الفصل الثاني عشر
مناغشات صغيرتها أيقظتها ببطئ من نومها رمشت بعينيها وهي تدير رأسها لتبحث بعينيها عن مصدر الصوت..حاولت تحريك جسدها قليلاً أوقفها تعانقه بساقي أصيل..إبتسم قلبها بإشراق هل ما زال هنا ولم يتركها كعادته منذ زمن ؟! فتحت عينيها ودفء جذعه الصلب يمنحها اجابة سؤالها المعلق..توسعت عيناها بصدمة لدقائق وقلبها خفق بدوي مجنون مع تصارع أنفاسها التي كتمتها بكلتا يديها..هل من المعقول ما تراه الأن أم خيالها الخصب ووجعها الكامن من إستجداء حنانه صور لها هذه الصورة الماثلة أمامها؟! حدقتيها إهتزت بغلالة دموع تحجرت فيهما..تهز رأسها بعدم تصديق..هل كل ما تمنته يوماً يتحقق أم مازالت في نومها..أتاها صوت إبنتها يؤكد لها واقع ما تراه..فصغيرتها تجلس على الارض مربعة الساقين ورأس أصيل ترتاح في حجر إبنتها وإحدى ذراعيه ترتفع فوق رأسه لتطوق إبنتها برفق,و الأخرى تلتف حول خَصرها هي،عيناها إنتقلت بينهم بصدمة وعلامات استفهام تتشكل في عقلها ولا تجد الاجابة..سمعت صوت إبنتها بحديثها غير واضح المعالم بعد موجه لوالدها الساكن تماماً مغلق العينين مبتسم الوجه والرضا الكامل يرتسم على محياه..بين كلمة وأخرى موجهة مِن وتين له..يغمغم بشبه إجابة مُرضية لها..وكل حين وآخر تميل إبنتها الغارقة تماماً معه لتطبع قبلة على جبينه وخده ؟! حيرتها زادت..متي وأين تمت الأُلفة بينهم وكأنهم من سنين تربطهم علاقة وثيقة غير مرئية لها ؟! هل يعقل بين ليلة وضحاها يصبح كل هذا الود والتفهم بينهم,بل كيف لوتين أن تستيقظ من نومها وتتوجه لرجل لا يربطها به إلا لقب أب وراء حروف إسمها فقط,بل لما لم تأتي اليها هي..ومتي تقبلها أصيل الذي يرفض أي علاقة وثيقة بها من سنوات مضت..أزاحت يديها ببطئ تغلق عيناها بقوة..تتخبط في دهشتها..لما يصدر من ذلك الرجل الذي يضمها بتملك ورفق كأنه لم يكن بينهم حرب باردة لأعوام مضت ذلك الحبيب القاسي الذي حرمها من عشقه وحول حياتهم لحياة مقفرة جافه وجعل زواجهم أرض غير مثمرة لإبنتهم ولها وله ؟!
ضياع ما كانت تشعر به..توجه لنفسها حديثها الصامت (ما الذي يحدث معك يا أصيل لتتغير هكذا بين ليلة وضحاها..مناصرة وشهامة معي وحنان فياض لإبنتي )
أتاها صوت وتين تخبره عبر حروفها الغير واضحة ،.
( سوف أأتي لك بعروستي التي أحضرها لي جدي..لتلعب بها )
سمعت ضحكة خافتة من أصيل ويبدو انه فهم كلمتها غير واضحة المعالم فقال لها:( إذهبي..يا وتين قلبي..بابا في إنتظارك )
ما إن شعرت بتحرك إبنتهم من جانبهم..حتي فتحت عينيها ببطئ ونظرت له بغرابة إدعت عدم رؤيتها لما كان يحدث..تأملت عيناه المغلقة بحيرة:
فتح عيناه فجأه ونظر لها بتلك النظرات الغامضة التي تقتلها لعدم فهمها !! إستمر الصمت لدقائق بينهم لا يقطعه سوى أنفاسهم المشحونة..رفع يده بالترافق مع قدميه عنها ببطئ يعتدل من نومه سريعاً ويديه ترتفع تفرك عيناه وهو يخبرها بهدوء:
"صباح الخير,أتمني أن تكوني حصلتِ على قسط جيد من النوم"
إعتدلت هي الأخرى وتحركت قليلاً لتبقي في مواجهته وهي تجيبه بإبتسامة حلوه مشرقة:
"صباحك رضى أصيل ، الفضل لك لا أتذكر أني حصلت على هذا القدر من الامان من وقت طويل أصبحت لا أدركه"
يداه إرتفعت مرة أخرى الى وجهها مررها على عيناها وجنتيها وأنفها حتى شفتيها..وكأنه يريد أن يتأكد من تلك الملامح الجميلة الراضية والمشتعلة..عكس ذلك الجمود والبرود الذي كان يصدر عنها سابقاً..أنفاسه أرتفعت تأثراً وهو يميل بتمهل ليستبدل يديه بفمه فأغمضت عيناها تتفاعل معه..تستقبل منه تلك المشاعر التي إفتقدتها بينهم..تسمرت لدقائق غير مستوعبة عندما شعرت بذلك الفراغ الموجع لإبتعاده عنها وقد عدل فيما يبدو عن نيته ليأتيها صوته بخشونة يخبرها بعملية:
"طالما تشعري أنكِ بحالة أفضل عن الأمس أريد أن أخبرك بعض النصائح ولك حرية التنفيذ"
حاولت أن تدعي الاهتمام وعدم إنتباهها لما جرى منذ لحظات وهي تقول برتابة:
"بالطبع أستمع اليك"
أردف هو بنبرة روتينية:
"أولاً..أنت تحتاجين لطبيب أطفال معك..وطبيب تخدير للطوارئ..طالما ستقومين بعمليات الولادة وغيرها في عياداتك..وبالطبع مساعدة جديدة..لأن الأخرى ستنال عقابها لما فعلت"
إقتربت هدير منه وطبعت قبلة عميقة ناعمة على خده وهي تخبره بحلاوة:
"نصيحة مقبولة جداً دكتور أصيل..فأنا كنت أفكر في الأمر منذ مدة بالفعل"
إبتسمت بعيون لامعة وهي تردف بنبرة بها بعض الدلال لتكون الدهشة من نصيبه هو هذه المرة:
"ولكن هل أستطيع الاعتماد عليك في هذا الأمر..فكما تعلم أنا فاشلة في إختيار من يعمل معي"
لم ينتقل المرح اليه وهو يخبرها بوجع كامن وصلها كاملاً:
"بل أنتِ لا تجيدين إختيار أي بشر تسلميه حياتك وقلبك يا هدير"
سريعاً كانت كفيها تحاوط وجهه وكل عواطفها تتفاعل معه تخبره بصوت متألم له وعليه:
"أنا وحدي من أستطيع الحكم..علي حسن إختياري من عدمه"
حركت يدها تشير بسبابتها موضع قلبها وأردفت بتأني:
"وهذا يخبرني أنه سلم لمن يُقدره..يفهمني جيداً بخفقاته التي مازالت تنبض رغم كل ما بيننا..أنك كنت ومازلت الافضل له"
وبجفاء أبعد يدها عن وجهه وهو يقول:
"لا داعي لهذا الامتنان والمجاملة يا ست البنات..ما فعلته بالأمس كان واجبي نحوك فقط وليس من أجل أي شيء آخر فأنتِ زوجتي ولن أسمح بأن تطولك إساءة من أحد، أو تكوني في وضع إتهام يوماً"
رغم جفاءه ومحاولته لإظهار ذلك الجانب المنفر المكروه منه..لم تيأس وهي تقول بهدوء:
"أياً كانت أسبابك أصيل..أنت وقفت بجانبي ولبيت ندائي ونجدتي بك..أما عن مشاعري نحوك أنت تعلم جيداً أنه لم ولن تتغير يوماً"
لدقائق عم الصمت بينهم كل منهم في تفكيره
نظر لها من بين جفنيه بمرارة تلك النيران لجوي قلبه في حبها..وخاطر ندم تسلل له مؤخراً بما إقترفته يداه في حقها..ما حدث له مؤخراً وكشف حقيقة كان غافلا عنها جعل تصلب رأسه وعقدة روحه تجلده كيف يسامح نفسه على الماضي ؟بل كيف يسمح لنفسه بعد ما صدر منها ومنه..بمسامحة أو حتى محاولة لعيش حياة سليمة؟! متخبط هو بين أفكاره المشتعله..هل يسمح لها بالتسلل مره أخرى لتسيطر على عقله وتفكيره ؟لجعل هواه يتحكم به فقط لوصالها..كيف يغفر لها تماديها في إهانة رجولته!!بل كيف يسامح نفسه على ما خسر بسبب أنانيته في شغفه بها..تفحصها بتمهل في جلستها الشامخه الرزينة رغم محاولتها لطلب وداده..بهائها الذي مازال رغم تحطيمه لأنوثتها وأمومتها متعمداً ومرغماً ؟! جلست أمامه تطوي قدميها تحتها..شعرها الأسود كليله الطويل والذي زاده هوس لإمتلاكها يستريح على كتفيها ويحاوط وجهها الخمري في هالة تزيدها حسناً وجمال عيناها الناعسة بأهدابها الداكنة الطويلة التي تعانق تلك العينين بعسلها الذائب جعلته في هذه اللحظة يريد رمي كل همومه بين شواطئها ويغوص بها ويتوه بين جدران قلبها لعله يجد مرساه وينتهي طريقه عبر دفئها..إبتسمت أكثر لعينيه المضطربة وكل عقلها يأخذها..بأن الحبيب العاشق مازال ينازع هناك وراء هذا الجدار الصلب وأطلق صرخة نداء اليها لتحرره مرة أخرى معها وتخرج به من النفق المظلم الذي صنعه هذا الحجر الصوان بيديه..ولكن لتخرج يجب أن تفهم و تصبر وتراعي ذلك البصيص من النور الذي حصلت لترسي على بر أمان..قاطع جلستهم المتحيرة وتين التي أتت أخيراً تحمل ( عروستها )لتخبر أصيل:
"ها هي صاصا..تستطيع اللعب بها"
كتمت هدير ضحكة مدوية..عندما رأت الرعب الذي إحتل وجه أصيل وهو يسألها بريبة:
"من صاصا هذا الذي تناديه إبنتك"
بنفس الهدوء والتفحص أجابته:
"على ما يبدو أنه أنت ."
توقفت لبرهة وهي تسأله ببساطة ،
"ولكن من الغريب..أنها إستيقظت من نومها لتحاول طلب ودك وتمنحك إحدي أغلي ألعابها"
تحرك أصيل من مجلسه وأبعد وتين التي تمسكت بإحدي كتفيه بلطف وقال لهدير بجمود حازم:
"لا تُدخليني في متاهات إبنتك..تعلمين الاطفال لا يعرفون اليأس..وما علمي انا بتصرفاتها الغريبة التي تماثل أفعالك"
جذبت هدير إبنتها برفق وقبلت أعلي رأسها بعد أن رأت علامات الخيبة المرافقه دائماً لها من جفائه معها..ولكن هذه المرة لم تتوجع كلياً عليها هناك سؤال معلق يجب أن تفهمه..فمن غير المعقول أن يكون ما رأته شيء عابر..خاصه مع إدعائه عدم الفهم أو الإشارة لم حدث..قبلت خدي إبنتها بحنو وهي تخبرها هامسة بشرود وتصميم:
"أعدك أن أعيده لكلتانا قريباً جداً..يا ( وتين قلبه ) هذا خطئي أنا يا ماما..لقد تأخرت جداً على ما يبدو لأفهم علامات الاستفهام التي تدور حول هذا الرجل..
................
توقفت خطواتها بذهول وهي تسمع ما نطقت به حماتها بصوت خافت لأصيل الذي يعطيها ظهره فلا تستطيع أن تتبين رد فعله على ذلك الجنون الذي تتفوه به هذه المرأة بنوع من الاقناع قائلة:
"يا أصيل ما يزيد عن ثلاثة أعوام..وانت لم تستطع أن تتقبلها وكلنا نعلم ما يدور بينكم..فزواجك من أخرى هو الحل"
شعور غريب بالتضامن مع ضجيج قلبها الذي سقط بين قدميها وعينيها المصدومتين الدامعتين كانت تراقب أصيل أرهفت السمع إنتظرت منه رفض جاذم لما تقوله نعمة..أتاها صوت فحيح نعمة تردف في أذنيه تُحلي الأمر فيما يبدو لعيني إبنها الذي لم يُبدي أي ردة فعل وهي تقول:
"صبية صغيرة ومليحة من عائلة بسيطة الاصل تُشكلها على يديك كما تحب..لن تعاني معها وستعيش خادمة تحت قدميك..وستأتي لك بالولد أو حتى بعشرة من البنين (يخاوو) وحدتك..بدلا من تلك التي تُهملك وتتبجح طول الوقت بأن عملها أهم منك"
من خلال حدقتيها المهتزة بدموعها لم تري إلا تصلب جسده الذي إزداد حدة و إتقباض شديد لقبضة يد أصيل المستريحة بجانبه..أكملت نعمة سمومها وأخبرته بلا أهتمام:
"الدوار واسع سنجهز لعروسك خلال شهر واحد الشقة المقابلة لشقة تلك مكسورة ( الناموس) إبنة العمارية,وأنت رجل لن يعيبك واحدة أو عشرة على ذمتك..أما هي ستثور قليلاً وبعدها تأتيك راضخة"
رفعت نعمة يدها تربت على صدر أصيل المصدوم بدهشة وذهول وإستنكار لما تقوله أمه وأكملت تدعيّ الرفق بحاله:
"أنت لن تستمر في هذه الحياة الجافة الظالمة لشبابك يا ولدي..زوجتك شؤم من أول ليلة علينا جميعاً,ومن حقك أن تبحث عن أخرى,تعوضك السنين التي سُرقت من عمرك ظلماً من بنت العمارية..وتجدد شبابك بها"
رفع أصيل حاجبيه ببطئ يراقب هدر أمه غير مصدق لتطرقها لأمر كهذا ،، إستمر في سماعها بذهول وهي تردف وقد لمست إستحسانه للفكرة:"وأنت لن تتعب نفسك في البحث فأنا وجدتها بالفعل صبية صغيرة من عائلة طائعة ومثمرة الانجاب,تبلغ من العمر ستة عشر عاماً,تهللت أسارير نعمة بفرحة غريبة شامتة وهي تخبره:
"قد تأتيك بولدين دفعة واحدة يا زينة الشباب وتخلصك من سحر هدير وعائلتها"
ضغط أصيل جبهته بعدم تصديق وهو يهز رأسه بيأس ولم يرد أيضاً..إرتفع حاجبيه بغضب رغماً عنه متمتماً بكلمات غير مفهومة عندما تمادت أمه في وصف جسد الفتاة بدقه على ما يبدو محاولة منها لإغوائه وجعلها جميلة في عينيه..لم يستطع الرد او الوقوف أكثر والاستمرار في الاستماع الى فكرتها وبدون تباطؤ أومأ لها بهدوء وانصرف..إيماءته وصلت لاثنتان..أمه التي شعرت بعدم الراحة من رد فعله لقد ظنته أنه سيعلن موافقته على الفور,دون أن يفكر في الأمر حتي!! رفعت عيناها لتفاجئ بوجود هدير وبخلال لحظات كانت تبتسم بشماتة وإنتصار تتمني في داخلها أن يستمع لنصيحتها وينصرها أصيل على تلك التي مازالت تقف متجمدة تكبح رعشة أنين تملكتها وهي تضم إبنتها أكثر الى صدرها أشاحت بوجهها عن نعمة الشامتة هزت رأسها برفض يائس وقد وصلتها إيماءته أنه قد يفكر بهذا الجنون..ولكن يعود الامل الذي نبض بالأمس لرفض الفكرة مطلقاً ستراهن على هذا العاشق الذي كان يحاوطها بالأمس بحنان..علي الحبيب الذي كان يغرق وجهها بقبلات متلهفة ناعمة حلوة وفي إعتقاده أنها غارقة في أحلامها في دفء صدره..تهدجت أنفاسها مرغمة وهي تحاول أن تكبح الشعور القاتل بالغيرة والغدر معاً ستراهن على أصيل المغرم رغم جنون أفعاله..أنه أبداً لن يفعلها بها..ولن ينصر نعمة عليها..وبدون تردد رفعت رأسها بكبرياء تكمل درجات السلم هبوطاً تتخطي نعمة بوقفتها السعيدة بانتصارها الذي تعتقده..
فقط ستجازف بقلب حبيبها وتنتظر الى أن ينطقها هو ولن تتوقف عن عزمها بدخول الباب الذي فتحه أصيل بالأمس شرعت تقتحم عالمه أخيراً وستصل بحبيها لشاطئ الأمان الذي تريده هي..!!
...........................
بعد مرور أسبوع..
راقبها بنظرات مرحة متلاعبة..وهي تضع الطعام على الطاولة بحدة تمتمت ببعض الكلمات الغاضبة كعادتها مؤخراً بعد ما حدث وحدته معها وتحذيره وعقابه..ولكن للغرابة لم تأتي بأي رد فعل متطرف كعادتها..فقط إكتفت أن ترمقه بنظرات خطرة كأنها تفكر بالفتك بِه..وتنصرف بعدها مسرعة الى غرفتها..وهو لم يقدم على الاقتراب منها..أو حتى إستفزازها..مكتفياً تماماً بجعلها تحترق ندماً على فعلتها مانحاً لها كل الوقت لتعلم جيداً أنه وحده القادر على تحديد خطوط حياتها وتستوعب أن كل حريتها الماضية هو من أراد لها أن تحصل عليها تحت مراقبته ومن بين عبائته التي تطالب الان بالخروج منها..
قطع الصمت بصوت خرج رزين هادئ عندما رأي إنصرافها المعتاد قائلاً:
"إجلسي لتتناولي معي العشاء"
تسمرت مكانها للحظات إستدارت تنظر له بشرر وهي تقول بصوت مكتوم:
"لا أريد أن أشاركك شيء..فهل ستجبرني أيضاً؟"
أسبل أهدابه وهو يمد يده برتابة ليتناول شوكة الطعام ويبدأ في تناوله وهو يقول:
"نعم,لقد أخبرتك منذ وقت إن أردت تحريكك كما أحب سأفعل"
زمجرت بسخط وهي تقترب من الطاولة وسحبت المقعد الذي أصدر صرير عالٍ وجلست عليه بقوة..إستمر هو فيما يفعل وهو يخبرها دون إهتمام:
"أفعالك الطفولية,لن تجعلني أعدل عن قراري,ولن تحرك فيّ ساكن"
ردت بحنق:"هذا ليس عدلاً أبداً لمجرد أنك رجل,تتحكم بمستقبلي وحياتي"
قاطعها وهو يطرقع بلسانه يدعي اليأس وهو يقول:
"ها قد عدنا للحديث الذي لن تفهمي حقاً فحواه"
أشتعلت زرقة عيناها وهي تقول بهياج:
"لا تليد..أنا أفهم جيداً كل كلمة أتفوه بها,أخبرني الان ما هي وظيفتي في حياتك بل في الحياة كلها ،"
توقفت لبرهه لتردف بتبرم:"كل يوم أستيقظ أرتب شقتك,أعد الطعام,وأنضف ملابسك,وأجلس أنتظر (سي تليد ) الى أن يأتي"
ببرود قال:"لما تصوري الأمر على أنه إهانة، أولاً هذا دورك الصحيح عزيزتي كزوجة وقد تأخرتِ جداً,على القيام به"
رفع حاجب واحد وهو يمط شفتيه قائلاً:
"ثانياً أنا لم أطالبك بالقيام بشيء (حفظها الله أم عبدو زوجة حارس العقار ) تقوم بدورك منذ زمن"
ردت أثيلة بجفاء:"أعلم هذا ولم أقل أنك تجبرني,ولكن لا أَجد ما أفعل فاخذت دور ( أمينة ) للقيام بكل شيء"
ضحك بخفوت وهو يقول ساخراً:"!يبدو أن التلفاز أثر على عقلك بحريتي"
اقترب بمقعده منها حد الالتصاق فجأة..حاولت التراجع عندما مد ذراعيه وطوق خَصرها ورفعها قليلاً لتصبح فوق ركبتيه قبض عليها بتشدد عندما أعلنت عن رفضها لفعلته وهي تتخبط للتخلص منه..أخبرها بنبرة بها بعض العبث المغيظ لها:
"ولكن,صغيرتي المتوحشة كالعادة أخذت من الأمر ما يخصها وتركت ما يخصني وهو أهم شيء قامت به أمينة في هذا الفيلم"
أخرجت زفرة مستسلمة وجسدها يسترخي بين يديه وهي تسأله ببساطة:
"وما هذا الشيء,الذي يخصك فكل ما أفعله من الاساس يتمحور حول رضاك"
مد يده يمسك بشوكته مره أخرى وأخذ قطعة لحم صغيرة وضعها بين شفتيها وهو يخبرها بجدية:
"حقوقي الزوجية بالطبع,من المفترض أن تتزيني كل ليلة وتأتي الى وأنا أرفضك,أو أقبلك"
مضغت القطعة وهي تنظر له بإستنكار وقالت:
"هذا تخلف ورجعية,بالله عليك هل تنتظر مني هذا الشيء"
هز كتفيه بلا مبالاه وهو يقول:"بالطبع وممن أنتظر إذاً حلوتي"
مدت يدها تخطف الشوكه منه وتأخذ قطعة أخرى لتخبره بسخط:
"هذا ليس عادل البته"
ضحك بخفه وهو يخطف الطعام منها بمشاغبة وهو يقول:"الحياة ليست عادلة صغيرتي فسوف تستسلمي لقدرك"
إستدارت في جلستها تنظر لعينيه الباسمة وملامحه المسترخية بحيرة,لقد أصبحت تفهمه جيداً كما يخبرها دائماً أنه يحفظها,وربما بعد إنصرافه فكرت أن تضرب بكلامه عرض الحائط,وتذهب لجامعتها ولكن ما أوقفها شعور أصبح يتنامي داخلها بالندم لما فعلته,راجعت نفسها مراراً وتكراراً عبر ما صدر منها في حقه ورد فعله المحتوي الحنون معها تستعيد ذلك الحضن الدافئ الأمن وهو يكرر لها وعوده بعدم تركها في تخبطها: تستعيد كلمات عبير وهي تخبرها أن الرجل وطن !! خفق قلبها بنبضة مجنونه لذيذة وهي تراقب عيناه بزيتونيتها الدافئة فخضارها الداكن الذي يذكرها بطفولتها التي قضتها وسط أراضيهم الشاسعة تتذكر نبرات خطاب القوية والمعتزة وهو يخبرها ( الارض عرضك وأمانك,تلك الحشائش التي ينظر لها البعض بإستخفاف ولا يفهم أهميتها لدينا. هي ماضيك وحاضرك ومستقبلك..الارض بنيتي هي الوطن الدائم مهما طالت أسفارك وتهتي بين مضارب العالم ستكون هي ملاذك الوحيد وأمانك"
وتليد رجلها بنكهة أرض !! أرضها هي وحدها تحتوي نظرات عينه المحيطة دائماً لها كل حنان العالم..ملاذها الوحيد الذي كان دائماً..يحتوي بين ذراعيه جنة ،، ( جنة لا يعرفها سواها )
عند هذا الخاطر أغمضت عيناها و إنحنت رأسها طواعية ووضعتها مباشرة على صدره وهي تخبره بتنهيدة مستسلمة:
"أنا أسفة لكل ما حدث تليد,أتفهم غضبك وعقابك ولكن أنا كلِ ثقة بأنك لن تدمر حلمي من أجل تصرف أحمق قمت به"
أنت تقرأ
عادات خادعة
Romanceعادات خادعة ..حكايات وحيوات من قلب البيئة العربية عامة وروح الصعيد خاصة ..تتنازع العادات التى تنمو وتكبر غارزه جزورها عميقه بداخلنا وبين المنادئه بالحرية والعدل وقتل تلك العادات التى تنتهك المرأة .. الحكاية الأولى الصحفي المشهور بمنقذ الصغيرات المنا...