الواحد. والثلاثون

23.3K 405 4
                                    

الفصل الواحد والثلاثون والأخير الجزء الاول ...

"أنتِ تبالغين قليلاً في تدليلى عمتي"
قالتها..أثيلة بود وهي تنظر لعمتها التي جاءت من المطبخ بعد أن إنتهت أخيراً..من حفظ بعض الأطعمة التي جهزتها في منزل أصيل أولاً..قبل أن تتوجه إليها تجلس بجانبها وهي تقول بإبتسامة بشوشة:
"هذا لا شيء حبييتى إنه واجبي..من سيراعيك في حملك غيرنا حتى نطمئن أن وضع الطفل بخير"
إتسعت إبتسامة أثيلة وهي تمسد على بطنها قائلة:"لدي خبر مفرح لك"
تألقت عينا فاطمة المشابهه لعيناها وهي تقول بهدوء:"هاتي ما عندك ."
قالت أثيلة بنبرة فرحة فخوره بنفسها:
"لقد تأكدنا بالأمس عندما زرنا الطبيب أنها فتاة..وأخيراً إطمئن قلبي كنت سأحبط إن كان ولد"
تغضنت ملامح فاطمة قليلاً وهي تقول بعبوث معترف:"كنت أتمناها فتاة..ولكن هناك جزء صغير مني كان يريد أن يكون ( بكريك ) ولد"
حركت أثيلة ظهرها للوراء تستريح على الكنبة وهي تقول ممتعضة:
"وما الفرق عمتى بالله عليك..لم أعتقد أنك أنت الأخرى تفكرين بتلك الطريقة"
إبتسمت فاطمة بهدوء وهي تقول مفسرة بمودة:"لا فرق حبيبتي ولكنه فكر يسيطر علّينا منذ أجيال متعاقبة..يظل الولد له مكانه وفرحه أخرى..لأنه إمتداد لوالده وإثبات لجذوره لأجيال طويلة آتيه"
تعلقت عينا أثيلة بقنوط تنظر لسقف الشقه لوقت طويل .ثم قالت أخيراً:
"خالتي أحلام أيضاً..كانت تتعشم أنه ولد حتى تليد رغم فرحته بها ولكن أشعر أنه بداخله كان يريده مثلكم"
ربتت فاطمة عليها بحنان قبل أن تقول بنبرة شاردة:"مهما نادينا بالتغير أثيلة سيظل جزء منا لا ينفصل عن أفكارنا وأعرافنا تلك هي الحقيقة يا حبيبتي..ولكن لا يهم إسعدي بطفلتك وحياتك التي إستقرت أخيراً مع زوجك..وان شاء الله ستأتى بالمزيد من الاطفال والكثير منهم بالتأكيد سيكون من البنين"
لم ترد أثيلة لبعض الوقت..وعيناها تراقب عمتها هادئة الملامح..جميلة الوجه لطالما كانت تحب النظر اليها منذ طفولتها وكانت تشعر دائماً..أنها لم ترى في جمال عمتها بين نسائهم أبداً..نطقت أخيراً تسألها بصوت خافت حذر:
"لماذا لم تتزوجى أبداً عمتى..هل أبي السبب"
سحبت فاطمة يديها..من تربيتها على بطنها و تبدلت ملامحها فجأة للحزن..و سرحت عيناها لأبعد ما يكون عن جلستهم تلك..ثم إلتفت إليها تخبرها بهدوء:
"ما الذي جعلك تسألين الان؟؟ولما ظننتِ أن والدك له يد في عزوفي عن الرجال"
توترت ملامح أثيلة قليلاً وهي تعتدل من جلستها تسنتد بكلا كفيها بجانبها على الكنبه..ثم قالت بهمس:
"مجرد سؤال..أنت لست كبيرة جداً في العمر..كما انك لم تفقدين جمالك وتملكين الأصل والعلم أيضاً..اذاً لما أغلقتي على نفسك ألف باب وإكتفيتِ بتربيتنا؟؟"
أخذت فاطمة نفس عميق وهي تسبل جفنيها..ثم قالت ببساطة:
"تعلمين أنا كنت متزوجة من خالك رحمه الله..وكنت مرتبطة به عاطفياً ومازال قلبي..يحمل له العشق الذي لن أستطع الفكاك منه يوماً"
بخفوت قالت أثيلة:"أعرف..ولكنك تزوجتي من ذلك الرجل.."
فتحت فاطمة عيناها ببريق عنيف وهي تقول بنبرة خشنة:
"ذلك الرجل..لا أحب ذكره كما أنكِ..أصبحتِ تعلمين كل حكايتي معه لذا لا أحب أن أتحدث فيها !!"
تكللت ملامح أثيلة بالنفور التلقائي عند تذكره هو وزوجته..قبل أن تقول برقة معتذره:"أسفه..لم أقصد تذكيرك"
قالت فاطمة بنوع من الهدوء:
"لا عليك..أنا لا أحب ذكره من الاساس..ها هو بين يدي ربه وهو القادر على أخذ حقي وطفلتي منه"
ساد الصمت الحذر بينهم لدقائق معدودة..قبل أن تقطعه فاطمة قائلة بجدية:
"بعد ما حدث لي في بيت العمارية..وعودتى عند والدك..تقدم لي الكثير من أولاد عمي..بالطبع كان فيهم من هو كبير السن المتصابي يريد إستغلال وضع كوني مطلقه ولا أنجب..مجرد إمرأة صغيرة وجميلة للفراش فقط..وبعضهم أراد أن يأخذني زوجة ثانية..مثل ذلك التهامي ،. جميعهم كانوا إستغلال للوضع ! كما هي العادة والظلم في مجتمعنا للنساء تعلمين المثل الساد ( عندما تقع الذبيحة تكثر السكاكين حولها )؟! أما عن أبوكِ فكان يعرض..علّيا الأمر رغم رفضه الإقلال من مكانتى هكذا..ولكن أنا من كنت أرفض بصلابة رأس..بعد أن منحنى أبوك الوعد والحماية أن لا يجبرني أحد أبداً مرة أخرى على ما لا أريده..أنا من أردت ان أعيش على ذكرى ابن عمي وحبيب عمري الى ان يأخذ الله أمانته"
صمتت فاطمة لبرهة أمام وجه إبنة أخيها المتعاطف قبل أن تقول ببعض الوجع:
"لقد عرض عليّ والدك ان يتوسط لي في المدرسة الابتدائية في البلد للعمل بها وأشغل نفسي..ولكن ما حدث لي كسرني..ولم أستطيع أن أجمع حطامي وقتها..لم أجد قدرعلى مواجهة الناس والمجتمع كنت مرهقة متعبة..فأغلقت على نفسى وإكتفيت بالمساعدة في تنشئتكم..وإحتضنتك أنت..منذ ان كنتِ رضيعة..كنتِ الأمل وتعويضي لأضع فيكي كل همي وألمي"
خف صوتها وهي تقول بهمس نادم:
"ولكن يبدو أن تجربتي أثرت بالسلب..وأخفقت معكِ وظلمتك دون ان أشعر"
لم تنزعج أثيلة منها ولم تحزن فإقتربت تحتضنها بقوة وهي تقول برقة:
"أنتِ أمي وحبيبتي ولم تخفقي بشيء..بل أجدتي صناعة ما أنا عليه اليوم..ستظلين الأغلى والأعلى..يا عمتي في قلبي"
إبتسمت فاطمة بحنان وهي تبادلها عناقها تخبرها:
"وأنت إبنتي أنا..تلك البومة ليست لها فيك شيء مهما حاولت ان تعود للاهتمام بك او تحاول ان تقترب منك"
إبتعدت أثيلة قليلاً وملامحها تعود للهم وهي تسألها:"يبدو ان أبي غاضب منى..لم يزورني ولا مرة واحده خلال الشهر الماضي"
ربتت فاطمة على وجنتها وهي تقول بجدية:
"ليس غاضب منك..إنه يحدثك يومياً على الهاتف..وما منعه عنكِ رجوعه البلد..ليرى مصالحه التي تعطلت أثناء جلوسه معك"
تنهدت أثيلة بضيق وهي تقول:
"ولكن أصيل يأتي الى هنا كل خميس وجمعة..لما لا يأتي هو"
قالت فاطمة بسلاسة موضحه:
"أصيل يأتي لزوجته..حبيبتي بسبب حالتها التي تماثلك قليلاً فحملها بالتوأمين يثقلها..حتى انه إضطر ان يأخد لها إجازة مفتوحة من الوحدة وأغلق عيادتها..فهو الأخر أصبح يبالغ جداً في خوفه عليها وحرصه..وأنا أيضاً إستغللت الفرصة لأستطيع ان أراعيكِ وأساعدها هي حتى تضعن اطفالكن بالسلامة"
فتحت أثيلة فمها لتقول شيء..ولكن قاطعها فتح باب الشقه ودخول تليد العاصف يمسك بيده طفلة..تسمرت عينا أثيلة عليه برهبة..وهي ترى ملابسه التي تطلخت بالدماء..فهتفت بِجِذْع وهي تنتفض من مكانها:"ما الذي حدث..ما هذه الدماء؟"
أسرع تليد نحوها يثبط محاولتها للتحرك..وهو يقول سريعاً:
"إهدئي ليست دمائي..لا تخافي حبيبتي"
لم تهدئ نبراتها ويديها تتفحص مكان الدماء بلهفه تخبره باختناق:
"كيف..وهي تغطيك كلك..أخبرني هل أنت بخير؟"
حاول تليد ان يتصنع إبتسامة بصعوبة وهو يقول مباشرة بنبرة آمرة مكرراً:
"إهدئي أثيلة..التوتر مضر بكِ..لو كانت دمائي هل كنتِ سأقف أمامك الان؟!"
هدأت ملامحها وهي تعود لتتفحصه كله وتسأله بقلق:"دماء من اذاً تليد؟"
تردد تليد للحظات أن يخبرها وهو يعود يولي وجهه وهو مازال في إنحنائه المحاوط لأثيلة ينظر لبراءة التي إنكمشت بجانب الحائط تنظر لهم بعيون مرتعبة تائهه كلياً..ثم قال بخفوت:"سأخبرك ولكن سيطري على أي إنفعال..من أجل تلك الفتاة"
إلتفت أثيلة أخيراً تتفحص الفتاة مثله..تراقب عمتها التي إقتربت بتمهل بطيئ حريص قبل ان يخرج صوتها متأني تحدث براءة:
"مرحبا..يا حلوة..ما بك حبيبتي؟"
إنفجرت براءة في بكاء طفولي حاد وهي تنظر لفاطمة مستنجدة..وكأنها ترى شيء ما بها نفذ لداخل الفتاة مباشرة بالطمئنينة..تريد ان تشكو اليها كل ما فيها..إقتربت منها فاطمة بلهفة تضمها بين ذراعيها بحنان تربت عليها بحنو وهي تقول بترفق:
"إهدئي صغيرتي..أنت بأمان أياً كان ما يخيفك"
تشبثت الفتاة بصدر فاطمة كأنها وجدت جدار حامي أخيراً لا تهابه او تخشاه..
عاد تليد يخبر زوجته بصوت جاد:
"لقد حاول خال براءة قتلها..بعد إدلائها أخيراً بكل ما رأته في قضية أختها..في محاولة يائسة منه ان لا تصل للمحكمة..حتى لا يحكم على إبنه بالإعدام المحقق..خطوة متهورة غير محسوبة منه ولكن حقده وقلبه الأسود أعماه"
إبتلعت أثيلة ريقها بخوف وهي تقول:
"وبالطبع لم تصب الفتاة..ولكن.."
تركتها معلقة ليجيبها تليد بأسى:
"تلقاها محمد..عندما لمحه يتوجه لها هي وحياة !"
......................
قبل بضع ساعات..
خطت حياة بصحبة براءة الى داخل حجرة وكيل النيابة بعد رفض الصغيرة القاطع أن تتركها حياة..فدخلوا بصحبة المحامي الموكل في قضية القتيلة والذي علمت انه مصمم هو ومحمد وتليد أن يصلوا بالجاني الى حبل المشنقة..فور أن خطت الى مكتبه تحدث وكيل النيابة الذي قام من مجلسه يرحب بالفتاة بهدوء يحاول ان يبثها الاطمنئان له بمودة حتى يجعلها تتحدث...
واستطاع وكيل النيابة بالفعل أن يقنع الفتاة بتركها عندما أخبرتها حياة بهدوء وهي تجلس على عقبيها تساوي وجه براءة:
"إتفقنا ان لا تخافي حبيبتي وتقولين الصدق حتى ننتقم لأختك الراحلة.."
دمعت عيني الصغيرة وخرج صوتها بتحشرج تخبر حياة:
"هل لو أخبرته الحقيقة سَيُسجن هؤلاء القتلة؟!"
إبتسمت حياة بتعاطف وهي تتذكر كم المعاناة التي عاشوها في الست أشهر الماضية بإقناع الفتاة أنها في أمان ولن يطولها أذى ان تحدثت يبثوها القوة والشجاعة..لتستطيع ان تقدم على تلك الخطوة أخيراً أومأت حياة مؤكدة وهي تقول:
"نعم أعدك بهذا أنتِ تثقين بي وبعبير وأيضا الطبيب أشرف جميعنا وعدناك حبيبتي أن يحدث هذا ."
أومأت براءة صاحبة العشرة سنوات بهدوء قبل ان تترك يد حياة أخيراً وتتوجه الى الكرسي الذي أشار عليه الرجل..
إنسحبت حياة بهدوء تبحث عن مكان تجلس فيه الى أن ينتهي التحقيق..ولكنها تسمرت للحظة..لحظة واحدة عندما وجدت محمد يجلس على كنبة جلدية واسعه ويغمز لها بعينيه..ويده تربت بجانبه بهدوء حتى لا يراه أحد..لم تصدم حياة بوجوده بل توقعته..فشدت من وقفتها وهي تتحرك بثقة تجلس بجانبه وهي ترفع حاجب واحد متحدى..إياه ان يهز فيها شيء فور ان جلست..تنحنح محمد بخفوت وهو يقول هامساً:
"إشتقت لك..ياجميلة..أخيراً تعطفتِ على قلبي المشتاق..وظهرتِ"
جزت حياة على أسنانها وهي تقول بهمس مماثل:
"إسمى حياة..كم مرة سأصححه لك"
أجابها محمد بتلاعب:"سامحينى جميلتي أعانى من فقدان للذاكرة..ربما تحتاجين أن تغردي كثيراً في أذني لأتذكر"
إمتعضت حياة وهي ترفع كفها تغطى فمها حتى لا يلاحظ أحد حوارهم وهي تقول ساخرة:
"تعاني فقدان ذاكرة..لا تستحم..ما الذي تملكه أيضاً من العيوب يا مغرور؟!!"
نقل محمد نظره بينها وبين وكيل النيابة والمحامى..الذين بدأوا بفتح التحقيق وتوجيه الأسئلة للفتاة..قبل ان يقف من جلسته يتوجه اليهم ولم ينسى أن ينحني ليخبر حياة بخفوت هامس عابث:
"لا أملك إلا هذين العيبين..الذاكرة مقدور عليها أما الاستحمام هذا بيدك وحدك"
إرتفع حاجب حياة بتوجس عندما أكمل محمد ببطئ:
"تزوجيني وحمميني كما تشائين ستجدين أني زوج مطيع جداً في هذا الأمر"
فغرت حياة شفتيها بذهول مصدومة ولم تجد أي رد وهي تراقبه ينضم اليهم..يتدخل في الحوار بملامح جدية واثقة..ثقيلة كأنه واحد أخر غير الوقح الذي كان يخبرها للتو ان..!
"أيها المغرور الوقح"
همستها حياة لنفسها بغيظ..وهي تراقب سيطرتهم على الفتاة..التي تحلت بالشجاعة والثبات أخيراً لتخبرهم كل ما عانته أختها..حتى يوم مقتلها"
بعد وقت طويل إنتهي أخيراً التحقيق..لتسارع حياة بضم براءة مرة أخرى لها..تطمئنها أن الأمر مر بسلام وتخرج مسرعة..حتى تهرب من مواجهة أخرى لا تريدها مع محمد...تذكرت منذ أخر لقاء بينهم في بيت ناجي وهو إلتزم بوعده وإبتعد عنها..ولكنها تعلم أنه يحاوطها ولو من بعيد!!ولصدمتها في نفسها عندما راجعت حديثه ومطاردته..وجدتها تفتقده وبشدة..البهجه التي أدخلها محمد الي حياتها مع كلماته المشاغبة ونبراته الجدية بوعد يحمل بين طياته الأمل ينشر بداخلها شعور مبهج مختلف ويثير أحاسيس لطالما أنكرتها وإبتعدت عنها مصرة انها ليست من حقها..وان ماضيها القاسي الظالم لا يمكن ان يتغير يوماً ولن يفرق أمسها عن غدها شيء..كانت تمر عبر الممر لمبنى النيابة بخطواتها المسرعة تبحث بعينيها عن تليد الذي تركهم عند باب الغرفة قبل دخولهم فلم تجده..شعرت بذراع محمد تحميها حتى يجنبها ملامسة بعض من الناس المندفعين وهو يأمرها بخشونة:"ركزي على طريقك حياة إن لمسك أحدهم سأحاسبك حساب عسير"
وقفت حياة تنظر له باستنكار وهي تضع يدها متخصره وهي تقول بحدة:
"تحاسب من يا هذا..يبدو أن تساهلي معك منح غرورك سلطة ما عليّ لن أسمح لك بها أبداً"
نظر لها محمد متأفف قبل أن يقول بملامح حادة أمرة:
"أنزلي ذراعك وأغلقي فمك يا حياة..وسِيري أمامي وإلا سأريكِ ماهي حدود سلطتي"
ضغطت حياة على أسنانها بشدة غيظاً وهي تقول من بين أسنانها:
"من منحك الحق؟وما الذي تريده منى؟"
نظر لها محمد ببعض الاستخفاف قبل أن يرفع حاجب واحد وهو يقول ببطء شرس:
"هيا تحركي..أريد عسكري يمشي أمامى..فدلعك الماسخ هذا بيني وبينك..لا أريد لأحد من معارفي يلمح إمرأتى وهي تتلوى"
رفعت حياة عينيها لأعلى وهي تهمس بيأس:
"ما الذي أتى بي الى هنا..لقد كنت تخلصت منك وإبتعدت عن طريقي"
نظرت له حياة هذه المرة تنتظر إجابته..ولكنها وجدت ملامحه إسترخت وهو يتأملها دون ان يرمش..يتأمل إختلاجاتها بتفحص هكذا..دون حتى أن يهتم بمشاعره التي حركت بداخلها الكثير..وأخذت الطريق الى فؤادها .تبددت كل مخاوفها ببطء..تنازل أخيراً للرد وهو يتبسم بطريقة أقلقتها وقال همساً:
"و من قال أنى إبتعدت..هذا ما أردت أن يصل اليك لكنك لم تغيبي عن عيني لحظة"
زمت حياة شفتيها وهي تتمسك بيد براءة بقوة كأنها تستمد بعض الثبات من الصغيرة..حتى لا يتبين ذلك الاهتزاز العاصف الذي تصنعه عيناه بداخلها:
"أنت وعدت..يا محمد..أنسيت؟!"
إمتدت يده نحو رأس الصغيرة براءة يبعثر شعرها مشاغباً بينما يرد مداعباً:
"لم أنسى للحظة واحدة ياجميلة..ولكني لم أقل أبداً ان قلبي الحارس سيبتعد عنك"
همست بحشرجة حانقه:
"لا تحاول..إبتعد أنت وقلبك فأنا لا أريد الاثنان وقراري لم يتغير يامحمد"
هز كتفيه بإستفزاز ساخر وقال ببطء:
"كاذبة..فخضار عينيك الذي إشتعل بلهفة وشوق فور ان رأيتني بالداخل أخبرني عكس هذا..لا تقاومي حياة وإستسلمي لقدرك"
شددت على يد الصغيرة وهي تخطو نحو درجات السلم نحو سيارة تليد و هتفت بتعنت:
"في أحلامك يا مغرور"
كادت أن تصل لأخر درجة بالسلم عندما صُدمت بصراخه بإسمها الذي رافق صرخة الصغيرة المرعوبة وجسده الضخم بطوله الفارع يقف أمامها فاتحاً ذراعيه حامياً..للحظات تسمرت حياة مكانها تنظر لعينيه المتوسعة برهبة ورعب عليها وإستسلام مبتسم؟! مع صوت طلق ناري قاتل كأنه يتوقعه في كل لحظة..لا تعلم تحديداً ما حدث بعدها وهي تقف مسمرة مكانها..قبل ان ترى جسده يسقط بين ذراعيها وكلاهما ينهار من ثقل حمله ليعانقا رحابة الارض..ودماء ساخنه تملأ يديها التي إلتفت حوله بحركة لاإردية تحتضن إنهياره على صدرها..لم تشعر حياة بعدها بالصخب والاضطراب الذي حدث والصراخ الذي ملأ مبنى النيابة من حولها...شعرت بحلقها مملوء مرارة وطعنة ألم عنيفة تنفذ داخل صدرها بالترافق مع صوتها الذي خرج بترجي صارخ:
"أرجوك لا تمت..لقد وعدت ان تكون أملي وفرصتي لحياة جديدة.."
من وسط الهرج الذي ساد وصراخها الذي لم يتوقف ترجوه ان يستفيق..بهزيان تمكن منها إستوعبت يداه التي إرتفعت ليلامس وجنتها وهو يقول بصوت خرج واهن:
"لو كنت أعلم..ان طلق ناري سيجعلني..أسقط بين ذراعيك وأرى خوفك وحرصك على حياتي هكذا كنت فعلتها بنفسي منذ زمن يا..جميلة"
عبراتها شوشت الرؤية أمامها حتى لم تستطع تبين الخيالات التي إلتفت حولهم ولا تليد الذي إقترب يضم براءة من وسط الفوضى التي بينهم..كل تركيزها كان معه وهي تمسح عيناها بعنف تخبره متوسلة برهبة:
"لا تمت..إبقى معي"
شد على يديها بكفه وهو يخبرها:
"تزوجينى..يا جميلة لما العناد؟! ان كنت تسللت بداخلك..كما أنت سكنتي بداخلي"
خرجت من حياة شهقة بكاء عالية وهي تخبره بسخط:
"أنت أحمق..مجنون وقح..تموت وتطلبني للزواج أدعو ربك ان ينجيك"
تأوه محمد بألم وعيناه تغلق بالتدريج وهو يخبرها بحشرجة واهنة مازحة رغم كل ما هو فيه:
"تزوجينى أنتِ وأعدك سأنجو حتى أعلمك كيف تغلقين فمك..وأزيح عن عقلك كل الأفكار السوداوية لتعلمي ان دائماً وأبداً هناك أسوياء..يحملون الأمل والنور الذي يبدد الظلام"
لم يمنحها رجال الإسعاف الذين تقدموا ليأخذوه الفرصة للرد ويده مازالت تتمسك بيدها بقوة..رفضت ان تتركه وهي تراقب تليد الذي تحدث مع بعضهم مخبرهم أنها خطيبته ومن حقها ان يصطحبوها معهم..في سيارة الإسعاف؟!
..........................
بعد عدت ساعات
كانت حياة واقفه بجوار باب غرفته تعض أصابعها بتوتر..بعد أن هدأ بكائها واطمئنت عليه المخادع !! لقد أصابته الرصاصة أعلى كتفه من الخلف..وسمعت الطبيب يؤكد لوالده المسكين الذي جاء مهرولاً يكاد الرجل يفقد أنفاسه رعباً عليه..انه لم يصبه أذى بالفعل..لقد أخرجوا الرصاصة وتم تنظيف الجرح ويحتاج للراحة أسبوعين وبعدها يستطيع أن يحصل على علاج طبيعي ويعود ليمارس وظيفته بشكل عادى..أبصرت والد محمد"السيد جمال"يراقب وقفتها بتفحص متمهل بملامح لا تفسر! ولكن رغماً عنها كانت تشعر بالطمئنينة من بين قسمات وجهه البشوش..تقدم منها الرجل وهو يقول بهدوء بعد ان دلف الى الداخل وإطمئن على ابنه:
"بالتأكيد أنت حياة..محمد لم يترك الكثير لأتخيل حتى كيف تبدو ملامحك"
قالت حياة بتوتر:"اه..نعم هي أنا مرحباً سيد"
إبتسم الرجل ببشاشة وهو يمد يده بسلام يخبرها معرفاً:"جمال..تستطيعين قول عمي..دون ألقاب"
أزاحت حياة بعض من خصل شعرها الشاردة خلف أذنيها وهو تهز رأسها بهدوء قبل ان تشير الى باب الغرفة سائلة:"كيف حاله؟!!"
ظهر بعض الأسى على وجه الرجل وهو يقول موارباً:"ليس بخير تماماً.."
إتسعت عينا حياة وهي تقول مبهوتة:
"ولكن الطبيب قال ان حالته مستقرة..وان تلك الرصاصة لم تصب أي جهاز حيوي"
رفع جمال يده الى جبهته بأسى وهو يقول:
"يبدو أنه كذب..لانه يعلم بالتأكيد أن محمد وحيدي وأراد ان يطمئنني"
ظلت حياة تنقل نظرتها بين تليد الواقف بجانبها يستند على الحائط ويكتف يديه على صدره بهدوء بملامح غير مفسرة..قبل أن تزفر بحده وهي تقول بخفوت:
"ما تلك المصيبة التي لا كانت على الباب ولا الخاطر"
زفر جمال قبل ان يقترب من أقرب مقعد..ليجلس عليه..ثم خلع نظراته الطبية وفرك ما بين عينيه بتعب..ثم قال بعد فترة صمت طويلة:
"محمد لا يخفي عني شيء..وأعلم ما يدور بينكم..كما أعرف برفضك المستميت إياه..وأخبرته ان ليس من حقه ان يفرض عليكِ شيء..ولكن لدي رجاء لك أرفضيه ان شئتي؟!"
بصوت خافت حذر قالت حياة:"تفضل عمي..أطلب ما تريده"؟!
أشار الرجل بيده نحو الباب وهو يقول:"لقد طلب ان يراكِ؟!"
إرتبكت حدقتي حياة بحيرة..قبل ان ترفع نظراتها لتليد وكأنها تريد منه جواب مشجع..فأومأ لها هو بهدوء..بموافقة..
إبتلعت حياة ريقها وهي تفرك يدها المتعرقة في جانبي بنطالها..قبل أن توليهم ظهرها وتدخل الى الغرفة،،هنا تحرك تليد يجلس بجانب الرجل وهو يسأله بهدوء:"هل معنى هذا أنك تمنح محمد مباركتك..دون ان تبدي أي اعتراض؟!"
لم يرد الرجل لوقت طويل وهو يبدو عليه الحيرة..والتفكر قبل ان يرفع عيناه المجعدة بفعل تقدم العمر وهو يقول بجدية:
"عندما أخبرني عنها محمد..دون حتى ان يُجملها في عيني رفضت وبشدة وربما عنفته..كيف يفكر في مطلقة وهو ضابط شرطة في مقتبل حياته؟!"
إشتعلت عينا تليد رغماً عنه بدفاع تلقائى..قبل أن يكمل الرجل سريعاً بسلاسة:
"ولكن..أنا أثق بإبنى منذ صغره أمنحه دعمي وأشجعه على قراراته..ربما هو لم يخبرنى..كيف وصلت الفتاة لتكون من قاطني الدار وأنا إحترمت..تكتمه على الأمر..وكأب بالطبع إهتممت بالبحث عن أصل الفتاة ولم أجد ما يعيبهم..(الفقر ليس عيب او عار ) والأهم لدي أخلاق الفتاة التي أكد محمد انه لا يشبها شائبه..لذا لن أقف في وجه سعادة إبنى أبداً..قبل أن أوافقه ان تلك الفتاة الصغيرة تحتاج لفرصة وأمل..يمنحها لها محمد!!"
إرتخت ملامح تليد كلياً..وهو يعود ينظر للرجل بتقدير يخبره بنبرة رخيمة هادئه:
"أنا ممتن لك..وأتمنى أن يجدن بناتي أناس مثلك..يثبتوا لهن ان الخير موجود في دنيانا وليس الشر والضرر والتجبر كما عانو صغيرات"
ربت الرجل بوجهه البشوش على يد تليد وهو يخبره مازحاً:
"دعنا نتمنى فقط..ان تريح تلك الفتاة قلب إبنى أخيراً..وتطمئن له؟!"
.................
دخلت حياة الغرفة..بتمهل..وعيناها لا تفارق..محمد الذي جلس على فراش المشفي مستند على بعض الوسائد فور ان رآها تكللت ملامحه بالغضب وهو يقول مهاجماً:"ارجو ان يكون عجبك العرض وسقوطي في دماءِ أمامك"
رفعت حياة حاجبيها وهي تقول بدهشة:
"ولما قد يعجبنى ما حدث؟؟ هل ألمح في صوتك..نبرة إتهام هنا؟"
نظر لها محمد قائلاً مشدد على حروفه:
"نعم..بالتأكيد عقلك..صور لك أنك ستتخلصى منى أخيراً..وبالطبع الأمر كله ذنبك..فإن لم تقفي تجادليني..ما كنا تأخرنا هكذا..ولم يلحقنا الرجل لمحاولة قتل الفتاة"
توسعت عينا حياة للحظة قبل ان تقول بغضب ممتعض:
"أنا أخبرتك أنك أحمق..سوى تأخرنا أو لا..الرجل مؤكد كان ينتظرنا في الخارج ليفعل فعلته؟!"
زفر محمد بضيق وهي يتأمل وجهها المرتبك رغم محاولتها إدعاء القوة..يتذكر صراخها بإسمه وترجيه ان لا يتركها..اذاً المتحجرة تشعربه وحرك بالفعل شيء بداخلها..لذا ليجاريها قليلاً ويضيق الخناق عليها حتى تنطق بالموافقه أخيراً وهو كفيل بعدها ان لا يجعلها..تتراجع أبداً..لذا أرجع رأسه للوراء وأطلق تأوه عال وهو يمسك بكتفه المصاب..يدعي الالم الشديد..وأجاد تصنع التعب والإرهاق..إقتربت منه حياة بوجه متعاطف..تسأله:
"أسفه لما حدث محمد..أنا لا أتمنى لك الشر كما تعتقد..بل فور ان رأيت دمائك شعرت أنى.."
صمتت فجأة كأنها أدركت..أنها على وشك البوح له بما لا تريد أن يغادر قلبها..
رفع محمد رأسه مرة أخرى..وهو يسألها ملحاً:
"بماذا شعرت..تحدثى يا متبلدة"
إنفعلت حياة على الفور وهي ترد بحدة:
"أنت لا أسمح لك أبداً بالتطاول..لا أحد متبلد ووقح هنا غيرعديم الاحساس..أنت هنا اليائس لتفهم كلمة لا وتظل تطاردنى..كأنك عاجز ان تجد من توافق بك؟!"
قال محمد من بين أسنانه بنفاذ صبر:
"أنت متبجحة..مغرورة..كاذبة حتى على نفسك..وقلة أدبك تلك لن تزيد إلا من رصيدك عندي بالسلب"
تحركت حياة خطوة أخرى نحو فراشه بغضب كأنها توشك على ضربه بالفعل؟!قبل تجاوزه وتستدير مغادرة..تحاول أن تتجاهل وجوده من الاساس بعد ان إطمئننت أنه بخير..ولكنه كان الأسرع ليمد جسده يمسك مرفقها ويشدها اليه بعنف..شهقت حياة بخوف وهي تراه يجازف بجرحه بفعلته تلك يجلسها بجانبه بحده وهو يطلق تأوه متألم حقيقي..قبل ان ينحني الى وجهها الذي إنخفض قائلاً بابستامة غاضبة:
"إسمعي يا أنتِ..لعبة القط والفار تلك لا تناسبني..ولا يوجد لدي وقت فراغ لدلالك..مخاوفك تحدثتى عنها ووعدتك بدعمي وحمايتي..ان كنتِ أنت ستجازفين بحياتك..فأنا جازفت بقلبى وتفكيري معك..ألا يكفيك..أن رجل يعترف لك بحبه الغير مشروط يوعدك بالوقوف جانبك..ولن يتركك ما الذي تريديه حياة"
تبدلت عينا حياة من الخوف لنار متقدة وهي تقول بقوة:
"وأنا أخبرتك أني لا أحبك..لا أطيق..وجودك..أكره تلك العاصفة التي زرعتها بداخلي..ذلك الزلزال الذي أتيت به ليعصف بثوابتي ومخططي لمستقبلي..أشعر بالحقد عليك لمجرد ذكر حروف إسمك منهم والتعديد بمحاسنك..هل هذا سبب كافي لك؟'
إرتبكت ملامح محمد بحيرة للحظات من حديثها..قبل ان يزن الأمر في عقله..ويستطيع الوصول..للمعاني المخفية بين كلماتها والتي تبدو الحمقاء لا تدرك أنها منحته الاعتراف الذي يريده للتو..إرتخت يده حول مرفقها وهو يعود ببطئ لمسنده يسبل جفنيه وهو يقول مدعي البراءة:
"يا اللهي..لم أتخيل أنك حاقدة لهذا الحد رافضة للأمر..ولكن"
توقف للحظة..قبل ان يكمل مطرقع بلسانه:
"من تلك التي كانت تبكى وهي تحتضنني بقوة تترجاني ان لا أتركها"
إرتبكت ملامح حياة من السؤال المباشر وإنسحبت الدماء من وجهها اذ لم تعتقد أبداً انه قد سمعها..او ربما أردات ان توهم نفسها بذلك الخاطر همست بداخلها بحنق غاضب:
"غبيه..غبيه بالطبع سمعك ورد عليك مُلحاً في الزواج منك يا حمقاء"
عاد محمد يقول بجدية متحدياً:
"مازلت أنتظر إجابتى هنا أنا مصاب بجرح سيعطلني عن عملي لشهور..متعلق بأنثى حمقاء..تحاربني وترفضني..ناهيك عن غروري الذكورى الذي تحطم وجسدي يلقي عليك منهار"
ضحكت حياة بصوت مكتوم وكتفيها إهتزت معها..فارتخت ملامح محمد قليلاً قبل أن يقول برقة:
"حياة هذا أخر إعتراف مني لك..وبعدها لن أحتمل رفضك.."
إسترعىإانتباها وهي تلتفت تنظر اليه دون حتى ان تحاول ان تقف من جواره..فقال محمد ببعض التردد الحذر ولكن مباشر صريح دون لف او دوران:
"منذ رأيتك أول مرة لفت إنتباهي جمالك المميز كأي شاب طبيعي..ولكن ما لم يكن طبيبعي أبداً تفكيري بك ليل نهار ،.إفتعالي الحجج لرؤيتك مراقبتك؟! ومنذ أول مجادلة معك شعرت أنك تخصيني..أنك بالفعل نصيبي الذي كنت أبحث عنه"
إرتسمت إبتسامة غرور أنثوي على شفتي حياة..زادتها جمال في عينيه المتفحصه..قبل أن يهمس محمد بمكر يحاول منحها المزيد لتلين وتسلم راياتها..دون أدنى تردد:
"أعلم أنك ربما لم يمر هذا الشعور بك من قبل..ولن تتفهمي معنى..ان تمرى داخل رجل لتحتلي كل كيانه تسكنيه..أنت إمرأة لا أحسب دخولها حياتي وإحتلالها قلبى بالايام او بالساعات..فور رؤيتي لكِ شعرت أنك تسكنيني منذ الكثير من الأعوام..من ذهب أحلامي صنعتى أنت..يا جميلتى..أريدك أنت تفهمي ان لا شيء سيملأ عيني..لا فتيات ولا وظائف ولا مظاهر إجتماعيه فارغة..إلا تذكر وجهك أنت صوتك أنت وهمسك الغاضب بإسمي..الذي ينساب من فمك كالماء العذب..فيتدفق بفيضانه داخل قلبي..فيوطنك بداخلى ويجعلنى أستوطنك دون إنتظار إذن منك.."
إحمر وجه حياة بشدة وزاغت عيناها..تنظر لكل مكان عداه..تسمرت مكانها ولم تجد ما تستطيع قوله او تجاوب به..فمجرد الجواب عليه بعد ما قاله يعد مزحة غريبة..الشعور المتخبط بداخلها وقلبها الذي ينفجر داخلها كالألعاب النارية المبهجة..لم يسعفها لما قد تخبره اياه..لذا أخذت بكل صفاقه طريق الهجوم خير من الدفاع وهي تقول بعنف كالرصاصة:
"أنت تخدع نفسك وتحاول خداعي بهذا..بهذا الكلام المنمق الجميل..ال ال..ولكن أنا مازلت أرفضك..أشعر بالاستفزاز منك..من فرضك على حياتي..من ذلك التيار الذي يريد ان يجرفني عن ما خططته لنفسى ومستقبلى"
أطلق محمد زفرة تعب وهو يقول بجدية:
"كلانا يعلم أنك كاذبة..أنت أحببتي طريقتي..تتصنعى القوة وبداخلك ضعيف هش..قلبك طائر تحبسيه خوفاً..وتحاولين خنقه وربما قتله بحجه الحماية..إتركيه يا حياة..يرفرف ويحط على أسوار قصري وطاوعي عقلك الذي يتقبلني وقلبك الذي يهفو لسماع صوتى يرغب برؤيتى..ويستمتع بجدالى ولفي حولك"
شعرت حياة بالارتباك يغزوها بعنف الصراع إشتد على ملامحها أكثر..عضت حياة على شفتيها بصورة ملحوظة..حتى بدت كطفل أوشك علي البكاء..متحيرة مترددة بائسة ويائسة أن تجد الاجابة..لذا إرتخت ملامح محمد وهو يشعر بالتعاطف..فأخبرها ببساطة:
"تزوجينى حياة..وإحسمى أمرك..أنا أعلم جيداً بالصراع الذي داخلك..أنهيه وجازفي..وكما أخبرتك سابقاً..أنا لا أتفضل عليك بشيء..وكما رأيتى حياتي مهددة في كل لحظه فالمجازفة بيننا متبادلة..بل والنصيب الأكبر يقع عليك.."
فركت حياة اصابعها وإستطاعت ان ترفع له حدقتيها التي إلتمع خضارها ببريق مبهم ولكنه قادر على جرف كل شيء بداخله..ليزفر بهم لنفسه..فقالت بصوت خرج ضعيف بعض الشيء متردد:"إن وافقت..هذا إفتراض ليس إلا"
قاطعها محمد سريعاً بالقول:
"ان شاء الله سنعتبرها موافقه..إخلصي ان كنت طلبت ملكة السويد شخصياً لتلك الخطبة كانت إنهارت تحت قدمي متغنيه بعشقي"
ضحكت حياة بصوت مكتوم..وملامحها تسترخى بالفعل لتخطف قلبه الذي وقع في عشقها بالفعل..ثم قالت أخيراً:
"أريد ان أعمل..بشهادتى يا محمد أريد ان أبني مستقبل آمن بنفسي ولنفسي..فقد تم بيعي من أجل المال ومعاناتي كانت بسبب الفقر..أنا متصالحة مع نفسى فوق ما تتخيل..ولكن عند هذا الجانب لا أعدك أني سأنصاع لك..لا أريد منك مال ولا حتى تلك الشبكه المتعارف عليها..فقط أن تعدني أن لا تمنعنى يوماً من العمل..ورسم طريقى"
لم يرد عليها محمد بل ضغط على زر إستدعاء بجانبه..قبل أن يقول بملامح متعبه ومرهقه كمن كان يحطم في صخر جبل بالفعل ليصل الى ما وراءه وأخيراً إستطاع ان يصنع له ممر يعبر خلاله:
"الوظيفة التي تريديها..ستكون هديتك منى إعتبريها مهرك..لن احاول منعك يوماً او أضيق الخناق عليك..ولكن انت أيضاً ستراعى حدود سلطتى كزوج..تشاركينى معك..ولا تبعدينى عن حياتك..ولن تجدي منى إلا كل مساندة..بالتأكيد جميلتى أنا أريد لأم أطفالى..النجاح ليفخروا بكلينا"
إبتسمت شفتيها..بعد معاناه حقيقية..وقد حسمت أمرها..فتتبعت نصيحة الجميع وإقتنصت فرصتها لأنها تستحق بداية جديدة مشرقة..يملأها الامل والسعادة..
لفت نظرها دخول والده بتعجل..وتليد الذي نظر إليها رافعاً حاجبيه بتعجب قبل ان يقول مازحاً:
"توقعت من جرس الاستدعاء..أنكم قتلتم بعضكم أخيراً"
هز محمد رأسه بنفي وهو يقول بمرح متلاعب:
"لا أسوأ لقد وافقت على الزواج..أريد ان أعقد عليها في الحال..فهي غير مضمونه بالمره..ولن أجازف بأن تغير رأيها؟!
.......
بعد يومين..
كانت عبير تقف أمام باب غرفة محمد في المشفي..تسأل تليد بهدوء:
"هل تم عقد القران لأني يجب أن أتحدث مع محمد في بعض الأمور!!"
ظهرت ملامح متضاربة على ملامح تليد..قبل أنت يقول بجدية:
"نعم..تم الحمد لله أخيراً..وكنت أنا وناجي شهود على العقد"
إبتسمت عبير بملامح هادئة وهي تسأله باهتمام مرح:
"لا أصدق أني إستطعت إقناع حياة ان تضع يدها بيده وتزوجه نفسها..لقد كادت ان تتراجع عن الأمر..وإشتعل غضب مفاجئ بها لمجرد ان فسرت لها ان لا حل أخر شرعاً..إلا بولى أمر..او ان تفعلها هي بنفسها"
أخذ تليد نفس ساخن مكتوم بعض الشيء وهو يقول مفسراً بحده:
"لقد إتصلت بوالدها...وفسرت له الوضع بإيجازحتى يمنحنا موافقته..ليكون الأمر شرعى تماماً حتى وان قال بعض الأئمه أن موافقته ليست ضرورية طالما حياة راشد"
هزت عبير كتفيها وهي تسأله:
"ولما أنت غاضب هكذا..لقد تم كل شيء كما أردنا"
قال تليد بفتور:
"لا أعلم..عندما أتذكر مظهر حياة القديم..محطمه على فراش المشفي..أشعر بالثورة لتحطيم والدها..قبل هذا الحيوان المتصابي الذي باعوها له"
أطرقت عبير رأسها للحظات قبل ان..ترفع عينيها الهادئه تخبره بسلاسة:
"ولكنه ندم..وإنصاع لتهديدك وحاوط على باقى أولاده..وحاول أن يتلمس منها الغفران والمسامحة.."
كان يحافظ على هدوئه بصعوبة..مقدراً..لحساسية موقفه وحاجة حياة للإحساس بالتفهم والأمان..ورمي كل الماضي ورائها..وبدء صفحة جديدة..بعد ان. رأى كل المصاعب النفسية والجسدية التي تخطتها عبر الثمانية أعوام الماضية التي قضتهم في الدار..لتصل أخيراً للرضى الداخلي..والتطلع الى مستقبلها..دون ان يؤثر هذا الماضي القاتل فيها..ومحمد ما هو إلا فرصة..للتجاوز حياة كل شيء وتكون أسرة خاصه بها وحدها..تنازل أخيراً وهو يقول:
"عندما سمعت حياة صوته..إمتلأت عيناها بدموع لم أستطع تفسيرها..فشعرت بالغضب الأهوج بداخلى من أجلها وأجل كل من تعرضت للأذى..تحت مسميات وحجج واهيه كاذبة...لا أريد لها ان تعود للماضى خطوة أخرى يا عبير"
إبتسمت عبير بتفهم وهي تخبره بهدوء:"لن تعود أبداً..اطمئن من تلك الناحية..لقد بدأت حياة جديدة للتو..وسلكت طريق أخر متنازله عن كل هواجسها..أما ماضيها يا تليد..دعني أستخدم جملة حقيقية جميعنا رددها ,,"الزمن والوقت كفيل لينسينا كل شيء ونصل للمسامحه والغفران للجميع"،، من يدرى قد تصدمك حياة في وقت ما انها تعود لأهلها..وتمنحهم السلام معهم أخيراً؟!!!"
.....................
رجع محمد برأسه الى الوراء..وعلى وجهه إبتسامة ثقه مغيظه..وهو يقول لعبير التي كانت منذ نصف ساعة تحاوره..وتشرح له شخصية حياة ومخاوفها وطريقة التعامل معها..ببعض التحفظ ثم قال:
"أنت تتحدثين..الى شخص يجيد التمييز بين فتاة كبرت في بيت أسري دافئ بطريقة طبيعيه..وبين أخرى تعرضت للكثير من المصاعب..لذا أنا أقدرتماماً ما تعاني منه ولدي فكره جيدة للتعامل معها فيما بعد..!!!"
تجنبت عبير مقدار غروره الذي تحدثت عنه حياة ووجدته بالفعل فيه..ربما لأنها تستطيع ان تعلم بالفعل ان تلك ليست طبيعة الشاب ولكنه واجهة يضعها ليستفز مشاعر الفتاة ويثير فضولها نحوه..وقد نجح بالفعل وزواجه منها خير دليل..لذا قالت بمهنيه:
"هذا واجبى..يا سيادة الرائد كان يجب ان أوضح لك..كيفية التعامل معها في أول حياتكم على الاقل"...
تتهد محمد وملامحه تسترخى كلياً..بعد ان اطمئن أخيراً ان جميلته..أصبحت ملكه وفِي عصمته..ولن تستطيع ان تلوع قلبه او تبتعد عنه..فقال باهتمام:
"أي شيء سيساعدني للوصول إليها..سأكون ممتن لك"
تورد وجهه عبير قليلا ..قبل أن تتنحنح وهي تقول بخفوت هادئ:
"حياتكم..القادمة أعنى..العلاقة الخاصة.."
رفع محمد حاجبيه دهشه ولم يرد مقدراً حرج المرأة..وان كان يعلم أتنها مهنتها لذا إلتزم الصمت وهو مدرك ان لم يكن الأمر هام لم تكن لتثيره..أدارت عبير وجهها بعيد عنه وهي تقول بجدية وقوره:
"حياة..او من مثلها وان كانوا تخطو الأمر بالفعل..يبقي هناك هاجس مما تعرضوا له بالفعل..لذا هناك بعض القواعد التي يجب ان تراعيها"
تجنبت ملامح محمد الذي تكللت غيره وقسوة مفاجئه..فتابعت سريعاً. بتحفظ..؟! كأنه أمر ثقيل وتريد الخلاص منه:
"عواطفك..يجب ان تسيطر عليها..أي عنف غير مقصود..قد يرجع عليك بالسلب اذ قد يصيبها بالنفور او الأسوأ كرهك على الفور..أنصحك ان تكون هادئ صبور..لا تقدم على خطوة نحوها..إلا ان أعلنت هي موافقتها نحوك وبالتدريج..ستكتسب ثقتها..وتستطيع بعدها ان تكمل حياتك بطبيعية"
أخذت عبير نفس عميق قبل ان تقول بهدوء:
"بالطبع..لن احتاج لأخبارك انك القائد هنا..ولن تنتظر من حياة أي مبادرة نحوك..حجب مشاعرها ربما في مرحلة من المراحل سيكون طبيعي..طريقكم طويل..لا أريد ان أقلقك..ولكن أردت إخبارك حتى لا يصيبك اليأس...لن أطول عليك وأخبرك أنك فرصة حياة الاولى والأخيرة وان مللت وأصابك اليأس وإبتعدت عنها..ستتحطم يا محمد ولا أعلم المدة التي قد تستغرقها لبناء نفسها من جديد..؟!"
رقت نبرة عبير أمام نظرات محمد المحتده بالرفض فقالت برتابة:
"أنا لم أحضر الى هنا بصفتي مرشدتها النفسية بل كصديقة وأخت كبرى..تحرص عليها..ويعصف بها القلق..بما هي مقدمة عليه"
إهتزت عضله بجانب فمه قبل أن يقول بصدق متفهم:
"أقدر مجيئك..ولكن أحب ان أخبرك..سأفعل أي شيء من أجلها..فلا داعى لقلقك..أنا بحثت في الأمر بالفعل وأعلم طريقي نحوها جيداً..وكيف أكسب ثقتها..
وقفت عبير تستعد مغادرة..ثم قالت بهدوء مرح:
"يبدو أنك واثق بالفعل ومخطط جيد لغارتك نحو الفتاة..فما كان داعى لقلقى او مجيئى"
إبتسم محمد إبتسامة متوسعة قبل ان يقول متسلياً:"عندما يتعبني مجرم..للقبض عليه..أتبع الصبر والهدوء والاستفزاز..ثم المهاجمة وحياة كانت أكثر مجرمينى إرهاباً"
أرجعت عبير رأسها الى الوارء وهي تقول مردده بدهشة:
"مجرمة وإرهابية..ياله من وصف عاطفي..يطمئنى على الفتاة؟!"
ضحك محمد بقوة وهو يقول..مستسلم:
"نعم فصديقتك..سرقت قلبى من نظرة..وتغلغلت الى تفكيرى..بكلمة؟!"
هزت عبير رأسها يأساً..وهي تتوجه الى باب الغرفة مودعه..قبل ان تلتفت اليه تخبره..مدعية البراءة:
"محمد..إبتعد تماماً..عن ( الفراش التقليدى ) فحياة لديها رهاب منه لم تستطع تخطيه"
قال محمد مردداً بحيرة:"..أين سأنام إذاً"
هزت عبير كتفيها بلا إهتمام وهي تخبره:
"ليست مشكلتى سيادة الواثق من نفسه...أبهرها باختيارك"
....................
لدقائق طويلة..ظلت زينة تحدق في جلسة حسن مطرق الرأس..منحني الكتفين..وكأن شيء به كسر..داعبت يديها قماش عبائتها دون أن تجرؤعلى الاقتراب خطوة أخرى منه..بينما كانت عاجزة عن التفكير في أي شيئ غير كلمات زين العابدين وهو يعيد عليها بتشدد..أنه يدعمها وينصرها طالما إختارت وجودها معهم فزادت مكانتها عنده وجعلته يتأكد من أي معدن أصيل هي..إبتلعت ريقها عندما رفع حسن وجهه ينظر لها بعينين مشتعلتين حارقتين رغم الحزن واليأس الطاغي عليهم..تحدث أولاً ليخبرها بهمس خافت..مبهم:
"لم أتوقع للحظه..ان تكوني أنت من وسط الجميع بتلك القسوة يا زينة..تلوعيني وترفضين رؤيتي..و لم تعزيني في وفاة والدي"
إشتدت أصابعها بقسوة وهي تزم شفتيها بقوة..كيف يجرؤ على معاتبتها ومحاسبتها؟ مجرد التفكير أن له عين يأتي الى هنا ويتكلم بتلك اللهجة الفوقية..ليحاول ان يشعرها بالذنب بينما هو من رماها في نص الليل دون ان يهتم بمصيرها..كان كفيل بجعل الغضب يأكل أحشائها أكلاً..أخذت نفس عميق..قبل ان تقول أخيراً بثبات حافظت عليه بصعوبة:
"لماذا؟!وما الذي كنت تتوقعه من إمرأة طلقتها ورميتها تحت قدميك يا حسن..واجبي أنا قمت به بالفعل مع نساء عائلتكم..أما انت فلا يربطني بك شيء..كي أقدم لك العزاء..أليست تلك هي الأعراف والأصول التي كنت تحدثني عنها"
لاحظت أنه توقف عن تأملها..أصابعه كانت تنقر بتوتر على سطح مقعده الخشبي الذي يجلس عليها..وكأنه يجاهد ليضبط غضبه الشديد..مجرد التفكير في الموقف المرير الممزق الذي حدث بينهم..تمتم أخيراً بالقول:
"ما حدث كان مختلف يا زينة..كنت أعانى من جام غضبي..ملتاع القلب مكسور الكبرياء..شرفي ممرغ في الوحل..بسبب قذر معدوم النخوة والرجولة..دمرت أختي بيدي بوقت كانت هي في أمس الحاجة إليّ..ومن بين كل ذلك الغضب أجدك أنت أمامى..أخته وشرفه يفترض بينما هو أذلنى ومرغ رأسي في الوحل ان أحافظ أنا عليكِ..أي منطق يا زينة يقبل بهذا"
تعرف أن القصة تحمل بشاعة لا تحتمل ورغم أنها تلتمس له كل الأعذار..ولكن لم تستطع بعد تخطي إهانتها لذا قالت بهدوء:"وما ذنبي أنا تحديداً لتُحملني..كل أخطائه..انت لفظتني يا حسن دون ندم او تردد..لم تكتفي بمجرد رد فعل..او يمين طلاق ترميه..بل أهنتني وعاملتني كوضيعة..ساقطة تتخلص منها وتنهي كل ما بيننا وترميني على أعتاب بيتك..غير عابئ بتوسلى لك..أنه لا يوجد لي غيرك"
رفع عينيه لتطل منهما نظرة قاسية..مريرة وهو يقول بغضب محتد:
"رميتك بعد أن قمت بتشويه أختي ودفنها في باطن الجبل..ولولا أولاد عمي..وتستر أيمن عليها لكنت وأدتها وأزهقت روحها..بذنب لم تقم باقترافه.."
راقبته وهو ينهض من مكانه..دافعاً جسده نحو الحائط..يحجب نفسه عنها..وهو يضربه بقبضتيه..بحرقه قبل ان يقول بشيء من التوتر والعصبية:
"إن كنتِ تتحدثين عن الظلم والأذى..فأنت لم يطولك شيء من الاهانه والتجبر كما فعلت بنجلاء"
تشنجت أصابع زينة حول بطنها المنتفخ تحيطها غريزياً..وكأنه تؤكد له ان لا تسمح أبداً ان يصيبه أذى او يطوله غضب والده..ولم تجرؤ بعد ان تتقدم منه خطوة..ان تتحرك نحوه..همست بصوت ضعيف متخاذل:
"مازلت لا أعلم ما المطلوب مني..أنت أمرتني بالابتعاد وها أنا أفعل يا حسن"
إلتفت لها حسن بملامح مغلقة..قبل ان يقول بصوت مختنق..وكأن الذكرى تلسعه بألالمها..مما جعلها ترتجف وهي تشعر بالهالة العميقة والأثر من الحزن..والوحدة التي فاحت منه فكانت تغريها بأن تمد يدها لتحتضنه وتواسيه تخفف عنه وطأتها..وتخبره مراراً وتكراراً بعشقها الغير مشروط له..بحبه الذي لم يقل درجة واحده في قلبها:
"لا تصعبي الأمر عليّ يا زينة أكثر مما هو صعب بالفعل"
الألم كان أكبر مما تحتمل بالفعل..ما عانته وتخبطها مع سوء معاملة والدها لها في السابق..تذكرها توسلها له وبكائها على صدره..تبثه مخاوفها..وعده بالحماية وأنها جزء منه ثم في لحظة يتبخر كل شيء ويجير عليها بغير حق فيسحقها كبعوضه لا تستحق جعلت كرامتها تنتصر وهي تجيبه:
"أنا لم أكن أستحق منك كل هذا الظلم..تعاقبنى وتؤذيني بجفائك..تتجاهل حتى مصيري بعد ان خرجت من منزلك..ثم تُلحقها بورقة طلاق رجعى منك يا حسن الى بيت أهلي.."
غص صوت زينة ببكاء فجر كل شيء بداخلها فتوقفت على الفور غير قادره على الإكمال..لفت بيدها بطنها بشدة كأنها تستمد من طفلها القوة..وطرقت برأسها الى الأسفل وكأنها تعجز تماما عن وصف معاناتها..غير قادرة او مستعده على التمسك بتلك الواجهة من القوة..قلبها كما أوصالها يدب فيها الضعف والوهن..تعترف لنفسها بمرارة أنها لم تكن أبداً مستعده او قادرة على تلك المواجهة معه..فرؤيته ذكرتها بكم معاناته الحقيقية..وصراعه المحتد والواضح وهو يتخلص منها!!!!!
لم يجد حسن ما قد يدافع به عن نفسه..مظهره الضعيف يقتله في صميمه فإحتمائها بعائلته كان رسالة واضحه منها أنها (أكرم منه ) رغم تجبره عليها ووحشيته معها كانت هي الأكرم في المحافظة على طفله ونفسها..تتلمس ريحه وتبقى في محيطه حتى وان لم يكن يعلم..
نطق أخيراً بصوت أجش مختنق بالعاطفة والشوق والعذاب:
"وندمت يا إبنة خالتي..لم أترك شق لم أبحث فيه عنكِ..كدت أفقد عقلي..في البحث عنك مت في الدقيقة ألف مرة وأنا لا أعلم بمصيرك...ألا يكفيكِ هذا؟!!"
هزت زينة رأسها وهي تقول مختنقه بعذاب:
"لا يكفئ يا حسن..أنا أريد سند دائم لا يظلمني ولا يُجير عليّ..أريد جدار آمن يُشعرنى انه دائماً بجانبي وأننا سوياً قادرين على مواجهه كل شيء..وأي شيء..."
رفعت عيناها بقهر تخبره بتعصب:
"أريد..رجل يا حسن..يحميني وطفلي..فأنا عانيت من التجبر والتفرقة طوال حياتي..تحمل ذنب ليس بذنبي أبداً..وأنت أثبت أنك غير أهل لمطلبي"
صمت للحظات وملامحه جامده تماما بينما خلت عيناه من أي تعبيرثم قال بخشونة:"تتحدثين بلهجة جديدة ولسان غير لسانك يا زينة...تعديك السافر عليّ بسبب هرمونات حملك بالتأكيد..أما تلميحك لتطلعك لرجل أخرغيري سأحاسبك عليه بعد ان أُعيدك لعصمتي"
قاطعته سريعاً متحديه:"لن أعود لعصمتك؟!"
ساد صمت تخلله هدير أنفاسه العنيفة بينما بدا وجهه وكأن الدماء إنسحبت منه تماماً...وهو يراقبها تستدير تنوى مغادرة الغرفة فسمعته يقول من ورائها بقسوة:
"أنا لست أخوكِ عديم النخوة ولا والدك الذي عاملك كأنك نكرة طوال حياتك..صدقي أو لا سأعيدك لعبائتي رغماً عن أنفك..لا تحلمين أن تكون إمرأتى..وأم طفلي لرجل أخر غيري..لن أتردد في قتلك وقتل من يحاول ان يقترب حتى منك"
إستدارت زينة وهي ترتعش من رأسها حتى إخمص قدميها..شعرت أنها تهيم ضائعة مدركة أنها عندما حاولت ان تؤلمه بالرفض وبكلماتها التي تجلده..أنها ستزرع شيء في صدره من إحساسها العارم بالمهانه والظلم..لم تقصد أبداً ان تُلمح أنها من الممكن ان تفكر في رجل أخر غيره لذا قالت بحنق ثائر:
"أنت..غبي يا حسن..عن أي رجل تتحدث وتتوعد..أنا لم أعد أخاف منك..ولا من تهديدك ولمعلوماتك فقط ان كان غضبك يعميك ان كنت أريد رجل غيرك..او مر ما يشابه طيف بتفكيرى كهذا..لم أكن لأحتمي بعائلتك وأحمي إبنك من غضب عائلتي او آذاهم ان عدت لهم به..أظن أني أثبت للجميع..برغبتي بالإكتفاء بطفلي جداً"
نظر لها طويلاً طويلاً..بمشاعر تكاد تخنقه داخل صدره..وهو يشعر بضعفها
وصدقها..وغبائه الذي نعتته به؟!!
أطلقت شهقه قصيرة وهى تقول
"أنت أثبت بكل الطرق ان مستقبلنا معاً مسدود..لذا أنا سأضع ولدي..وبعدها سأرحل لا فائدة منك او مني لأنني لن أغفر لك أبداً..إرحل يا حسن عن طريقي..أنا لا أريد ان أراك مرة أخرى .إستدارت تنوى الرحيل..قبل ان تحس بيديه تتمسكان بكتفيها..يسحبها داخل الغرفه ويلصقها بالجدار المجاور..أطلقت شهقة بكاء خفيفة..سرعان ما كتمها في صدره..قاومت عناقه بقوة للحظات سرعان ما تحولت للضعف..يليها الاستسلام له تماماً..سمعته يقول مقهور وهو يبتلع ريقه بصعوبة:
"لا تلقي الملح على الجرح المفتوح يا زينة مازلت أنازع بين شخصين يتقاتلان بداخلي..فيمزقاني لأشلاء صغيرة غير عابئين بقلب محمل بالأنين والحنين..هش كعصفور في مهب الريح..لا يريد إلا اللجوء لأحضانك وتوسد صدرك لأسكن إليه..وأختبئ من العالم..أنسى كل شيء بك ومعك أحميكِ مني وأسخط عليك..أخفف عنك جرحك وأرد كرامتك..وأنتقم منه فيك !!!"
تمسكت زينة بمقدمة جلبابه بقوة وهي تقول بصوت خنقته الدموع:
"أنت لن تنسى يوماً يا حسن ستظل تجمعني به..تحاسبني على ندالته وخسته مع أنثى ضعيفة مثلي والتي كانت أكرم منك ولم تحملني ذنبه.."
قاطعها وهو يشعر بضآلتها بين ذراعيه..يستنشق رائحتها الشهيه يشعر نعومتها فتذكر بقسوة كل لياليهم الملتهبه التي كانت تغرقه فيها بعشقها..فيهتز عالمه بداخله معترفاً بحبها وبضعفه فيها..فيتوه عالمه ولا يجد أرض صلبه يقف عليها...
تمتم بخفوت:"دعيني أردكِ إليّ..وأعدك أن يتغير كل شيء..إمنحينى الفرصة..لننسى سوياً طيفه بيننا..أنا أريدك أنت مجردة دون أحد..سأعاقب نفسي على ما فعلته في حقك..وأعدك إن غفرتي لي ان لا أكرره أبداً"
قالت بضياع وهي ترفع رأسها تنظر له من بين دموعها:
"لا أعرف..أنا خائفه منك"
تنهد عاجزا عن شرح نفسه..أكثر..عن إخراج كل ما في قلبه..عن تنازله وإعترافه المتكرر وان كان مستتر بندمه..وعن ذلك الشعور المقيت بإحتمال فقدها..وهو من تغنى وتوعد بأن لا يلتفت أبداً لطيفها...لذا أطلق ضحكه مريره وهو يذكرها:
"أنت قُلتِ منذ دقائق..أنك لم تعودي تخشيني..يا زينة معترفه بإحتمائك بعائلتي لتكونِ قريبة مني..حتى لا نفقد أخر خيط بيننا يمنحنا بداية لمرحلة جديدة في علاقتنا"
قالت بحنق تائهة ان تجد الرد لتذكيره لها بما تفوهت به:
"تتحدث وكأننا كنا..رفيقين يسهل تفريقهم..لا زوجة سكنت اليها وتخلصت منها عند أول خطأ لم يكن لها يد فيه!!!!"
أخذ حسن نفس محترق قبل أن يقول بصلابة:
"توقفي عن تذكر الأمر وتكرار لومي..وإنصاعي لقلبك العاشق..إن لم يكن من أجلي..فليكن من أجل..طفلنا"
صوته خفت مرة واحدة وهو يقول بلهفه:
"أعدك أن أتخطى كل شيء من أجلك..كما أنا تخطيت الان حدودي..وأحتضنك فقط من أجل أن أشعر بك"
شهقت زينة..وهي تدفعه عنها ووجهها يحمر بالخجل التلقائي..وهي تدرك فجأة أنها كانت ملتصقه به حد التلاحم..حررها وقد بدت أنفاسه أقل إتزاناً..وعيناه تنزلق تتأمل شفتيها..مروراً بانتفاخ بطنها..فقال دون أن يتيح لها الفرصة لإستعادة..جمودها التي تدعيه:"أريد لمس بطنك الاقتراب منك"
..رمشت بعينيها قائلة باضطراب:
"لا..لن يحدث أنت تخطيت الحدود بما فيه الكفاية"
خفت نبرات حسن..وهو يقبض يده بجانبه يقاوم بصعوبة ان لا تمتد نحوها مرة أخرى ويجبرها على اللجوء بين ذراعيه..رقت نبراته هذه المره وهو يقول بصوت أجش:"إقبلي بي زينة..وعودي الى برغبتك التامة.."
تاهت عينا زينة في كل مكان..كأنها قطة حبيسه في قفص ضيق ولا تجد لها مهرب منه..عضت على شفتيها المرتعشة..تقاوم أن لا تخبره بموافقتها ببساطة هكذا..
إقترب كنمر جائع وجد فريسته الهزيلة يستغل الفرصه ويضرب على مشاعرها بعنف فأكمل وعيناه تلمع كألف نجمة في منتصف الليل:
"أنتِ تحبيبني..هل تذكرين وعدك بأن ما في قلبك من غرام وكلمات عشق تكفي كلينا..لا أظنك تستطيعين البعد عني بسهولة هكذا او سحب كلامك السابق.."
قالت هامسة ببؤس:
"كف عن تذكيري بأشياء..بأشياء..يا الهي أنت تشن حرب غير منصفة تماماً"
تمزق قلبه..وهو ينظر لعينها الدامعة..محاولتها اليائسة للتحلي بالقوة..وهو أعلم الناس بطيبتها وقلبها العاشق ناصع البياض..الخالي من الأحقاد..فقال بإرهاق..رغم نبرته التي إخشنت بالعاطفة:
"ماذا أفعل لتعودي إليّ وتغفرين لي..ولأكسب ثقتك مرة أخرى؟"
قالت بيأس:"لا أعرف..لا أعرف كف عن طرح أسئلة لا أجد لها إجابة"
إبتسم بطريقة..جعلت قلبها الملتاع في حبه يرتعش..اذ لم ترى حسن صبور باسم الوجه ومحايل بتلك الطريقة من قبل يطلب ودها ويتحمل رفضها..يكرر إعتذاره منها وهي تعلم جيداً صلابة رأسه وعنف أفكاره وإعتزازه برجولته الشرقية التي لا تقبل التنازل..أجفلها وهو يقترب منها مرة أخرى يحاصرها دون ان يلمسها وهو يقول بنبرة خرجت غير مسيطر عليها:"إشتقت (للملخوية) المسكرة من بين شفتيك..لإستكانتك فوق صدري..لنعومة كفيك التي تمسد عضلات ظهري وكتفي وتمنحني السكينة"
صمت للحظة وهو يرفع يده يتلمس الجدار بجانبها كأنه يتلمس وجهها..فقال بحنان:
"هل إن أخبرتك أنى أحبك..أريدك (مرتىِ)فأنا كنت أعانى أنزع روحى وقلبى معك وأرميهم بقسوة وأسحقهم بقدمي..عبر تحررك مني ربما هذا سيجد صداه عندك"
ما كان يقوله ويفعله كثير على تحمل قلبها المرهق بالفعل..فلم تعد تتحمل هجومه وحديثه..ربما إمرأة مكانها كانت ستزيد في الدلال والتمنع ولكن ليست هي بل كل ما أرادته من العالم بيت حامي ورجل ساند وداعم..لذا قالت مقاطعه بنبره ضعيفه يائسه:
"إن وعدت عمي زين العابدين..بعدم تجبرك عليّ مرة أخرى ومنحك موافقته..أنا ليس لدي مانع ان يتربى ولدك في عبائتك"
لم تكد تنهي جملتها حتى أزاحته سريعاً وخرجت دون ان تلتفت له او تنتظر رد فعله.............
قال زين العابدين..بنعومة خطرة:
"خطبة رائعة يا حسن ووعود مبهرة يا إبن أخي ولكن قد تستطع أن تلف بها مسكينة كزينة..ولكن ليس رجل خط الشيب رأسه ومرت عليه المصاعب مثلي"
كان حسن مرهق الجسد مستنفذ المشاعر حقاً بعد جداله الذي إستمر مع عمه اكثر من ساعتين يلوعه كعادته في الشهور الماضية ويحرقه..للتلميح أنه لا يصلح لها وبصفته موكل أمرها الان..يستطيع أن يرفض عودتها إليه لذا قال:
"عماه..لم أعهدك غير عادل هكذا مُتعنت الفكر..زينة إختارتني..وإشترطت موافقتك..فهلاً ترفقت بى قليلاً..وتكرمت علىَ برجوع إمرأتي لكنفي"
أخذ زين العابدين نفس عميق قبل ان يقف من مجلسه يدب بعصاه على الارض برتابة...يتأمل إبن أخيه المتعب..الذي يعانى حقاً يعلم..ان كل ما حدث كان كثير على تحمل شاب مثله جامح يُستقبل الحياة بصدر مفتوح دون ان يمتلك الحكمة والصبر لحل الأمور بالعدل..كما يعلم أيضاً ان موت والده بتلك الطريقة ترك فيه اثر غائر ليشعر انه شجرة وحيدة في مهب الريح ،..في هذه اللحظة لم يبدو له حسن إطلاقاً..كوالده متجبر أحمق أرعن..متملك حد الموت ومتجبر على الضعيفات..بل إنسان تعيس عانى هو الأخر من تربية والديه المهملة والغبية..لينجو بنفسه ولا يكون نسخه منه..يدرك مخاوف الشاب ان لا يبليه القدر بامرأة كأمه..وقد أهداه بالفعل جوهرة كزينة..قطع الصمت زين أخيراً وهو يقول بنبرة حازمه مشترطاً:
"سأعيدها لك..بشروط إن نفذتها..سأتي بخالها في الحال مقيداً..ليكون وكيلها الشرعى ويعقد لك عليها من جديد"
بنبرة جديده صادقة كان حسن يقول:
"أي ضمانات لن أتردد لحظة..في منحها أنا شاري عماه ولن أبيع أبداً..فلقد تعلمت درسي منكم بالطريقة الصعبه.."
إبتسمت ملامح زين العابدين برزانة..قبل أن يقول بوقار متسلط:
"أربع فدادين من أرضك تكتب باسمها..كأمان لها تلجأ اليه ان غدرت بها يوماً.."
أطلق حسن زفرة إرتياح عميقة..لانتهاء حربه أخيراً وهو يقول:
"في الحال عمي أرسل في طلب المحامي مع المأذون وذلك المدعو خالها.."
..........................
بعد ثلاث ايام..
كان حسن يدخل الى بيت عمه..وهو يرغي ويزبد..كبيره العادل..الظالم له فقط..أصدر حكمه أنه لن يعطيه إمرأته..إلا بعد ان تلد طفلها في داره...حتى بعد ان ردها الى عصمته أخيراً..بعد ان أوكلت خالها..الذي لم يتردد للحظه في الأمر..بل كان يبالغ في التملق..والمبالغة..في تفخيمهم وشكرهم لانهم عطفوا على زينة وأعادوها لكنفهم..شعر بالغضب داخله رافض وكاره بل يشعر بالقرف والنفور من فعلته..ولكنه كتم الأمر في صدره كالعادة..محافظاً على تلك الصلة التي تربطه بأمه رغم عن أنفه...قابلته إمرأة عمه وردة تستقبله بوجهها البشوش الضاحك دائما وهي تقول برفق:
"ما الذي أتى بك الى هنا..ألم ينبهك عمك..ان لا تخطو باب الدار حتى يسمح لك"
إستعاد حسن وجهه الصلب وهو يقول بهدوء مداري شوقه اليها وحنقه على عمه:
"أنا أتيت لأطمئن عليها..وأسألها ان كانت تحتاج لشيء..وربما إصطحابها لطبيب..ل"
قاطعته وردة وهي تقول ضاحكة بخفوت:
"يكفيك حجج..أطلب ببساطة رؤيتها وأنا سأسمح لك ولن أخبر عمك.."
إدعى حسن الجمود وهو يقول مقتضب الجبين رافض ان يجعل أحد يرى عذابه من أجل إمرأة مرة أخرى فقال بمداراة:
"أنا لا أقول أي حجج وأخبرتك بالفعل أنى أريد ان أطمئن عليها"
بطبيعتها منذ صغرها لم تتدخل يوماً..في أمور العائلة..بل منذ تزوجها زين العابدين..وهي وردة ويعاملها كوردة رقيقة..ولا يحاول ان يحملها هموم العائلة..او مجالسهم لذا دائماً تأخد الأمور ضاحكة فرحة..دون ان تحاول ان تقسو على أحد..لذا مدت يدها تشير نحو حديقة المنزل الداخلية وهي تقول:
"هي بالخارج في غرفة الخبيز..إمرأتك تتوحم على رائحت الرماد المحترق..لذا تجلس دائما أمام الفرن فور ان تُطفئ ناره"
أسفر وجهه عن إبتسامة..حاول بكل جهده ان يداريها..قبل ان يتحرك متوجه إليها..فتوقفت خطواته فجأة..وهو يقول بملامح تبدلت كلياً..بنبره مترددة خافته:
"كيف حالها..هل تحدثك..هل مازالت في رثائها وبكائها..وهل سألت عن أحدنا"
قاطعته وردة وهي تقترب منه تربت على كتفه بمودة وهي تقول برقة:
"نجلاء بخير..لا تقلق أيمن يجيد الاعتناء بها..بل وتحدثني بصورة يومية..وأخبرتني أنها إلتحقت بكلية الحقوق يا حسن..لا تُحمل كتفك فوق طاقتك..وأترك الزمن فهو كفيل باصلاح كل شيء..ومداواة الجروح..وكسور الروح"
إهتزت عضله بجانب فك حسن قبل ان يؤمئ برأسه بهدوء وهو يقول:
"أتمنى هذا يا زوجة عمي..أتمنى هذا"
إنصرف حسن على الفور يحاول ان ينفض عن نفسه ذلك الوهن الذي دب فيه من تذكر أخته..يعلم ويوقن ان أيمن هو الوحيد القادر على إخراجها من كل ما هي فيه..ممني نفسه بيوم قريب للقائها..
فور أن دخل من باب الغرفة المسقفة ببعض جزوع النخل العريض..وجد زينة تجلس أمام فوهة الفرن المصنوعة من الطين..والتي مازال بعض المنازل تحافظ على تراثها رغم وجود الافران الحديثة ولكن تبقي تلك الافران التي تصنعها حريم المنازل هي الافضل في تسوية الطعام..والفطار والمخبوازات الشهية...
أطلت من عيناه نظره حنان وشوق متفحصها كما يحب ويهوى بعد أن عادت..لعصمته وحلاله..إقترب حسن منها بتمهل بطيء..قبل أن تنتبه له زينة فتهب واقفه من جلستها بما يسمح لها بِه ثقل حملها..تراجعت الى الوراء قبل ان يوقفها الجدار فسندت بظهرها عليه...وهي تحرك ذراعيها تحيط بطنها بتلاقيها..تشدد من إغلاق عبائتها حولها..إقترب منها حسن..وهو يقول مباشرة بنبرة مبحوحه:
"إفتحى هذا الشيء حالاً..أريد رؤية طفلي زينة.."
هزت رأسها برفض وهي تقول بصوت مرتعش متقطع:
"لا..أخر..أخرررج من هنا عمي قال..غير مسموح لك برؤيتى"
هز رأسه وهو يلتصق بها..يديه تعافر مع كفيها ليبعدهم أخيراً..يفتح عبائتها بنفسه..مرر أصابعه على إنتفاخها وهو يسألها:
"لما خبأتي عني كل هذه المدة يا محدودة التفكير..لم يأتي في عقلك أن تستخدميه ضدي وتجبريني ان أضمك إلي مرة أخرى...."
تمتمت متلاحقة الانفاس..بينما أطلت من عيناه نظرة قتلتها بعاطفته الجياشة..نظرة منه طالما حلمت أن تراها..أن تسمع إعترافه بحبها وتمسك بها:
"لا..لم أريد أن أضغط عليك..بل كان من حقي ان تعود تطالب بي من أجلي أنا وليس من أجل هذا الطفل من حقى يا حسن..وحق حبي لك..أن تتحرر ولو لمرة واحده من صلابة رأسك..وتتنازل..وتعتذر مني عن ما بدر منك في ظلمي"
إرتفعت يداه تحيطان وجهها..ترفعانه اليه سامح لنفسه ان يتأمل تلك البشرة الخمرية..الذائبه وعيناها العاشقة..وهو يهمس لها:"ألا يكفيكِ إعتذار..وإعتراف بأني أحتاجك يا زينة بجانبي..أنا أشتاق لتواجدك بجانبي"
همست:
"بل يكفي..يكفي جداً أنا قنوعة أكثر مما تتخيل..أثق بك..وبوعودك التي أطلقتها..بسترى وحمايتى وو."
لم يمهلها الرد..اذ إنحنى يطبق على شفتيها..بشوق وشغف..قبل ان يتركها سريعاً..ويخبرها:
"سأطلب عمي أن تعودي لمنزلك..يا زينة الصبايا..فلا ترفضي..لن أجعلك مشردة ولاجئة في بيت أحد مرة أخرى"
تقطعت أنفاسها أثر ذلك الهجوم الضارى المتكرر منه قبل ان تقول بهمس متردد:
"خالتي...إن عُدت لا أضمن..أعنى...أقصد..."
تكللت ملامحه بالقسوة فجأةً وهو يقول بنبرة شرسة:
"ستبقى أمي لها مكانتها..فهمى أمي..ولن أستطيع فعل شيء"
إمتقع وجه زينة وأطرقت برأسها وهي تهمس بصوت ضعيف:
"أنا لا أقصد يا حسن الأم تبقى أم.."
ساد الهدوء الحذر بينهم ..قبل أن يرفع حسن وجهها مرة أخرى إليه ليقول بصوت رخيم:
"ولكن تبقى أيضاً..زوجتي وأم طفلي..وما سكتُ عنه في السابق..لن أسمح به أبداً مرة أخرى..كرامتك من كرامتي ومكانتك من مكانتي..وأبداً يا زينة الصبايا لن أسمح لمخلوق أن يقلل منك أو يتحكم بك.."
إبتسمت ملامحها بالرضى التام..وهي تهمس برقه:
"يكفي ان أحمل إسمك مرة أخرى وأعود أرى وجهك كل ليلة..من المستحيل ان أرهقك او أتعب قلبك..من ناحيتها او أساعدك على جفائها"
مال نحوها يسند جبهته على جبهتها وهو يقول بصوت أجش:
"أنت زينة جداً يا زينة..ماذا فعلت أنا ليكرمني الله بمن تحمل قلب أبيض مثلك يرضى بالقليل ويسامح ويغفر دون ان يطلب"
توسعت إبتسامة عيناها التي إمتلئت بالدموع وهي تقول مستسلمة راضية:
"لا شيء فقط أنا أحببتك يا حسن..وتمنيتك رجلي وحامي وجداري الذي أختبئ خلفه من ريح الزمن"
ضمها اليه بشدة غير قادر على مقاومة شوقه اليها..قبل ان يقول..بنبرة قاطعة:
"الان ستأتين معي لن أحتمل وجودك بعيد عني دقيقة واحده أخرى..يا قلب حسن"
عندما إرتفعت يداها تتشبث به بقوة..علم أن صراعه المحتد معها إنتهي وعبر موافقتها الصامته لن يستطيع عمه ان يخبره بالرفض مرة أخرى..أغمض جفنيه أخيراً وهي يطلق زفرة إرتياح..لإكتسابه قلب ومسامحة واحده ممن قسى عليهن ممنياً نفسه..بكسب سماح أخرى يوماً ما..ويدعو الله أن يستطيع مع مرور الزمن..أن تشفي جراحه..وينسى كل ما حدث..
..............................
قال أيمن مخاطباً نجلاء التي تجلس..صامته أمامه:
"لما لم تعاودي الذهاب للمركز..لقد سألت عنك عبير مراراً"
رفعت نجلاء عيناها المرتبكة به..دون ان تجد قدرة على الكلام..كيف تخبره أنها رغم حبها للمكان وقاطنيه..أنها لم تعد تريد الذهاب..اليه فما رأته هناك وسمعته من قصص للفتيات تشيب الرأس..يجعلها تدرك..ان ما تفوه به تليد لها يوماً هو الحقيقة المرة..معاناه..بيع للفتيات وزواج قاصرات واغتصاب لبعض الاطفال من عم أو خال أو حتى زوج أم مصائب كثيره ومتعدده..جعلتها تدرك ان ما حدث لها رغم مرارته ما هو إلا ترفيه...إنها كانت الأكثر حظاً...والأكثر بؤساً!!! بؤس صنعته بنفسها لنفسها...قطع أيمن صمتها وهو يتنهد بصبر قائلاً:
"على الأقل هل يمكنك أن تديري معي حواراً طبيعي كما البشر حبيبتي.."
تمتمت نجلاء بخفوت يائس:
"توقف عن قول حبيبتي يا أيمن..ما عدت أتحملها..أشعر انها حمل ثقيل على كتفي..تحملني ذنبك!!!"
تبدلت ملامح أيمن بمشاعر مبهمة تماماً قبل أن يقول:
"لا أعرف عن أي ذنب تتحدثين ولكن إن كنتِ تنفرين منها هكذا أعدك ان لا أسمعك إياها مرة أخرى!!"
نظرت له نجلاء مجفلة للحظات بملامح حزن عميقة نادمة..اذ تعرف جيداً ان كل كلمة تنطقها..بمحاولة دفاعية منها ان تبعده عنها..تترك في قلبه جرح عميق لن يندمل..تمتمت نجلاء بندم:
"لم أقصد يا أيمن..أنا لا أنفر منك..لما لا تُصدق..أنك الوحيد في هذا العالم الذي لا أخشاه ولا أجرؤ على الابتعاد عنه؟!!!"
توتر فمه..الا ان ملامحه حافظت على حياديتها وهو يقول بجفاف:
"ما فعلتيه نجلاء خلال الشهرين الماضيين..لم يمنحنى الكثير لتصديقك !!!"
للمرة الأولى منذ..أن جاء بها الى هنا..سمحت لنفسها ان ترفع عيناها به..لتلاقي عيناه مباشرة..للحظات طويلة دون ان تجرؤ على ان تقطعها وهي تتذكر..منذ ان إستيقظت صباحا..بعد ليلة زفافهم ليخبروها بموت والدها..فلم تستطع ان تقاوم الطعنه العنيفة التي أصابت قلبها ولا الشعور المرير بالفقد..فرغم جفائه معها وقسوته..لم تستطع أبداً ان لا تحزن لموته..ان تتحسر على كسرته وعجزه..ولكن للغرابة لم تشعر أبداً بأي ذنب ناحيته..بل كل شعورها المقيت وحزنها..نحو أيمن فقط مازالت ترى أنها غير أهل له يستحق من هي أحسن منها..فرغم محاولات عبير المستميتة وحديثها المستمر معها..وضربها بأمثله متنوعه والكلمات المحفزه المشجعه..وهي تحشر في عقلها ان ما تعرضت له لم يكن لها أي ذنب فيه فالحقراء ذو الشهوة الحيوانية أمثال وليد لا يردعهم رادع..سوى كانت المرأة ضعيفة او قوية صغيرة ام كانت حتى في عمر جدته...وبالطبع لم تنسى ان تؤكد عليها بكل الحجج المنطقية..أنها تستحق حب أيمن..وان كانت حقاً تشعر بالذنب ناحيته يجب ان تلين معه قليلاً وتتحرر من أوهامها وتمنحه حبها الصادق والذي هو قادر على جعله أن ينسى هو الاخر ويمسح من عقله أي كلمة تحدثت بها عن ما حدث مع ذلك القذر؟!
قطع أيمن سيل نظراتهم وهو يبتلع ريقة الذي جف..يتذكر حرمانه منها الذي فرضه على نفسه..مانحاً لها كل الوقت للإستيعاب ربما تتحرر أخيراً من أوهامها..وتبادله حبه المحترق!!! فمنذ ليلتهم الأولى منحها كل المساحة التي تحتاج من الخصوصية..ولم يحاول حتى أن يقترب منها أي إقتراب حميمي..يكتفي بالاهتمام بشئونها..يراعيها..كما أنه أقنعها بمحاولة الانفتاح على الأخرين..عندما إقترح عليها ان تتواصل مع زوجة إبن عمه..ولم تفكر مرتين أن تذهب لأثيلة..وأخبرته ان هناك صداقة تجمع بينهم..سعت هي اليها !!! وهناك إلتقت بعبير التي إتفقت معه من قبل..ان تراها بنفسها وتجذبها بطريقتها..للتحاور والاندماج معهم..وسحبتها بالتدريج..الى دار الفتيات..لتنشيء صحبه معهم..ولمفاجئته إندمجت سريعاً معهم..بل و أحبت صحبتهم..وقف أيمن من مكانه أخيراً يتلاعب بمفاتيحه بين أصابعه وهو يقول..بإرهاق:
"لا عليك نجلاء..أنت حرة في فعل وقول ما تريديه..لن أجبرك على شيء..إن كان دفعي عنك وجفائك معي سيمنحك سلام ما..أنا ليس لدى أي مانع"
أخفضت نجلاء عيناها..التي امتلئت بالدموع..قبل ان تخبره بنبرة منخفضة مرتعشة صادمة له:
"دائماً كنت أضعك أنت في منزلة خاصة جداً عاليه..من بين الجميع أيمن..ذكر إسمك او شيء ما فعلته من أجلي كان قادر ان يجلب لي الإبتسامة والسلام الذي تتحدث عنه..أنا سأكون بخيردائماً طالما..أنت بجانبي تدعمني..تشجعني وتحرص عليّ"
لقد كانت على حافة الانفجار بالبكاء..عندما أدركت قربه منها..يقف أمامها فلم تستطع ان ترفع عينيها فيه لترى ملامح وجهه..فأكملت بتردد متحشرج كأنها تحاول ان تفضى بكل ما في قلبها:
"عندما..عندما!!عندما خطبت لذلك القذر..كنت في الرابعة عشر..هل تذكر..كرهته وكرهت أمي..التي فرضته عليّ..وحاولت بكل قوتها ان تبعدك عن طريقي..تحاول ان تحشر في عقلي ان تشجيعك لي على الدراسة..او محاولتك الترفق بي ودعمي..ما هي إلا خطة ما متواطئه منك لمحاولة سلبي عقلي..وأن هذا الحيوان هو فرصتي لزوجة أفضل من الجميع..وأخذت تعدد في صفاته التي لم أتفهمها في هذا العمر..بل كان نفوري منه غريزياً..وعبر ثلاث أعوام كاملة كنت أتجنب وجوده وأحمد الله أن حسن كان من القوة ان يتمسك..بإبتعاده عني وعدم مقابلتي او رؤيتي..ينفذ رأى عمي زين وتليد..لأني مازلت صغيرة ولن يتم هذا التقارب إلا عندما أكمل السن القانونى على الاقل"
إستطاعت ان تسمع أنفاسه التي علت..مكتومة في صدره..فرفعت له عيناها الدامعه..فطعنت قلبها تلك النظرة الجريحة القاسية..وعيناه التي أظلمت بوحشية كأنه يقاوم نفسه..ان لا يتركها..وينصرف حتى لا يسمع منها أي حديث عنه...سمعت صوته يقول بغضب محتد:
"ما الذي ذكرك بِه..لقد نهيتك عن أن يمر حتى طيفه في خيالك"
بهدوء ظاهري..قالت:
"أنا أحتاج ان أخبرك..دائماً ما كنت أضعك أنت أمامي يا أيمن أقارن بينكم..أستنجد بطيفك في قلبي وعقلي ليساعدني على الصمود..أتصنع الحجج الكثيرة..لأتحدث معك..أنتظر مجيئك لرؤيتي وتحفيزي على الاهتمام بدراستي بفارغ الصبر..كنت طوال الوقت أضعك أنت حائل بيننا..كيف ولماذا؟! لم أكن أعرف.
.إلا عندما..؟!"
قطع حديثها فجأه وجسدها كله يهتز مرتعش..ووجها يعلوه النفور وشعرت أنها على حافة السقوط فتشبثت بكفيها بقوة بطرف الأريكه قبل ان تقول بتشنج موجع:
"ما أنقذني منه وجعلني أقاوم بكل قوتي..كأن هناك قوة خفية غامضة دبت في جسدي الواهن من أثر ضربه المدمي لي وجروح جسدي الغائرة..كان إسمك أنت..عندما أخبرني بعشقك لسمرائك الغبية..توقف الزمن والمكان..وصراخي وحتى تعديه السافر عليّ..كل ما ظهر أمامي واضح كوضوح الشمس..كالجبل الراسخ كوتد في أراضينا منذ بدء الخليقة عيناك المحيطة المترفقه الحنونه..هو قلبي الذي ينبض بقسوة..موجعه عند رؤيتك همسك أوامرك التي كنت أكثر من مرحبة بها..فعلمت بأني بأني.."
صمتت وكأنها غير قادرة على المواصلة..فأطرقت برأسها على الفور تسمح لدموعها أخيراً أن ترثي عجزها بإخباره ما كانت تستجمع كل شجاعتها وقوتها..لقوله..شعرت به يجلس مقابلها على الأرض بركبتيه..وذراعيه يمتدا بدون تردد..يحاوطها يحتضنها بشدة..وهو يهمس مختنقاً بمشاعر جياشة مكثفة في صدره إن ترك لها العنان ستنفجر وتطول كل جزء من جسدها الصغير يصعب العلاج او التخلص منها يوماً وليته يفعل ليجعلها تقتنع..ان كل ما تهدر به لا يعنيه إلا إعترافها أنها كانت تريده..تحتمى به..ولكنه لن يستطع ان يجعلها تتوقف بل يريد المزيد والمزيد..ليفهم سبب بعدها عنه جفائها معه..وما الذي إكتشفته..فهمس بخفوت:
"بأنكِ ماذا نجلاء..قولي ما تريديه ولا تخشي شيء.."
"أحبك جداً يا أيمن..ودفاعي عن نفسي كان من أجلك..إكتشافي حبك بتلك الطريقة الصعبة كان كنبراس الهدى لقلبي..ومحراب الايمان لعقلي...فحاربته قاومته..وإنتصرت عليه وفُزت..بعفة روحي من أجلك وحدك!!!!!"
حاول ان يبعدها عنه ليراها ليستطيع أن يتبين الحب في وجهها كما نطقه لسانها..فصدمه ظهور الألم على وجهها الجميل..رغم ندباته..قبل ان تهز رأسها بالرفض القوي وتعود لتدفن عيناها الدامعة في عنقه..وترفع يديها تتعلق بها بشدة وهي تقول:
"عندما..رأيتك هناك في الجبل تدافع عنى..تحتضنى بين ذراعيك..تتوعد بحمايتى..شعرت بالمرارة يا أيمن..كيف لعالي المقام مثلك..يلوث نفسه بمن مثلي..أنت تستحق الأفضل..والأعلى والأطهر يا أيمن..فرغم حبي لك..كنت أفضل الموت على أن تقرن نفسك بي"
لم يسمح لها بإكمال كلامها..إذ سرعان ما كان يسحبها من على الأريكة..يريح جلسته على الأرض..ويفرد ساقيه ويجعلها بينهم..رفع وجها اليه وشفتاه تسكتانها...تقلبانها بشوق وشغف..لطالما تمناهم وحلم بهم عبر لياليه المظلمة السوداوية التي ظن فيها أنها أبداً لن تدخل عباءته يوماً!!كانت تشعر بالضياع تماماً بين يديه التي أخذتا تلامسان شعرها وظهرها..وكأنه يتأكد من أنها فعلاً بين أحضانه..إن ما قالته لم يكن حلم جميل..ولن يصحو على كابوس جفائها ورفضها القاتل..
بدأت ترتعد بين يديه وهي تحاول أن تدفعه عنها بعجز..فتركها وأنفاسه تخرج منفعلة حاره..ويديه تنزلق تحيط جسدها الضئيل يسندها على صدره قبل ان يسيطر على نفسه بصعوبة وهو يقول بصوت أجش:"الافضل هو أنت..كل ما قولتيه لم أسمع منه إلا شيء واحد أنكِ تحبينىي وأنا أحبك..لذا وبكل أنانية العالم فيكِ..أنا استحقك..ما حدث لم يلوثك يا نجلاء بل أراه محنة خلقت منحة وفرصة على طبق من ذهب لضمك الي..أبثك كل ما تحتاجيه وأطارح عشقي مستسلم بين يديك"
لم ترد بل نظرت له بعينين متوسعتين ضعيفتين مبهورتين ومستجديتين!! فرقّت نبراته..وهو يرفع أنامله يمررها على جروحها التي سرعان ما إستبدلها..بشفتيه يلثمها بحنان بطيء وهو يقول:
"لن أطلب منك النسيان نجلاء..بل التناسي والتشافي..تقبلي حبي يا ابنة عمي..بل تحشري في رأسك الغليظ هذا أنكِ أنت كل النساء..بانك الافضل والأعلى..والأعظم..أنتِ إمرأة تليق بأستاذك..يا كرملة القلب"
كانت تتخبط..ولم تجد ما تقوله فسألته بتخبط مراهقه بأعوامها الثماني عشر:
"حقاً..أيمن..أنت تراني هكذا لن تندم على إرتباطك. بي يوماً سائلاً نفسك ما الذي جعلك تنسب لاسمك واحدة مثلي؟تعرضت..."
وضع كفه سريعاً على فمها يمنعها من غبائها وهو يقول بهدوء مستمتع باعترافها أخيراً:
"هششش..إصمتي..أنت لم تتعرضي لشيء نجلاء..ما حدث لم يكن لك يد فيه لاحاسبك عليه صغيرتي..يجب ان تعلمى ( ان ذو النفوس الدنيئة..يجدون اللذه..في فرض قواهم على من هم أعلى مكانه منهم ) وأنتِ كنتِ الأعلى والأطهر..وما حدث منه كان شيء طبيعي ليحاول كسرك ويطمئن..لمساواة رأسه بنا عبرك..."
لم تبتسم..او تسعد بما يقوله..بل نظرت له بحنق مفاجئ وهي تقول:
"هل كنت تعلم كل هذا عن هذا الحقير..بجانب حبك لي وحمايتك..ولم تحاول ان تدافع عني أيمن وتكسبني لنفسك"
تراجع رأس أيمن للوراء وهو يعقد حاجبيه بدهشه قبل ان يقول باستنكار:
"ماذا..هل تحمليني مسئولية أهلك الأن..وتصميمهم على إرتباطك بهذا الحقير"
جزت على أسنانها وهي تقول بوجوم وإندفاع مراهق:
"نعم..أحملك أنت الأن وحدك..إن كنت حقك كما أخبرتك وتدعي أنت لما صمت أيمن..لما لم تحارب العالم من أجل ان تفوز بي.؟!"
القوة التي نطقت بها كل حرف..وتبدل مشاعرها بتلك الطريقة جعلته يرى نجلاء أخرى..قوية تعاتبه وتحاسبه..لأنه كان من الجبن ان يلتزم بقيد عادة خادع..ولا يطالب بحقه فيها..أن يضرب بعرض الحائط كل شيء..ويستأثر بها لنفسه رغم أنف كل من يقف في وجهه..حبه فاض داخل قلبه حتى أحس به يخنقه فلم يشعر بنفسه وهو يطرحها بعنف على أرض الغرفة..ويلحقها يثبتها بجسده..وهو يبتسم إبتسامة كانت أجمل ما رأتها يوماً..إبتسامة محب عاشق سعيد..عيناها رباااه الان فقط علمت ما الذي تعنيه..عينان تلمعان كألف نجمة..معنى ان ترفرف في معدتها فراشات صغيرة وردية..معنى ان تشعر بأنها كنزاً..لرجل يراها أجمل ما شاهد يوما..معنى ان تدوخها نبرة حارة وكلمات تنسيها كل ما كان ولا تتذكر الا أنها إمرأة لأستاذها الحبيب فمال بوجهه يضع جبهته على جبهتها..أنفه يلامس أنفها حدقتيه تؤسر عقيق عينيها الساحرتين..يخبرها هامساً معترفاً:
"كنت أخشى عليك يا كرملتي السمراء..ولم أتوقع الغدر منهم بخطفك مني سريعاً..خشيت عليك من إتهام يلقوا به عليكِ..كما أنى لا أريد ان أذكرك بوالدك..الذي كان سيرفض بالتأكيد وربما يعجل بحرماني منك الى الابد...خفت يا نجلاء خفت كل شيء كان يقيدني ويكبلني صغيرتي"
إبتسمت نجلاء بتسلية وقلبها يخفق بعنف قبل ان تقول:
"مسكين يا خائف..ولكن لن يقنعني أبداً هذا الكلام..أيمن أريد إثباتات..لمنحك الفرصة للتكفير عن خطئك لتركى كل هذا الوقت"
ضغط بعنف على جبهتها وهو يسألها بنفاذ صبر:"أي اثبات بحق الله..أنا أحبك يا..بائسه..ألا يكفيك"
رقت نظرتها كما نبراتها التي خرجت خافته رقيقة وهي تخبره:"وأنا أحبك..أحبك جداً أيمن..أحبك لدرجة الألم والوجع أحبك لحد..أنى قد أفعل اي شيء من أجلك..أحارب نفسي وأشباحي ومخاوفي..من أجل أن أرى راحتك...."
ربما يعرف أيمن مقدار شعورها الداخلي الذي مازال ينبض بالذنب..لكنها تؤمن فعلاً أنها محظوظة برجل مثله..لا يحملها أي ذنب ويكتم في قلبه..شعوره بالغيرة..حتى وان لم يتحدث عنها أبداً..تنهدت نجلاء وهي تلف ذراعيها حوله بتشدد تسلمه رايتها وكل ما يحتاجه..تكرر على نفسها نصيحة عبير:
"قدمى أنت تنازلك..من أجله كما هو قدم كل شيء..والزمن كفيل بأن يندمل جرحك..وينسيه هو كسرك..أمضى قدماً نجلاء..وستتمكني من نسيان الماضي بكل شوائبه من تخطى عواقبه وغفران أخطاء الجميع بالطبع ماعدى ذلك الحقير.".
تأوه أيمن بخشونة غير مصدق قبل ان يقطع تلك المسافة التي لا توازي حتى نفس بينهم..ثم يطبق على شفتيها بقوة..إستسلمت هذة المرة منصاعة بما يمليه عليها أعوامها الثمانية عشرتمنحه باستفاضة ما يحاول ان يصل اليه..ان يخبرها بالفعل لا بالقول مقدرا إعتزازه بها أحقيته فيها التي تماثل حقه فيها..بأن ما هناك أنثي في العالم..تساوى في عينه ولا قلبه مقدار طهارتها ونقائها...
؟!................
انتهى

عادات خادعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن