الثالث عشر
..
فتحت الباب غير مبالىة بطرقه كعادتها مؤخراً..وقالت بحماس:
"أريد أخذ رأيك في مقال ضد إحدي الشركات الفاسدة..علياء لديها بعض المستندات التي تدينهم..ولكن نحن بالطبع لن نستطيع أن نتحرك وحدنا"
إرتفع حاجبي تليد متفاجئاً..من دخولها المندفع وحماسها الغير معتاد في الاسبوع الماضي..فمنذ ما حدث في مكتبه من دينا ومتوحشته العنيدة تعاقبه على ما يبدو بتجنبه التام..ولم تسمح له مهما حاول بالاقتراب..وهو إلتزم الصمت وإنتظر أي بودار شجاعة منها لتواجهه و تخبره بما يزعجها..تراجع تليد الى ظهر مقعده ونظر لها نظرة مستفزة قائلاً:
"لماذا يا قصيرة القائمة..هل تنازلتِ أخيراً و تحدثتي معي..تطلبين مساعدتِي أيضا"
ظلت أثيلة صامتة عدة لحظات وهي تنظر للأوراق التي بين يديها ثم قالت أخيراً:
"ومن قال أني لا أتحدث معك..أما عن طلبي العون..فهذا واجبك كأستاذ لنا جميعاً"
وقف تليد بتمهل من مكانه وإقترب منها بكسل..وإبتسامة لامعه تبرق في عيناه شديدة الخضرة..الى أن وصل اليها فطوق خَصرها بإحدي ذراعيه وألصقها به ورفعها عن الارض قليلاً لتصبح مساوية لطوله..شهقت بصدمة وأبعدته عنها قائلة:
"أتركني هل جنتت سيرانا أحد ما..ماذا سيقولون عني"
رجع بها للوراء قليلاً وأغلق الباب بالمفتاح وهو يقول بنرة حارة نارية:
"من يرانا سأخبره أني مشتاق يا بحرية وعطشان جداً وقد أهلكني الظمأ ،، والماء أمامي هذا حرااااااام"
رغماً عنها تسللت لها إبتسامته..وذلك التهور في وصالها..يشعل فيها الارتباك الدائم والتخبط بإقترابه الحميمي منها..
طوقت عنقه بإحدي ذراعيها تتصنع الغضب وهي تقول .:
"أنا أحذرك من الاقتراب..فأنا غاضبة جداً منك ،"
تحرك بها مرة أخرى وأجلسها على سطح مكتبه..هز رأسه بإهتمام مع إرتفاع شفته السفليه بالترافق من فكه سائلها:"وما الجريمة التي إرتكبتها في حق طويلة اللسان لتغضب مني..هل أخبرتيني إن تكرمتِ"
كانت أثيلة تنظر له بصمت وعيناه بزيتونيتها الدافئة تأسر عيناها بموجها الثائر تعلم جيداً أنه يقرأها بوضوح ويدعي عدم الفهم فيما يزعجها..ولكنها لن تتحدث..ولن تخبره أبداً بذلك الشعور القابض على أنين قلبها الخائف من فقده..هو وعد..وهي لن تتنازل وتقدم له أسباب لجرحها إن أراد..إن كانت تلك الدينا..تقترب منه أو حتى تحاول النيل من حق لها فيه..فهي ستبقي بحريته التي تعلم جيداً أنه أرضها وحدها..لذا ببساطة..لن تعلن عن حربها أو غيرتها التي تتمكن منها مرغمة..حتي تري بعينيها بادرة منه نحو دينا..لقد فكرت ملياً بالأمس وقررت أن تتخذ طريقاً آخر نحو تليد..فقط تتمني أن يتبعها عقلها كما قلبها ولا يخيب أحدهم رجائها..لترسي كل أشرعتها أخيراً..في وطنها المتمثل فيه قطع الصمت وهو يتقدم أكثر..حاوط جلستها ويده تمتد لتفك حجابها وهو يقبل أحد خديها المحمرتين دائماً بطبيعية .:قائلاً
"لماذا صمتِ حبيبتي ،، هل عجز لسانك عن أيجاد الرد"
ضحكت بإرتعاش وهي تحاول أزاحة يده قائله ببساطة:
"لا ولكن أنا,لن أخبرك بسبب إنزعاجي,يجب أن تعلمه وحدك,
وتتجنبه وتطلب ودي بنفسك"
إرتفعت أنفاسه بسرعة غريبة وهو يفك أزرار بلوزتها العلوية..قائلاً بخشونة:
"أنا أفعل الأن ولكن ثرثرتك تشتتني بحريتي"
أشتعلت عيناها برفض تام وهي ترجع رأسها بتململ وتخبره بضجر:
"يا اللهي أنت أصبحت خارج السيطرة تماماً نحن..في مكتبك يا أحمق"
قطع سيل سبابها وهو يتناول باقي حروفها داخل فمه..حاولت التحرر منه فضغط على ساقيها يثبتها بين ركبتيه..يسلك الطريق الذي عرفه معها ليضيعها ويضيع معها في ذلك التواصل الىتيم بينهم..جسدها الضئيل إرتعش إستجابة فرفعت يديها بحذر شديد ودستها في خصلات شعره الكثيفة تاهت تماماً معه سلمت كما أراد..غمغمت برضي تام عندما ترك شفتيها فشهقت طالبة للهواء وشفتيه أخذت طريقها الحارق نحو عنقها وجيدهاً بعاصفة مجنونة غير مراعية لبرائتها أو تمهله السابق في وصالها أمال جسدها على سطح المكتب وأخبرها بصوت محموم مكتوم:
"نعم فقدت عقلي وتحفظي يا متوحشة..أريد أن أتزوج..يا إبنة
خطاب لقد مل الصبر من صبري عليك"
جنون ما استشعره صدر منها وهي تشد شعره المشعث بفعل يديهاتقضم جانب عنقه بعنف لم يفلتها وهو يتخلص منها بصدمة..نظر لعينيها بزرقتها الداكنه الغريبه..أخبرته بجنون:
"هل تريد أن تتزوج على أقسم بالله اقتلك"
كانت أنفاسها تخرج بنيران غريبة مجنونة جعلت الشفقة تتسلل لقلبه نحوها وأخبرها بخفوت يائس..ولم يحررها من ثقل جسده بعد:
"يا متوحشه التصرف..يا محدودة العقل..أتزوج بأخرى هل هذا ما وصل الى تفكيرك العقيم"
مازال صدرها يعلو ويهبطونبراتها تخرج بحدة سائلة:
"اذاً ماذَا تقصد"
أجابها ساخراً وهو يعود..يقضم نحرها بخفه وتمتم بصوت خافت:
"أتزوجك أنتِ ،..يا طويلة اللسان"
صمتت لبرهة وأنفاسها تهدأ سريعاً..أخرجت نفس مرتاح وعواطفها تتفاعل معه دون قدرة لها على السيطرة لتسأله بنبرات مرتجفة:
"أنا لا أفهم,نحن متزوجان منذ زمن كيف تتزوجني مرة أخرى"
تنهد بيأس أكبر ورفع رأسه عن جسدها المكشوف واجه عيناها التائهة وأخبرها..بشراسة مفاجئة:
"أنا أريد الانجاب..أريد طفل منك..وبالتأكيد تلك القبلات الىتيمة لن تأتي لي به"
أطبقت بجفنيها للحظات بغموض غريب لتفتحها ببطء وأخبرته ببراءة:
"لما تصمم على تحويل تلك العلاقة الطاهرة بيننا لشيء آخر غير محبب ومكروه"
توسعت عيناه وتجمدت حدقتيه للحظات طويلة ينظر لها فاغرا لفاهه بصدمة حقيقية لدقائق طويلة جداً . إبتلع ريقة الذي جف بعدها..نظر لإستلقائها الغير بريئ تماماً على مكتبه وتحت صلابة جذعه..في صحيفته !!! وتخبره بتلك الحماقات التي تخرج منها..بسخرية خالصة وبنبرات مستنكرة:
"طاهرة هذا على أساس أني ألاعب إبنتي في وضعنا هذا,أنظري لوضعنا يا ( تقيّة ) وأخبريني أي قُدسية تلك التي تتحدثي عنها ونصف جسدك عاري بين ذراعي"
لم تتبدل ملامحها ولم يزعجها الأمر تماماً وهي تردف بضجر و بذكائها المعتاد:
"أنت تكبر الأمر يمكننا الاكتفاء بما وصلنا اليه من عاطفة مُرضية لكلينا"
بأستخفاف رد وهو يعتدل من فوقها ويعدل جلستها قائلاً:
"مُرضية لكِ وحدك,لقد أخبرتك,هذه العاطفة لا تكفيني أبداً وأريد المزيد معك على وجه خاص.."
أردف بصوت نزق من بين أسنانه:
"أريد طفل يا غبيه لقد تعدي عمري الثلاثه والثلاثون الى متي أنتظر"
رفعت حاجبيها تخبره بإغاظة لم تصل اليه:
"لن تكن رجل بدائي يا تليد العلم تقدم الآن..ويمكنك الحصول على طفل..عبر التلقيح الصناعي"
لم يسيطر على نفسه وهو يزيحها بحده وألقاها على المكتب الذي تناثرت أوراقه على الارض وهو يقول بجنون منفلت:
"أقسم برب العباد..إن لم تعتدلي في حديثك المستفز معي..لأعاشرك هنا في التو واللحظة..وأزرع بذرتي بك يا وقحه لتعلمي جيداً من الذي تريديه أن يلجأ لتلقيح صناعي"
توجست بخوف حقيقي وهي تخبره بإعتذار متوسل:
"أسفة..أقسم لك كنت أريد إغاظتك فقط لتبتعد عني..لا تتهور يا مجنون..ستتسبب بفضيحة لنفسك قبلي"
زفر بضيق حقيقي وهو يرفع وجهه عن جسدها مرة أخرى قائلاً بجفاء:
"أنا لن أتوقف عن مطلبي بحقي فيك أثيلة,ولم يعد لدي قدرة على الاحتمال أمامك أسبوعان لا أكثر وستأتي أنتِ راضيه تماماً تطالبيني بما أريد"
تبلدت ملامحها وهي تعتدل تغلق أزرار بلوزتها بهدوء قائلة:'"ما تطلبه كثيراً جداً..تعلم أني لن أفعلها أبداً..لا تضغط على تليد"
إقترب منها بهدوء مخيف وأعاد ما قالته ساخراً ومدعياً التفهم:
"لا أضغط عليكِ ولن تفعليها,ولكن أنتِ تذوبين بين ذراعي ببعض القبلات والاحضان,هذا من الطبيعي أن تفعليه !!،أن تنهلي بكل أنانية كل ما تريديه من عاطفتي، وتمنعي عني باقي حقوقي لسنوات,هذا هو العدل في رأيك ؟!!"
إتسعت عيناها أكثر ودارت حدقتيها حول وجهه الشرس بعجز ولم تجد قدرة للرد فقالت بإرتباك:"أنا لست أنانية,ولن أجبرك على تقديم أي شيء لتعيرني به عند كل حديث بيننا"
مال اليها مرة أخرى وحاصر جلستها على سطح مكتبه بنظرة أوقفتها عن سيل كلامها المرتبك و همس لها:
"أنتِ طفلة,مزعجة جداً أثيلة,تتصنعي البرود الجليدي لتهربي مما لا تريديه..وأنا لم أعد أطيق أفعالك"
صمت لبرهة وقال بذات الهدوء الخافت مشدداً على كل كلمة:
"أنا لن أتراجع في قراري أبداً أسبوعين هذا كل ما لديكِ يا تتقدمي بنفسك وتنضجي..أو هناك غيرك ستقدم ما أريد بدون أن أطلب حتي..علي سبيل المثال....."
طرقع بلسانه ثم إبتعد عنها وترك جملته معلقة..نظر لها نظرات ذات مغذي وصلها جيداً..يلجأ لدفء آخر وتمنحه عاطفة حارة إمراة أخرى واثقة و غير باردة ك دينا التي تحاصره كظله..إبتلعت ريقها وعيناها غرغرت بدموع أبت أن تهبط..تبدلت ملامحه في لحظات وذاب قناعه القاسي وطل من عينيه الحنان والدفء فإقترب منها و جذبها اليه مرة أخرى فسلمت له بعجز غريب عنها..قال بصوت عميق أجش:
"أذيبي جليد عقلك أثيلة,وطاوعي قلبك معي,فمن بنيتها بيدي,لن تكون ضعيفه,و لن تتهرب من واجباتها كمراهقة نزقة"
أبعدت وجهها عنه بصمت وعدلت من وشاحها جيداً لتتحرر منه بتمهل حذر..كانت تبدو لعينيه في تلك اللحظه بضعفها المُهلك وإرتباكها وخوفها..كالمراهقة التي دخلت بين طرفي عبائته تائهة مرتعبة..تستجديه الفهم والرفق بها من مجهول لم تدركه ومصير تجذع منه ومن كل ما حدث حولهم,ولم يدركا هما الإثنان وقتها أن بتشبثها الضعيف جداً به أنها إمتلكت حياته كلها كما أمتلكها قطع الصمت بينهم صوت هاتفه برنين متكرر في الدقائق الماضيه .فإستدار وأخذ هاتفه ورد على المكالمة بنوع من الجدية..للحظات ظل صامت فقط يستمع لمحدثه بإنتباه شديد رغم الغضب الذي تلبس ملامحه وسيطر عليه بقوة..أغلق الهاتف مودعاً بلقاء قائلاً:
"حسناً .يا سيادة المقدم,سأكون في المشفي بنفسي بعد نصف ساعة لا أكثر.."
صمت لحظات ورفع يده يفرك جبينه بتعب قائلاً:
"لا تقلق لن يُنشر أي شيء مِن جانبي الى أن تسمح أنت ولكن بالطبع..تلك الحاله التي طلبتني خصيصاً من أجلها سأخذها اليوم"
صمت لبرهه يستمع فيما يبدو لمحدثه وأجابه قائلاً بحزم:
"لا أريد أن أفهم أي شيء..أولاً..سأخذها وبعدها نري ما يؤول اليه الأمر"
أغلق الهاتف وهو يشير لأثيلة قائلاً بعملية:
"غادري,الى أن أرتب الفوضي التي إفتعلتيها"
مال سريعاً وإلتقط بعض الاشياء برشاقه ولم يلتفت اليها و رفع هاتفه وطلب رقم داخلي قائلاً:
"دينا إستعدي هناك تحقيق ما,طالبني به المقدم محمد على وجه خاص,أه نعم يبدو أنهم لم يمتلكوا الأدلة الكافية بعد..ولذا يريد أن يوكل الحقائق لأحد موثوق فيه من البداية"
صمت لبرهة ثم ما لبث قائلاً بغضب مكتوم:"لا وجهتنا الى المشرحه العامة مباشرة"
....................
"سأدخل معك..لقد وافقت على مجيئي بعد إلحاحي لكي تتركني في الخارج"
نظرت لها دينا وهي تضبط عدسات كاميرتها بإستغراب..رافضة تماماً إنصياعه للفتاة وكأنها تملك طاقة سحرية ما لتنفيذ رغبتها..بل كلها تعجب مما يحدث بينهم وجراءة أثيلة معه في الحديث..بل وإظهار بعض التحدي له..وزاد من حيرتها أن تليد..لا يعنفها أو يضع حدودا لها بل دائماً يحدثها بهدوء وصبر وتفهم عكس طبيعته مع أي أنثي تحاول الاقتراب منه..قالت دينا بإستخفاف وهي لم ترفع عيناها عن الكاميرا:
"وستدخلي معنا بأي صفة,بل لا أفهم ما الذي أتي بكِ من الاساس وأنتِ مجرد متدربة"
عقدت أثيلة ذراعيها فوق صدرها ونظرت لدينا بشعرها القصير وبشرتها الذهبية الساحرة..كانت ترتدي بنطال من الجينز الباهت وبلوزة من النوع الضيق اللاصق مبرزة مفاتنها لتلفت كل الأنظار من حولها بإعجاب ،تأففت أثيلة بعدم رضي وهي تقول لدينا بعدم إهتمام:
"بصفتي صحفية..أغطي خبر مع أستاذي ومن حقي أن أري مثلكم تماما لأكون وجهة نظري عن الضحية دون تدخل أحد"
زفر تليد بضجر وهو يلتفت للمقدم محمد ،، الغير راضي كما يبدو لما يحدث وقال لتليد:
"أريدك أولاً قبل أن ندلف الى الداخل"
إبتعد تليد والمقدم خطوات عنهن غير غافل عن تلك النظرات الحارقة المتحدية المتبادلة بينهن ليعود بإهتمام سائلاً:
"أخبرني بالمختصر عن رؤيتك الحقيقية لما حدث للضحية..فأنا غير مقتنع بما قاله الطبيب أن الفتاة إنتحرت"
أطرق محمد نظراته في الارض قليلاً ثم رفع عينيه بنظرة آسفة علمها تليد جيداً عبر مدة العمل معاً أدت الى صداقة طويلة بينهم..قال محمد بأسف:
"أنا أيضاً لا أظن أبداً أنه إنتحار ورأي الطبيب غير نهائي بعد,لقد كونه من التصور الأولي للحالة",من كلام خال الفتاة مدعي الحزن على إبنة أخته"
قال تليد بعملية:"ولكن بالتأكيد هناك حقائق أخرى لتستعين بي أنا"
تحرك محمد قليلاً وإستند على الحائط ووضع يديه خلف ظهره بإرهاق وهو يقول:
"منذ يومين على وجه التحديد وأنا أتولي الحالة بتكتم تام..وما إستطعت أن أصل اليه أخيراً ،،،أن الضحية يتيمة الأبوين منذ أربع أعوام..تعيش وأختها التي تصغرها بعامين مع خالها تاجر الأدوات الصحية..بعد أن رفضت عائلة والدها إحتضانهن..بادعاء ضيق ذات اليد.."
صمت لبرهة وحرر يديه مشيحاً بها في الهواء بعنف وهو يقول:
"كبرت الضحية وزاد جمالها في عيني أبن خالها الذي يكبرها بثمان أعوام وحاصرها..في كل مكان يضيق الخناق حولها وإستحسن خالها الأمر..ليسيطر على ميراث ما لأمها..من المفترض أن تتسلمه عند بلوغها الواحد والعشرون..فأخبرها خالها عن وجوب زواجها من أبنه,فرفضت الفتاة بإصرار وعنف المراهقة وظلوا في صراعات وخلافات شهوراً..ليتفاجئ بعدها الجيران الذين علموا بما يجري بصراخ متبادل وشتائم مبتذلة ينعتها بها إبن خالها..ولم تمر نصف ساعة الا ووجدوا جسد الفتاة يلقي من شرفة الدور السابع في الحارة..وصراخ إبن خالها..أنها خاطئة تحب آخر وإن لم تكن له لن تكون لغيره"
أسبل تليد أهدابه بأسف وهز رأسه برفض وقال بألم:"الى متي تراق دمائهن بذنب أو بدونه..الى متي تضيع حقوقهن وإن إختلفت الطرق"
هز محمد كتفيه بيأس وهو يقول:
"لا يغير الله مابقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم يا تليد"
إعتدل محمد وأردف بنوع من العملية قائلاً:
"ما يهم الان..أن أخت الفتاة هنا في المشفي لقد أصيبت ب ( صدمة عصبية ) لأنها رأت كل ما حدث وللاسف فقدت النطق..لذا أريدها معك لانها شاهدتي الوحيدة حالىاً وأنا قد أقسمت..بألا أترك..الشاب أو الده يجب أن يدفعا الثمن"
هز تليد رأسه بموافقة و تحرك بجانبه نحو باب المشرحة..كان ينتظرهم الطبيب الذي تقدمهم لفتح الباب..لم يبدي تليد إعتراض عندما رأي متوحشته تدخل بحذر ورائهم..وقفت بجانبه بالغرفة الباردة كالجليد القطبي برهبة وقد بدأ الخوف يتسلل اليها..تحرك الطبيب ووقف أمام إحدي الأدراج الحافظة لجثث الموتي وفتحه سريعاً وبحركات ماهرة كان يسحب الجثة..ووضعها على الطاولة التي يقفون حولها جميعاً في فريقين متقابلين..فور أن مد الطبيب يده لرفع الغطاء عن الضحية قال بعض الملاحظات. بعملية خالصة..سارعت دينا وإلتقطت بعض الصور برتابة وجمود لتعودها على الأمر العديد من المرات..إقتربت أثيلة بحذر لتلقي نظرة خائفة على الفتاة..خرجت منها صرخة مدوية وبدون سيطرة تشبثت بصدر تليد ودفنت رأسها داخله..وبدون تردد ضمها بقوة بين ذراعيه مهدئاً لها غير عابئ بالنظرات المستنكرة المتعلقة به من دينا ومحمد سوياً..امال وجهه جانب أذنها قائلاً:
"إهدئي لهذا كنت أرفض قدومك الى هنا..تهورك وفضول القطط فيك سيقتلك يوماً ما أثيلة"
أخذت نفسا بصعوبه دافنة رأسها بِه أكثر وهي تقول بصوت مرتعش بغصه بكاء تكتمها..
"أخرجني من هنا أرجوك تليد"
لم يتردد وحاوط كتفيها وإستدار خارجاً وسط نظرات دينا الذاهلة بتعجب..بعد وقت جلس بجانبها وفرك يديها المرتعشه بين كفيه:قائلاً..هل تشعرين بتحسن..أومأت بهدوء رغم شفتيها المرتعشه..وأكمل هامسا:
"الجميع مر بحالتك عند أول مرة لدخول المشرحة..ولكن هذا جزء من عملنا أثيلة..وأعتقد بعد تجربتك..ستقرري أي قسم سيكون عملك صغيرتي"
رفعت يدها تمسح جبينها المتعرق بطرف وشاحها وقالت بنبرات مرتجفة:"أعتقد..بأني سأكتفي بالجانب النظري فالتجربة كانت بشعة..ماذا فعلت تلك المسكينة ليحطموها هكذا ؟!"
تنهد بثقل وهو يخبرها:
"سأخبرك كل شيء لاحقاً ولكن يجب أن أتركك الأن..لأنهي..أمر ما ونرحل من هنا"
رفعت وجهها له و إغتصبت إبتسامة ودموعها تجري بدون شعور منها على خديها..رفع يديه ومسح دموعها برفق وقال بنبرات خافتة:"لا أريدك منهارة الأن أثيلة لدينا عمل عالق يخص الدار"
هزت رأسها بعلامة إيجاب وهي تراقب إنصرافه من جانبها..أوقفته دينا عندما أبتعد قليلاً عنها وسألته بنعومة خطرة:
"منذ متي تحتضن المرتعبات بكل هذا التملك والحنان تليد ؟!"
نظر لها تليد بعينين مظلمتين وهو يقول بصوت حاد خافت قاطع أجفلها:"عندما تكون زوجتي,دينا..وأحب أن أحذرك أنكِ أصبحتي تتخطين الحدود كثيراً بيننا,وهذا أصبح يثير غضبي ولن يعجبك أبداً رؤية وجهي الآخر"
للحظات تسمرت دينا ونقلت نظراتها بينهم بصدمة وبركان هادر أوشك على الانفجار..
......................
كان الارهاق مازل يتلبسها كلياً..عندما أوقفها بهدوء قبل أن تدخل الى غرفتها قائلاً:
"إنتظري أثيلة أريدك في شيء هام"
إستدارت بملامح متعبه وهي تقول مجهدة:
"اليوم كان طويل تليد وإستنفذني كلياً وتلك الصغيرة ( براءة ) حطمت البقية المتبقية من قوتي وهي تتشبث بي بذعر"
أردفت..بنظرات متحيرة وهي تسأله:
"ولكن أنا لا أفهم لما خافت منك,وهي أول مره تقابلك"
توجه للأريكة وسمح لجسده بالانهيار فوقها قائلاً بتوضيح بسيط:
"الفتاة كانت تحصل على معاملة سيئة من خالها وأبنائه سوياً، ورأتهم يلقون بأختها بدم بارد من شرفة المنزل..فمن الطبيعي أن يكون لديها رد فعل غريزي خوف وجذع نحو أي رجل"
إقتربت أثيلة وقالت بنبرة متعاطفة مهتمة:
"هل تعتقد,أن عبير تستطيع أن تخرجها من صدمتها الصامته"
فرد جسده على الأريكة وهو يضع مرفقه فوق عيناه وقال:
"لقد تعاملت عبير على مر سنوات مع حالات أسوأ بكثير من حاله (براءة ) وأنا كلي ثقه أنها ستسطيع أن تصل اليها في وقت قصير,ولكن ربما نجبر لاستعمال بعض العقاقير الطبية معها"
أزاح مرفقه وهو ينظر لها بنظرات متفحصه وأخبرها بهدوء:
"دعينا من براءة الأن,لأن لدي ما هو أهم لأخبرك به"
إستفسرت بإهتمام:
"ما هو؟"
إعتدل مرة أخرى و تنهد بهدوء أشد وقال بدون مقدمات:
"فرح حسن إبن عمي بعد أسبوعين,و سنذهب معا بدون أن تبدي تشبسك بالرفض"
نظرت له أثيلة وقالت بقوة وصوت مرتفع متحدي:
"لن أذهب: وأنت لن تجبرني"
نظر لها نظرة محذره تشملها من رأسها حتى أخمص قدميها وقال بدبلوماسية وأتزان:
"لا تتحديني أثيلة,لقد جربتي من قبل معني عقابي صغيرتي ،
لذا وببساطة أنتِ,ستأتين معي"
صمت لبرهة وأردف مشدداً بهدوء:
"كفاكي هروبا,أنا إسمتعت لتذمرك كثيراً,وطاوعتك في رفضك لأي صلة لكِ بمسقط رأسك ،ولكن الى هنا وإنتهي..قراري نافذ، وأنتِ بمنتهي الطاعة,ستذهبين معي..وتقومي بواجبك نحو أهلي جميعاً"
قالت بشراسة:
"لن يحدث: أنا لن تربطني أي علاقة أبداً لا بأهلك ولا حتى عائلتي"
خبط بيديه على ركبتيه وهو يدعي الاستسلام وأخبرها بعد أن أعتدل واقفاً:
"إذاً ستذهبي مجبرة,مقيدة الىدين والقدمين"
أعطاها ظهره وتحرك نحو غرفته..سمع هتافها الحاد الذاهل:
"أنت لن تفعل تلك الهمجية معي"
التفت برأسه وقال بدون تعبير:
"جربيني: فأنا إنسان بدائي: هل تذكرين؟!"
للحظات طويلة عم الصمت القاتل بينهم,قطعته قائلة بنبرة غريبة:
"في مكتبك أعطيتني مهلة أسبوعين,وهددتني بزواجك من أخرى,حتى وإن لم تنطقها,والأن تقوم بإجباري أيضاً بالذهاب للبلد بعد أسبوعين على وجه التحديد,ما معني هذا تليد"
حرك كتفيه بتعب وهو يحرك رقبته يمين ويسار قائلا بدون إهتمام:
"أفهمي ما تريدينه,تصبحين على خير يا صاحبة التلقيح الصناعي"
راقبت إنصرافه بعيون متمردة غاضبة عاصفة..هل حقاً تمادت,في الأمر وحولته لشخص متحكم بغيض في أفعاله المتنمرة معها ؟! همست لداخلها بإعياء متحير:
"من أنت يا تليد كيف تحيطني بكل هذا الدفء والتفهم,وتعود لتنقلب في لحظة بقوانينك الصارمة التي أصبحت تلتف حولي دون هوادة؟!!
..............
كانت علياء تحاول إقناعها بالأمر قائلة ،
"هذه فرصتنا أثيلة و التحقيق,في صميم قضية الأستاذ"
هزت أثيلة رأسها بتردد وهي تقول:
"ولكن,لما لا يجب أن يعلم به ؟! ربما أنا لا أستطيع أن أشارككن"
قالت علّياء بنعومة:"نحن فريق واحد أثيلة..وعندما تنتهي من التحقيق وملئ الاستمارات المطلوبة..(من مر بتجربة زواج القاصرات),سيعلم بالتأكيد به قبل النشر"
كانت أثيلة مازلت تزن الأمر داخلها بتردد بين الرفض والقبول ،، منذ أن اتت الى الجريدة,وعقلها مازال ثائر كلياً,على تجبره في قراره بسفرها معه الى الصعيد..لحظات طويلة كانت تنظر لما بين يديها بتخبط وذلك الجانب المتمرد فيها يخبرها بصواب الأمر..يجب أن يعلم أنها ليست طفلة تنتظر أن يأخذ عنها قرارات حياتها..وبدون أن تحسب خطواتها تماماً ،،كانت تخط على الاوراق إسمها بوضوح وتتمادت في جذب إحدى الاستمارات الخاصه بتجربة من مرت بزواج مماثل وتحكي فيها بإستفاضة غير مدركة..بأنه فخ نصب اليها ووقعت فيه وإنجذبت اليه كما تنجذب الفراشة الى النار..
...
"حمد الله على سلامتكم..نورتم البلد"
قالها أيمن بخفوت مطرق الرأس وهو ينزل حقائبهم من سيارته ذات الدفع الرباعي التي إستقبلهم بها في المطار المحلي للمحافظة..هزت رأسها بإيمائه شاكرة بصمت..وملامحها المكفهرة لم تكشف بوضوح عن مشاعرها المرتبكة والتائهة كلياً وهي تتأمل البلد من حولها .،. خواطر كثير متعاقبة مرت برأسها توجس,خوف,نفور,كره و حنّين..حنّين كان يغلف قلبها بالدفء وهي تراقب ذلك الجسر الذي يعلو ( المصرف الكبير للمياه الذي يغذيه النيل عبر أحد فروعه فيقطع البلدة لنصفين متساويين بخط مستقيم..جانباً للمنازل تحت الجبل يقع به بيوت العمارية,ويظهر التناقد الكبير بينهم,عبر بيوت فخمة وضخمة لفرع العائلة ذا السيادة والقوة والغنى ومجمع صغير لبيوت متوسطة الحال للفرع الاقل حظاً ومالاً شردت بعينيها..نحو الجانب الآخر عند المنازل التي تقع وسط الأراضي الزراعية والمشابهة تماماً لبيوت العمارية .، أتاها صوت تليد,بخفوت يخبرها:
"إن أردتِ,زيارتهم الآن أستطيع أن أوصلك اليهم في التو واللحظة"
إسترعي إنتباهها وهي تنظر له مبتسمة بثقة وهي تقول هامسة بدون إنكار عدم الفهم لما يشير:
"إتفاقنا أن أتي معك للعمارية فقط، لذا لا,لا أريد"
إرتفع حاجبيي تليد وهو يرمقها بذات النظرات الغامضة الغريبة التي أصبح يخصها بها منذ وقت ليس بقليل:
"كما تحبي,يا بحرية,ولكن أحب أن أعلمك أن لكِ مطلق الحرية,في زيارة من تريدي"
أطرقت برأسها مرة أخرى وهي تشرد بنظرها للبعيد..والذكريات تتعاقب في عقلها,بلمحات لا يمكن أن تنساها يوماً..تذكر في بعض المرات عندما كان أصيل يتخلي عن تحذيرات والده..بعدم إنزالها من السيارة أثناء توصيلها الى مدرستها على الطرف الاخر من الجسر,ويلبي طلبها أن تتمشي معه قليلاً في البلده على الأقدام..فيزورا محل ( البقالة ) المشهور والوحيد وقتها في بلدتهم، كان يعاملها برفق ويمازحها وهو يتمسك بها جيداً كأنه يخشي أن يخطفها أحد,كان يراقبها بعيون مبتسمة و محيطا لها تماماً وهو يشتري لها كل ما تشير اليه بصمت وخجل من البائع دون حتى أدني نقاش،خفق قلبها بقوة وحنين تهمس لنفسها بخاطر بعيد:"كان يدللها خطاب تماماً,رغم بعض الجنون الذي كان يتلبسه في بعض الأحيان معها ؟هل يعقل أنها تشعر بالحنين اليه,بل اليهم"
تغضنت ملامحها مرة أخرى بالرفض سبت داخلها:"تباً,لم يمضي على وجودها هنا دقائق وهاهي أفكار غريبة وحنين مرفوض يسيطر على بعضاً منها"
قاطع تأملها مرة أخرى جدال أيمن وتليد، على حمل الحقائب الى الداخل,سمحت لعيناها بتأمل أيمن قليلاً ،وسامة هادئة وقورة بعض الشيء يحمل جاذبية رجولية..مريحه للنظر,ربما يتشابه مع تليد قليلاً في الملامح,ويمتاز بطول القامة..التي تعتقد أنها تميز كل أبناء بلدتهم..استدارت خلفهم للبوابات الضخمة..التي توقفت السيارة أمامها,ليأتيها صوت أيمن مرة أخرى بنبرة رجولية عميقة مهذبة مازحة قائلاً:
"ما بكِ أشعر انكِ تريدين الهرب عائدة الى العاصمة مرة أخرى منذ أن استقبلتكم في المطار"
إبتسمت بلطف محمرة الوجنتين وهي تهمس قائلة:
"ربما إبتعادي طويلاً عن البلد يجعلني,أتوجس قليلاً,ولكن لا تقلق,أعتقد سيزول سريعاً عندما أندمج هنا مرة أخرى"
إبتسم لها أيمن وهو يقول:
"مرحباً بكِ وأتمني,أن تشعري بالراحة وسط العائلة,يا زوجة أبن عمي"
عندما دلفت الى ساحة البيت الواسعة ،،تسمرت مكانها وكأنها توحدت مع الارض الصلبة تحتها وهي تري هدير تدفن نفسها كلياً في أحضان تليد والاخر يطوقها بأحد ذراعيه..ومرفقه الاخر يضم رأسها التي يقبلها بحنان..أخرجها قليلاً من تجمدها صدر أم رحبت به مرات قليلة عبر الأعوام الماضية,عندما كانت تأتي أحلام زائرة لوقت قصير جداً لهم,فتمنحها كل الدفء التي تحتاجه دون أن تطلب،ضمتها المرأة..بقوة مرحبة وأخبرتها بلطف وسعادة:
"أخيراً عدتي لتنيري دارك,يا زوجة الغالى"
كانت تتشبث بأحلام طواعية تنظر من أعلي كتفها لهدير عيناها تحدق في عيني هدير الدامعة,العاتبة دون أن تحيد عنها لحظة واحدة ،إقتربت هدير بتردد قليلاً بعد أن تركتها أحلام تمد يدها نحوها تخبرها بخفوت وهي تتأملها كلها:
"تغيرتي كثيراً أثيلة عن آخر مرة وقعت عيناي عليكِ بها"
للحظات شردت قليلاً بوجه هدير صامتة وقلبها يصرخ بسؤال تمنت لو هدرت به أمامهم جميعاً:"وهل أنتِ صادقة مع نفسك..آخر مرة رأيتني بها لم تستطع عيناكِ أن تنظر الى وجهي الغبي الغير قادر على الفهم .بما تخططون"
إقتربت هدير سريعاً تلتهم الخطوات الفاصلة بينهم طوقتها في أحضانها بشده تعتصرها في حضن غريب فاجئها وهي تقول بصوت متهدج:"تباً لقلبك القاسي الغبي أثيلة هل هي خصلة ما تمتاز بها عائلتك,لقد أشتقتك يا معدومة المشاعر"
وبطاوعية غريبة كانت أثيلة ترفع يدها تطوق هدير في حضن مماثل متشددة تخبرها هامسة بذات الشرود:
"وأنا إشتقت ( لأنا,السابقة ) يا هدير قبل أن يلوثني,سواد القلب منكم"
........................
كانت تجلس على أحد المقاعد,تراقب جلستهم المرحة يتبادلون أخبارهم,بينهم..وهدير تتولي الحديث المسيطر بمرح..تخبر تليد على ما يبدو بكل ما مر بها..كانت تجلس بجانبه..وهو يطوق كتفيها بإحدي ذراعيه ينصت لها بإهتمام..وبين فينة وأخرى يمنحها نظرة متفحصة مهتمة,قاطع الصمت السائد بينهم..صوت حماتها المرحب..تخبرهم:
"الطعام جاهز..هل تفضل الغداء الان أم تصعد الى غرفتك بني وتصطحب زوجتك للراحة قليلاً"
قبل أن يجيبها أحدهم,دخلت إحدي الخادمات تحمل طفلة بين ذراعيها..طفله سوداء الشعر الغزير بشكل ملفت,تفرك عيناها من أثر النوم,فتحت جفنيها ببطئ ونزق..وجها مستديرا بلون خمري..وخدين أحمرين مكتنزين قليلاً,طفله بعيون متوسعه بحدقتي زرقاء تماثل عيناها هي وعمتها فاطمة,رفعت أثيلة يدها الى صدرها الخافق وهي تري دمائها تجري بوضوح عبر ملامح الطفلة,وقفت من بعيد تراقب الطفلة التي أخذتها أمها في أحضانها تقدمها الى تليد..قائلة ،
"وأخيراً إستيقظت أميرتنا المدللة"
أخذها تليد بين يديه وأجلسها في حجره ومنحها قبلات مداعبة إنطلقت معها ضحكات الطفلة بألفة طبيعية وكأنه لم يغيب عنها لحظة واحدة ،، ولما لا وهي كانت تري طوال الوقت بعض الصور لها على هاتفه وكانت في كثير من الأحيان تطلب منه أن يشاركها ،.أي صور جديدة لها متعلله بأنها فقط تعجبها..صور كثيرة ومختلفة,وبعضها كان يحتوي والدها خطاب..وهو يضمها في عبائته التي حرمها منها..كانت تقترب تجلس بجانب تليد بتردد تمد يديها وبتردد أشد قالت بخفوت:
"هل يمكنني حملها,أريد فقط التعرف عليها"
ساد الصمت مجدداً عبر طلبها المعلق وعيون الجميع تتعلق بها كأنها فقدت عقلها بما قالت:
قطع تليد الصمت و رفع وتين من حجره ودسها في صدرها مباشرة بفعله غريبة أثارت دهشتها حاوطتها سريعاً بقلب خافق ضمتها طواعية..غير قادره على السيطرة على مشاعرها ودوي قلبها المبهم..
رفعت وتين رأسها بنزق طفولي تخبرها بكلمات متلعثمه:
"من أنتِ"
أقتربت هدير من إبنتها تجلس على ركبتيها وإبتسمت بتشجيع قائلة:
"عمتك يا ماما,هل تذكرين الصور التي يريها لك جدك للتعرف عليها"
هزت وتين رأسها برفض مبهم ولم يبدو أنها فهمًت تماماً ما قالته أمها"
رفعت أثيلة عيناها اللامعة بدمعه غريبة تسأل هدير بتردد:
"هل,هل أبي مازال يحتفظ بصور لي ويعرف إبنتك عليها,هل مازال يذكرني من الاساس"
إبتسمت هدير رغم تعاطفها الحزين وهي تخبرها بخفوت:
"ومنذ متي نسيك يا أثيلة,أنتِ من لفظتيه خارج حياتك حبيبتي,ولكنه لم ييأس ساعة واحدة في عودتك اليهم ومنحه غفران يرجوه منكِ"
قاطعت وتين تلك النظرات اللائمة المتوجعة بينهم وهي تخبرها:
"أنا وتين بابا أصيل هل تعرفيه"
ضمتها أثيلة بقوة وهي تخبرها بشهقة بكاء مكتومة متهدجة:"وأنا أثيلة أبنة خطاب,فهل جربتي حنانه مثلي وتنعمتي بدفئه الذي حرمني منه ؟!"
....................
نزلت هدير من غرفتها تتهادي بأناقة ونعومة فبدت شديدة الجمال بملامحها الشرقية الجميلة..كانت ترتدي عبائة حريرية من اللون الذهبي مطرزة بورود صغيرة جداً باللون الفضي..مفتوحة الجانبين فظهر من تحتها قماش من الستان الناعم مماثل للون التطريز..وشعرها الاسود الغزير..يتهادي حتى خَصرها برقة..وقد منحته لمسة أنثوية جذابة..عبر أطرافه الملتوية..
ضحكت بنعومة وهي تري عيون أثيلة المنبهرة..فقالت:
"ما بكِ يا فتاة,هل ترينني لأول مرة ؟!"
قالت أثيلة بجدية وهي ترمقها بذات النظرات:
"لا ولكنك تبدين مختلفة جداً,وجميلة جداً جداً"
غمزت هدير بعينيها وزهو غريب يتمكن منها قائلة وهي تشرد في ذكري ما حدث ليلة أول أمس عندما أوصلها أصيل بنفسه الى هنا وقد شعرت بالرضي التام عبرلحظة غيرة حاده فلتت منه عندما قابلهم حسن صدفة ورحب بها بلطفه المعتاد ،، فقابله الاخر بإشارة أسد أعلن ملكيته لإمرأته..وقبل أن ينصرف منحها قبلة حارة بتملك وعشق في المندرة الداخلية لمنزلهم ليخبرها بحرارة متعودة أنها إمرأته وحده..وإن لم يستطع أن يعبر بالحديث..سيذكرها جيداً عندما تعود لدارها ومكانها الطبيعي بأفعاله فور إنتهاء ليلة الزفاف..وبدون كلمة أخرى كان ينصرف مودعاً والغريب..أيضاً مكالماته المستمرة لها كل ساعتين لا أكثر..وإن كانت متحفظة ولكنها تمنحها ثقة في قلبه..ثقة تحتاجها بشدة بعد إقتراح نعمة المتخلف وصمته عن الاجابة حتى اللحظة عادت بتركيزها لأثيلة مرة أخرى تخبرها:"وأنتِ جميلة أيضاً..بل أستطيع القول أنكِ بهية بهيئتك تلك"
توسعت إبتسامة أثيلة وهي تنظر لثوبها العربي شديد الزرقة المماثل لعينيها,بخطوط بيضاء طويلة تنتهي عند أسفل الثوب المتهادي بنعومة على عودها بشكل قلب..ويترقص عند أطرافه قائلة:
"إنه إختيار تليد، في الحقيقة,فكل ملابسي عصرية,ولكنه أصر على شراء بعض الملابس بنفسه قبل أن نأتي الى هنا"
ضحكت هدير بخفة وهي تقترب منها تشد الوشاح من على رأسها قائله بأمر محبب:
"ينقصك فقط بعض اللمسات الأنثوية..لتصبحي جاهزة,للذهاب الى مجلس الحريم"
تمسكت أثيلة بوشحها بتشدد تخبرها:
"لا ،، أنا لا أحب الظهور أمام أحد,هكذا"
لم تعيرها هدير أهتمام وهي تبعد الوشاح عنها تفك عقدت شعرها وهي تفردها قائله بأعجاب:
"جيد لا يحتاج الى كثير من الترتيب,أما عن تمسكك به هذا لن ينفع حبيبتي,هذه أول مرة لك في الظهور بين نساء العمارية,ويجب أن تكوني في أبهي طلة يا فتاة:
قالت أثيلة متذمرة:"أنت واخيك ،، لا تستطيعوا أبداً إبعاد أيديكم عني كما يبدو"
ضحكت هدير بصخب رنان وهي ترقص حاجبيها وتسألها بخبث:
"لماذا..ما الذي يفعله أخي بيديه..وتبدين ساخطة هكذا عليه"
رمقتها أثيلة بحده قائلة:"إخرسي يا عديمة الحياء"
عادت هدير للضحكات الصاخبة,وهي تسحبها من يدها قائلة:
"هيا,يا كل الحياء,سنعبر الى بيت عمي عبر الباب القديم,حتى لا يلمحنا أحد من رجال العائلة المنتشرين هنا فأمي تنتظرنا هناك منذ وقت طويل"
...................
فور أن دخلن الى مجلس النساء اللاتي تملأن المندرة الخاصة بهن,تعلقت الأنظار للحظات بهدير للتحول بعدها لها هي بعيون مختلفة و دهشة إعجاب شديد وحسرة غريبة,وحسد وحقد من واحدة فقط,تقف تشرف على بعض النساء اللاتي تقدمن الضيافة المختلفة من ( مخبوازات خاصة جداً بالجنوب ومشروب الشربات الوردي المسكر الملازم لأفراحهم ) لم تتغير عاداتهم كثيراً,بل تستطيع القول أنها لم تتبدل على الإطلاق,ها هن كل واحدة تأتي في طلتها المتكلفة,وذهبها الكاملة يتفاخرن بينهن..من منهن أكثر مالاً وقطع حلي ذهبية..تقدمت وراء هدير الذي جلست بأريحية على المجلس العربي,تميل على إحدي الوسائد بأناقة و تبتسم بمجاملة دون تكلف..والجميع ينادينها بلقبها بفخر ( دكتورة هدير ).
أما هي إقتربت تندس بجانب أحلام التي فتحت لها إحدي ذراعيها بصمت حنون,ببعض الخجل تمكن منها مرغمة,ومازلت كل العيون تحدق بها بنظرات يحاولن مداراتها .بعد وقت إستطاعت أن تتحرر قليلاً وهي تراقب الصخب الدائر من النساء والمجاملات والثناء على جمال الحفل المقام..بعيون متوسعة كانت تراقب فتاة مراهقة قليلة الحجم بعيون سوداء وملامح مليحة,ترمق هدير بنظرات حادة وغيرة قاتلة لم تستوعبها هي,وبجانبها إمرأة ترتدي ملابس فضفاضة بألوان تعمي العيون من كثرتها. وقفت الفتاة تتمايل على صوت الموسيقي,برقص ملتوي ماهر,تستعرض فيما يبدو نفسها..وبين الحين والآخر تقترب من هدير التي تنظر لها بعدم إهتمام حقيقي جعل الفتاة تزيد في عرضها الفتاك المضحك لها .بنوع من الغضب,إقتربت تلك المرأة الفخورة بإبنتها على ما يبدو تخبر هدير بشكل خاص:"ما رأيك يا دكتورة في رقص إبنتي ؟!تستطيع أن تبهر أي رجل ليطلب ودها جاسم على ركبتيه"
مطت هدير شفتيها وهي تخبرها بسخرية:"لما عزيزتي؟!هل تنوي أن تجعليها تعمل في مجال الغوازي ؟!"
بحدة غاضبة كانت ترد المرأة بإندفاع:"إحترسِ للسانك يا دكتورة !!
إبنتي زينة الصبايا,وقريباً جداً ستكون زوجة لكبير عائلة بيت المكي"
ضحكت هدير بصخب رنان لفت نظر من في الغرفة وهي تقول بكبرياء ساخر:"على حد علمي عمي خطاب هو كبيرنا,وبالتأكيد رجل في سنه وعقله لن يحتاج لتربية الاطفال"
همت المرأة الغاضبة أن تقول شيء أكثر إندفاع,لتوقفها هدير قائلة بأنفة وترفع:"أحسني تربية إبنتك يا امرأة,بدلاً من نظرات النساء الغير راضية عنها..وإحترسي للسانك الذي يطلق كلمات لا يفهمها وستضيع فيها رقاب..وإن كانت متلهفة على زواج هكذا,إبحثي لها بعيد عن فتي مراهق يليق بها"
رمقتها بترفع وهي تشيح بوجهها بعيد عنها وكأنها تخبرها أنها منحتها الكثير من وقتها الذي لا يليق بها ولا بمكانتها,تسيطر على تلك النار المتوحشة,وابتسامتها الجميلة لم تختفِ بعد,تؤكد لنفسها رغم كل عيوب أصيل ولكنه أبداً لن يقل منها بهذا الشكل أمام أي إنسان مهما كانت مكانته أو زين له الشيطان جاذبية ما به .
كانت عواطف مازلت تخص أثيلة بتلك النظرات الحاقدة بنيران غريبة,لتتحرر من صمتها قائلة بدون ترحيب بسؤال محرج لها:"وأنتِ يا ابنة المكي,لمَ حتى الآن لم تحملِ بطفل ؟!أم هناك عطب ما بك ؟!"
حل الصمت المشحون للحظات غريبة,قطعته أحلام بهدوء رزين تجيبها:"هذا ليس وقت سؤالك يا عواطف,أهتمِ بضيوفك وعروسة أبنك أفضل لك ."
أصدرت عواطف صوت من شفتيها وهي تقول بنبرات وقحة شامتة:"نحن نريد أن نطمئن على ولدنا,ألا يكفي زواجه منها بعد؟!"
قاطعتها هذه المرة أثيلة وسط نيران تصدر من أحلام توجهها لعواطف,ويبدو أنها لم يصلها ما تشير اليه المرأة الوقحة لتخبرها بدلال قوي:"أعذرك يا خالة لقلقك عليه,ولكن في الحقيقة أنا لا يعيبني شيء"
تصنعت الخجل وحمرة خديها الطبيعية تساعدها لهدفها لتقول:"ولكن تعلمين الرجال وصلابة رأسهم,في الحقيقة هو من يمنعني عن الانجاب يخشي على من أي ألم قد يجلبه لي"
هزت كتفيها بالترافق مع يديها التي إرتفعت بقلة حيلة تردف بحياء:"أنا في الحقيقة لا أحب على من حمل طفلة منه,ولكن دعواتك ليتحرر هو من هذا الحرص على"
إبتسمت أحلام بإعجاب وهي تحاوطها أكثر تراقب حقد عواطف الذي تصاعد, وقسمت بداخلها أن تجعل عواطف تندم على فلتة لسانها ومحاولتها أن تشير الى ماضي تحاول أحلام دفنه منذ زمن"
____________________________
كان تليد يمنح حسن إحتضان رجولي وهو يقول معتذراً:"سامحني..أني لم آتي إلا على الزفاف مباشرة ولكن العمل منعني أن آتي باكراً كما وعدتك,ولكن أعدك بأن أبقي معك السبعة أيام القادمة لإستقبال التهاني التي ستأتي من العائلات"
بتفهم كان يخبره حسن:"أقدر إنشاغلك,يكفي أنك أتيت الليلة وستحضر معي باقي مراسم الزفاف"
إنشغل بعدها حسن وهو يستعد أن يذهب ليأتي بعروسه من بيت خالها هنا في البلاد,ليتسلل هو بخفة من بين الرجال عندما بدأت مراسم الزفاف الذي طلبها من حسن سابقاً وأستل هاتفه يطلب هدير قائلاً:"أريدك أن تأتي لي بأثيلة الى منزلنا في التو يا هدير"
"لمَ تجذبني خلفك هكذا ما الذي يحدث ؟!"
كانت أثيلة تقولها بنزق,وثوبها الذي ينعكس على عيناها ولون شعرها المتطاير خلفها يزيدها حسن فتاك .لم يستطع هو أن يمنع عيناه أن تتأملها بإعجاب شديد قائلاً في محاولة واهية للسيطرة على نفسه وهو يدلف الى غرفته بها:"لدي هدية لك,فكفي عن التذمر والاعتراض يا بحرية بطلتك البهيه تلك"
ضحكت بخفوت وهي تراقبه يغلق أنوار الغرفة والباب من خلفه,إقتربت أثيلة منه تمسك بأطراف عبائته الرجولية فوق بدلته السوداء الرسمية لتقول:"لما جعلت الغرفة في ظلام دامس هكذا..أنا أخاف العتمة"
مد يده يخطف يدها وهو يقول بصوت أجش:"لقد توقفتي منذ زمن عن فعلتك تلك يا بحرية الملامح والتصرف"
صمت لبرهة وهو يقودها في إتجاه مكان ما لتسمع صوت فتح نافذة بالترافق مع الأنوار التي ملأت الغرفة عبرأضواء الزفاف المنعكسة والتي تنتشر في كل ساحة بيوت العمارية..أجفلها سماع صوت الأعيرة النارية لتندس فيه أكتر بطاوعية,فوضعها أمامه وهو يميل لجانب أذنها يخبرها بنبرات رخيمة:"ربما أنا أشتقت لحمايتك بي كالماضي يا صغيرة"
إستدارت برأسها تنظر له بحيرة وهي تسأله:"منذ الأمس لا تناديني إلا بصغيرة,ما الذي يحدث معك تحديداً ؟!"
أدارها ناحية النافذة المفتوحة ولم يرد عليها وهو يشير لها على الساحة الواسعة لبيت عمه والمكشوف تماماً من نافذة غرفته يخبرها:"لعلِّ أتذكر منذ عام ربما أخبرتيني بأنكِ كنتِ تتمنين دائماً حضور زفاف بطريقتنا القديمة ولكن والدك كان يرفض خوفاً عليكِ"
إبتلعت ريقها بتوتر وهي تقول:"أنا أخبرتك بالكثير من الأشياء وقتها,فما الذي ذكّرك ؟!"
مال عليها من الخلف يطبع قبلة خاطفة على خدها وهو يقول:"أنا أخبرتك سابقاً بأني لا أنسي أي تفصيلة تخصك مهما كانت صغيرة"
الصوت الجوهري المتداخل لعدة رجال بالتضامن مع ذيك الارض كل برهة وأخرى لفت إنتباهها تماماً. فتوسعت عيناها بإنبهار وهي تقول بدهشة:
"سامر ؟!هل قمت بإقامة سامر لأجلي ؟!"
"نعم"
لم يجب بغيرها جازمة قاطعة .كانت تراقب بعيون متسعة وكأنها تخشي أن تفوتها تفصيلة واحدة..مراسم السامر المقام..رجال يقفون بجانب بعضهم في صف طويل يتجاوز الخمسين رجل,تتشابك أيديهم بخفة و ينفصلان لفريقين متساويين,والفاصل المميز بينهم قائد كل فريق ممن يجيد سرد مواويل السيرة الهلالىة..ومع انتهاء كل موال منهم يدبكون الأرض ويصيحون بنغمة واحدة خشنة رغم عذوبتها,في إعلان عن انتهاء الفرقة,ليتولي الفريق الآخر التباري بموال آخر..إلتفتت اليه تتأمل وقفته الصلبة وعيونه المبتسمة وهو يراقب مثلها العرض المهيب..كانت تتأمله بمشاعر غريبة مختلطة وهو يحاوطها هكذا بكلا مرفقيه الذي يستند بهما على حافة النافذة,فيبدو لعينيها بجذعه الفارع ضعف حجمها وقصر قامتها"أو ربما أكثر"..قالتها لنفسها مبتسمة..كان وجهها مع النور الخافت بحمرة خديها وشفتيها المفتوحة قليلاً بتلقائية,تنظر له بتلك الزرقة الساكنة جداً أكثر من قدرته على التحمل لقربها . أقترب منها بحذر شديد يلمس شفتيها برقة,فلم تمانع بل خرجت منها تنهيدة ندية لذيذة جداً له..فمال مرة أخرى بنفس الهدوء يلمس خديها بأطراف فمه,فأغمضت عيناها مستمتعة بتلك القبلات,وهي تخبره بصوت خافت أجش:"أنت بطلي الدائم تليد,أشكرك جداً لتذكرك وتحقيق إحدي أحلام طفولتي"
أخرج همهمة راضية عبر قبلته فيما يبدو بأنه يتقبل شكرها,فتنهدت بعذوبة مرة أخرى متلذذة بقبلاته الهادئة..ما مرت به منذ الأمس,والإستقبال الحافل من أمه وأخته,وحتي الصغيرة وتين جعلها تشعر بالسكون,و تريد أخذ مرحلة هادئة جداً..تشعر بأنها تريد أن تتخلص من كل حروبها على الجميع..فقط تتحرر من مشاعرها الساخطة والغاضبة وتسلم حصونها ودروعها تتبع القلب الذي طالبها الجميع بمطاوعته..تحاول أن تحصل على قوتها,وتنسي ذلك الخاطر المزعج الذي يسيطر على عقلها عند كل اقتراب من تليد,فقط لتترك نفسها يفعل بها ما يريد ربما يحررها أخيراً من هواجسها !فغرت أثيلة شفتيها ببطء وهي تراه إنفلت تماماً في قبلاته المحمومة,يجذبها من أمام النافذة المفتوحة بحدة يلصقها ويلتصق معها في الحائط الجانبي للنافذة..يخبرها بصوت مبحوح وعبائته تصدر حفيف ناعم وهي تسقط من على كتفيه:"مهلتك أنتهت وأنا أنتهيت معها يا بحرية..الآن أحتاج قرارك حبيبتي"
كانت تنظر له بعينينين متسعتين في ظلال الغرفة تراقب وجهه المحمر رغماً عنه..فيما يبدو عيناه بخضرة داكنة ونيران رغبة خالصة تتقد بها..كان يبدو كرجل لن يستطيع أن يتوقف عن غايته..إرتفعت يديها تحاوط عنقه بمرفقيها وهي تنظر اليه مصححة لنفسها,لا بل كعاشق قدم كل ما في وسعه وإنتظر..تأوه بصوت مكتوم وداخله وحش صغير ينبش مخالبه في صدره وجسده,يشعر به يريد فقط القفز لإلتهامها وأخذ حق سنين منعته عنه,وحرمته على نفسها معه,فيسيطر عليه بشراسة حتى لا يجفلها ويجعلها تفر هاربة منه كعادتها .
ذراعيه القويتين حاوطتها ترفعها عن الأرض وهو يبادلها قبلة شرهة غير مسيطرة يدور بها بجنون وسط الغرفة,وهي تتشبث به و إحدي يديها تحاوط عنقه بتملك,والأخرى تدفنها في شعره الأسود الكثيف الناعم لطالما تمنت لمسه,ومنذ أن فعلتها في مكتبه لا تستطيع التوقف عن تخيل نفسها تفعلها مرات ومرات..تسارعت خفقات قلبيهما سوياً: ليشعر كل واحد منهما أنه تيهدر بجنون,ومشاعرهم تفجرت من ثقلها في الغرفة من حولهما وذلك الضوء يتسلل بخجل ليقع مباشرة على تشابكهم في دورانهم المجنون .إنفصل عنها يلهث بصعوبة يخبرها بصوت عميق ذات نبرة عالىة خشنة:"أنتِ تثيرين جنوني يا قاسية القلب !
الليلة أثيلة مهما زاد جنونك وتمردك ستكونين لي,سأمتلكك مهما كانت أسباب رفضك"
أحست بالشفقة عليه من جنونه المنفلت بل لأول مرة تشعر بالتعاطف معه,تحاول رؤية الأمر من جهته هو..كيف كان يقضي ليلته بعد أن تثير صخب مشاعره وتتركه متهربة ومتحججة ؟!أنزلت يديها نحو صدره لتلمس عبر قميصه المفتوح عضلاته القوية القاسيةونبضات قلبها تتسارع أكثر عبر أضلعها,ووجهه يزداد إحمراراً وكأنه يكاد ينفجر خجلاً من ملامستها الجريئة .همست بصوت مختنق:
"سأقدم أي شيء تحتاجه تليد,ولكن ليس لتهديدك السابق بل لأني........"
ترددت أكثر وأصبح وجهها أكثر إختناقاً بمشاعرها,ليلمس بشفتيه كتفها وجيدها وصولاً لنحرها وهو يقول بصوت هادر عنيف:"لأنك ماذا يا متبلدة الإحساس إنطقي ؟!"
رفعت عيناها به تخبره بقوة:"لأني أريدك كما تريدني"
إنتفض جسدها وكأن تياراً كهربائياً عبر من خلاله عندما رفعها بين ذراعيه,ويضعها على فراشه القديم الذي شهد جنون ليلتهم الاولي برفق شديد . للحظات انكمشت أكثر على نفسها والذكري تريد الخروج,لم يمنحها هو الوقت للتفكير وهو يتخلص من قميصه سريعاً و عاد اليها يميل اليها ببطء شديد,يحتضنها ويميل معها بتمهل أشد الى أن مددها على الفراش..قبلاته إزدادت حرارة وجنون,ويده ترتفع تخلصها من ثوبها الذي عندما إختاره لها كان يتمني أن يزيله من عليها بنفسه,ويبدو أن أمنيته تحققت !أزاح الثوب عنها برفق الى أن هبط بين أقدامهم متساوية .جنونه إزداد بإنفلات سنين مكبوتة وهو يعبث معها بحرية..كاد قلبها يتوقف من فرط الإنفعال,فعاد خوفها الشديد يظهر بوضوح عبر عيناها ويديها التي أخذت تدفعه عنها,ولكنه لم يكن في حالة تسمح له بتفهمها,أو أن يتراجع عن نيل مراده
فهمس لها برقه:"أهدأي فقط وطاوعيني حبيبتي"
تحشرج صوتها برعب فطري وهي تخبره:"أنا خائفة لن أستطيع,أنا...."
قاطعها مره أخرى وعيناه تبتسم لها من وسط نيرانه يخبرها باستسلام هامس:"وأنا أيضاً خائف,أنها مرتي الأولي مثلك تماماً"
ضيقت ما بين عينيها وهي تقول بمشاعر مندفعة:"أنت تكذب !!ما تفعل امممم..."
ترددت ليضمها هو أكثر هامساً بجانب أذنها بخفوت أجش:"لا أكذب أبداً,قبلك لم أعرف النساء,وبعدك لم أعد أري أي نساء..أنتِ فقط من سكنت القلب قبل أن تأسر الجسد"
الحنان والشغف الذي كان يحيطها به جعلها تهمس بعاطفة فياضة مستسلمة بدموع لم تفهم سببها راقت على خديها بالتضامن مع همسها:"أنا أحبك"
إنحني مره أخرى بأنفاس ساخنة يتناول شفتيها بين شفتيه يسحقهم بقبلاته في تلك اللحظة,فقدت أثيلة كل قدرة لها على التراجع أو المقاومة وإنهارت كل مقاومتها,لتتشبث بكتفيه بشدة مغمضة العينين تسلسم لما يحدث .
علمت عند وصوله للحظة ما بالترافق مع صرختها المدوية المرافقة مع زئيره هو..أنها تخلصت من صراع أعوام مضت وأصبحت إمرأته...وسلمته أخيراً صك إمتلاكها
__________________________
بعد وقت إبتعد عنها..بأنفاس لاهثة مشتعلة ينظر الى عيناها الباكية وجسدها المرتجف بتعاطف,يحاول طمئنتها بأن صراعها إنتهي,صدمته برد فعلها المنفلت وهي تضم جسدها في وضع الجنين تتوسّله بلهجاتها الصعيديه:"أسترني أرجوك,أنا عارية أه أرجوك أرجوك"
إرتبك للحظات ولم يفهم ما يحدث معها,وسريعاً كان يميل بجانب الفراش وعيناه تقع على عبائته الرجولية الصوفية..لم يعلم ما الخاطر الذي دفعه ليستطيل يلتقطها,وفي ثوان معدودة كان يسحبها لصدره يسحقها بين ذراعيه وهو يلفها بطرفي العباءة ويلتف معها .
يخبرها بلهفة:"إهدأي حبيبتي,لقد إنتهي الأمر يا عسل القلب"
هزت رأسها بقوة تخبره من وسط دموعها بشبه هذيان وهوس:"لا لم ينتهِ بل بدأ,أنت إكتفشت الأمر وستتركني,طلبتني بأن أمنحك كلي,ليت كان باستطاعتي..أنا باردة باردة هل تفهم ؟"
إبتلع ريقه بتوتر وهو يضم جسدها المرتعش أكثر يحاول أن يهدأها,فدفنت رأسها في عنقه لتكمل إعترافها بمرارة تقطع نياط القلب:
"أنت لا تعرف,لقد ذبحوني في الماضي يا تليد,بحجة حمايتي,أخذوا جزء مني مرغمة,جزء كان حقك وحدك..لم أصل للنجوم معك بل كان الأمر مؤلم وبشدة"
تصلب جسده بقوة وفقد كل قدرة على الشعور وعيناه تظلم ببراكين قاسية .هل هناك أشد وحشية على رجولته بأن تخبره بما تقول ؟!همس بصوت بعيد سحيق وعيناه تبرق حنق وغضب غير موجه اليها:
"قدري كما هو قدرك أثيلة..العادات يا صغيرة !ولكن لن أطالبك أو أطالب نفسي بالاستسلام أبداً !!"انتهى
أنت تقرأ
عادات خادعة
Romanceعادات خادعة ..حكايات وحيوات من قلب البيئة العربية عامة وروح الصعيد خاصة ..تتنازع العادات التى تنمو وتكبر غارزه جزورها عميقه بداخلنا وبين المنادئه بالحرية والعدل وقتل تلك العادات التى تنتهك المرأة .. الحكاية الأولى الصحفي المشهور بمنقذ الصغيرات المنا...