الفصل الرابع

20.6K 443 21
                                    

#الفصل الرابع#
بعد أسبوع
كانت عبير تجلس بجانب أثيلة على أحد المقاعد الخشبية العريضة..في الحديقة الخلفية لدار الرعاية للفتيات القاصرات..تنظر برضي تام للفتيات اللاتي قامت بمساعدتهن للنجاه بالتعاون مع تليد..لن تنكر انهن مازلن بحاجة للمزيد من التوجيه والرعاية حتى يستطعن الوقوف على أقدامهن ومواجهة المجتمع فيما بعد..
إلتفتت وهي ترسم إبتسامة هادئة لأثيلة التي مازالت على توجسها منهن برغم محاولة الفتيات ومن أول يوم الترحيب بها..ولكنها تتخذ الحذر طريقاً في التعامل معهن رغم إنها أصبحت تأتي بشكل منتظم وبرغبتها الكاملة..ولكن كل ما تفعله هي أن تجلس بينهن تراقبهن بصمت تام..ربما تتحدث معها هي ولكن بكلمات قليلة غير مترابطة..تعلم عن يقين أن ضحيتها الجديدة تحتاج لأول خطوة في العلاج وهي(الخروج من عزلتها..والتبعية التي كانت تفرضها عليها أسرتها..كما فهمًت)
الثقة بنفسها أولاً قبل أي شيء..بتمهل وحرص قطعت عبير الصمت وهي تقول:
"أنا سعيدة بتواجدك اليومي معنا أثيلة"
إلتفتت الأخرى تتفحصها بنظرات غريبة ! تعقد حاجبيها وكأنها تفكر بأمر تعجز عن فهمه وأخبرتها:
"وأنا أيضاً أحب أن آتي وذلك الرجل لا يمنعني بل أشعر بأنه يرحب برغبتي للتواجد هنا"
بهدوء سألتها عبير:
"هل تقصدين بالرجل..تليد ؟!"
تشنجت ملامحها بتقزز وهي تُخبرها:
"أنا لا أحب ذكر اسمه بل وأمقته كله"
نظرت لها عبير طويلاً بتفحص ولم تتخلى عن إبتسامتها الهادئة..من خلال فهمها لشخصية أثيلة المُنطوية قد قررت بعزم أن تجعل الفتاة هي من تبدأ الحديث بنفسها وهي فقط تشجعها أن تخطو نحوها بالخفاء ،تاهت نظراتها الحائرة بعجز وهي ترفع ذراعيها تضم نفسها بقوة تُمسد على كتفيها بكلتا يديها بحركات رتيبه:
عقدت عبير ما بين حاجبيها وهي تسألها:"هل تشعري بالبرد عزيزتي؟"
هزت أثيلة رأسها بالرفض وهو تقول بتردد:
"لا..الجو حار ولكني فقط..لم أعد أعرف بما أشعر؟!"
صمتت لبرهه وأردفت وصوتها المُتردد تأتي نبراته مهتزه:
"أنا..أنا فقط..لا أحب أن أتذكره..أكره أن أراه"
دمعت عيناها وهي تسترسل:
"عندما يتواجد بقربي أرتعب..روحي تخفو ببطئ..أشعر أني أموت في كل لحظه وهو يتواجد حولي..أُقتل ألف مرة بنصل سكين بارد عندما أنظر اليه وأتذكره وهو وهو.."
انفجرت فجأة ببكاء حاد لترفع يديها تكتم شهقات العالية بتشدد..
أخطر فخ على المعالج النفسي أن يتورط مع مريضة في مشاعر خاصة! وهي ما تجربه كل مرة مع مرضاها حاولت نزع مشاعرها الإنسانية جانباً وهي تُشير بيدها لإحدى المُشرفات أن ينصرفن الى الداخل بصحبة باقي المجموعة حينما قررت أثيلة الكلام لا يجب أن يسمعها أحد وهذا لسببين حتى لا تتذكر أحدهن ما جري معها..والسبب الأخر لحفظ سرية مريضتها..بهدوء وبرود تام كانت تستفزها لتخرج كل ما تكبته في صدرها..وهي تقول:
"اهدئي أثيلة وأخبريني..تتذكريه وهو ماذا.؟"
وصلت لغايتها بسهولة عندما رفعت أثيلة عينيها المشتعلة تفاجئها بقولها الصاخب بإنفعال ودموعها تترافق معه:
"اهدئي! تريدين مني الهدوء ؟!القول أسهل من الفعل مالم تجربي محاولة انتهاكك محاولة ذبحك ولفداحة الأمر من أمروكِ وافهموكِ العار الذي كان يسعي هو لوشمي به..هم أنفسهم من طالبوني بالسماح له بقتلي وقد تخلو عني..بل وحَملوني أنا..تلك الفضيحة التي إدّعو إنها حدثت بسببي )
كان صدرها يهبط بثورة وانفعال أنفاسها تخرج بتسارع..عينيها العاصفة كبحر هائج تُخبرها بكل ما تحمله من وجع وخيبه !
انتفضت من جلستها وهي تجز على أسنانها تسترسل في الحديث بدون ترابط وكأنها تريد أن تُخرج كل كبتها الذي لم تكن تدركه لسنوات مضت:
"أنا لم أفعل ما يضع رأسهم بالعار كما أدعو..ولم أريدهذا الزواج..ولكن من أنا لأرفض ما قرروه أنه لمصلحتي !"
شددت عبير على حروف كلماتها وهي تستمر في ترديد سؤالها بإلحاح:
"وما هو العار الذي حاولوشمك به؟ما الذي فعله معك؟"
بعدم توازن كانت تُدير دفة الحوار تفاجئها بالقول بالترافق مع السكون الغريب الذي حل بملامحها بينما ترفع يدها تمسح دموعها التي أسترسلت في الحديث تخبرها بشرود:
"منذ طفولتي وأنا فتاة مهذبة جيدةلا أحاول الاقتراب حتى بدافع الفضول لشيء هم أخبروني بأنه ممنوع.."
ارتجاف هز جسدها الضئيل بعنف وهي تسرد الحقيقة البشعة وتقول:
"حتى عندما كنت في الثامنة وأتوا بتلك المرأة البشعة..لتُجردني من ملابسي رغم تشبثي بها والنضال حتى موتي كما أفهموني هم منذ حداثة سني..صُدمت بأنهن من قاموا بتعريتي لها وكبح دفاعي عن نفسي بيسر واستغلال لعجزي وضعفي"
أغمضت عينيها ويدها ترتفع تصم أذنيها بقوة ملامحها الفتية تُصارع ألم جلّل وكأنها تعيش الذكري حية..زأرت بيأس وهي تُطبق عيناها بتشدد:
"اقتربت تلك المرأة وقطعت جزء مني بجبروت"
و كانوا فرحين يهنئون أنفسهم على دمائي التي أُسيلت تحتي غير عابئين بعذابي وخجلي لهتكي ولا بنحر جسدي الذي يأن..وأخبروني بعدها أن هذا لمصلحتى انهم يعفوّني هكذا ويمنعوني من الرذيلة"
وجع..وجع كان ما يصدر عنها صرخت مرة أخرى بأنين:
"أاااه..أنا لا أعرف حتى ما هي هذه الرذيلة التي كان يخافون أن أقع بها"
فتحت عيناها المُنهكه والتي يفز منها الألم تخبرها بإنهاك وشهقاتها تخرج رتيبة بطيئة تكمل حديثها:
"ولأني فتاة مطيعة مهذبة..لم أسأل عن مزيد من أسبابهم تقبلت ما فعلوه بدون حتى محاولة فهم..انهم من يعلمون ما هو الصالح لي..لم أخالفهم في شيء أبداً..فلما عاقبوني ورموني لهذا الرجل؟! لما الآن يطالبوني بمنحه ما حذروني دائماً بالحفاظ عليه؟فموتي..هو الثمن الذي يجب أن أدفعه إن تهاونت يوماً وتورطت مع رجل"
عقدت حاجبيها وكأنها أخيراً وصلت لتفكير منطقي من وجهة نظرها لتهتف به في وجه عبير التي كانت رغم تعاطفها الجلي وقلبها الذي يعزف معها نغمات الألم..
تراقب انفعالاتها بإهتمام تحاول التوصل لدواخلها فتقرأ أبعد مما تُخبرها اياه رغم بشاعته تحاول العثور على الثائرة التي بداخلها وقد حاول أهلها قمعها بكل الطرق وقد نجحوا حتى اللحظة! هزها حقاً ما نطقت به أثيلة بثقه:
"هل تعتقدين أنهم ما عادوا يريدوني عبير؟! ويدفعوني في طريق الهلاك الذي أرعبوني منه للخلاص مني وهذا الرجل كان الأداة"
..........................:
ولكم عشقت هديرالموال الصعيدي بشكل خاص,رغم نشأتها المختلفة عن الفتيات في قريتها وقضائها معظم سنين عمرها في القاهرة بصحبة أخيها و أمها,لم يتنازلوا يوماً عن هويتهم,ورمز افتخارهم واعتزازهم. تعشق كل ما يميزالصعيد..التراث والود السائد بين العائلات,ومعرفة كل عائلة وأخرى بعراقتها وأصولها..ربما يرى بعض أبناء المدن التخلف والرجعية بهم,و إنهم لم يتقدموا بعد,وذلك بسبب بعض العادات التي يتوارثها جيل بعد جيل..ولكنها تعرف أنهم لن يفهموا يوماً أن قوانينهم الخاصة هي ما تُميز عراقتهم,ورغم كل ما حدث ويحدث إلا إنها لم تشعر بالخجل يوماً من هويتها بل تُعلنها بكل شموخ هاتفة:
"أنا إبنة الجنوب الذي تحكمه القبلية"
وعلى نغمات الريس ( متقال) تركت لنفسها العنان,و كعادتها عندما يفتك بها التفكير ويشتعل داخل رأسها ولا تجد له إجابة,لترقص !!صراع قاتل هي ما تعيشه ما بين قلب نازف وكرامة ثائرة !! أغمضت عينيها وجزعها يتمايل ،وخصرها المياس يتلوى بطواعية يتناغم مع خصلات شعرها الطويل كسواد ليل ليس له أخر بتناغم تميل الى الخلف تكاد تلامس الأرض وتعود للالتواء وكأنها تتعانق مع نغمات الموال المتصاعد لم يكن رقص إغواء بقدر ما كان يحكي معاناتها ونزاعها!
فكلمات فاطمة الرنانة تتردد في أذنيها كطنين هادر،عقلها يدور ويدور ومن بين كل ما أخبرتها به عمة زوجها عقلها يتوقف ويردد بدوي هادر جملة واحدة:
"نحن نساء لم نخلق للخنوع..وان تجبروا علينا يوماً..نجد ألف صرخة وصرخة تصارع للخروج..لا نستسلم إلا عند الموت..وان طال صمتناً دهرا فلابد من يوم محتوم لتمردنا"
عيناها بزرقتها المشتعلة كنار أوقدت لسنين تعصف بتفكيرها وتربكها وهي تخبرها بغموض:
"لا تدعي هواكي يتحكم بك يا هدير..ناضلي قبل فوات الآوان..ازرعي أوتادك في أرضه يا إبنة أحلام قبل أن يكسر هو أجنحتك"
ومثلما قالت كلمتها بدون سبب رمقتها بنظرة مزدريه وانصرفت من أمامها..
بأنفاس متلاحقة كان يتابع تمايلها الراقص، عيناه تتابع بنهم عودها المغري الراقص ترفع يديها تغرزهم في طيات شعرها الكثيف لينتشر بفوضاوية يلتف حول جسدها البض بإغراء..أسبل أهدابه يأخذ نفس عميق يجبر نفسه على تهدئه أنفاسه المتسارعة  يوقف نفسه بحزم أمر:
"لا لن يعطيها مفاتيحه ولن يسمح لنفسه..أبداً أن يكشف نقطة ضعفه اليها..حرب صامته هي ما تدور بينهم..يعلم عن يقين مهما بلغ بها الضعف..سوف ترفض الأمر وتثور عليه..وهو ما لن يسمح بحدوثه أبداً..لقد حفظها كما خطوط يده كان يقترب منها كصياد ماهر لسنين يدرسها بعمق..لقد أذاقها حبه بصبر على جرعات مكثفة الى أن أدمنته..وسرى في جسدها وقلبها كمخدر فتاك..وحان الآن وقت إرساء قلوعه بجميع أرضها ؟! تظن أن بتمرد صغير فعلته اليوم كسبت جولة !!مال فكه بما يشبه إبتسامة ساخره..تلاعبه وتتمرد وتتحدى!!صبراً يا هدير كل ما أريده يأتي بالصبر لقد أقسمت يوماً أن تكوني كعروس ماريونيت بين يدي وأنا لا أخلف قسم قطعته على نفسي....
أجفلته وأخرجته من حديثه المستترلنفسه..عندما دارت حول نفسها وكفيها مفرودتين تقابلاً الأرض بجانبها ثوب من الأحمر القاني يلتصق بجسدها ويرسم انحنائتها بإغواء..ثوبها الطويل مفتوح على الجانبين بشق طويل حتى أعلي ركبتيها بعدة سنتيمترات فإرتفع بالتضامن مع إستدارتها وكشف عن طول ساقيها الانسيابيتين..تجمد مكانه يكتم أنفاسه بقوة ودمائه تتدفق في شراينه بصخب قلبه بين أضلعه يهدر بدوي رنان..
توقفت مع توقف موالها الشعبي..لتفتح عينيها فجاءة وتتجمد مكانها مثله..تحدق فيه بتوتر دون أن يهدأ صخب أنفاسها..أو تبرد النار السائلة في عروقها وتتدفق الى أفكارها المضطربه !اقترب منها يحاوط وجهها بين يديه يرغمها النظر الى عينيه الحازمتين والمفعمتين بمشاعر عدة غامضة تربكها..دنت عن فمه إبتسامة واسعه وصوته يأتيها أجش خافت يخبرها:
"لم أكن أعلم أنك تجيدين الالتواء كقطة راقصه ماهرة"
ردت من بين أنفاسها العنيفه بقوة غريبة تلبستها:
"أنا لست قطة يا أصيل كم خاب تشبيهك"
أطلق ضحكة قصيرة وهو يميل بوجهه يلثم جانب عنقها يخبرها بتأكيد:
"بل أجدتِ التشبيه..أنتِ قطة برية بقليل من الحزم ونعومة التعامل تصبحين أليفه تأتي برضى بين أحضان مالكك"
رمشت بعينيها وعنف مشاعرها يتحول الى شيء أخر وهي تقول بتردد:
"أنا لم يملكني أحد ولن يملكني يوماً بشر"
بثقه وبدون تردد قال:"كاذبه"
رفعت يدها تضعها على صدره تحاول التحرر منه وهي تميل الى الخلف تبعد عنه خطوة  لم تُفلح محاولتها عندما أخفض يد واحدة يطوق خصرها الذي أرهقه منذ دقائق بتمايله..شدها اليه يعيدها مكانها في أحضانه ويده الأخرى تجول على ملامح وجهها الناعمة ترسم خطوط ملامحها بتمهل وهو يقول ساخراً:
"مَن علمك الرقص بإغراء هكذا يا دكتورة هدير؟"
تكره الضعف الذي يدب في أوصالها في وجوده كم تكره هدير قلبها الذي يُعري مشاعرها أمامه فيتركها كشجرة ضعيفة الجذور في مهب ريح عاتية..تلعثمت وهي تجيبه ببديهيه:
"لا يوجد فتاة لا تجيد الرقص..أو الإغراء"
حزن غريب وندم أغرب سكن عينيه وهو يقول بشجن..وصوت بعيد:
"هي لا تُجيد الرقص ولا تجيد الرد حتى..في الواقع هي لا تُجيد أي شيء"
تململت لتنجح في التحرر منه استغلت تلك اللحظة التي أرخى فيها حصونه مع شعور بالذنب يجلدها وهي تعلم جيداً من يقصد بدون الإفصاح حتى عن أسمها..
ردت هدير:
"لم يجبركم أحد عن حجبها عن العالم..ولم يجبركم أيضاً أحد على التضحيه بها"
مشاعر قاسية هي ما تُمزقه وندم يقتله عند تذكره لضحكتها الطفولية..صخبها ومرحها من حوله محاولتها اثارة جنونه فتدعي أنها تنتقم منه بطفوليه لفعل قام هو به لاستفزازها..
وجع أخر عند تذكره نظراتها التائهة الخائفة عند اقتراب أي بشر منها واستنجادها به أو بوالدها وهي تندس وراء ظهورهم بخجل مختلط بالجزع عندما كان أي من أبناء عمومته يقتنص الفرصة مدعيا إلقاء السلام عليهم فقط ليستطيع النظر الى الأميرة التي تحبس في قصر محصن بأسوار عالية..رفع عيناه لها يخبرها بتشدد متصلب:
"تعلمين جيداً أني لم أضحي بها ورفضت هذا البدل حتى يوم عقد القران"
بلوم أفلت منها قالت:
"كنت تستطيع..أن تخبره يا أصيل لا أن تخدعه مرتين"
رفع حاجب واحد بملامح مُغلقة وهو يقول بتصلب:
"لم أخدعه..غروره ورفضه لرؤيتها هو الذي أعمى بصيرته..فإستحق صدمته"
عقدت ما بين حاجبيها وهي تقول بإستنكار:
"هل أنت مقتنع بما تقول؟أنت تمزح بالتأكيد"
بتصلب أشد أخبرها ليجلدها خفاء وعلانيه في محاوله لترسيخ الفكره بعقلها:
"أما عن مقابلتنا التي تدعي بأنها خداع..فهذا خطئك أنت وحدك..أنا لم أجبركِ على شيء كنتِ تستطيعين التمسك بالرفض"
ارتفع كفها يفرك وجهها بتعصب فتتشابك خصلات شعرها بين أصابعها فتمتمت بعجز:
"كف عن إلقاء اللوم على لتخرج من الأمر بريء..أنا لم أُخطئ معك ولم أسمح لك حتى بلمس يداي"
إبتسامة شيطانية هي ما احتلت وجهه لن ينكر أنه يستمتع بضعفها نشوة تحتله كله عندما تتنازل عن كبريائها وترخي حصونها..ردد لنفسه مروض الخيول الماهر هو من يجيد فن التعامل مع فرسته الجامحة..فيعلم متي يشد الطوق حول عنقها ومتي يرخيه لتأتي بقدميها خاضعه راغبه..لذا وبدون تردد نفض الماضي جانباً واقترب بدون إبطاء يلف ذراعيه بحنان يضمها الى صدره ويده ترتفع تخلص وجهها الذي أحمر من سطو يديها المعذبة له..رفعت له عينيها بغلالات دموع أصبحت لا تنفصل عنها..فرد يديها أمام عينيها المراقبه وخلص شعرها المتشابك من بين يديها ورفع كل خصله شارده منها الى فمه ولثمها بتمهل..وألحقها بتقبيل باطن يدها..قبلاته إشتدت وطأتها وهي ترتفع تطول ذراعها العاري ببطئ متمهل متسارع  الى أن وصل لنحرها دفن وجهه به يطبع قبلات نارية متملكه..وجسدها يرتعش بين يديه وشهقاتها تتعالى بمراره حاولت إزاحته بعنف عنها تعلن عن رفضها بحزم:
"أبتعد يا أصيل هذه ليست حياة..تهينني كل مرة وبعدها تستغل جسدي"
لم يبالى برفضها وهو يقول بنعومة:
"أستغل!!أنتِ زوجتي هدير..هذا ليس استغلال بل اشتياق و حب لك"
بصوت مختنق مرير أنكرت ومقاومتها لم تهدأ:
"أنت تعلم أنك كاذب لا يوجد حب هكذا لقد ضننت على بإعتراف كنت أحتاجه منذ ليلتنا الأولي"
كان غارق في دوامته بها فأيقظته كلماتها المتوجعة فأصابت قلبه العاشق بسهم نافذ رفع يديه يغرز أصابعه من الجانبين في فروة رأسها يده تتقبض وتنفك برتابه بين خصلات شعرها المُتعانقة حول أطراف يده أحني رأسه يخرس قلبه الذي يريد أن يطمئنها بولهه بها ليجعل العقل ينتصر في معادلته لا حب لا عشق بل يجب أن تصبح عجينة هشة بين يديه وينجح في كسب ولائها وطمر هويتها...
الألم كان أشد من تحفظه داخلها وهي تتبين الى أي حد يحتقرها وإن لم ينطقها..يُعيرها بخطأ واحد قامت به معه مراراً وتكرراً..بمبالغه منه لا تعرف سببها..
أمرته وهي تحاول أن تُحرر نفسها من يديه التي تتقبض على شعرها:
"إبت..عد"
رفع وجهه وهجم على شفتيها بضراوة لم تكن قبلة شوق كما يدعي بل كانت قاسية شرسة يحاول بها أن يُرضخها ؟! زمجرت بين شفتيه برفض عندما ابتعد عنها عيناها اشتعلت بقوة ورفضته قائلة في وجهه:
"أنا..لا أريد يا أصيل ولن تمتلكني مرة أخرى إلا برغبتي"
إبتعد خطوه عنها وبمنتهي البرود فك أزرار قميصه ليُلحقه بباقي ملابسه وهو يُخبرها بعدم اهتمام:
"وهل أخبرك أحد أننا قوم نغتصب النساء عزيزتي"
عيناه اشتعلت ببريق مخيف لتنطفئ سريعاً وهو يخبرها بإشمئزاز:
"ليس جميع رجال عشيرتناً مثل أخوكِ الوضيع يا هدير"
اقترب مرة أخرى يجذبها من ذراعيها وبدون اكتراث ألقي بنفسه على الفراش..وهو يجذبها معه لتعلو جسده شهقت بصدمة حقيقية وهي تحاول أن تُحرر نفسها منه..كبلها بذراعيه أكثر وهمس في أذنها بصوت أجش خافت يدغدغ مشاعرها وهو يخبرها:
"اهدئي..يا ست البنات وتقبلي عاطفتي ولا تقاومي ضعفك بي"
وبتمهل حذر كان يعود لإجتياحها..يمنحها كلمات العشق المسمومة..يملئ روحها المتعطشة بها يُغيب عقلها الذي بدأ أول نوبات تمرده عليه يحكمها بإلجامها برغبتها ولم يتركها إلا وهي تئن رغبة مشبعة بالرضى بين ذراعيه يردد في أذنها موالها المتغزل:بلكنته الصعيدية المميزه:
(و يا بت جملك هبشني و الهبشة جت في العباية
وده ورد خدك دوشني خلا فطوري عشايا
مافيش حد خالى من الهم حتى جلوع المراكب
اوعي تجول للندل يا عم لو كان عالسرج راكب
الدهر غادر و سهمه ياما ظلمني و رماني
و عوازلي في جرح سهمه يشهد عليهم زماني)
........................
كانت عبير تجلس على مقعد مقابل أثيلة بعد ان استطاعت ان تُهدئ ثورتها عقب ما تبادلوه أو لتكن أدق عبر انفجار الفتاة الصاخب بما تكتمه..ككل مرة منذ أن بدأت في الحديث قبل أسبوعين..تنهدت عبير بهم لا تستطع أن تُنكر أن حالتها الجديدة ربما أصعب مما مر عليها سابقاً..فمعظم الحالات التي مرت عليها..كانت تفهم ما هي مطالب الزوج ليلة الزفاف..حتى وإن كن يرفضن الأمر ولا يتقبلن العلاقة التي تهدر طفولتهن..قطعت الصمت وشرود الأخرى في عالمها الخاص تحاول دون يأس أن تُخرجها من دوامة الصمت التي تعزل نفسها بها عقب كل انفجار متردد منها:"هل تشعرين أنك أفضل الأن حبيبتي"
خرج صوتها هامس بما يشبه أجابه:
"أنا لا أعلم ما الذي يجعلني دائماً أخبرك كل هذه الأشياء..وبعد الحديث أشعر أن قلبي انزاحت عنه بعض أثقاله"
إبتسمت عبير بود وهي تُجيبها:
"يقولون أثيلة..أن القلوب تتألف بدون سبب فقط الروح تستشعر الاطمئنان بطريقة مُبهمه من كل طرف الأخر"
نظراتها التائهه دائماً هي ما تعبر عن حيرتها في الواقع هي تستعجب كيف لمن أمامها الأن رغم كل هذا الاضطهاد والكبت الذي تعرضت له لم تعاني من مرض نفسي فتاك حتى هذه اللحظه..فالأسرة بشكل عام و وتنشأتها الاجتماعية هي من ترسم ملامح الشخصية وتحدد سلوكها ومبادئها منذ الصغر والأسرة أيضاً وظيفة نفسية هامة جدا فهي التي تُسهم في إشباع رغبات الطفل النفسية وفي تشكيل كيانه النفسي خاصة في سنواته الأولي أمَّا إذا تعرض الطفل الى تجارب مؤلمة داخل الأسرة ناتجة عن تقصير ما من الوالدين فإن ذلك يُشكل ضغوطا نفسية خطيرة على الطفل قد تؤثر سلبا في شخصيته وتخل بتوازنه النفسي وتجعله عرضة للإصابات بأمراض نفسية مختلفة..وأسرة أثيلة بالتأكيد فشلت أن تفعل ذلك بل دفعت الفتاة الى حافه الهاوية دون أن يدركوا وبجهل تام منهم...
مالت عبير مرة أخرى تربت على يدها المعقودة في حجرها تفك تشابكهم وهي تعطيها كأس بارد من عصير البرتقال..تتودد لها وتحاول كثب ثقتها وتحاول ان تتجاذب معها أطراف الحديث بهدوء هذه المرة:
"أنا طلبت لك هذا العصير على ذوقي ولم أسألك هل تحبيه أم لا"
تناولت منها أثيلة الكأس وهي تبتسم بأرتعاش وتخبرها بحنين:
"أبي كان يزرع شجر البرتقال في الزرعه الخلفية للمنزل خصيصاً من أجلي"
سألتها عبير وهي تحاول تستفهم منها أكثر:"هل تشتاقين لوالدك حبيبتي؟"
تغضنت ملامحها بألم لا يخلو من الجمود وهي تقول:
"نعم اشتقت لحنان أبي..ولكن أيضاً لا أريد رؤية خطاب الذي ألقى اللوم عليّ و أذاني"
أبيها وخطاب ؟! عقلها المشتت الرافض يبدو أنه أعطاها صورة مريحه لما يحدث ففصل شخصية أبيها لجزئين أحدهم الأب الحبيب لقلبها والأخر خطاب القاسي الذي سلمها لزوجها ؟! زوجها مشكلة أخرى هي أمامها والأخر يطالبها بإلحاح أن يعلم ما يدور بينهم بل ويطالبها بالتسريع لإيجاد حل ما..ليستطيع التعامل معها:
بهدوء وإبتسامة حلوه كانت عبير تُجيبها:"خطاب والدك الذي رعاك..لم يؤذيك..ربما حبيبتي هو تعجل في زواجك ."
قاطعتها أثيلة بإنفعال وهي تقول:"لكن أنا لم أريد الزواج ولم أريد هذا الرجل"
ببطئ سألتها عبير:
"إذن لما لم ترفضي الوقوف في وجههم وتعلني عن رغبتك وحقك؟!"
أمالت رأسها تتفحص عبير وهي تردد كلماتها بغرابه:
"أرفض..ورغبتي وحقي!!"
بنبرات مستعجبه وكأن الكلمات جديدة على مسامعها ولا تتذوق معناها أردفت:"وهل أنا من حقي رفض أي شيء هم يخبروني أنه لمصلحتى ؟هم يعرفون الحياة أكثر مني"
مالت عبير في جلستها تقترب من جلستها حتى أصبحت على مقربه من رأسها المائل تخبرها بصوت رتيب:
"لا أثيلة خطأ..هم لا يعلمون كل شيء وليس من حقهم تقرير مصيرك..أنت تملكين نفسك..ذات منفصله..لكي حق رفض أمر لا تريديه"
راقبتها عبير وهي تتخبط أكثر تهمس تعيد الكلمات التي نطقتها وكأنها تتذوقها لأول مرة تحاول أن تستكشفها أكثر..أول خطوات العلاج تربك معتقداتها القديمة لتزيحها عن عقلها وتجعلها تكتشف (الأنا ) داخلها..
وقفت عبير من جلستها المواجهه تتحرك الى مكتبها تمنحها الفرصه لتسوعب ما تخبرها اياه أتاها سؤالها وكأنها تعجز عن الاستيعاب وهي تقول مستنجدة:
"كيف أخبريني كيف أستطيع تحديد مصيري هذا ؟كيف أملك حقي في نفسي كما تدعين أنت؟"
استندت عبير على طارف مكتبها تعقد يديها على صدرها تسألها:
"من أنت أثيلة؟"
أجابتها أثيلة بغيظ:"ماذا تعنين بمن أنا..وأنت ترددي أسمي"
وإبتسامتها الجذابة التي تبث الطمنينة قالت عبير:
"بالطبع أنا أعرف أسمك أثيلة واعرف من أنت ولما أنتِ هنا ولكن..."
توقفت لبرهة تتفحص ارتباكها ليخرج صوتها قوي النبرات وهي تقول:
"ولكن لا أعرف من هي أثيلة بداخلك..ماذا تريد؟وماذا تشعر؟"
رددت بقوة أكثر تُلِّح بالسؤال:
"من أنت أثيلة بما تشعرين داخلك؟ما هي أحلامك الخاصه وخططك لمستقبلك؟ كيف ترين أثيلة نفسها بعد عشر أعوام ربما؟ماذا تحبيه وما الذي تمقتيه؟من هي أثيلة خارج اطار أسرتها وما يفرضوه عليها؟"
بفم فارغ وتيه عظيم كانت تصارع الحديث المتدفق كأمواج عاتيه لم تجبها الا بكلمه بلهاء:"ها"
ضحكت عبير ضحكة قصيرة وهي تقول:
"ها ليست اجابة أثيلة أطلقي لعقلك العنان وأكتشفي نفسك أولاً أخرجي من الجانب المعتم الذي يضلل عقلك.."
بإرتباك وهي تمسح بضع قطرات عرق على جبينها قالت:
"أنا لا أعرف ولا أملك اجابة..أنا حتى لم أفكر من قبل فيما تقوليه"
تغيرت نبرات عبير لحزم ممزوج بالشفقه عليها أخبرتها:
"اذن حان الوقت لتفكري وتبحثين بداخلك..عن الأنا خاصتك"
بصدمه وبلاهه وسؤال حائر يطوف في عينيها..كيف تفعل كل هذا وماذا تعني تلك الأنا التي تخبرها بالبحث عنها..لم تصدم عبير عندما نطقت بغير السؤال الذي تقرأه بوضوح عندما قالت:
"ذلك الرجل سوف يمنعني"
ضحكت عبير بخفه وهي تقترب مرة أخرى تجلس على ركبتيها تبثها الاطمئنان والثقه الوليده بينهم تجعلها تتسلل لداخلها بيسر قائلة بإقناع:
"ذلك الرجل زوجك أثيلة له اسم تليد..تعودي على نطقه"
هزت رأسها بتعنت رافض لتكمل عبير تبثها كلماتها ببطئ تبسط حقيقة وضعها:
"أسمعي حبيبتي تليد لن يؤذيك حقاً مرة أخرى..أن أراد أنت تعيشين معه منذ شهرين الآن ما الذي قد يمنعه وأنت تحت سقف بيته وحدك أثيلة"
فتحت فمها تخبرها بشيء أدركته عبير ببديهتها لتعود تؤكد عليها وهي تعد على أصابعها الحقائق:
"ذلك الرجل أنقذك من أيدي من أرادو أذيتك..أبتعد بك من الجنون الذي يحدث في قريتكم..لا يفرض عليك شيء لا تريديه وهو من حقه..واتي بكِ الى هنا لمساعدتك انت بنفسك أخبرتيني قبل ثلاث أسابيع أنه يشجعك لتأتي الى هنا برغبتك الخاصه"
زفرت بحدة تخبرها بتزمت:"أنتِ تحاولين تجميل صورته في عيناي لأنك رفيقته"
باستنكار سألتها مباغته:"وما هي هذه الحقوق التي تدعي انها من حقه ويمن علي بعدم اجباري عليها.."
وقفت عبير مرة أخرى تهز كتفيها بوقار وهي تتجه الى مكتبها تجلس بأريحية مستفزه للتي أمامها وهي تقول:
"حقوقه كثيرة أثيلة ولكني لن أخبرك..إلا لو تحدثتي أنت عما فعله معك وجعلك حاقده عليه هكذا"
لن تنكر عبير انها تُعجب بتلك النيران المتأججة الثائرة في عيني الفتاة..عند ذكر تليد وما فعله معها..وككل مرة رفضت بتعنت أن تتفوه بشيء..تعلم أن أغلب ضحايا الانتهاك حتى وأن لم يتم لا تحب التحدث عن الأمر حتى لا تغرق في رثاء الذات فيحجب العقل الذكرى بمهارة ويواري الحدث في طيات الذاكرة ويتظاهر بالنسيان ولكنها تعلم أن الانفجار سوف يأتي قريب وسوف تتحدث بنفسها للتحرر من عب كتمانه!!انتهت جلستها معها وهي تنظر لساعتها تعلم أن وقت قدوم الأخر اقترب وهي تخبرها:
"البحث عن ذاتك لا يحتاج الإذن من أحد حق تقرير مصيرك هي منحه من الله وحده..لن يستطيع أنسان أن يمنعها عنك أن أرادتِ..واجهي مخاوفك بقوة واعلمي انك المُسيطرة الوحيدة على ما يقلقك..ولا تقولي لا أستطيع..فإن قولتيها يتحقق ما تخشيه وتتحقق أبشع كوابيسك"
..................................................
خرجت أثيلة من الدار متوجهه الى سيارة تليد الذي ينتظرها داخل السيارة كعادته اليومية راقب تعثرها في التقدم ككل يوم تأتي اليه
نزع عيناه عنها وهو يخرج يده ويلوح لعبير الواقفة في الداخل بإمتنان لوقوفها بجانبه في معاناته ولصدمته وجد الأخرى تفتح الباب وتحتل المقعد المجاور له في صمت رفع حاجب وتحد مستعجب..ولكنه لم يحاول التحدث بشيء..ولتزيد من صدمته أتاه صوتها المرتعش تخبره بنفور مرافق دائماً له معه:
"أنا لن أربط هذا الحزام..يشعرني بالاختناق"
هز كتفيه بلا مبالاة وهو يقول ببساطة:
"أذن لا تضعيه لا أحد يجبرك على ما لا تريدين"
أحمر وجه أثيلة وهي تضغط عينيها بقوة وكأنها تجبر نفسها على الحديث معه لتقول بعصبية:"أعلم وأنا لن أسمح لأحد..حتى أن أراد اجباري"
أشاح بوجهه عنها بتعجب..يخبر نفسه بصبر كل ما ينقصه الأن بجانب رعبها منه مزاج المراهقة المتقلب!
أشاحت بوجهها عنه تتطلع من نافذة السيارة تتابع الطريق بشرود وأفكارها تعصف بها تحاول استيعاب كل حديث عبير المتدفق العجيب بالنسبه لها ووجها الشفاف كان ككتاب مفتوح بالنسبه له وانفعالاتها مكشوفه تشوش أفكارها يتعاقب برتابه وكأنها غارقة في حل مسأله فيزيائية صعبه..رغماً عنه كان يسترق النظرات اليها ربما يسبر أغوارها ويفهم أفعالها العجيبه..قطعت الصمت الذي لفهم سوياً تخبره بإرتباك:
"أنا جائعة"
هل يوم الصدمات العالمي اليوم ولم يخبره أحد؟! ما الذي فعلته عبير بالفتاة خلال الشهر الماضي لتجعلها تتحدث معه وأن كان بكلامات قليلة..أشار بعينيه الى الخلف بدون أن يلتفت وهو يقول:
"أجزمت بهذا مع تعنتك الرافض لمشاركة الفتيات الطعام في الدار"
أحمر وجهها حتى احست به يكاد ينفجر من الحرج وكالعادة تجنبت كلامه وهي تخبره:"أنا لا أحب هذا الطعام الذي تأتي به أنه (ماسخ)
كتم ضحكه تريد تخرج مدويه فسيطر عليها بمهاره أكتسبها العديد من المرات في مواقف محرجه تخص عمله..ساد الصمت بينهما للحظات قبل أن يقول بهدوء:
"لو أخبرتيني سابقاً..ربما كنت استبدلت هذا الطعام (الماسخ ) بشيء أفضل"
مطت شفتيها ببرود وهي تجيبه ببديهيه وهجوم متخفي:
"وها قد أخبرتك الآن..فهل ننهي الحديث..وتتكرم بإطعامي تعلم جيداً أني أمقت الحديث معك"
فغر فمه بذهول وهو يرمش بعينيه غير مصدق لجنون الفتاة وعقال لسانها الذي انفك معه !!تهاجمه..وتطالبه بإطعامها..سيطر على بلاهة وجهه سريعاً وهو يتفحص وجهها الطفولي المُتجهم لا يعلم لما تُذكره بهدير وهي في عمرها..فيجد نفسه رغم وجعه عندما يراها والذكرى المرة تطوف في حجاب عقله..متعاطف معها يريد أن يتواصل معها يمنحها بدون أن تطلب شعور بالامان والاستقرار..يمدها بكل ما يستطيع من مساعدة كما فعل ما هدير..هدير وجع أخر وغصة مُرة كم يشتاق اليها..وكم يؤلمه عقابه لها وتركها تتخبط مع هذا الندل تقبضت يداه بغضب عنيف أسود على مقود السيارة وهو يتذكر خيانته له مرتين..وَيَا ليتها اقتصرت على خيانة صديق لعهد بل بغباء دمر علاقته بهدير وقضى على براءة أثيلة..وكالعادة عندما يكون بجوارها عود نفسه السيطرة على غضبه المشتعل سريعاً..يختطف بعض النظرات اليها يسأل نفسه سؤال يتكرر بصدى مُرهق داخل عقله..أتراه يأمل أن تجد فيه يوماً هوية تشملها..وقد فقدت مرة واحده كل انتمائاتها؟! أتراه يستطيع أن يمنحها الاستقرار ويمحي ذلك اليوم القاتل من ذاكرتهم سوياً!!أتراه يستطع أن يساعدها على النضوج والتحرر وأن تجد نفسها وتنسي ماضيها!!والسؤال الذي يلح على نفسه..وماذا عنه هل من الممكن أن يتحرر هو من عقدة ذنبها يوماً؟!!
توقف بعد وقت قليل أمام احدى المطاعم الفاخرة ركن السيارة وهو يترجل منها ويخبرها بهدوء:
"هل سوف..تتبعيني بهدوء..أم ككل مرة أحاول أن أقنعك بأنه مكان عام ولن أؤذيك"
لم تكلف نفسها الرد حتي وهي تفتح باب السيارة بجمود وتتبعه بالية..بعد وقت كان يجلس معها على مائدة جانبيه تحت اضاءة خافته بعيد عن أي أنظار متلصصه تعرفه..ما يشعره في هذه اللحظة كم يمقت عمله الذي يجعل من اليسير التعرف عليه من بعض الناس الفضولية!! كان تقريباً يحجبها في جلستها المقابلة له وهي تنذوي على أحد المقاعد بأرتباك وعينيها تجول على المكان برهبه!أشفق عليها من ذعرها الواضح سألها وهو يعلم الاجابة جيداً:
"هل هذه أول مرة تتناولين الطعام في مكان عام؟"
إجابته وهي ذاهله مكتومة الانفاس:
"لا..نعم..أممم أقصد أني لم أخرج من القرية قط."
.لتعود تنفي سريعاً وهي تخبره بفيض كلماتها:
"لا لقد كان يصطحبناخطاب بضع مرات الى المحافظة..ولكن دائماً يختار بقعه منعزله لا يرانا أحد بها"
أومأ لها بهدوء وهو يحاول تجاذب أطراف الحديث معها مستغل فرصه أرتباكها وتشتت انتباها بحرص الشديد في التعامل معه:"مثلنا ألان.."
نفت سريعاً وهي تتأمل فخامه المطعم واختلاط رواده من خلف ظهره وتستفيض في الشرح قائلة:
"لا ليس مثلنا كان يأمر صاحب المطعم بأخلاء منطقه لنا خاصه بالعائلات"
عادت اليه بنظراته تتأمله عاقده الحاجبين وكأنها أدركت حديثها معه لتعود سريعاً لتوجسها المعتاد منه نزعت عيناها عنه بنفور معتاد أصبح جزء منه لا يبالى به لتدفن رأسها في قائمة الطعام وتلتزم الصمت..ما تبع بعد حديثهم القصير كان رتيب وممل له قام بطلب الطعام بنفسه ولتزيده غرابه تناولت ما طلبه لها دون أعترض أو سؤال !!بعد وقت كان يصحبها معه في صمتهم المعتاد مغادرين المطعم..أغمض عيناه وهو يستشعر بالغضب يتعاظم بداخله مترافق مع الاحباط عندما لمح بعينيه أحد عملاء الجريدة السمجين مماثل له في العمر من متسلقي الطبقة المخملية ومتحايل على القانون..لقد شن هو حرب عليه من قبل يعرف أن الأخر لن يضيع الفرصه في إظهار ود زائف كالعادة أقترب منه وهو يدعي فرحة لقاء الصدف يمد يديه اليه بترحيب لا يمت للود بصله:
"مرحباً تليد أشتقت اليك يا رجل أين أنت مختفي"
رحب به بفتور لم يستطع مدارته وهو يبادله سلاماً قائلاً مجاملاً:
"مرحباً حازم سعيد برؤيتك.."
حرر حازم يده ليمدها لأثيلة وهو يتفحصها بنظرات متمهله جريئة ينبض بها الخبث:"مرحباً..أنستي..تشرفت برؤيتك"
قطع تليد تقدم يديه ناحيتها..ليشعر بإرتباكها
المترافق لخوفها ورد فعلها التالي هو ما كان الصدمة الكبري له اذ عادت خطوة الى الخلف تختبىء خلفه..وكأنها تحتمي به! وبرد فعل سريع عاد لحازم بكل انتباهه ممسك يده بين كفه مرة أخرى و يخبره بجفاف:
"عذراً حازم تعلم جيداً أن نسائنا لا تتبادل السلام مع أحد"
بأستفزاز وسماجته الدائمة تغلبه سأله مستفسر:"نسائكم..اه عذاراً ولكن من تكون"تلصصت عينا المسمي بحازم لخلف تليد ينظر لتلك المراهقه المرتبكة بوقاحة فجه كأنه يتعمد أستفزازه..أو ربما أعجبته..تمتم بشيء ما هامس لم يستطع ان يسمعه ولكن رغم هذا لم يرتاح له تليد..الحقير لا يردعه رادع فارت الدماء في عروقه وجعلت غضب وحشي يتمكن منه مرغماً..ليضغط على يد حازم بشراسه جعلت الرجل يجفل وهو يسحب يده سريعاً وينزع عيناه عنها..ليسمع صوت تليد يأتيه مكتوم:
"كما أنك تعلم جيداً بأننا لا نفضل أن ينظر أي أحد لما يخصنا لولا رقي المكان وذرة متبقيه احتراماً لنفسي لكنت طرحتك أرض"
ببرود قال الأخر:"تمهل يا رجل لم أقصد شيء ولكني هذه المرة الأولي التي أراك مع أحداهن ربما يحدث بيننا نسب وننهي تلك العداوة التي ليس لها سبب"
توسعت عينا أثيلة بصدمة وهي ترى تليد لم يسيطر على غضبه و يكور قبضته ويوجهها في منتصف وجه الأخر تماماً وهو يجز على اسنانه قائلاً:
"الم أخبرك يا حازم مراراً لا تحاول أستفزازي ولا تتطاول على حياتي الشخصية..فهي خط أحمر بالنسبه لأي أحد"
أردف بقوة وبدون تردد:"أنها زوجتي يا حقير"
ارتد الأخر خطوات للوارء وهو يراقب غضب الأخر العاصف يشد تلك المراهقه من يدها وينصرف بخطوات واسعه نارية وبإبتسامة شرسة شيطانية كان يعد نفسه بأنتقام قريب دسم..يعلم هؤلاء القبليين نقطة ضعفهم النساء..واللعبة حلوه شهيه..ويال حظه تبدو معدومة الخبرة..ساذجة وقد لمس ذلك من خجلها الواضح وذعرها ستكون مادة جيدة للاستمتاع والتسلي..

عادات خادعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن