الفصل السابع..
كان يجلس القرفصاء أمامها في مكان منعزل في احدى المطاعم المتواجدة بالمول التجاري..مازال جسدها يرتجف وعيناها الدامعة لم تجف بعد حتى مع مرور نصف ساعة منذ ان وجدها !! استطاع بصعوبة ان يسيطر على هلعها الذي كان يملئ كل جزء منها..لقد انتزعها انتزاعاً من أحضانه وهي تقاوم للإختباء فيه عند كل محاولة لإبعادها قليلاً..تحيره وتصدمه بأفعالها المتناقضة..لا ينكر انه بدأ يفهمها قليلاً..بل وما قالته جعله يدرك انه عقلها الباطن فطن انه أمانها الوحيد بعد ان خسرت كل محيطها السابق!! فيترجم أفكارها الحائرة في أي موقف خطر ويدفعها للاحتماء فيه..مد يده يمسد على رأسها من فوق الحجاب ويحدثها بصوت هادئ:
"هل أنتِ بخير الان؟"
رفعت عيناها لتنظر اليه..كانت تعود لوعيها ببطئ وبرد فعلها الغريب مالت رأسها للوراء لتبعد يده عنها !!إبتسم بهدوء ولم يُعلق..أتبعت فعلها بهز رأسها وهي تجيبه بتلعثم:
"نعم أعتقد أني أفضل حالاً"
صمتت لبرهة وهي تنظر اليه بنوع من الغرابة لتوجه له سؤالها المندفع بنوع من الاتهام:
"أنت وعدت بحمايتي..كيف تجرأت ونسيت اني أرافقك؟"
بنفس إبتسامته التي تربكها قال:
"لم أُنساكِ أبداً أثيلة..أنا الذي يجب عليّ سؤالك..ما الذي منعكِ عن اتباعي؟"
صمتت وإرتبكت أكثر لتخفض عينيها بعيداً عنه وهي تجيبه:
"أنا لا أعرف..كنت أتبعك كما أخبرتني وتوقفت لثوانٍ فقط عندما لفت نظري شيء ما..وعندما عدت لأتبعك لم أجدك"
تهدج صوتها مره أخرى وهي تردف:
"ناديتك ولم تجبني..هرولت أبحث عنك لكنك إختفيت وهذا المكان كبير جداً..تُهت ولم أعرف أين أتجه"
دفنت وجهها بين يديها مرة أخرى وهي تسترسل في الشرح:
"و..و حاوطني أناس كثيرة وحاولت الاقتراب مني..حاولوا لمسي وأنا لا أحب ان يقترب مني الغرباء تليد..أخشي محادثتهم..هم غير جيدين"
تنهد بصبر وهو يمد يده يحتوي يدها المرتجفة يضغط عليها بحنو ويخبرها:
"من أخبرك بهذا؟من حاوطوك أرادوا مساعدتك..ليس كل الناس أشرار و ليس كل الغرباء سيئين"
رفع يديها في حركة عفوية..يعد على أصابعها يخبرها:
"عبير كانت غريبة وأنتِ أحببتيها ووثقتِ بها..هالة الصغيرة كانت غريبة وأنتِ سعيتي لصداقة معها وأيضاً باقي الفتيات غريبات وانتِ أحببتهم يا صغيرة"
زمجرت بشراسة وهي تخبره رغم صوتها الباكي:
"لا تقل لي يا صغيرة..أكره سماعها عندما تخرج منك"
لم يتمالك نفسه وضحك بصوت عالٍ قائلاً:
"لا فائدة منك يا ذات اللسان الطويل"
قطع ضحكاته وهو يسألها بصوت جدي:
"اذاً ما هذا الشيء الذي جعلك تتخلين عن حرصك في اتباعي..وجعلك تفقديني يا أثيلة لا صغيرة"
رفعت عيناها بزرقة مشتعلة..تأثر مرغماً ولا يملك إلا الإعتراف انه يحب النظر لذلك الاشتعال..شعر بلون عينيها تلك كأنها موج هائج متمرد..رغم عزلتها والضعف الذي رُبيت عليه فهي متوحشة بالفطرة لم تصدمه وهي تقول بهجوم:
"شيء لا يخصك..الخطأ عليك..أنت من تعلم هذا المكان وأنت من أتيت بي الى هنا..ويجب عليك حمايتي حتى نذهب الى منزلك..كما كان أبي يفعل وأصيل"
كان يراقبها بحيرة لم يفهم حقاً اعجابه بما تقول وتشبثها به..ثقتها التي نطقت بها سيل كلامها حتى وان كانت تهاجمه..لقد بدت في تلك اللحظة مختلفة تماماً عن أثيلة الجزعة التي تهرب ما ان تشتم رائحته حولها كانت صغيرة جداً وحلوة جداً وقوية جداً جداً !!! لم يسيطر على نفسه وهو يغير دفة الحوار وأخبرها بصوت رخيم:
"عيناكِ مميزة أثيلة بلونها وتعبيراتها المتقلبة الواثقه المتمردة..عكس ما تبديه أنتِ من خوف"
ارتبكت بل وتاهت كلياً راقب وجهها وهو يكتسي بحمرة خجل فطرية لذيذة تخبطت وهي تجيبه بعدم فهم حقيقي لنبرته المختلفة:
"أبي كان يتغزل بي دائماً ويقول أن عيناي كحيلة"
وقف على قدميه بعد ان أدرك أنه أصرف كل تفكيرها عن ما حدث ليقرب أحد المقاعد منها بيده الحره ويجلس بجانبها مباشرة ولم يترك يدها التي بين يديه ويبدو انها نست تمسكه بها !!لم تُمحى إبتسامته الوقورة وهو يقول بمشاغبة محببه:
"هل يمكنني ان أغازلك مثله؟!"
رفعت جانب فمها بحركة غريبة كاد ان ينفجر ضحكاً من وجهها الذي تحول لوحش يريد الانقضاض عليه لتقول بإستنكار:
"بالطبع لا ومن أنت لتغازلني..هذا عيب اتقي الله بي"
لتتبع حركتها بزم شفتيها بقوة وتردف:
"أبعد يديك عني يا هذا وتحشم"
هنا لم يستطع ان يسيطر على نفسه وهو ينفجر في الضحك ويبعد يديه ورفعها لأعلى بإستسلام..مشاغباتها المراهقة منعشة رغماً عنه يعترف..توقفت ضحكاته عندما رأى غضبها الذي تصاعد..ليقول:
"أي عيب بحق الله..منذ نصف ساعة كنتِ تتشبثين بأحضاني وترفضين أن أتركك"
هزت كتفيها ببساطة وهي تخبره:
"هذا يختلف..أنا لا أعرف غيرك هنا..سيء أعرفه أفضل من جيد لا أعرفه"
بينما هي نفسها غارقه في الحيرة ولا تملك إجابة عن ما حدث..لا تعلم كيف تحتمي به؟إدراكها انها تثق به زلزل كل قناعتها عنه..ومحي صورته الأولي في عينيها ووضع صورة جديدة مشوشة..وهي ترفض ان تراه بصورة مختلفة خطرة على ما سلحت نفسها به ضده!!
رفع حاجبيه بعدم تعبير هذه المرة لم تصدمه..هذا المتوقع منها..تساءل أحيانا..هل تمتلك طوباً في حنجرتها لتلقيه به طوال الوقت؟!أخبرها قائلا بحزم:
"حذرتك سابقاً..أثيلة ان تنتبهي لحديثك معي"
أطرقت بنظرتها في الارض مرة أخرى لتجيبه بإستسلام:
"أنا أسفه.."
رد متعجب:"أنت تعتذرين؟!"
هزت كتفيها ببساطة وقناعه قائله:
"نعم..تعودت أن أعتذر عندما أشعر بخطئي"
لم يملك الا ان يبتسم قائلاً:
"أنت فتاة جيدة رغم طول لسانك..ولكن تحتاجين للثقه بنفسك..حتى تمنحيها لمن حولك"
أردف يخبرها وهو يرفع وجهها بطرف أنامله قائلاً:
"يجب أن نثق في أنفسنا أولاً..حتى نستطيع أن نمنحها للأخرىن..قناعتك بذاتك داخلك ستجعلك تستطيعين التمييز جيداً بين البشر..ليس كل الناس سواسية كل مجتمع كما يحتوي الطالح مؤكد يحتوي الصالح..امحي صورك القديمة أثيلة..واصنعي بيدك صور جديدة وضعي في عقلك قناعة من صنعك"
كانت تنظر له بحيرة لتقول:
"وكيف أفعل كل هذا أنت وعبير تحشرون في عقلي الكثير من الأشياء..ولكني لا أَجِد طريقة لفعل كل هذا"
كان يتأمل محياها المتخبط عاجزة..خائفة من المجهول ومن الفشل..لا تستوعب عالمها الجديد..تقاوم للخروج من قوقعتها..ما يميزها حقاً ان مشاعرها مكشوفة له كلياً..فأخبرها مطمنن بصوت أجش:
"سوف تسعين بنفسك..وأنا سأساعدك لصناعة أثيلة جديدة تكوني راضيه عنها"
سألته على الفوربإستفهام:"كما تفعل مع بنات الدار"
ترك وجهها وهو يعتدل في جلسته ويخبرها:"أنت لست كبنات الدار أثيلة"
"لما وما الذي يميزني عنهن؟!"
سألته بحيرة فشدد على حروفه وهو يخبرها بقوة:
"أنت زوجتي أثيلة..لا تنسي وهذا سبب أكثر من كافٍ لجعلك مميزة"
صمت عم كليهما وهو يراقب ارتباكها ووجهها الذي أخذ في الاحمرارولكنه لم يدرك خجلاً ام غضبا من رفضها لأمر زواجهم وعدم تقبله..لم يعير الأمر اهتمام ليتركها تزن الأمر مع نفسها لعلها تستوعب حديثهم .ومشاعرها الوليدة !!بعد وقت عاد اليها بعد ان ذهب يستدعي النادل الذي جعله يخصص له هذا الجانب من المطعم منفرداً حتى يستطيع ان يحتويها ويتحدث معها بأريحية دون عيون مراقبه..وكما عاداتها يجب ان تضع بصمتها المميزة..بمجرد ان جلس بجانبها سمع صوتها يأتي حازم قاطع تلقي كلمتها العجيبة:
"أنا لا أحب ان تلمسني وكوني زوجتك..هذا لا يعطيك الحق..أنا أطالب بقاعدة فتيات الدار بيننا لا لمس"
افتعل البراءة وهو يقول بمرح:
"يا بحرية..أخبرك انك زوجتي وأنت تقولين بنات الدار!!"
رددت اللقب بصدمة قائله:"بحرية من بحرية أنا أثيلة"
لم يبالى بسؤالها وهو يميل برأسة يساوي رأسها المنخفض ليقول بهدوء:
"حسناً يا بحرية..لا لمس بيننا إلا ان طلبتي أنت..كما حدث اليوم وتذكري أنك دائماً أمنة معي"
............:....:..:....
"أمامك أنواع متعددة إختاري بنفسك لن أتدخل"
للمرة الثالثة قالها تليد بحزم..موجه حديثه لأثيلة المتحيرة في انتقاء أحد الأجهزة اللوحية..زمت شفتيها بقوة تكبح رد مهاجم كعادتها معه..منذ أن أتوا هذا المكان الشهير المخصص لأجهزة الاتصال الحديث وهي تسأله بإلحاح الأختيار لها لجهلها بأي معلومات عنهم وهو يرفض ويخبرها نفس جملته"اختاري بنفسك"حاولت المهادنه معه وهي تقول:
"ولكني أخبرتك..أنا لا أعلم أي معلومات عنهم فكيف يمكنني الأختيار؟؟"
أدار نظره سريعة على وجهها ليقول بهدوء:
"تجرأي على اختيار ما يلفت انتباهك وجازفي"
عقدت حاجبيها بعدم فهم وهي تسأله:
"ماذا..هل تمزح؟!المجازفة شيء سيء لتشجعني على فعله قد يؤدي للهلاك"
إبتسم بهدوء وهو ينظر اليها ويعقد ذراعيه على صدره وأخبرها:
"خطأ أخر..ليس دائماً المجازفة سيئة يا صغيرة..فالحياة أما ان تكون مغامرة جريئة أو لا شيء"
تركت ما في يديها لتنظر اليه بحيرتها وتخبطها المعتاد تحاول مجادلته قاله:
"ولكن أنت قلت مغامرة..ربما نربح وربما تحطمنا الخسارة"
أطرق ببصره ينظر ليديه المعقودة للحظه ليجيبها بعدها برزانه:
"أن لم نرتكب الأخطاء..كيف نعلم الصحيح..ان لم تجازفين لن تتعلمي..الخسارة لا تحطم الا كل يائس..اما كل مثابر يريد النجاح سوف يصنع من خسارته سلم قوي متين يرتقي درجاته بثقة ويتجنب تكرار أخطائه ويصل الى قمة مجده"
زفرت بضيق وهي تعاود النظر للأجهزه المعروضة..لتقول بضجر:
"أنت تغيظني وتتحدث بأشياء لا أفهمها..لقد حولت انتقاء جهاز لمحاضره عن الفشل"
لم يهتم بضجرها المعتاد منه ولم يبادلها الرد اكتفى ان يراقب..تخبطها وحيرتها وهي تمسك بكل جهاز لمدة دقائق تعبث به ثم تعيده مكانه وتعيد الكرة مع غيره..ربما الأمر بسيط وكان من الواجب ان يرشدها لأفضلهم وينهي حيرتها..ولكنه يريد أن تبدأ بالاعتماد على نفسها..تأخد قراراتها بإقتناع ذاتي..تتحرر من تلك التبعية المتوغلة فيها وتجري في روحها مجرى الدم في الجسد..لن يسمح لها ان تستبدل اعتمادها على أهلها به..فلتبدأ بأخذ أولى خطواتها..بنفسها نحو طريقها الجديد..وهو سوف يكتفي بارشادها بهدوء ومراقبتها من بعيد والتدخل عند الحاجه..
"سوف أخذ هذا"
قالتها بتردد وهي ترفع أحد الأجهزة بين يديها لتجعله يستكشفه جيداً..هز رأسه بموافقه ليقول لها بتشجيع:
"هذا جيد أحسنتي الأختيار"
لم تكن واثقه تماماً وهي تسأله بإهتزاز:"حقاً أم تجاملني"
فك ذراعيه وهو يمد يده ينظر الى الجهاز جيداً ويقول مازحاً:
"ولم قد أجمالك..أنا من سوف يدفع ثمنه وسوف أخسر الكثير ان كان رديء"
خرج صوتها هامس غير مبالى وهي تقول:
"أن كان الأمر سوف يزعجك أتمني أن يكون أي جهاز سوف أختاره رديء"
جحظت عيناه صدمه ليقول:
"مما أنت مصنوعة؟!وكم يبلغ طول لسانك؟!هل أنت مختلة عقلياً يا فتاة؟!ام لم يعلمك أحد كيف تقدمين امتنانك للأخرىن لفعلهم معروف معك؟؟"
أنت تقرأ
عادات خادعة
Romanceعادات خادعة ..حكايات وحيوات من قلب البيئة العربية عامة وروح الصعيد خاصة ..تتنازع العادات التى تنمو وتكبر غارزه جزورها عميقه بداخلنا وبين المنادئه بالحرية والعدل وقتل تلك العادات التى تنتهك المرأة .. الحكاية الأولى الصحفي المشهور بمنقذ الصغيرات المنا...