٨

4.1K 120 20
                                    

الفصل الثامن
احضرها لعيادة الأسنان مرغماً بعد أن لاحقه صراخها ونحيبها طوال اليوم، فضل اعتزل كما يفعل... ووالده القى على عاتقه تلك المهمة وهو بالطبع الرفض لن ينفعه مطلقاً، استسلم أخيراً....
جلست تضع كفها على خدها المصاحبة للضرس العليل، تتطلع حولها بتيه، نظراتها فارغة حد الألم... مع خروج كل مريض تسري في جسدها رعشة أحسها بجسده الملامس لهارغماً عنه نظراً لضيق المكان...
بين الحين والآخر تنظر لملامحه الصلبة الجافة بصمت وكأنها طفلة منبوذة خاصمتها والدتها عقاباً....حين لم تجد استجابة تطرق برأسها في ألم ثم تعاود النظر لما حولها في وميض استنجاد خافت تريد المؤازة.... فالخوف من طبيب الأسنان يكاد يقتلها....
طفل صغير بكائه زاد من اشتعال الجو حوله... جلس بجانبها ينتحب بصمت حين اهدته والدته نظرة زاجرة أن يصمت.... مالت برأسها قليلاً تتفحص الصغير ثم مالبثت أن سألته بتوتر وطفولية
_بتعيط ليه.... ؟
نظر  يتبادلاً نظرات الاستنجاد حتى هتف اخيرًا بصوت هامس مرتجف وهو يمسح دموعه بظاهر كفه
_خايف...
اتسعت عيناها رعباً، ثم سألته وهي تتلمس موضع ضرسها
_هو الدكتور يخوّف...؟
قطب الصغير بحيرة مفكراً ثم قال بهدوء يناقض بكائه
_ايوة...
لحظة صمت طويلة قطعاها يحدقان ببعضها في خوف... لكنه عاد يهمس لها
_ده من شركة المرعبين...؟
افلتت شهقة وهي تنظر للطفل بإنبهار... سرعان ما بدده صوت ضحكتها العذبة الرقيقة..
نظر لها رحيم بذهول، يرمش مستوعباً انفجارها بنوبة ضحك كتلك بعد كل هذا النواح... يتسائل وينهشه الفضول عن ما همس به الصغير لها حتى تبدد الألم من محياها......
امتلىء شغفاً تلك اللحظة وهو يتطلع لضحكتها الرقيقة العذبة... يتأمل قسمات وجهها الضاحكة بشرود كأنه يراها للمرة الأولى... وكم كانت جميلة تليق بها...
نظرت جانباً فوجدته ينظر لها بغرابة فابتلعت ضحكاتها وأطرقت برأسها في زعر.....انتزع عينيه منها واخفضهما وصدره يضج بمشاعر جم...
نادى عليها الممرض فاتجه رحيم ناحيته
وتبعته بخطى متثاقلة كلها يرتعش خوفاً ورهبة.. فتح الباب وأشار لها أن تدخل... حين ابصرها الطبيب ابتسم بسماجة طالبًا منها الجلوس
جلست على الكرسي المخصص والطيب يسألها بينما يجهّز حاله
_ايه الأخبار...؟
أومأت بصمت بينما نظراتها تتشبث بيديه التي جرت على أدواته بعملية..
أشار لها أن تفتح فمها فنظرت لرحيم علّها تجد منه ما يطمئنها.. اخترقت نظرتها قلبه، تلقائياً أومأ لها مبتسماً فعادت بنظراتها للطبيب الذي ابتسم  لهما وتابع عمله بحرفيّة...أثناء عمل الطبيب حرّكت يدها من موضعها وابتعدت بها لحافة الكرسي تريد دعماً وإن كان صلباً بارداً..
لكنها لم تجد فأرجعت كفها لوضعها في ألم...تجاهل رحيم ندائها الصامت وأشاح بنظراته بعيداً حتى لا يُمسك مُتلبساً بمراقبتها
خرجت من حجرة الطبيب تتمايل في تعب جسدها كله يخونها فلا يماثل روحها صلابة...
وقبل أن تضع قدماً للخروج كان نداء الصغير يوقفها
_يا....
دقائق اتجه ناحيتها يمسك فستانها ويهزها
قطبت نيرمين في حيرة وجلست على ركبتيها تسأل الصغير بإشارة واهنة.. فهمها الصغير على الفور.. ليقول بعدها بصوت ظنه همساً لكنه مسموع للعَيان..
_نسيت أقولك إنك حلوة أووي....
جحظت عيناها بصدمة من تصريح الصغير بينما وضعت أناملها على فمها برقة تكتم شهقة مندهشة...
تابع رحيم الموقف ساخراً لكن إقرار الصغير العجيب جعله لأول مرة يتفحصها وينظر لملامحها ليتأكد إن كان صادقاً أم يبالغ وللعجب كان الصغير صادقاً حد الكذب فهو لم يصف جمالها بحق... كانت أجمل وأرق من أي وصف قد يصفها به....
مالت نيرمين ناحيته لتطبع قبلة لكن الصغير اعترض ضاحكاً بمشاغبة
_بوؤك منفوخ... مش هينفع...
ابتسمت نيرمين بسعادة فعلّق الصغير وهو يتأملها بإعجاب وإنبهار رغم عمره الصغير، أشار لها فمالت ناحيته تسأل بإشارة قال الصغير بضحكة طفولية
_قولتلك إن ضحكتك حلوة...
هزت رأسها أن لا....
فمال ناحيتها بوقاحة وطبع قُبلة على خدها وهو يقول بينما يطالع رحيم بحقد
_ده جوزك.....
نظرت نيرمين سريعاً لرحيم ثم هزت رأسها أن لا والألم يقطّع احشائها..
ابتسم الصغير بسعادة مُرحباً بالفكرة التي ألقاها
_لما أكبر هتجوزك...
حملقت في الصغير مندهشة من جرأته.. لكن رحيم أصدر نفخاً قوياً وتأفف صحبه إمساكه لكفها وشدها بعنف لينتهي ذلك الحوار العقيم
سحبت والدة الصغير الطفل ...نظرت نيرمين خلفها ملوّحة للصغير بعيون تمتلىء دموعاً .. القى إليها الصغير قُبلة طائرة وابتسم يلوّح لها مُودعاً حتى اختفيا عن أنظار بعضهما
________________
بعد دقائق كان يجلس في سيارته وهي بجانبه شبه غائبة... يتأملها من وقت لأخر متذكراً كلمات الصغير....لام نفسه على تفكيره لكنه أقرّ داخله وهو يهمس بحرارة ونظرات إعجاب
_ضحكتها حلوة.... تابع وهو يلقى نفساً حاراً مملوء باليأس
_حلوة أوووي...
نظر لها طويلاً وهي نائمة... سحب نفساً عنيفًا وهبط من السيارة...
شعرت بمغادرته ففتحت عينيها لتراه قادماً يحمل زجاجة مياه... ركب السيارة ودفع زجاجة المياة لها وهو يقول بينما ينظر أمامه بجمود
_اشربي المسكن.....
همست وهي تنظر للدواء
_مش لسه موعده...
هتف بنبرة باردة وهو يتطلع للطريق
_قبل ما ينتهي مفعول البينج علشان تنامي..
استجابت على الفور مندهشة من اهتمامه المفاجىء لكنه  صدمها بجملته الجافة القاسية...
_بجد تعبان ومش ناقص.... كفاية عليا الليلة الي عدّت...
نطقها وملامح الغيظ المختلط بالنفور ترتسم على وجهه....
زفرت نفساً حارقاً متوشحاً بالألم وتناولت الدواء في صمت.. لكنها أزادت على الجرعة واحدة....
نظر لها بطرف عينيه يسألها بحماقة مستنكراً فعلتها
_إنت ِ لخبطتي الجرعة...
شردت تطالع الطريق من نافذة السيارة بينما تقول بألم وعذاب
_علشان مزعجكش... لغاية ما تصحى...
غصة أصابت قلبه بالوهن نظر لها بحيرة ثم تابع طريقه والتفكير يعتصره..
_________________
استيقظ لاهثاً على صرخاتها المذعورة المستنجدة.. نظر حوله بنعاس يتبين سبب تلك الصرخة... المدوّية... تتبّع خيالها اللاهث المنفعل بصمت... حتى عثر عليها في الظلام تهتز وترتعش... نهض من مكانه مُسرعاً على ضوء القمر انحنى جانبها امسك ذراعيها المتشنجة... همس بقلق
_في إيه...؟
ظلت تحدق بوجهه وكلها يرتعش... غائبة مصدومة...
نظر لها بقوة يتفحص ملامحها المذعورة ودموعها المنسابة بصمت على خدها لانت ملامحه الجامدة وعاد يسألها بخفوت مُعذب
_مالك.....؟
استجمعت قواها واغمضت عينيها تهمس بعذاب بينما تتملص من قبضتيه
_مفيش كابوس..
ابعد يديه مجفلاً من همسها الموجع وقال بينما يشملها بنظرة باهتة
_اشربي ميه ونامي..
همست بتضرع بينما تطالع باب الحجرة في مناداة صامتة
_لا هروح اتوضأ واصلي...
ابتعد عنها قليلاً مصدوماً متعجباً... تخطته بصمت وخرجت...
نهض رحيم واتجهه ناحية فِراشه تمدد متدثراً بغطائه بينما عينيه الغاربة في أعقابها ترتسم فيهما نظرة جديدة... هادئة ومتحيرة...
تسلطت نظراته على باب الحجرة منتظراً قدومها بقلق لا يعلم سببه.. حتى دخلت الحجرة بهدوء لا تكاد تلمس الأرض... أفترشت سجادتها بلهفة احسها من حركاتها... وابتدت صلاتها... خلال همسها كانت ترتعش وتنتحب فيضيع هو بين آهاتها شارداً...
انهت صلاتها الطويلة وجلست تحنى نصفها العلوي بإنكسار وخضوع همهماتها تعلو وتنخفض... حتى سكن جسدها تماماً وهدأت....
عبس رحيم بشك واسترق السمع لكنه لم يسمع شيئاً نهض من مكانه ينظر لجسدها المتكور أرضاً على سجادتها...
انحني يهمس برقة غلبته..
_قومي...
قطب متحيراً يحاول تذكر اسمها... ،لكن ذاكرته لم تسعفه، ضرب جبهته يحاول أن يتذكر لكن لا فائدة عاد يهزها برفق مُشفقاً
_قومي....
زفر بإختناق بينما صبره أوشك على النفاذ... ونهض عازماً على تركها أرضاً... ما إن جلس على فِراشه حتى شعر بتأنيب ضمير حاد ولوم وتقريع يصبه على نفسه... اطلق نفساً حانقاً وهو يهمس
_كنت ناقص أنا...
عاد لموضعها ثانية، حاول إيقاظها ولم يفلح... نظر للأعلى مستنجداً، كاد يتركها لولا ارتعاشة البرد التي سرت على طول جسدها وجعلتها تنتفض...
ضاق صدره وانحنى يحملها بين ذراعيه عيونه متعلقة بوجهها الندي المبلل بالدموع... انكمشت بأحضانه دون عمد فارتجف جسده وتيبست ساقية... وقف مكانه مندهشاً مرتبكاً... لتكن فعلتها البريئة الأخرى سلاحاً عليه...
دفنت وجهها بقوة في صدره حيث موضع قلبه وخفقاته... نظر لها متسع العينين حائر العقل مشغول البال... عانقت أنفاسها جسده المرتجف فازدادت دقات قلبه بتوتر واضطربت في تيه...
اخيراً استطاع تحريك ساقيه ووضعها على الفِراش ودثرها بغطائه.... حين نهض كانت اناملها حائلاً دون رحيله.. تشبثت بقميصه القطني، تقبض عليه في قوة ودون وعي...
انحنى يفك تشبثها به وبعدها أهداها نظرة طويلة أطول من ليالي وحدته وغربته ثم ترك الحجرة ومشاعر غريبة تهاجمه وتلاحق دقاته...
_______________
رائحة غريبة غزت أنفها الدقيق، رمشت تنفض النعاس عنها .. انتفضت حين أدركت أنها على الفراش مكانه.. نظرت حولها بتشتت تبلع ريقها بتوتر فتغص فيه...... من رعبها.... نظرت جانباً.. فاصطدمت عيناها بمصدر الرائحة الذي كان تيشرت قطني موضوع على الوسادة... أمسكت به ورفعته لأنفها تشم رائحة العطر الرجولي المختلط بعرقه... كانت رائحة مميزة أخذتها لعالم آخر حلّقت  فيه بعيدًا، أغمضت عيناها تستنشقه بقوة لاهية عمن يراقبها بصمت وابتسامة عابثة تحتل جانب شفتيه...
أثرّت فيه صورتها بقوة جعلته يقف مبهوتاً ملامحه متصلبة وعيونه تمر عليها بنهم...يعقد ذراعية متأملاً لحالها وشرودها... وحركاتها البسيطة تصيب شيئاً في قلبه.....
أفاقت عليه يسحب تيشرته من بين يديها بينما يقول بسخرية وإستهزاء...
_ايه ريحته وحشة... ؟
اطرقت في صمت خجول من فعلتِها... فركت كفيها بتوتر فتابع بغلظة
_قومي عايز أنام...؟
قفزت بغتتة من مكانها في سرعة وتهور غير محسوب حين رأته يعتلي الفِراش غير عابئ بوجودها..
تأوهت بصوت مسموع حين اصطدمت بالأرض الصلبة، فرفع رأسه يطالعها بتشفي قائلا
_أحسن...
نهضت وهي تزم شفتيها بحنق تطالع جسده الساكن بقرف وإشمئزاز... أمسكت بدوائها واتجهت للباب بينما هو شيّع ذهابها بإبتسامة جميلة... لا يعرف سبباً لها
_____________
هتف زياد وهو يجلس بإرتياح على المقعد
_جهاد....
فركت كفيها بتوتر حين وصل لمسامعها صوت زياد ينادي... نهضت متعثرة في خطواتها تجلي صوتها الغائب في خضم  توترها.... تعلم جيداً لما يريدها زياد... من المؤكد أن خالد هاتفه وأخبره بما أخبرها اياه...
تعالىّ صوت زياد حتى وصل لباب الحجرة وطرقها
_جهاد إنتِ صاحية.... ؟
دارت حول نفسها بحيرة تستجمع ذاتها... ثم جلست على فراشها وامسكت ببعض الأوراق تصنعت الإنشغال ثم ردت بهدوء يناقض الثورة المشتعلة داخلها
_ايوه يا زياد اتفضل..
فتح زياد باب الحجرة ودخل، جلس بجانبها ونظر إليها بطرف عينيه مُراقباً لما تفعله، هتف زياد
_مشغولة...؟
رفعت نظراتها تقول بحيادية
_لا عادي بخلص شوية ورق...
أومأ زياد بتفهم ثم همس بهدوء وترقب
_عارفه إن خالد كلمني...؟
ارتجف جسدها لوهلة لكنها سيطرت عليه ببراعة وأجابت متصنعة اللامبالاة
_لا خير...
ابتسم زياد بخبث وقد استشف ارتباكها وتوترها، نظر للأوراق التي أمامها وتابع
_طلب ايدك مني.....
أحمرت خجلا ورمشت ببلاهة فوق الورق، فتابع زياد وهو يفرد جسده في تكاسل مغيظ
_جاي أسألك.....
زاغت نظراتها في الفراغ وتصلب جسدها... رحمها زياد مما هي فيه ونهض قائلا
_فكري يا جهاد وبلغيني قرارك....
بضع خطوات واسدار قائلا بضحكة شقية مستمتعة
_اعدلي أوراق القضية يا استاذة علشان تقرأي صح وتفهمي..
ضحك زياد بشدة بينما هي نظرت للأوراق أمامها والتي تبينت بالفعل أنها مقلوبة لا تُفهم على الإطلاق..
هي على علم بما يحدث فخالد أخبرها أنه هاتف زياد وطلب يدها رسمياً... ووضعها الآن أمام أمر واقع...إن لم توافق سيحضر بنفسه ليأخذ الموافقة من فمها رغماً عنها...
ضحكت حين راودها ذلك الخاطر وتمددت على الفراش سعيدة بما آل إليه الأمر...
___________
نهض فزعاً على ربتات والدته المستغيثة
_رحيم يا ولدي... قوم...
فرك وجهه يستعيد بعضاً من وعيه وهو يسأل
_خير.. خير.. يا أما...
قالت بلهفة ودموع
_أبوك تعبان قوي يا ولدي..
نهض رحيم من مكانه مُسرعاً يتبع والدته الخائفة.. وجد والده يتصبب عرقاً يتمتم بكلمات غير مفهومة... لم يملك إلا أن يعود لحجرته ويرتدي ملابسه ويغادر لإحضار طبيب الوحدة الصحية...
جاء الطبيب وفحصه واعطاه بعض الإبر غادر تحت الأمطار بينما جلسا رحيم ونرمين بجانبه... يتشاجران من سيظل معه
_اتفضل نام وأنا هسهر جنبه...
اعترض رحيم متهكماً
_لا اتفضلي إنتِ دا أبويا أنا...
_ده عمي...
خرجت منها مندفعة تحمل امتلاك محبب... شاكسها بعناد وهو يزفر حانقاً
_أنعم وأكرم روحي نامي...
عقدت ساعديها بتحدٍ
_لا..... عايز تروح أنت عادي
زفر مستغفراً وامسك هاتفه يتسلى به تاركاً لها في إستلام  بينما أخرجت هي مجلة قصصها الكرتونية وانشغلت بها..
راقبها رحيم رغماً عنه .
كتم ضحكاته على هيئتها البريئة ملامحها التي تنفعل بطفولية على الصور...
زمجرت فيه نيرمين بضيق وهي تزم شفتيها شاعرة بالحنق على أفعاله... همست
_في حاجه...
قال من بين ضحكاته المستفزة
_ميكي.......
انه يختبر صبرها... ويصبو لإنتقامها إذا فليفعل...لم يمنع هو ضحكاته المستفزة فازدادت غيظاً.. وبرد فعل مفاجىء سريع... القت بوجهه المجلة...وغادرت مندفعة... فلحقها هو متوعداً لها...
_يا بت ال...
_________
جلست تتحسس جبين فادية بقلق، ابتسمت براحة حين صفعتها برودة الجسد وتنهدت هامسة في أذنها:-_الحمدلله الحرارة نزلت يا ماما.
ابتسمت فادية بوهن وتشبثت بكف رقية تقول بضعف :-الحمدلله أنا حاسة بردو بقيت أحسن.
نهضت رقية بخفة ورشاقة بينما تقول بحزم أم :خلاص بقا تاكلي كويس علشان تبقي أحسن خالص خالص..
تأملتها فادية بأعين محبة ملتمعة بالفخر، لقد أصبحت آية في الجمال والفتنة، شعرها الناعم الذي طال كثيراً حتى أصبح يغطي ظهرها... بشرتها الناعمة الرائقة وجسدها الممشوق بفتنة...  أصبحت رقية مهووسة بالاهتمام بنفسها...
لوّحت رقية بكفها أمام فادية تسألها :مالك روحتي فين..
ابتسمت فادية تقول :هنا هروح فين... بس بلاش شوربة...
قالتها فادية بذمة فم كارهة..
فضحكت رقية تقول بتشديد:لا يا فوفو هنشرب الشوربة لغاية ما نخف خالص...
اشاحت فادية برأسها في عتاب ورفض فانحت رقية تهمس بشقاوة :هعملك فنجان قهوة.... تمام كده..؟
هزت فادية رأسها برضا وابتسامة رائقة... فاحتضنتها رقية بحب... وغادرت تصنع لها الطعام...
اعتدلت فادية وسحبت المجلة الموضوعة جانبها وأثناء تقليبها ضرب عينيها خبر جعل الدم يتدفق لعروقها بغضب
)(مغامرات أدهم  عن ماذا ستسفر.) (صحفي شهير حب جديد أم ارتباط...)
جزت فادية على أسنانها في غيظ شديد تنعت أدهم بالحقير الاستغلالي.... سحبت نظارتها وارتدتها لتقرأ باقي الخبر.....
دخول رقية تحمل صينية الطعام جعلها تُخبىء المجلة في توتر... وتستند مفكرة في ما قرأته..... غائبة عن ثرثرة رقية... تشفق عليها مما ستقرأه... فرقية لم تتخطاه حتى الآن مازال عالق بها كالذنب الذي لا يغتفر....
انتبهت فادية لسؤال رقية المفاجىء
:المجلة فيها حاجه ضايقتك.... ؟
هزت فادية رأسها في توتر فانحنت رقية للأمام تحاول الإمساك بالمجلة قائلة :بقالي فترة مقرأتش حاجه هشوفها..
_لا يا رقية سيبيها....
عقدت رقية حاجبيها بإستفهام غير منطوق، فقالت فادية بإضطراب ملحوظ في محاولة بائسة لمدارة الأمر
_هقرأها أنا الأول...
قالت رقية في تشبث وعناد
_هاتي أقرألك أنا.. ونبقى قرأناها أحنا الاتنين...
لم تستطع فادية النطق ولجمت بلجام الحيرة والقلق... عيونها كانت تتأمل ضحكة رقية بإشفاق... سحبت رقية المجلة وبدأت القراءة... فكانت أول كلمات اعتنقتها عيناها خبر أدهم... سكون إلا من أنفاس متسارعة تفضح كثير من الاحاسيس.. ورجفة حرّكت السكون.. تلوّن وجه رقية الضاحك بكل الانفعالات وبات مقروء ألمه...
تراقصت التعاسة بين عينيها الجميلة وهمهمت شفتيها بوجعٍ غير منطوق.... رفعت نظراتها لفادية فالتحمت النظارات لثواني... لكن رقية صدّعت قشرة الألم بضحكة انطلقت تحمل العبث بين طياتها.....بل كان بكاء محشور في حلقها بغصة اطلقته كضحكة هازئة...
سكتت تقول بلامبالاة بينما نظراتها الجميلة تحجبها الدموع
_كويس والله... مبروووك عليها وعليه...
انهت كلماتها وهي تتخلى عن المجلة ممتعضة كارهة.. تُلقيها من يدها كزبالة كريهة... وتابعت إطعام رقية بشىء من التماسك...
_يلا يا ماما افتحي بوئك...
طاوعتها فادية والحسرة تنخمد بين جنباتها تتطلع لقشرة التماسك خاصة رقية وقد أوشكت على التصدع.... تراقب رعشتها واهتزاز نظراتها....
بكاء صغيرها كان طوق نجاة لها التقطته بلهفة ونهضت
_هشوفه واجيلك يا ماما...
أطلقت ساقيها للفرار ناجية من الحصار وما إن دخلت حجرتها حتى انكفئت على فراشها تبكي بقهر وعجز يسقيه لها أدهم....
نهضت فادية بتجلد تستند على عصا قد اخذتها مؤخراً وخطت بها برتابة حتى وصلت لحجرة رقية... وهي على يقين أنها انهارت وسقطت في بئر الألم المظلم... وصلت إليها بعد عناء وجلست بجانبها بينما رقية غائبة في نشيجها المكتوم مُحرمة على نفسها البوح به
ملست فادية بحنان على خصلاتها بينما ترسل لها دعمها عبر كلماتها الدافئة الرقيقة
_قومي يا روكا.... قومي يا حبيبتي ومتزعليش عليه..
رفعت رقية وجهها المغرق بالدموع و تقول
_مش زعلانه عليه أبداً أنا بس.... انقطعت كلماتها وخانتها الحروف هاربة منها.. فقالت فادية وهي تربت على رأسها
_حاسه بيكِ يابنتي وبوجعك... علشان كده بقولك قومي.. متهديّش كل الي عملتيه... طول السنين دي... اتخطيه بقا... متخليهوش نقطة ضعفك...
مسحت دموعها بعزم وهي تنهض جالسة بتأثر تركه بها كلام فادية...
_ولا عمره هيكون يا ماما... وهيشوف
هللت فادية بمودة
_ايوة كده عايزه دايماً اشوف بنتي قوية...
ابتسمت رقية بصفاء واقتربت من فادية تحضنها هامسة بإمتنان
_ربنا يخليكي ليا يا ماما... ولا يحرمني منك أبداً
.
شددت فادية من احتضنها قائلة
_ويخليك ليا... دا إنتِ بنتي الي مخلفتهاش...
حستها فادية قائلة بمشاغبة بسيطة
_قومي بقا نأكل شوربتك الماسخه دي..
ضحكت رقية وهي تبتعد عنها...وفي عيونها ألف عزم وتصميم في تفعيل ما أقترحه عليها عقلها تلك الثواني..
___________
حينما كانت حيرته تغلبه  ولا يجد مرسى لهمومه كان يتجه ناحية مكان وجودها.. صديقته وزوجته وحبيبته… هناك بعيداً عن كل صخب كان يستمع لضحكات صغيره وسؤال حبيبته المُلح
_مالك يا حبيبي… هات أشيل عنك..
لقد آتى اليوم مبكراً فقط يحتاج لعزلة معها ومع ذكرياتهم… جلس أمام القبر الخاص بروحيه.. ينكس رأسه في ألم ووجع قلبه يدق اشتياقاً ولوعة لهما…
صوتها العذب أنساب من الذكريات لأذنه
_اعزفلنا حاجه يا حبيبي..
امسك الكمان خاصته واعتلى الجنون وبدأ العزف في المقابر حيث لا حياة… أغلق عينيه مستسلماً للحنين تحركه عواطفه فيعزف بكل وجع…
وعلى يمينه كان من يسأل بتعجب
_مزيكا هنا….
عقدت الدكتورة حاجبيها في بلاهة وتنصتت للعزف وهي تهمس
_اه فعلا عزف..
ارتدت قنسلوتها التي لاتستغني عنها وخرجت تجوب المقابر لمعرف أي جنون هذا… لكن العزف توقف…
نهض من مجلسه تحتضن كفه الكمان، ودّعهما وغادر على وعد بالعودة… وفي طريقه اصطدم بجسد أصدر تأوهاً ضعيف… أشار في أسف دون أن يرفع نظراته إليها..
_أسف
وقفت تُشيّع ذهابه السريع وعيونها تتابعه في فضول وحيرة ومشاعر غريبة… نداء خالها اعادها للواقع فاستدارت لكن عينيها اصطدمت بجزلان على الأرض..
_رفعته ونظفته بعناية وعلى وجهها ملامح مبهمة ومستفسرة.. فتحته لتطالع مبلغاً من المال وكارت حمل اسم زياد.. قلّبته بين كفيها لتدرك انه الطيف المجنون.... دكتور زياد.. ومن للجنون غيره..؟
_______
هتف صديقة بقلق وهو يضع المجلة جانباً
_أدهم شفت الخبر..؟
ابتسم أدهم بثقة ومال قائلا بغرور
_اي خبر...
زوى صديقه ما بين عينيه وهو يقول بغيظ
_أنت وناني...
ابتسم أدهم بثلجية ونهض يقول بلا اهتمام
_اه شوفته...
قبل أن يكمل حديثه مستفسراً كان أدهم ينهض قائلاً بثقة عمياء وابتسامة مستفزة
_اتفرج بقا وشوف السبق الحقيقي..
بعد قليل طرق أدهم حجرة حسام.. ودخل قائلا وهو ينظر لناني بتمهل حيث تقف بجانب حسام.. تعلقت به أنظارهما في حيرة وضع كفيه في جيوب بنطاله يقول بإنتصار
_حسام أنا بطلب منك إيد ناني.....

انتهى الفصل

أنا بألوانك (سلسلة حين يشرق الحب) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن