااااااااااااابع الفصل الثلاثون
ولم يكن ليتنازل ويتركها مرة أخرى وقد أخذ قراره القاطع وتفرغ لها أخيراً..
عندما كان ينظر لوجه أصيل الغاضب بتحدي وهو يقول:
"هل أختك تلك غير باقي بنات الناس يا أصيل..لقد فعلت أنت كل شئ جارح مهين مع أختي أيضاً ورغم هذا كنت ألملم ورائك..أسندها في جفائك وأصبرها على وجعها منك حتى وصلت الى طريقك أخيراً اليها..لإيماني بحبك الحقيقي لها..وعدم قدرتها هي على فراقك"
هز أصيل رأسه بحيرة وهو يستند بكلا كفيه على سيارته..أمام العمارة التي تقع بها شقته..فأخذ نفس عميق وهو يقول:
"الوضع مختلف تماماً تليد فوالدي سحب كل دعمه لك..ومازال في موجة غضب لم أراها فيه من قبل..وما تطلبه صعب للغاية"
بهدوء قال تليد:
"أنا لا أريد إلا حقي منكم .فانا لم أكن لأتركه"
رفع أصيل وجهه ينظر له بنوع من الحدة وهو يسأله:
"عن أي حقوق تتحدث..أنا نفسى لولا ضعفها بك وذبولها الواضح من بعادك ما كنت سمحت لك أبداً برؤيتها"
قال تليد بقوة حازمة:
"هي حقى يا أصيل..ولا أريد سواها"
زفر أصيل بنفس مشتعل قبل أن يقول:"لا أعرف حقاً..كيف أتصرف ب أمر كهذا..هل أتعنت معك وأرفض مطلبك..أم أوافقك..لأني أضع نفسي مكانك وأجدني قد أتصرف بنفس حقوق الملكية البغيضة تلك"
إبتسم تليد بهدوء وهو يميل بوجهه يخبر أصيل الغاضب:
"لا هذا ولا تلك..فقط ستساعد صغيرتك..لما تريده ويمنعها خجلها من والدك..وبكل بساطة أنتم ستلقون اللوم عليّ أنا كالعادة"
فرك أصيل وجهه بغضب محتد وهو يقول بصوت مكتوم به نبرة غيرة بلهاء:
"هي لا تعرف مصلحتها..ما الذي يجعلني أعيدها لرجل أبعدها عني لثلاث أعوام وتفوق على مكانتي عندها؟!!"
تجنب تليد أي ﻋتاب عن الماضي ومنع نفسه بصعوبة ان لا يذكره أنها إبتعدت بسبب فعلتهم في حقها..قبل أن يقول أخيراً يدعى الدهشة:
"عن أي رجل تتحدث يا طبيب؟!! إنها زوجتي..زوجتييييي..تحوى بين أحشائها قطعة مني..هل أنت مدرك لما تقوله؟!"
قال أصيل متذمراً شاتماً:
"أعرف أنك زفت زوجها..وأعرف أنها تحمل طفلك وأعرف أن معدومة الحياء تتغنى بعشقك وتبكى بُعدك..فهل كففت عن تذكيري"
همس تليد لداخله بإمتعاض:"والله ما أحد قليل الحياء وأحمق إلا أنت.."
تجنبه مرة أخرى بصبر لا يعرف تحديداً متى حصل عليه..ربما تلك الحادثة بالنهاية تركت أثر بروحه يجعله يسيطر على نوبات غضبه..بسيطرة علي الذات خيراً..فخسارة روحك أمامك بسبب عيب عضال فيك..لها مفعول السحر لتبدد كل نقاط مظلمة بداخلك؟!
فقال تليد أخيراً بتعب ..وكأنه يُبْصق الكلام من فمه:
"هل ستساعدني أم ألجأ لطريقة أخرى..أريد زوجتي الليلة في منزلي..لقد تعبت منك ومن أختك ومن عائلتك.."
رفع أصيل وجهه في وجهه تليد المرهق قبل أن يقول بحذر:"هل سامحتني تليد يوماً عن ما بدر مني في حقك وحق أختك"
ساد الصمت الحذر بينهم وكلاهما يتبادل نظراته مع الأخر وتذكر صداقة يوماً كانت أقرب لأخوة..رغم كل العداء الغير معلن بين عائلتيهم ..قطع الصمت تليد يسألة دون لف او دوران..بما كان يؤرق لياليه الطويلة دون أن يفصح عنه أبداً:
"دعنى أسألك أصيل..وصدقني أياً كانت إجابتك..لن تغضبني ولكن أحتاج لأن أرتاح مما يؤرقني"
تيقظ كل إنتباه أصيل وهو يسأله مهتم:"ما هو؟وأعدك بالصراحة المطلقة"
ظل تليد على ملامحه القاتمة دون أن يرد..ثم قال أخيراً بجفاء:
"عندما إقتربت من هدير في الماضى هل كان محاولة إنتقام لما حدث لعمتك من عمي ولكن فلتت الأمور من يدك ووجدت نفسك تضحي بصغيرتكم وتسلموها لي بذلك الزواج المتبادل"
جحظت عينا أصيل للحظات طويلة مصعوق بذلك التفكير قبل ان يقول بغضب محتد:
"انا لا أصدق ان عقلك بذلك الفكر المنفر الذي ينقص من رجولتي تماماً..كيف خَيل لك اني أقبل على نفسى الانتقام من إمرأة ليس لها أي ذنب فيما فعل عمك ..انا أحببتها وإندفاعي المتهور في حقها وغلطتي ان أقنعتها بالكلام المعسول لمقابلتي ما كانت إلا غلطة دفعت ثمنها غالي جداً..عبر ما حدث لصغيرتي المدللة..وما حدث تباعاً في علاقتنا..بالتأكيد أنت تعرفه ولكن ما أستطيع أن أخبرك إياه..انى حقاً أحببتها نصيبي وقدري كما أنت تمتلك زوجتك وتقول أنها حقك"
أغلق تليد جفنيه وهو يأخذ نفس عميق مرتاح قبل ان يقول بهدوء:
"أنا آسف..ولكن كنت أحتاج لسماعها منك أصيل..أما صداقتنا القديمة غير ممكن ان تعود كما كانت"
ضغط أصيل على أسنانه وهو يقول بغيظ مكتوم:"المزيد من كبريائك كالطاووس المنفوش..من تعتقد نفسك بحق الله..لتتكبر على إعتذاري منك"
وضع تليد يده على كتف أصيل وهي يقول بضحكه مكتومة:"انا والد أطفال أختك..وخال أولادك..أعتقد أنه رابط أقوى من تلك الصداقة"
إرتخت ملامح أصيل وهو يقول:
"لا أقبلها..أريد كل ودنا القديم أن يعود وننسى الماضي بكل أوجاعه"
فأخبره تليد ببعض التلاعب المرح:
"حسناً هذا يجعلني أشترط عليك بما اني طاووس كما قُلت"
جاراه أصيل متنازل وهو يدرك مطلبه دون أن ينطق به فقال:
"أي شئ سينفذ في الحال"
فقال تليد بصوت خافت:"ساعدني لأخطف أختك"
ضاقت ملامح أصيل بغيرته..قبل ان يتحرر منها وهو يقول مدعي الفرحة:
"خذها بغير رجعة وجودها..قلب أبى علينا مرة أخرى وانا ضقت ذرعاً من طول لسانها"
إمتعض تليد وهو يخبره:
"أرجو أن يكون وصلكم ما فعلتوه بي لتشعروا بمقدار كرمي لتحملها"
.........../....../////......
همس متواطئ بجوار أذنها جعلها تستيقظ من غفوتها الإجبارية أثر تلك الأدوية الثقيلة التي تمنحها لها هدير بتعنت ..من أجل طفلها..
شعرت بنفسها محمولة على ذراعين قبل أن تفتح عيناها لتدرك أنها ترتدى عباءة سوداء فوق جلبابها البيتي وحجاب ملفوف فوق رأسها بعشوائية..رفعت رأسها تنظر لوجه تليد الضاحك مثل عيناه المشاغبة..فهتفت فيه بغضب:
"ما الذي تفعله..هل فقدت عقلك؟؟"
خرج من الغرفة بخطوات مسرعة وهدير تفتح الباب أمامه وهو يقول ببساطة هادئة عادية:
"لا انا بكامل قواي يا محلولة اللسان..فقط أريد إبنتي في منزلي وبما انك يتبقى لك شهور (لتفقسيها ) سآخذك معها و أمري الى الله"
أغمضت أثيلة عيناها قبل ان تتمسك بكتفيه وهي تصرخ بصوت عال:
"أبي أين أنت؟؟ المجنون يخطفني من منزلك"
توقفت خطوات تليد وهو يمد شفته السفلية لأسفل قائلاً ببرود:
"أثيلة إنضجي..لم يعد يليق بك تلك الأفعال الطفولية"
شعور مبهج بداخلها كان ينتشر بأنوار ساطعة متعددة..يصرخ فرح وجنون عاصف كما يفعل هو..فإدعت الضيق وهي تقول:
"ما تفعله عيب على فكرة..انا إبنة ناس..كيف تسمح لنفسك بخطفي من منزل والدي"
تجعد ما حول جفنيه وهو يقول بخشونة مرحة مجاريها:
"أعرف أنه عيب وما أحلى العيب معك..لا يلام الرجل ان تهور وإندفع وأطاح بكل قيمه ومبادئه ليضم بعض من روحه الى روحه"
مازالت في دلالها وعيناها تنبض فرحة مجنونة وهي تتعلق بعنقه تخبره بنبرة جعلته ينظر لها بحنان وعطف:
"لا..أبداً من يستطيع لومه ان كانت روحه تتوجع من بعاده وينطفئ وهجها يوماً بعد يوم من إهمالك وجفائك..روحك جفت تليد بعيد عن أرضك وكادت جذورها أن تموت بعيداً عن نهر حنانك"
همس هو بعاطفة وهو يضمها الى صدره اكثر:
"هششش..سأنفجر هنا شوقاً يا بحرية امام عيون عمتك وهدير المراقبة..دعينا فقط نؤجل كل حديثك لمنزلنا"
تقدمت فاطمة منها تقاوم بعض من. بعض من دموعها وهي تقول بنبره حادة نزقه:
"هيا..من هنا لقد أصابني المغص من فيلم العشق والانتقام هذا..أغربا من وجهي ..وإياكم ان ألمح لكم طرف مرة أخرى إلا زائرين"
قالت أثيلة بتعجب:"فاطمة..ما الذي تقوليه ألن تحاولي منعه حتى"
خبطت فاطمة على صدرها وهي تقول:
"يا مصيبتى أتمسك بك..لما حبيبتى هل ترينى مخبولة كأمك..أنت مصيبة أثيلة و الخلاص منك يوم المنى والهناء يا قلب عمتك"
توسعت إبتسامة بلهاء على شفتي تليد ويبدو انه مستمتع بالعرض تماماً وهو يسمع فاطمة تخبره ممتعضه:
"أدويتها وملابسها وتلك اليمامة التي تحضنها كل ليلة..وتشكوك اليها ستجدها في السيارة حلال عليك يا حبيبى وبركة يا جامع أنك خلصتنا منها"'
توسع فم أثيلة حتى أصبح كمغارة قبل ان تقول بعجز يائس:
"عمتى..انا لا اصدق"
لم يمنحها تليد الفرصة وخرج من الباب الذي فتحته فاطمة وأغلقته خلفه..
..
كتمت فاطمة ضحكة مختنقة وهي تراقب رأس نعمة التي أطلت من الباب بحذر تسألهم بعيون حائرة بخوف:"هل ذهبا"
عضت هدير على شفتيها بقوة حتى لا تنفجر في الضحك من منظر نعمة كالكتكوت المبلول قبل ان تهز رأسها بشبه إجابة..فخرجت نعمه تتنحنح وهي تعدل من جلبابها تخبرهم مدعية القوة:
"كل ما حدث أنا لم أراه..لن أتحمل حساب أخر من خطاب..أنتم المسؤلين أمامه..أنا كنت نائمه"
هزت هدير رأسها مرة أخرى بموافقة وهي ترفع يديها تضعها على فمها بقوة حتى لا تكتشف نعمة ضحكتها منها..
أتاها صوت فاطمة مهتز ودموعها تنساب على خديها وهي تقول:
"لا يهم يا نعمة سيغضب ولكنه سيؤمن أن لا أحد يصلح لابنتك غيره..ماذا نريد من الرجل أكثر من ما فعله..ألم تشاهدي تعلق إبنتك المستميت به..من زيارة واحدة عاد لوجهها الشاحب الدماء والصحه والضحكة لم تفارق شفتيها"
إقتربت منها نعمة ترفع يدها وعيناها تدمع على بكاء ابنة عمها فسألتها باختناق:
"فاطمة لما تبكين..ها قد تحقق ما كنتي ترغبيه من أجلها وعادت لزوجها.."
أغمضت فاطمة عيناها ودمعتها تنساب بحرقه ويديها التي تندس خلفها تتقبض على الباب بقوة قبل ان تقول بوجع وهي تتذكر الحبيب الذي ستعيش لأخر يوم في عمرها على ذكراه:
"الزمن يمر والعمر يسرق ولا نشعر به..الفرص لا تأتي إلا مرة واحدة..يا ابنة عمى"
فتحت عيناها الزرقاوين الحزينتين قبل أن تقول بضعف مستسلم:
"أنا أضعف أمام قصص الحب يا نعمة..ولا أتحمل أبداً فراقهم..حتى وإن كان مجرد فيلم يُعرض على شاشة التلفاز بأشخاص غير حقيقية"
كان يضمها الى صدره بحذر بعد أن مددها على مقعد السيارة الخلفي..وجلس بجانبها..وعيناه لا تفارق عينا أصيل الذي ينظر لهم بضيق مكتوم جلب له إبتسامة متوسعة في الحقيقة اليوم كله..عبارة عن عرض هزلي..مضحك ولكنه غير نادم بالمرة على ما فعله وجعل الجميع مشاركاً فيه..إنها تستحق تهور منه وخروج عن وقاره المعتاد وثقله..لم يستعجب كثيراً موافقة أصيل على مشاركته اذا كان يشعر من خلال رد فعله الأخير..أن أصيل يمد أثيلة بكل دعمه وسينفذ أى رغبه لها مادامت في مصلحتها .. وحتى رد فعل عمتها يقدره جيداً..اذ يدرك جيداً أنها كانت تساعده في المشفي للوصول اليها كل ليلة..دون أن تحاول إحراجه..
همست أثيلة تقطع الصمت وهي تخبره:
"ذراعى تؤلمني حركتها كثيراً اليوم..وهدير كانت ترفض تمنحني اي مسكنات"
تولى أصيل الرد وهو يقول بتحذير:
"إياك وتناول اى مسكنات إلتزمى بأدويتك فقط أما عن ذراعك..فأنا حللت الجبس عنها منذ أسبوع فقط..هذا الألم طبيعى لأن العظام تعود لوضعها الطبيعى..حاولى عدم تحريكها كثيراً..وستشفي ب أمر الله قريباً حبيبتي"
عادت تتنهد بتعب وهي تحاول الفكاك بخجل من ذراعي تليد الذي كبلها إجبارياً..فطوق خَصرها بتشدد وقال بخفوت:
"توقفي عن محاولاتك البائسة لن أتركك..إلا في غرفتنا"
تدخل أصيل وعيناه على الطريق وهو يقول بغضب مغتاظ:
"هل توقفت أنت عن مشاعرك المستفيضة تلك وتركت الفتاة تتنفس قليلاً"
ببرود قال تليد:"لا..هي زوجتى وأنا حر تماماً بما أفعله"
تورد وجه أثيلة بحياء وهي تحاول تجنب النظر لوجه أخيها..وأثرت الصمت على ذلك الوضع الثقيل..تتمنى ان ينتهي ذلك الطريق سريعاً وتنتهي من ذلك الحرج"
................
"الى أين تأخذنى..أريد ان أذهب إلى غرفتي"
رد تليد بهدوء وهو يتوجه الى غرفته مباشرة يخبرها:
"لن يحدث إنسي تلك الغرفة تماماً حبيبتي..الوضع تغير ووجودك الطبيعى في فراشي أخيراً"
وضعها برفق وهو يضع خلفها إحدى الوسائد..ثم شرع في تخليصها من عبائتها
أبعدت أثيلة يداه بضيق وهي تقول:
"توقف تليد عن معاملتي هكذا انا لم أشل تماماً كما يخيل لك..أستطيع التحرك وتغيير ملابسي وحدي"
إبتعد تليد عنها وهو يشرع في خلع ملابسه..وهو يسألها بنبرة عادية:
"ما بك..منذ دخولنا للمنزل وتبدل حالك"
أخفضت أثيلة وجهها وهي تقول بحذر:"أبي سيحزن وانا لا أريد أي جفاء معه مرة أخرى تليد..لقد كسرت كلمته"
تخلص من قميصه قبل أن يتوجه الى الخزنة يلتقط شئ منها..ثم يعود اليها يجلس بجانبها يخبرها بصبر:
"لن يجافيك أنا وأصيل سنتحمل مسئولية ما حدث كاملة حبيبتي..وانا لم أتعداه كما تعتقدين بل تواصلت معه قبل ان آتي لكِ بالأمس وأخبرته بتمسكي المستميت بك وجددت وعدي معه بأن أكون حاميك الذي يقف في ظهرك..يمنحك ما تريدين دون أن يخنقك بقيده"
دمعت عينا أثيلة تأثراً وهي تقول بإختناق مفاجئ:
"أنا أسفة عن كل ما بدر مني..أسفه على غبائى وأسفه على كوني أنا ولا أستطيع أن أتغير"
إقترب منها يمسد على ذراعيها بحنان وهو يقول:
"لا أريد منك أن تتغيري أثيلة ..وأنا آسف أيضاً لأخطائي معك..وآسف على تملكي لك لأني لن أستطيع أن أغير هذا أيضاً"
هزت رأسها بنفي وهي تقول بحرقة:
"أريد قربك بشدة ولكنى لن أستطيع أن أنسى كل ما حدث بسهولة مازال عقلي لم يمنحك الغفران كما فعل قلبي"
لم يغضب ولم تتغير ملامحه وهو يقول بخفوت حريص:
"يكفينى قلبك والزمن كفيل بإصلاح كل شئ ما يهم صغيرتي..أننا معاً..وكلانا أدرك بقيدنا الذي أردناه بكامل إرادتنا ان يكبلناً ولا ينفصل يوماً"
خرجت منها شهقت بكاء وهي تقول مردده بطفولية:
"نعم أنت وأنا..علاقة لا تخضع للمنطق او القوانين .سنتخطى أي حاجز يضعه عقلي الغبي او كبريائك الأحمق"
جذب رأسها يضعه على قلبه بحركة سريعة خاطفة وهو يقول بخشونة:
"طالما علمتي بكل هذا..لما البكاء الأن"
قالت بنبرة مستسلمة ساخطة وهي تلف ذراعيها حول وسطه بشدة:
"لقد إشتقت للمنزل..جداً فور ان دخلت شعرت أني كنت مشردة لوقت طويل جداً. وأخيراً عدت لمملكتي"
أمسك برأسها بكلا كفيه يضغطها بشدة على قلبه المتعالي بصخب قبل ان يقول بنبرة صعبة حاره:
"مملكتك هنا أثيلة في قلبي..أرضك وموطنك..ملكة متوجة يا بحرية ولن يستطيع سواك أن يقتحم أسواره يوماً .
إستمرت على دقات قلبه لوقت طويل حتى هدأ بكائها تماماً فأبعدها عنه بلطف..وهو يخبرها بنبرة هادئه:
"هيا اليوم كان طويل عليك..ولا نريد أن نسبب لابنتك الكثير من الارهاق.."
إبتسمت وهي تفرك عيناها تخبره مازحة:
"أريد بعض من ملابسي في الغرفة الأخرى..ام تخلصت منها بدراميه وأنت تبكي على أطلالي"
ضربها بخفه على جبهتها وهو يقول:"لم أصل لهذه الدرجة من البؤس..كما أن التخلص منك حبيبتي..يستدعي للرقص والسعادة..لا البكاء كما تتوقعين"
مسدت جبهتها وهي تخبره بغيظ:
"كفى يا تليد لن أسمح لك بجرحي أنت للتو قمت بخطفي لأنك لا تستطيع البعد عني"
هز تليد كتفيه ببرود وهو يقول بجفاء:"لا أنتِ فهمتي خطأ أنا لم أستطع البعد عن طفلتي..وأنت مجرد هدية فوق البيعة"
زمت أثيلة شفتيها بقوة وهي تترفع عن الرد عنه..فجلبت لقلبه كما عيناه..قبل ان يتناول تلك اللفافة ويخبرها بمهادنة:
"لقد صنعت هدية خصيصه من أجلك بحريتي"
مدت يدها ولم تطمئن تماماً لنظرات عيناه العابثه..ففتح اللفة بحذر وهو يقول متابع موضحاً:
"لم أصنعها بيدي بالطبع..بل كتبت فقط ما أحتاجه وإكتفيت أن أصف لأحد أشهر بيوت الأزياء هنا ما أريده"
أطلقت أثيلة شهقة مرتاعة غير مصدقة تماما لما بين يديها..
ملابس من قطعتين صغيرتين بألوان متعددة مختلفه..كل قطعة تحتوى على جزء صغير يغطى الصدر بصعوبة..والأخرى عبارة عن تنورة صغيرة لن تستر حتى وتين ابنة اخيها إن قررت تمنحها لها..
توسعت إبتسامة بلهاء على شفتيه..قبل أن تعود هي تفتح الملابس وتقرأ كل ما خط على قطعة وأخرى..وهذا هو ما صعقها تحديداً..فقد كانت العبارات المخطوطة عبارة عن جمل محددة تعرف جيداً اذ لم يكن هناك لسان ينطقها غيرها..وزوجها الحبيب يبدو أنه وجد الأمر مادة للتسلية..العبارات التي مررت عيناها عليها كانت:"تحشممممممم"
والقطعة الأخرى كانت تحمل:"لا تلمسسنى"
وما ورائها كانت:"يا معدوووم الحياء"
وما جعلها تهتف في وجهه بِجِذْع كانت عبارة واضحه ذكرتها بأول ليلة بينهم:
"إتقى الله..أليس لديك أخوات بنات"
رفعت عيناها المرتاعه بالتزامن مع إحدى قطع الملابس وهي تقول:
"يا خيبتى..الرجل جن..ما هذا تليد؟؟"
فتح كفيه بإستسلام وهو يخبرها مدعياً البراءة:
"ملابسك الجديدة بلافتات تحذيريه..حتى لا أتهور وأستغلك حبيبتي وأهتك براءتك وحيائك العتيد؟!
........................
انتهى

عادات خادعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن