"إمنحني..قطعة ولن اخبرها..بسرك"
فغر تليد فاهه بذهول للحظات..قبل ان يترك براد القهوة من بين يديه ويلتفت لبنت أخته قصيرة القامة التي تتحداه بعينين زرقاوين وملامح وجهها شديد الثبات..قبل ان يقول مستنكرا:"اتتحديني يا عقلة الاصبع"
هزت واتين كتفيها بطفولية قبل ان ترفع إصبعها الصغير في وجهه وتخبره:
"انا لست عقلة الاصبع تليد..وان لم تمنحني احدى قطع هذه الحلاوة في الحال سأخبر أثيلة"
مط تليد شفتيه متسليا قبل ان يميل ويمسكها من قمة ملابسها يرفعها لاعلى ليصبح وجهها مقابل وجهه وهو يقول ببطئ:
"انت اختارتي الشخص الخطأ لتهدديه ..فدلع خطاب الزائد لك لن يجعلني أتراجع لتهذيبك..لأنك تحتاجين وضع الحدود بالفعل"
عيناها الكبيرتين الزرقاوين المماثلة لعمتها وعمة عمتها من قبلها..كانت تبرق بتحدي سافر جعله يتمتم بسخط يائس هامسا:"ألن ينتهي سلاسل تلك الزرقة الثائرة طويل اللسان ابداً..فقط ما أتمناه في تلك اللحظة ان لا تحصل ابنتي على صفاتكم الجينية"
لم تفهم وتين بالضبط ماذا يعنى بالجينات ولكنها ادركت بذكاء..انه يتمنى شيء سيء..تستطيع تهديده به عندما قالت بتململ:"انزلني تليد..حتى لا أخبرها انك تكره"النونو"التي ستأتي به"
لعدة لحظات بدا وكأنه لم يسمعها جيدا..فلم تهتز عضله في وجهه الذي تبلد..ثم لم يلبث ان ضحك عاليا وقال متسلياً:
"دعينا نعقد صفقه أخرى سأمنحك ما تريدين وانت ستخبرينى من يلقنك ما تقوليه"
أرجحت وتين قدميها معترضة قبل ان تقول..بتبرم:"امنحنى من حلاوة عمتي..وسأخبرك ما تريد"
لوى تليد ملابسها على يده قبل ان يتحرك نحو المائدة الصغيرة في مطبخ شقته وضعها عليها ثم التفت نحو صحن واسع زجاجي ممتلئ بالحلاوة الطحينة التي لم تتوقف أثيلة عن تناولها..ثم عاد لإبنة أخته وفتح الغلاف وقدمها لها وهو يقول بهدوء:"هيا سيدة وتين..الان أسمعك"
تناولت منه وتين المغلف تتناول منه مباشرة بنهم..ثم قالت بفم ممتلئ:"لا أحد يخبرني شيء..ولكن جدتي نعمة لا تحبك..وتتحدث عنك طول الوقت..أما عمتي فاطمة فهي دائمة الدفاع عنك وتخبرها انك تحب أثيلة وهذا يكفي"
ابتسم تليد بيأس وهو يدرك ان سبب لسان ابنة أخته المنطلق والذي يسبق سنها المسئول عنه عدم حرص الكبار بما يتفوهون بِه أمام الصغيرة..للحقيقة لم يغضب اذ انه يعلم جيداً ان حماته المصون لم تحبه يوماً ولم تحاول ابداً جر حديث معه بل دائماً حديثها معه بارد..فاتر..منعدم..وهو استسلم للأمر يكفيه انها لا تحاول أبداً ان تتدخل في علاقته بأمرأته..قطع تليد الصمت وهو يتأمل ابنة أخته ملياً قبل ان يقول برتابة:"وتين..تعلمين ان حديثك هذا عيب كبير صغيرتى ولا يماثل سنك وطريقة التهديد تلك..لن تُجدي نفعاً وغير صحيحه"
عيناها المتوسعتان كانا تنظران له بفضول تحاول ان تستوعب نصيحته قبل ان تخبره بهدوء مستفز:
"بابا قال هذا ايضاً..ولكنه يفلح معكم صدقني خالي"
رفع تليد حاجب واحد وهو يقول"الان اصبحت خالك"
ردت"انت تصبح خالي عندما تمنحني ما أريد"
آثر تليد عدم الرد..حتى لا يتهور ويعنفها بالفعل..سيتحدث مع أصيل لاحقاً..في وضع قاعدة معاً لتهذيب الفتاة حتى لا يفلت عيارها منهم ؟!قضمت وتين قطعة أخرى..قبل ان تصدمه بالقول وهي تشير على بطنها..الصغيرة المنتفخة بالطعام:"انا لدى نونو مثل ماما وأثيلة"
"ما..ماذا"
نطقها تليد بدهشه حقيقة غير مستوعب تماماً..ما تتفوه به الفتاه..فأشارت هي بإصبع حانق تخبره محذره:
"لقد أخبرت بابا..فقام بضربي..انا لا أحب أصيل"
أمسك تليد وجنتيها بقوة عنيفة بعد الشيء..قبل ان يقول مهدداً:
"والله انا من سيقطع لسانك هذا ان تفوهتي بمثل هذا الكلام مرة اخرى وتين"
عندها انفجرت وتين بالبكاء وهي تصرخ مستنجده بإسم جدها والذي كان خارج المطبخ يجلس مع أثيلة منذ بعض الوقت..يبتسم لها بهدوء رزين وقور وقال:
"لقد أتيت لك بنفسي..في زيارة عاجلة خاصة بعد ان أخبرتني عمتك..انك حزينة وتعتقدين أني أجافيك متعمد"
رفعت أثيلة وجهها وهي تنظر اليه مبتسمة ..ابتسامة عريضة مرتبكة وهي تقول:
"هذا صحيح أبي فانا تخطيتك هذة المرة وكسرت كلمتك..وانا..انا فقط لم أعد أريد أي جفاء معك"
مد خطاب يده يربت على يديها المنعقدة في حجرها..قبل ان يقول شارداً:
"لم يعد لى الحق..في فرض أمر ما عليك يا قرة عيني..بعد ان كسرتك انا بنفسي قديماً..معتقداً اني أحميكِ"
الصمت طال وطال بينهم..قبل ان يفاجئ بها تنحني و تدفن وجهها في طيات"جبته"وهي تقول بنبرة متحشرجة:
"ربما أبي كما تقول كسرت بخاطري..ولكنك لم تكسرني انا بل منحتني الطريق لأبتعد عن كل طريق مهلك كان سيؤدى بي للموت ان بقيت في البلدة"
صمتت لبرهة عندما اشتدت ذراعي والدها حولها بحنان وهو يأخذ نفس عميق ثم قال بإسهاب مباشرة:"كسرت خاطرك في ذلك الحين كانت هينة علىّ أثيلة..هينة جداً لان البديل وقتها كان كسرك كلك والقضاء عليك"
أبعدت أثيلة وجهها عن صدره دون ان تبتعد عن حضنه الحنون..تنظر له منتظرة التوضيح..حتى وان لم تعد تحتاج الكثير منه..فأسدل خطاب جفنيه مؤكداً وهو يقول مذكراً:
"عند ولادتك..على مقدار فرحتى بك..كان مقدار خوفي وقلقي وحزنى أتتني فتاة اخرى..تحمل جمال عمتها التي كسرت وانا مقيد اليدين والفعل بأحكام المجالس العرفية وقتها..ولا أستطيع ان أحررها من ذلك الندل..لم يكن ضعف بي على مقدار تقيد بالعادات..فبعد موت والدي كمداً بماحدث"كان من العيبه"ان أطالب بطلاقها حتى وانا أرقبها تذبل وتنزوي..حتى كان الخلاص بكارثتها..فكان لي الحُجة ان اتحرك أخيراً..أقلب المجلس والعائلة رأساً على عقب مطالباً بتحريرها منه وللحقيقه..لم يتأخر جلال للحظة واحدة في نصري وأعلنها واضحة كحد سيف قاطع انه يساندني"
حثته أثيلة على الحديث وهي تقول بصوت مختنق حذر:"اعرف الحكاية ابي لقد أخبرتها لي عمتي..وتليد من قبل..ولكن ما علاقتي انا بما حدث"
زفر خطاب نفس مشتعل قبل ان يقول بهم قديم:
"تعلمىن كيف زدنا الخناق عليك حتى لم أسمح للهواء ان يمر على رئتيك دون ان يمر عليّ اولاً"
ابتسمت أثيلة بشحوب متذكره ماضيها البعيد الذي اصبح مجرد ذكرى عابره لا تجلب لعقلها الا بقايا الألم..فربت خطاب على وجنتها بهدوء وهو يقول بندم محترق:"لم أعلم مقدار الكارثة التي وضعت نفسى فيها معك الا عندما كبرتِ واصبحتى تلفتين أنظار أبناء عمومتك..فيوم وراء يوم يأتيني خاطب وراغب بلا متحدي بسفور من أحدهم..وهو..يقلب علي باقي أعمامك وكبار العائلة حتى أوافق وأمنحك له بحكم العادات..كيف أرفض ابن عمٍ لك وقد طلبك وفي نظرهم انت أصبحت..أمرأة شابة يجب ان ترتبطي بأحدهم"
أرتجفت شفتى أثيلة وهي تنظر لعيني والدها التي جعدتها خطوط الزمن والهموم قبل ان تقول بتحشرج وابتسامة مهتزة:
"لم أكن أعرف هذا..في الواقع انا لا أتخيل ما تقوله أبي..بل لا استطيع ان أتصور في أكثر أحلامي تطرفاً ان..ان"
ترددت فهز خطاب رأسه بتفهم مراعي وجهها الذي تورد يبدد الشحوب وهو يقول:
"ان تكوني لغيره يا قرة عيني..وهذا تحديداً ما دفعني لخداعه بكِ ؟!!!"
اخذت أثيلة نفسا مرتجفا ونظرت اليه مرة أخرى..ثم همست بخفوت:
"هل حقاً خططت لخداعه بي..بل كيف فعلت هذا ولما هو أكاد أجن لأعرف"
ابتسم خطاب وهو يقول بمودة:"لماذا هو بالذات..أعتقد بعد كل ما مر بكم..انت لا تحتاجين الاجابة"
هزت أثيلة رأسهاً بموافقة وهي تبتسم نفس الابتسامة الشاحبة..فأكمل خطاب..بصوت قوى ثابت:
"اما كوني خططت لأوقعه بك بالطبع لا..كل ما هناك عندما حدث ما حدث بسبب أصيل..واتتني الفرصة على طبق من ذهب عقب ما تفوه به تهامى..منحنى الطريق لحل مصيبتي معك..كنت لا أنام الليل قلقلاً وخوفاً مدركا ان جهلك بأمور الحياة سيؤدي بكِ للتهلكة لأن لا أحد أبداً من أبناء عمومتك او غيرهم سيستطيع تفهم جهلك ويحتوى ضعفك وقتها .."
مد خطاب يديه المجعدتين يحتوى وجه ابنته بينهم قبل ان يقول بمودة خالصة وقورة:
"تليد كان..منقذي معك وقتها ابن جلال الذي كان الجميع يعرف نصره للحق ومراعاته لأهل بيته..اما زوجك كنت أعلم من أصيل عن مشروعه الخيري والذي يحتوى فيه الكثيرات ويشتهر بنصير وبطل القاصرات..فتخليت عن ضميري قليلاً وجازفت معه وخدعته لان نجدتك انت..كانت أهم عندي من اي..شيء اخر وقتها"
دمعت عينا أثيلة تأثراً قبل ان تقول مختنقة مره اخرى ببؤس:
"ولكن بعد ما حدث..لما تركتنى له لماذا لم تحاول ان تجبر بخاطري"
امتد ابهام خطاب يمسح دموعها قبل ان يقول مستسلم:
"بعد ما حدث أثيلة اصبحت كارثتى فيك كارثتين..أطلقك بعد فضيحه لم يكن لأحد الذنب فيها..ليعودو فيطالبون بكِ..ولن اتجرأ حتى على الرفض كانوا سيقتلوك أمام عينى يا قرة عينى ولن استطيع الدفاع عنك..سيحكمون عليك بعادات مجحفة بالزواج من أرمل او مطلق..او حتى مجرد زوجة ثانية لمتعة احدهم ؟!"
هربت أثيلة بعينيها منه قبل ان تقول بيأس"كنت تستطيع الدفاع عنى وترفض بعد تلك التجربة"
أجفلت ملامحه للحظات قبل ان يعيد نظراتها له ويخبرها بقوة:"هناك عادات تحكمنا تقاليد تحدد مصائرنا..وكوني كبير للعائلات..ملزم بتنفيذها..خوفي عليك هو من دفعني لأضحي بمحبتك لي بحرقه قلبي عليك..لمنحك الطريق معه لدفعك لما أريده لك.."
صمت لبرهة قبل ان يقول بنبرة قاطعة باتره سلطانية:
"اياك ان تعتقدين يوما اني كنت عاجزا عن إجبارك لتستمعي لي..لاني كنت استطيع ان افعل ولكن انتظرت الوقت المناسب لتعودي قوية..ثابتة تمنحي غفرانك وودك لمن ترينه يستحق"
صمت يأخذ نفس اخر أمام عيناها التي بدت شديدة الزرقة قبل ان يكمل بذات النبرة:"حتى تخبط أخيك وزوجك وانتِ..طلاقك..مشاكلكم..تحركم العشوائي..كنت استطيع ان أنهيه بمجرد كلمة حاسمه قاطعة..ترجع لكل واحد منكم عقله..ولكن انا من أردت ان أجعلكم تتخبطون..وتتوهون..تسقطون حتى يعي كل فرد منكم الحياة وحقيقتها يتلمس طريقة وحده يقف على قدميه..حتى لا يسقط مره اخرى ابداً ؟!"
كل حديث والدها..تضافر ليعود بها الزمن منذ ما يقرب الأربع أعوام..تتذكر حديث تليد عندما اصطحبها لإختيار جهاز لوحي بسيط..فتبرمت منه وهي تخبره عن خوفها من المجازفة والفشل..فأخبرها يومها ان دون المجازفة ودون التجربة والفشل لن تتعلم الصحيح يوماً ..بإدراك كان يصل لعقلها اخيراً ما حاول والدها فعله"لقد ألقاهم جميعاً..في معترك الحياة..ليجعلهم يخوضوها ..يخطئون ..ويسقطون ليصلو بأنفسهم..الى بر الامان يتعلمون من تجاربهم معنى الفشل ومن بعده النجاح يذقون جميعاً طعم السلام والامان بعد ان ضربتهم أعاصير عاتيه من الكوارث"
رفعت أثيلة يد خطاب تقبلها بأعتزاز ومحبه تخبره:
"انا اريدك ان تمنحني السماح ابي..كما اخبرك أني وصلت لدرجة التسامح مع نفسي ومن حولي فلم أعد حتى أملك ذرة غضب او حقد على أحد"
ربت خطاب على رأسها يخبرها مراضياً:"لا يهم كل ما مضى يا قرة عينى..اريدك ان تنسين أثيلة وتتابعين حياتك..لقد قطعت طريق السفر من البلدة حتى هنا لأخبرك شيء واحد حبيبتى"
مال يقبل أعلى رأسها مخبرها:
"انا لا اغضب منك ابداً ستظلى انت حبيبة والدك ونور عيناه..ابدائي حياتك كما تريدين صغيرتي..اكسري كل قيد يخنقك وستجدينى دوماً مساند وداعم"
ابتسمت أثيلة وهي تخبره مازحه:"ما عدت اريد كسر شيء او لنقل انى كسرت اخر طوق يخنقنى..واخترت ان أعود لقيده بإرادتى"
هذه المرة ابتسم خطاب..برزانه وهو يقول:
"اذاً ما حال حفيدتي..أريدها قوية البنيه شديدة البأس تماثلك تماماً"
تدخل تليد وهو يحمل واتين التي تصرخ مستنجدة باسمه والدها قالاً باعتراض ممتعض"تقصد قصيرة القامة..طويلة اللسان..حرام عليك عمي ألا يكفيني بلوة واحدة..لتتمنى لي أخرى"
فغرت أثيلة شفتيها..تريد ان تلقيه برد لاذع كعادتها..عندما تدخل والدها يخبره بصوت رخيم جدي:
"في هذا معك حق تماماً..يكفيك مصيبة واحده"
مطت أثيلة شفتيها للأمام تؤثر الصمت احتراما لوالدها..حتى لا تتهور بينما تتوعد داخلياً للانتقام منه..راقب تليد وجهها الذي احمر غضباً وهو يعي جيداً كتمها لغيظها فرفع حاجب واحد عابث قبل ان يغمز لها بأحد عينيه كأنه يتحدى ان تستفذه..لم تمنحه وتين الفرصة لإلتقاط رد فعلها عندما عادت لصراخها تخبر خطاب شاكيه:"جدى تليد يضربنى..ويقول انه سيقص لسانى..لاني اخبرته انى احمل"نونو"مثل ماما وأثيلة"
لم يلتفت خطاب لما تقوله وتين بل توقف عقله عند ضرب تليد لها فوقف بكامل هيبته يتوجه مهرولاً بحنانه المعتاد يلتقطها من تليد يضمها له..فتحتضن وتين مباشرة عنقه بذراعيها الصغيرتين تدفن رأسها في كتف جدها الذي قال غاضباً محذراً"ما بالك انت والآخر بتحدي طفلتي هل جننتم..تضعون عقولكم بعقل صغيرة"
امتعضت شفتي أثيلة وهي تقول لتليد الذي ينظر لهم بنوع من القنوط:
"اخبرتك انها قليلة حياء صغيرة تُسحر ابي..بشكوها لتنول ما تريده"
تجنب تليد الرد عندما توجه لوتين يسيطر على نفسه قبل ان يمد يده يسحبها من جدها الذي سمح له بأخذها دون تردد..وكأنه يخبره انه عاد لثقته فيه ودعمه إياه أخذ تليد نفس عميق قبل ان يقبل خد وتين وأخبرها بهدوء مراضى:
"انا لن اضربك كنت أمزح معك فقط..ولكن لما تقولين هذا الكلام وتين هذا عيب"
تناست وتين تعنيفه قبل ان تربت على بطنها تخبره:
"ليس عيب انا أكل الحلاوة مثل أثيلة..ولدى بطن منتفخة مثل ماما اربت عليها دائماً هكذا..مسدت على بطنها بشكل
دائرى مضحك..قبل ان تردف:"لذا انا لدي نونو..فلما انت غاضب مني ولم تغضب من أثيلة"
حك تليد في رأسه للحظات متحيراً ونظرة متبلدة تعلو وجهه قبل ان يسحبها خطاب من ذراعيه يخبره متنحنح:
"لا تشغل بالك سأتولى انا رد هذا السؤال..لاحقاً"
ساد الهدوء الحذر بينهم للحظة..كلاهما يتبادل نظراته مع الاخر أحدهم معتذر والاخرى متفهمة تماماً لموقفه..
بهدوء كان خطاب البادئ عندما قال مباشرة:"انت لم تتخطى شيء من وراء ظهري..كنت أعلم بمجيئك يومياً..تحت المنزل..تطلب هدير وتهبط لك هي ووتين سوياً..وكنت أعلم برسائلك الصامتة اليها عبر ما ترسله مع وتين"
ضيق تليد عيناه وهو يراقب وجه عمه البشوش بتفهم وقور قبل ان يقول:
"وعندما اتيت اليها..أصيل لم يتخطاني في شيء وتركت المنزل متعمداً..لأرى كيف ستستطيع ان تعالج الأمر معه..فأعرف هل تعلمت من درسك ام غرورك وعصبيتك مازالت فيك"
بان الرفض على تليد وهو يقول مزمجر"انا لست مغرور..لقد كنت"
رفع خطاب يده بحسم منهياً الحديث وهو يخبره:"انا لن أعاتبك هنا..أردتك ان تعلم ان لا شيء حدث دون علمي..وكل طلبي الذي اثق انك ستنفذه حتى دون ان أخبرك"
عاد بنظراته لعيني ابنته المحتيرة من حديثهم..فقال خطاب بهدوء:"أريدك ان تعود لتحافظ على عهدك القديم..وتنسى تماماً انها أمانتى..بل أصبحت منذ اللحظه التي اختارتك فيها بكامل ارادتها أمانتك وحدك يا تليد"
ابتسم تليد ولم يستطع ان يقاوم نفسه او لم يرد ابداً عندما قال يخاطب عينيها:"هي شمسي عماه..ونور قلبي وشريكة عمرى..جزئى الذي يكملنى..فلا تقلق ابداً سأضعها قرة لعيني"
................
"اممم اذاً انت من كنت ترسل لي الحلاوة..وايضاً انت المسئول عن اخبار وتين بلقبي وذلك الكلام المنمق الذي كانت تتحفنى به"
زفرة خشنة صدرت عنه قبل ان يرفع كفيه يجذبها بنوع من الجفاء..يمددها بجانبه على الأريكة الواسعة التي فرد جسده عليها فور خروج خطاب..لجأت أثيلة الى صدره طواعية تضع رأسها عليه..تلف خصره بأحد ذراعيها بتشدد..تتعلق به احدى ذراعيه التفت حولها يضمها اليه والاخرى عرفت طريقها نحو خصلات شعرها الملتوي يعبث به باعتياديه قبل ان يقول بتكاسل مرح:"ومن ظننتي..متخلفتي"
ابتسمت رغماً عنها بينما رجفة عنيفه تهز قلبها..قبل ان تقول:"معك حق سيدى المغرور..ومن غيرك .كيف لم أجزم بالأمر"
تناسى تماما ما حدث منذ قليل..وراحته أخيراً لمسامحة خطاب بل ربما ارتاح كلياً عندما علم بمعرفه الرجل سابقاً لكل ما حدث..عاد بكليته لأثيلة وهو يقول مشاكساً:
"كانت طريقتي الخاصة لأعلم اني قريب منكِ حتى لو بمجرد قطع من الحلاوة تتناوليها من بين يدي انا..انتقيها بعناية كل مرة وأطلبها لك بأنواع متعددة ومختلفه"
تألقت عينا أثيلة وهي تطبع قبلة على صدره ناحية القلب مباشرة وهي تقول:"كنت اعرف عن يقين ولكن أردت ان اسمعها منك اتعلم ؟! عندما بدأت في إرسالها كان ابي ياتي لى بالفعل بأكوام منها ولكنى تعهدت مع نفسى بان لا أطعم ابنتى الا من بين يديك انت"
انتقلت عدوى الابتسامة الى شفتيه..وزيتونية عينيه تاخذ لمعة شديدة الخضرة جعلتها ترفع رأسها تنظر لها بنوع من الانبهار وهو يقول بمزاجه المشاكس:"لقد كلفتني الكثير ابنة أصيل كانت ترفض ان توصل اليك شيء الا ان تأخذ المقابل"
مازالت أثيلة في تعلق عيناها بعينيه بينما رجفه حب وشغف تتملك من قلبها فتحاول ان تداريها بخجلها العتيد مرغمة كان وجهها يتورد ولكنها نطقت بثبات متجنبه خفقان صدرها:
"اذاً انت ايضاً المسئول عن تلك الالعاب والجهاز اللوحي الحديث الذي حصلت عليه مفلوتة اللسان"
ضحك بقوة..قبل ان يزيد من عصرها بين ذراعيه الحازمتين القويتين بحنان وتمهل لم يتخل عنه منذ ان استقرت حياتهم اخيراً فقال بنبرة خافته يذكرها:
"الجهاز اللوحي دائماً ما يفلح مع طويلي اللسان..ويجعلهن يتمسكن بى ويلجأن لذراعاي"
عضت أثيلة باطن وجنتها..قبل ان تخفض يدها تمسد على بطنها المتكور وهي تقول:
"لم ادرك وقتها انها افضل عناق حصلت عليه في حياتى كلها دفء وجدته هناك لا يعادله ابداً شيء اخر"
أخذ تليد نفس عميق قبل ان يميل برأسه يضعها على جبهتها عيناه في عينيها شفتيه مقابل شفتيها..يده تنزلق تعانق يدها فوق ابنتهم يخبرها"بل انا من زُرِعَ بي شيء خلال هذا العناق..لا أعتقد اني استطيع تفسيره يوماً الا باني ربطت بك وقررت ابداً حتى لو دفعت عمري كله مقابل انتظارك لن أقبل بأمرأة سواك"
كان قد وصل بشفتيه للمس شفتيها برقه..فتوقفت هي متسعة العينين لثوان وأبعدته عنها تزيح يديه برفق..تعتدل وتبتعد عنه وهي تقول بنبرة غامضة خافته:
"اعتقد انى أحتاج لبعض الحلاوة اشعر بالجوع"
وقفت بتمهل كعادتها مؤخراً تتوجه الى حجرة المعيشة..تجذب قطعة من حلاوة الطحنيه المحشوة بالوز والبندق..تفتح المعلب وبدات بالامل منه بالفعل..جلست أثيلة متربعة امام تلك الطاولة الصغيرة تحدق في يمامتها التي شفيت الان..وأصبحت ترفرف بشكل طبيعي في محبسها المصمم بعناية فائقة..أخذت نفس وآخر عميق وهي تتذكر منذ ان عادا لبعضهم حرص تليد على راحتها التامة مراعاة كل كلمة تخبرها بها الطبيبة..لا ينسى ادق التفاصيل ويرفض تماماً ان تأتى إحداهن لرعايتها بالطبع يسمح لفاطمة او هدير ان يأتين لمجالستها نهاراً او أعداد بعض الأطعمة..يدها تتحرك بشكل دائري علي الطبق البلوري ازرق اللون الممتلئ بحلوها فتبتسم بارتعاش وهي تتذكر كم تلك الاطباق الذي يوزعها تليد في ارجاء المنزل..حرصاً على مزاجها مصرحاُ انها طالما طلب ابنته يجب ان يكون مجاب..
شعرت به يأتى ويجلس ورائها مباشرة يحاوط خَصرها بذراعيه وساقيه تفرد حولها ليحاوط جلستها..تنهدت أثيلة وهي تقول مباشرة"اليمامة..كنت تقصدني انا عندما أتيت بها كنت توصل رسالة مختصرة لي اليس كذلك ؟!"
ادعى تليد الارتياب وهو يقول:"عن اى رسالة تتحدثن..وماذا فهمتي بالظبط..فانا اعرف غبائك"
ضغطت على أسنانها بعنف وهي تقول:"كف عن نعتى بالغباء..والا سأطلقه عليك حقاً"
ضغط على ذراعيها قليلاً بثقله وهو يقول بجفاء"وانتِ توقفي عن تهديدى..انا أمرره لك بمزاجي"
تململت وهي تقول بيأس:"لا فائدة كل أحاديثنا تنتهي بالجدال..تليد"
خفف عنها ضغطه ورأسه تميل يهمس بجانب أذنيها:"هذا يعود لسبب عملى بحت فعندما تحب الأنثى..تصاب بالغباء..الكامل وتخص هذه الميزة الكارثية بالحبيب فقط لتُعَجِل بجلطته حبيبتي"
زفرت أثيلة بقنوط رغم الابتسامة التي عادت تزين ملامحها..فتجنب العناد معها وهي تقول مباشرة:
"تلك اليمامة مكسورة الجناح..هي انا يا تليد اختصار لكل معانتي في الماضى والحاضر قبل أشهر..وذلك الجبر كان إشارة واضحه بتذكيري انك جبرت جرحي ومازلت تفعل ولن تتخل عن مسئولياتك او عني يوماً..كأنك كنت تطبطب على جرحى منك وقتها ؟!"
لم يرد في الحال فإلتفت بوجهها تلقائيا تنظر له..فتلاقت أعينهم في حوار صامت طويل..وكأن تلك الأعين تحكى وتستفيض بمشاعرهم وتفهم لبعض الذي وصل اليه اخيراً..وكأنها تؤكد على نظرية تليد الذي أكدها كثير من المرات الى ان أصبحت أمرأته ترددها بكل ثقه وفخر"علاقتهم لا تخضع للمنطق ولا للقوانين..بل انت انا وانا انت كيان واحد لا احد قادر على فصله يوماً"
اخيراً نطق تليد وهو يقول بصوت خشن خافت أمر:"انتِ ستنسي دينا تماماً..يجب ان تتذكري دائماً انى رفضت ان اقترب من أمرأه غيرك وانت مازلتي صغيرة ترفرف حولي فتخطف نبض قلبى..كنت اتعذب من وصالك استخدم كل مهارات ضبط النفس حتى لا أقربك..أثيلة مجال عملي مغرياته لا تنتهي..فيجب ان تقتنعي انى لم أفعلها يوماً قبل ان انصهر معك..فكيف تعتقدين اني سألوث نفسى بسواك يوماً"
أخذت نفساً طويلا مرتجفا قبل ان تقول ببساطة ودمعها يسابقها:"الأمر كان مؤلم بشدة كان ينغز في قلبي مثل السوس يقتل روحي وأنوثتي ببطئ..كنت تطعني يا تليد دون أدنى شفقه"
ساد صمت طويل..حتى انها ظنت بأنه لن يمنحها رد .ولكن نظرت الألم في عينيه المخلوطة بالندم بالترافق مع قوله:
"أعرف..وانا أسف حقاً انا اسف..ولكن يجب ان تكوني متأكدة انى احبك انت لم تطرق قلبي أمرأة سواك..ولن تفعل غيرك ابداً هل فهمتى ام غباءك لا يسعفك"
ابتسمت مرتعشة وهي تهز رأسها ببطئ تعلم انه يتجنب النقاش في الأمر حتى لا يذكرها مرة أخرى انها من أجبرته واستفذته ليفعلها انها من أخبرته بمنتهى الصفاقه ان يذهب لسواها"
رفع تليد راحت يده يمررها على عيناها يمسح دموعها وهو يقول:
"كُفي عن البكاء الحمل يؤثر بك بشكل سيء..وبالتأكيد الأمر يزعج صغيرتي"
ارتفع حاجبها ونبض قلبها بجنون..قبل ان تتمسك بكلا كفيه تنزلهم لتكور بطنها الجذاب وهي تخبره:"صغيرتك بمجرد ان تسمع صوتك تبدأ بالشغب..انت ستحبها مثلي..ستكون قرة عينك تليد"
شفتيه هبطت في تجويف عنقها يتشمم رائحة اللافندر الممزوجة بالصابون الانجليزي الخاص الذي تستخدمه معذبته وهو يقول:
"انا احب امها..ربما ابنتك تشاغب في احشائك لكن هناك من تشاغب في عقلي ومجرى دمائي"
ارتعشت تأثراً..ويدها تتمسك به بينما مزال هو في تذوق اللافندر من فوق بشرتها وشفتيه تأخذ طريقها نحو كتفها..فيطبع قبل مجنونه على شامتها الوردية..أعلى كتفها..فيبقي طويلا طويلاً هناك يتذوق على مهل يقبل بنهم متروى ومثير..تبتلع ريقها وهي تحاول ان تلتفت اليه..فيصدمها هو بأفعالها الجريئة جداً والمختلفة اذ في لحظة أصبحت ممدة على الارض..ويده كما شفتيه تجتاحها بجموح محموم مجنون..يهمس وهو يغطى جسدها بجسده"كنت أجن لرائحة هذا الصابون وهو يفوح منك..كان يلهبني لذا تعمدت ان أمنعه عنك فترة ولا نقوم بشرائه..كان عقلي يشت من مجرد النظر اليك فكيف يكون رائحة عطرك..ارتبكت أثيلة كالعادة تحمر وجنتيها كما يحب ان يراها..مال يقبلها دون تمهل وهو يخبرها"احبك يا طويلة السان..متى تضعين تلك المخلوقة قبل ان أفقد صوابي"
ضحكت هذه المرة ويدها ترتفع تتلمس ذقنه قبل ان ترفع رأسها تطبع قبلها على وجهه قبل ان يهرب منها هو كالعادة عند نقطة فاصلة ما..وقبل ان يتهور ويطلق لمشاعره الحرية انفصل عنها مقتطع الانفاس..بضمها الى ذراعيه بقوة وهو يقول بصوت واضح وصبر نافذ وأنفاس تخرج متلاحقه عنيفه"الصبر من عندك يا الله..امنحنى الصبر حتى لا اذى كلتاهما"
لفت أثيلة ذراعها حول خصره وهي تهمس:"أحبك..من المستحيل ان يكون هناك رجل مثلك"
اطلق تليد زفره خشنة وهو يقول بجفاء:"اخرسى فقط اخرسى..بل تقصدين ان من المستحيل ان يكون هناك رجل ابُتليّ مثلي"
صمت لبرهه ثم أردف ساخراً"او ربما محمد .سيكون مثلي واشترى العتبة الخضرة"
عبثت أثيلة وهي تخبره"انت غليظ..من دقائق تغرقني بعاطفتك والان تشتمني"
اغمض تليد عيناه وهو يقول مستسلم متحسر:"عن اي عاطفة تتحدثين..مازلت في فن عشق الرجال طفلة تحبو أثيلة ولم تفهمى معنى كبت مشاعري..والتي بالتأكيد ان استمرت ستسبب لى مرض ما"
ارتفعت حاجبي أثيلة قبل ان تقول مغيره الموضوع"هل فكرت..ستجعلنى اذهب لحفل زفاف المجانين غداً"
بصوت قوي حاسم منهياً حتى النقاش كان تليد يخبرها:
"لا..لن تذهبي انت اهم عندي من اي حفلات او مجاملات..ولمعلوماتك رعبي وحرصي عليك انتِ قبل صغيرتنا..لذا انسى تماماً"
هزت أثيلة كتفيها ببساطة رغم الحزن البسيط الذي طال قلبها انها لن ترى حياة اثناء الزفاف ولكنهم وعدوها ان يمرا عليها قبل الذهاب للفندق الذي حجزه محمد بما يلزم لتجهيز العروس..تحررت منه قليلاً دون ان تترك ذراعيه فتشرف عليه من علو تساقط شعرها بخصلاته المحمرة حول وجهه يداعبه وهي تقول"أعرف انك تخشى على ولكن..تورد وجهها تماماً..والكلمات تتوقف على أطراف شفتيها تحارب للخروج..استجمعت شجاعتها قليلاً تطبع قبلة على فمه المبتسم بتكاسل..ومن ثم تراجعت تماماً عن خطتها التي سألت هدير عن إمكانية حدوثها فتمددت مرة اخرى بين ذراعيه مخبره نفسها ربما يوم اخر أثيلة تستجمعين نفسك وتتحرري من خجلك الخانق هذا..
منحنت تليد ظهرها فاستدار و سحب وسادة صغيره من على أحد الأرائك يضعها تحت رأسها..وهكذا قضى ليلته كعادتهم..يحاوطها بتشدد ساقيه تضم ساقيها بينهم ذراعه احداهم تضم خَصرها بتشدد ويلصقها به والاخرى تستخدمها كوسادة تحت رأسها..تندس انفها فيه وتتشم رائحته فيهمس بجانب اذنيها"اه يا طفلة اقتحمت الضمير و سكنت القلب..وتخطت المنطقة الوعرة..فوضعتني أمام مرآتي وكشفت حقائق لم تكن الا خدعة"
أنت تقرأ
عادات خادعة
Romanceعادات خادعة ..حكايات وحيوات من قلب البيئة العربية عامة وروح الصعيد خاصة ..تتنازع العادات التى تنمو وتكبر غارزه جزورها عميقه بداخلنا وبين المنادئه بالحرية والعدل وقتل تلك العادات التى تنتهك المرأة .. الحكاية الأولى الصحفي المشهور بمنقذ الصغيرات المنا...