٤٩

3.5K 144 15
                                    

التاسع والاربعون
هتف زياد وهو يدخل لها بالدفتر الخاص بالمأذون لتوقع عقد الزواج_هدّخلها بقا دي شوية وتقولك زوجتك نفسي علشان تخلص.
ابتسم بدر برضا وعينيه تتعلق بزياد الذي غادر يتسلم توقيعها، أغمض عينيه يستشعر دفء تلك اللحظات وجمالها، حلمه الذي يتحقق أخيرًا بعد طول صبر،.. خرج زياد قائلًا بإبتسامة واسعة
_مبروووك يا باشا... و أخيرًا
عيون زياد كانت تتألق بنظرة خاطفة الأنفاس من فرط سعادته برؤية حُلم كل منهما بالإقتراب يتحقق، فكيف ببدر الذي انتظر طويلًا تلك اللحظة ورسمها كثيرًا في مُخيلته الفارغة،
خرج المأذون وتبعه الشهود ليقول زياد بسعادة غامرة _هنادي المجنونة دي..
خرجت من حجرتها ببطء أذاب قلبه، تخطو بدلال يخصها وحدها مُطرقة الرأس، تكاد تحترق من شدة خجلها.. وهي التي ظنت إنها ستحتضنه عيانًا أمامهم، لكنها الآن تتوارى خجلًا من نظراته التي تخترقها وتحاوطها بدفء خاص يربكها..
أقترب منها زياد قائلًا وهو يطبع قُبلة سريعة على جبينها _مبرووك ياحبيبتي...
لاتدري بما تمتمت لكن شفتاها تحركت في شبه رد...
وقف بدر مكانه متصلبًا يتأملها بعشق، تلك الهالة التي تُضيئها تنتقل إليها عدواها فتضيء ابتسامته، بصوته الرخيم تقدم يهمس لها _مبرووك
ابتسم لهما زياد قائلًا قبل أن ينسحب _مبرووك هنزل بقا وأنتوا خدوا راحتكم، أنا هبات في المكتب.
أقترب بدر يقول وهو يُقربها منه أكثر بضمة مفاجئة جعلتها ترتعش بين ذراعيه خجلًا.. أنحنى يطبع قُبلة طويلة كأنه ينقرها وهو يهمس بعاطفة _مبروك يا جهاد.
رفعت له عينين مغرورقتان بالدموع تتراقص بهما السعادة وهي تهمس بحرارة _اخيرًا جهاد من غير أستاذة.
أبتسم قائلًا وهو يسند جبهته على جبينها المرتعش دون أن يتخلى عن أثْرِها بين ذراعيه _اخيرًا...
تنهيدة قوية صحبت همسه المتعب المُكلل بالإنتصار _أخيرًا بقا يا شيخه تعبتيني.
ابتسامة رائقة منحتها له قبل أن تتخلى عن جمودها وخجلها وترفع ذراعيها تُحيطه، وتُشبُك عليه انامله وكأنها تخاف ابتعاده
انتشى سعادة بحركتها البسيطة التي اجتاحت عواطفة المشتعلة بتلك اللحظة وضربتها في مقتل، لحظة تمناها، ولكم حَفِيت مُخيلته بالمزيد من الصور لها لكن الحقيقة أبلغ من أي حلم، همس ورأسه تهبط  لعنقها،أنفه تسلب من رائحتها ما تشاء
_وحشتيني...
قالها بصدقٍ وحرارة وكأنها من البداية مِلكه وانفصلت لا ابتعدت عنه سنوات وارتبطت بغيره،
ابتعد عنها يهمس بتيه يلفه _أنا عايز أنام...
رفعت له نظراتها المستنكرة، ليهمس لها وهو يسحبها خلفه... _تعالي
أجلسها على الآريكة الواسعة، ثم خلع سترته وتمدد واضعًا رأسه على ساقها تحت نظراتها المندهشة... نظر للسقف قائلًا وهو يتناول كفها ويضمها إليه _حاسس كنت بجري طول الوقت ده وأخيراً ارتحت. ..وعايز أنام
نظرت له بعاطفة وحنان لم تستطع إخفاوه وهي تهمس بعشق _تعبتك أنا..؟
همس ومازالت عيناه مفتوحة ترصد كل شاردة منها _دلوقت هانت كل حاجه... وضاع التعب.
همست ووجنتاها تشتعلان خجلاً _هقوم اعملك عشا.
بإعتراض همس وهو يستسلم لدفء تلك اللحظات الخاصة _لا خليكي معايا...
هزت رأسها وهي تمنحه نظرة حنان خاصة لتهمس بعدها، مُدركة أن قلبه مازال مُحمل بأثقاله والتي ظهرت في نظرة خاطفة منه _ارتاح شوية يا بدر...
هز رأسه دون كلام ليغيب بعدها في غفوة قصيرة، بينما ظلت هي ترمقه بحب، تراقب ملامحه عن كثب، مستمتعة بتلك المشاعر الجديدة التي تتولد لديها من قُربه الحميمي.
فتح عينيه ينظر لما حوله، ظنًا منه أنه كان يحلم لكن رائحتها التي غزت أنفه بقوة جعلته يدرك أنها حقيقة وهي الآن زوجته، مِلكه وخاصتة ولن يفرقهما شىء.
نهض يقول بشبه أعتذار وهو يحك رأسه _أنا آسف..
تألقت عيناها بنظرة دافئة وهي تراقبه يفعل تلك الحركة العبثية، كلما خجل أو شعر بالحرج.
أومأت هامسة وهي تضم جسدها بذراعيها _مش مهم...
أقترب منها أكثر حتى لم يعد يفصلهما شىء ليهمس بعدها بإبتسامة _إلا قوليلي يا أستاذة هو إنتِ دايمًا حلوة كده..
رعشة سرت على طول جسدها تأثُرًا بهمسه الحار أخفضت عينيها تستجمع شجاعتها الغابة أمام عينيها، لترفعهما هامسة وكفيها ترتفعان لتحتضنان وجهه _عنيك إنت الي حلوة يا بدر.
ارتفعت يداه تخفضان كفيها عن وجهها بينما شفتاه تمنحانها بسخاء قبلات حاره، ناعمة ودافئة كروحه..
عضت شفتيها خجلًا بينما جفنيها يُسبلان في ارتباك، ليهمس لها وشفتاه تعرفان طريقهما لثغرها _لا أنا عايزك صاحية وحاسة يا جهاد زي ما أنا صاحي وفايق، كفاية أحلام، إنتِ دلوقت حقيقة ولازم اعشها، زي ما عشت الحلم معاكي.
راياتها تُنكس أمام هجومه الكاسح بفيض مشاعره، تخلت عن كل تحفظ قد يحرمها تلك اللحظات الخاطفة، وأقتربت تحاوط عنقه بتملك بكلتا ذراعيها، لتكون استجابتها الرقيقة تلك إشارة له، وبعبث لا يليق إلا به، نثر قبلاته على كل إنش من وجهها، حتى استجاب لنداء قلبه في احتلال صَرْح شفتها، اللاتي أرقه أمتلاكهما ليالٍ طوال .
أفاق من غيبوبته القصيرة يقول وهو لا ينظر لها حتى لا يُشعرها بالحرجِ _يلا بينا...
نهضت من مكانها تسأله بخجل شتت نظراتها حوله _مش هنبات هنا...؟
همس وهو يعدّل من ملابسه بينما عيناه تجريان على ملامحها بنهم _لا... ولا ساعة تاني بره بيتك.
ابتعدت عنه خطوة تُخبىء ارتباكها في فعلة بسيطة منحته بها أمانًا وعشقًا خالصًا، رفعت جاكته الخاص وأقتربت تُلبسه إياه وهي تهمس بطاعة _حاضر..
سحبها خلفه مُنطلقًا بها حيث بيتهما الذي سيشهد قصة حبهما الجديدة وهي تكتب بحبر خاص معبق برائحة العشق
_______________________
امتنعت عن تناول الغداء هامسة بإرهاق بدأ ظله يلوح تحت عينيها _معلش اتغداو إنتوا أن ماليش نفس.
مالت نيرمين ناحية رامي تقول بإستياء _رامي إنت لسه مبتكلمهاش..؟
زفر رامي قائلًا وهو يسند ذقنه على ذراعيه المرفوعان للأعلى _بتهرّب منها...
نفخت نيرمين بقنوط هامسة وهي تنظر لخطوات نجوى المتعثرة _برضو مصمم.. هي ذنبها إيه..؟
هتف بحقد وعيونه تشتعل بجحيمها الخاص _كانوا سيبيني زي الكلب وهما بيتمرمغوا فخيري..
مطت شفتيها بإستياء قائلة _رامي إحنا لو فضلنا كده نبص ورانا مش هنتقدم خطوة...
بيأس همس وعينيه تشرد في البعيد _إحنا عدينا صعب كتير.
بإبتسامة مهتزة همست نيرمين _خلاص عدي دي كمان.. عقارب الزمن مترجعش لورا..
نظر للطعام بشهية قائلًا وهو يرمقها بنظرات معاتبة _سبيني أكل بقا...
هزت رأسها قائلة بفخر أنثوي _دوق وقولي رأيك بقا.. أنا طباخه بريمو...
همهمات راضية أخرجها من فمه وهو يقول متلذذًا _بجد تحفة..
هتفت وملامح الخيبة ترتسم على وجهها _رامي أنا عايزه اعمل حاجه..
بإنهماك في تناول الطعام هتف وهو يراقبها _عايزه تعملي إيه..؟
مطت شفتيها قائلة بينا حاجبيها ينعقدان بضيق وحِيرة _مش عارفة، اشتغل، أدرس... مش هفضل كده..
هتف رامي بإستحسان _بجد حلوة الفكرة... ليقول بعدها بمشاكسة _بس أنا لو خدتك الشركة هتتاكلي يا ماما...
هتفت بعدم فهم وهي تضع بعض من الطعام في صحنه بإهتمام _مش فاهمة...؟
هتف ضاحكًا ويغمزها بشقاوة _معندكوش مراية فبيتكم.
غمغم رامي برضا وبعضٍ من شماته _تلاقي.. بيموت دلوقت... يلا يستاهل.
بإقتضاب همست تستفسر عن غمغمته غير المفهومة_بتقول إيه...؟
نهض يقول بإبتسامة عابثة _روحي بصي في المراية وأنا هروح أشوف هعمل إيه.... تركها وانطلق ناحية الدرج عازمًا على مُصالحة الأخرى المبتعدة، لكنه وقف في نصف الطريق قائلًا _جهزي نفسك هنطلع نشتري شوية حاجات..
ارسلت له إشارات عدم فَهم من خلال حاجبيها المرفوعان بإستفهام ليقول بجدية _لما نطلع هتفهمي..
_________
بحث عينها بعينيه حتى وجدها واقفة في الشُرفة تشرد للبعيد بينما ذراعيها تحتضنان جسدها الهش،
حاول رامي رسم ابتسامة وهو يهمس لها من خلفها
_متغدتيش ليه..؟
نظراتها المهتزة حادت بعيدًا عن مرمى نظراته وهي تقول _ماليش نفس..
واجهها هامسًا وهو يخطف منها نظرة _ايه الي سادد نفسك... ؟
ابتعدت عنه قليلًا مُتخذة الحذر درعًا واقيًا،بينما تهمس بشرود _مفيش عادي...
ضاق برؤيتها هكذا منعزلة، تتطاير الكآبة من عينيها الدافئة.. أقترب منها يحاول لمسها لكن شىء ما خافت كان ينفره منها، بؤرة مظلمة من الذكريات السوداء تبتلعه كليًا فلا يرى أمامه إلا جوعه وهي تصرّف ببذخ، ضيق معيشته وبالمقابل كانت هي مُنعمة، سُكنته في حجرة رثة ومقابلها هي تنام على ريش نعامٍ.. حقه الذي حرموه منه وسلبوه أمانه، أحتقروه وهم السارقون...
بأمواله ضاعت هي وتحمّل هو... عند تلك النقطة توقفت أفكاره فجأة، فقد اتخذت منحى خطرًا لن يخرج منه بسلام، وهو الذي جاهد كثيرًا حتى لا يسير في تلك الطريق المليئة بالأشواك..
مسح وجهه بكفه وهو يغمغم بإستغفارًا بينما كلمات نيرمين تستقر بعقله هادمة كل حصونه (متعملش زي ما عملوا فينا متظلمش)
أقترب يضم خصرها بكفيه ورأسه تستقر على كتفها هامسًا _تعالي أأكلك أنا يمكن افتح نفسك.
ارتعش جسدها تحت لمساته الدافئة، التفتت تهمس بإرتباك _لا ااااا
ضمها إليه اكثر وهو يهمس سامحًا لعاطفته تجاهها بضحض كل عذاباته _وحشتيني.
اغرورقت عيناها بالدموع وهي تراه بكل تلك العاطفة وذلك العشق، توهج شىء داخلها فأستكانت بين ذراعيه،تشاهد تلك النظرة التي لا تعرفها ونفور لا تتبينه، حتى إنه تجاهلها مراتٍ كثيرة،
هل أخبرته نيرمين وضغطت على جُرحِهم؟
هل ذكّرته بما يحاولان نسيانه سويـا وتخطيه..؟
رباااه إنها تتعذب، تخشى من إثارة لذلك الجُرح..؟
لن يغفر لها رامي، ستراها بعينيه التي تكشفه دائمًا، براءة مقابل تمرد أفقدها الكثير.؟ بينها وبين نيرمين ستعقد مقارنة...! من سلّمت نفسها راغبة وأخرى سُلبت منها نَفسها قهرًا..؟ لن تتحمل ستموت كمدًا...
انتفض جسدها بشهقة خائنة جعلته يرفع رأسه متسائلًا _نجوى إنتِ كويسه.. ؟
تداركت فعلتها سريعًا فرفعت رأسها تهمس بوهن_أنا تمام الظاهر الجو بدأ يبرّد.
أحتواها بين ذراعيه هامسًا _تعالي ندخل...
أطاعته هامسًة وساقيها لم تعد
تحملان جسدها الضعيف، اسندها والقلق يتراقص على ملامحه من ضعفها الزائد، همس وهو يرفع عنها خصلاتها _نجوى إنتِ تعبانه.
هست رأسها بلا وقدرتها على الكلام تضعُف تدريجياً، همس بتشديد لم يخلو من تسلط _هنزل اجبلك حاجه تاكليها..
تحركت شفتها بشبه بإعتراض، ليرفع سبابته ويمررها عليهما هامسًا بدكتاتورية _كلامي يتسمع ومفيش لا..
هزت رأسها بموافقة مقتضبة، لينهض قائلًا بإهتمام _ارتاحي على ما أرجع.
تمددت على الفِراش الواسع تدفن جسدها بين أغطيته، ووساوسها تجاه نيرمين تعاود السطو عليها وتبديد راحتها
______________________
_بالهنا والشفا
ذلك كان همسه مع أخر معلقة دفعها لفمها إجبارًا، كم كانت ممتنة لذلك الحنان والدفء الذي يُبعدها ولو قليلًا عن همومها ووساوس عقلها، لكن مع كل دفعة عشق منه كانت ترتعب أكثر، تخاف الحرمان من عاطفته، تخشى ظمأ روحها...
عيناها كانت شاردتان فيه تلتهمان بصمت ملامحه، لينبهها قائلًا بحاجبين منعقدين _سرحانه فأيه..
أفاقت هامسة وهي تغلق عينيها بتعب _مفيش...
بإبتسامة همس وهو يحتضن كفيها _تعالي اطلعي معانا، نيرمين عايزه شوية حاجات...
ضمت شفتيها هامسة بشبه حسرة _لا مش هقدر، خليها مرة تانية،
أمام تعبها الواضح تراجع عن الإلحاح قائلًا _خلاص براحتك.
ليردف بمرح _أوعي أرجع الاقيكي نمتي.
ابتسامة باهتة رسمتها على شفتيها لتقول بدفء روحها الذي أشع فجأة _لا مش هنام هستناك..
وكأنها تُحدث نفسها قبله، تقر عليها ما تخافه، ستظل دائمًا تنتظره، مهما حدث....
قرّبها منه يطبع على جبينها قُبلة سريعة وهو يقول بحنان _ارتاحي بقا.
قالها وخرج مُنسحبًا من الحجرة... وكلاهما يجاهد ضجيج وساوسه وشكوكه، يهاجم ببراعة.. ثم ما يلبث أن يخسر مع كل ذكرى بعيدة تطوف بعقله...
_____________________
هتفت بإستياء من كل ما تحمل بيدها
_إيه يا رامي كل ده..؟
اجابها دون إكتراث وهو ينظر حوله للملابس المرصوصة بعناية
_علشان تلبسي وهتنبسطي، شوفي نفسك فأيه تاني.؟
خفق قلبها من عباراته الصداقة، أهدته نظرة ممتنة وهي تقول شاكرة
_متشكرة يا رامي لكل حاجه بتعملها معايا.
ما يحسه الآن أبلغ من أي كلام يقال، ذلك الخيط الرفيع الذي يربطهما سويًا يزداد قوة وغلظة، تناغمهما وقربهما الذي يزداد كل يوم،.. حديثهما المتواصل الذي لا ينقطع... شجارهمًا أحيانا.. أضاف لروحة بريقًا خاص، شيئا كان يفتقده.. ممتن هو به لقطعة الحلوى تلك...
أشار ناحية محل للآيس كريم قائلًا _تيجي نجيب..
أومأت هاتفة بمرح وهي تهز رأسها سعادة _يلا..
خرجا محملين بعلبة آيس كريم واحدة فرامي لم يجد نوعه المفضل، هتفت بهمهات خافتة تغيظه _الله جميل..
زفر قائلًا يتصنع الضيق _خلاص بقا...
اقتربت منه تقول بإلحاح وهي تمد له الآيس كريم الخاص بها _جرّبه وشوف والله جميل.
حاول الإعتراض والرفض، لكنها اجبرته بإلحاحها وقفزاتها المُشاكسة _جربه.. جربه..
اتسعت عينا رامي بعد تذوقه ليقول برضا وإستحسان_طلع جميل..
بضحكة طفولية بريئة همست وهي ترمق رد فعله بإنتصار _مش قولتلك..
أشار لها رامي ناحية أحدى المحلات قائلًا هدخل اجيب حاجه لندى من هنا..؟ أومأت بإستحسان، ليهتف سأئلًا قبل ترّكها _تعالي معايا..
أجابت وهي تواصل أكل الآيس كريم بشهية _لا روح إنت.. هستنى هنا بس متتأخرش.. قالتها بنبرة آمرة جعلته يبتسم برضا
_حاضر..
على الناحية الآخر كان يمسك هاتفه قائلًا بلهجة مختنقة _فينك ياعم، إتاخرت عليا، وأنا عايز امشي.
_تمام انا قرّبت اهو هشوف...
أثناء انشغاله بهاتفه وتلفته لأسم المحل اصطدم بها، صدام مدوّي... أسف صبغها بضيقه، بينما هي افلتت شهقة خافتة... لا تدري صدمة من رؤيته هنا أم من وقوع الآيس كريم وتلطّخ ملابسها..
_رحيم
صدمة الواقفه أثار لديه الشكوك، واسمه المندفع بحرارة ينساب بأذنيه كنغمة خاصة، التفت يمزج خفقات قلبه القوية مع هدير أنفاسها جعلته .
اخفض الهاتف يتفحصها بدقة، يُشبع منها جوعًا شديد، رفرف قلبه بين جنباته لهفة مع مرآته لها ملطخة الشفتين،... تعلقت الأنظار في حديث صاخب تحيطه دقات قلب عالية.. كان أول من قطعه هتاف رامي
_نيرمين...
رغم غيظها الشديد وغيرته التي نهشت قلبه، لكن شفتيه ارتفعت في شبه ابتسامة ساخرة، جعلتها تنكمش على نفسها...
تلك المرة تفحصها بعين خبير لا بعين قلب ملتاع... ملابسها العصرية شديدة التناسق، حجابها الجميل.. كل شىء كان مختلفًا أثار شيئًا ما في صدره، أجج بركانًا من الغضب داخله..
وقف رامي يضمها بذراعه الشاغرة وعينيه تنظران لرحيم في تحدٍ وانتصار، ليهديه رحيم ابتسامة ساخرة ويصفعهم برحيل ثائر مثله ككل ما فيه..
هتف رامي وهو يُلاحقة بنظرات نارية _اهدي...
لكنها كانت منكمشة، ترتعش رهبة، ظنت أنها ستسلك طريق النسيان ببساطة، لكن نظرة واحدة منه نسفت كل الأسوار التي تبنيها وغمّت الطريق أمامها، تصدعت قشور قوتها من نظرة واحدة للهفته والتي قرأتها واضحة قبل أن يتبدل ويخفيها خلف نظرة ساخرة تدرك جيدًا ما خلفها من حزن وضياع أطرقت برأسها تحاول نفض صورته من مُخيلتها،. لكن لا فائدة غادرها وترك روحه ما هاهنا عالقة...
أما هو فوقف من بعيد يتابعها، يخفق قلبه جنونًا مع كل لمسه من  لرامي لها ... يتآكل غيظًا وحنقًا من اهتمامه بها،... إنه يغار بشدة، وكيف لا وهي إمراته، حتى ذلك المنديل الذي يمرره رامي على وجهها ليمسح عنها بقايا الآيس كريم، يغار منه...
تأوه بصوتٍ مسموع وهو يراها ازدات جمالًا وكأن وجودها معه أطفئها، عند ذلك الخاطر أخفض نظراته يؤنب روحه على تركها، لكن ماذا عساه أن يفعل.؟ لقد دمرها هي وحفصة، أخرج أسوأ ما فيهما،
تركها تمشي حتى لا يراها تنطفىء أمامه ببطء، فهو يعلم أن وجوها معه تلك الفترة سُيحملها مالا تطيق، سيدمرها كثيرًا، يومًا ما سقاها حبه قطرة قطرة فكيف لو صرف عنها اهتمامه وأبتعد ليحيط حفصًا بإهتمامًا آخر موشوم بمسئولية هو تعاهد أن يحملها كاملة،.. فلترى حياتها وينغمس هو وحده في آلامه...
ممتنًا للقدر الذي منحه معها لحظات خاصة فريدة تكون عزاه وسلواه في منفاه خارج قلبها..
شيّع ذهابهت بقلب مفطور، يود لو منحته نظره أو التفاته، ليشبع منها كما يشاء قبل أن ترحل دون موعد قريب للقاء.
بجانبها جلس يرامي يهمس بعتاب _مش قولنا هننسى..
حفنة من دموع سكبتها على خدها لتقول بصوت متحشرج _مين قال إني هقدر.. يبقى بكدب على نفسي وعليك..
أقترب رامي يمسح دموعها هامسًا بإشفاق _حاولي.. لو فضلتي كده هتنهاري.. مش هتكملي الي إنتِ بدأتيه..
قالت مُفصحة عما يحرق روحها ويعذبها _هو وحشني أووي...
قال رامي مبتسمًا لعفويتها وبساطتها في الإفصاح عن مشاعرها _وإنتِ كمان وحشتيه.
أوقفت شهقاتها تنظر إليه سائلة _عرفت منين..؟
هتف ضاحكًا وهو يعطيها المحارم الورقية _دي حاجه ميعرفهاش ولا يفهمها غير الي عاشها..
انخرطت في بكاء مرير وهمسها المتألم لا يتوقف _يا خسارة.. كل حلم لازم ينتهي فأوله..
هتف رامي وعيونه تلح بإصرار _يبقى نحلم بغيره، ملناش نصيب فيه.
همست دون اقتناع مُغيرة الحديث _عمي فضل وحشني..
أجابها وهو ينهض مبتعدًا _هكلمه يجيلك.. ثم هتف بلهجة آمرة _نامي دلوقت...
ابتسم لها بحنان وهو يبتعد خارجًا عن حجرتها مُغلقًا الباب خلفه بهدوء، لقد انفطر قلبه عليها حقًا وهو يراها تبكي بهستيريا بعد رؤيته، تستجدي حُلمًا لن يتحقق.... صغيرة هي على كل هذا الوجع، هشة تثير بضعفها حمائية أي رجل...
لأول مرة يشفق على رحيم، فصغيرته تلك تُعشق بكل مافيها... رأى بعينيه اليوم نظرة يعرفها جيدًا، نظرة لطالما خبأها في زوايا نظراته المهتزة...لقد أباحت نظراته بقصائد شوق رتلتها أنفاسها الثائرة، رغم ماطفا على السطح من سخرية
_________________
هتف ياسين وهو يضغط رأسه بإحباط_لسه مفيش جديد..؟
نظراته المحترقة باليأس اخبرتها برد الآخر له، زفرة حارقة أخرجها ياسين من بين شفتيه المبرمتين بضيق ليقول بعدها
_ماشي... ثم صرخ بغيظ _خلاص يعني مش هاكلها _لا محافظ على انفعالي متخفش... قاعده جوا.. لا متخليش هنا تيجي مش هضمن رد فعلي لو أذتها تاني..
ليغلق بعدها ياسين بعد أنا ملأ أذني سيف بوعود لا يعرف هل سينفذها أم لا...
نهض من مكانه ليطمئن عليها، لتركض هي ناحية فِراشها تتصنع النوم،.. القى علي جسدها المنكمش نظرة سريعها ليتقدم ناحيتها، يسحب الغطاء عليها في لمحة حنان دافئة منه غمرت روحها وجعلتها تؤنب نفسها للحظة على ما فعلته معه وسوف تفعله...
تلكأت نظراته وهو يرى هدوئها وطلتها الملائكية التي تناقض عنفوانها وحِدتها المعهودة، يبدو أنه سيعشقها وهي نائمة... حينما خطفه سحرها، لم يتمالك نفسه وانحنى يطبع قبلة خاطفة على جبينها...
اكمت السيطرة على غضبها وانفعالها من فِعلته، حتى لا تنكشف وتضيع خططها... لكن جزء بسيط داخل قلبها كان يشرق بتلك القُبلة، يستمتع بذلك القرب ويتلذذه، جزء صرخ بها ألا تغدر، لتسكته بصورة تؤامتها التي لا تبرح مخيلتها، عند ذلك الخاطر انكمش جسدها برهبة وتأثر.. ونفور ظل اثره عالقٌ في نفسها
خرج ياسين بعد أن أغلق خلفه، تمدد على الآريكة التي لا تكاد تحتوي جسده رغم ضآلته، يتنهد بضييق مما يحدث وذلك الآسى الذي يحيطه من كل جانب... فرحته التي انطفت فجأة وحبه الذي يموت ببطء..
اسلم اخيرًا جسده المتعب للنوم، تحت مراقبة فطيمة الدقيقة لكل ما يفعل، صوت أنفاسه الهادر بعنف لوّث هدوء الليل، وجعلها توقن أنه غاب أخيرًا في النوم، تسللت محاولة عبوره بكل حذر حتى وصلت للباب حاولت فتحه بالمفتاح الذي وجدته على المنضدة الصغيرة،... انفتح الباب بقوة فأشرقت ابتسامتها المنتصرة، خرجت من الباب تغلقه خلفها، لكن الثبات خانها واهتز مُصدرًا صوت عالي خافت منه فابتعدت تاركةً له مفتوح...
وكل ما يهمها هو الهروب من تلك المصيدة التي أوقعوها بها كفأر مذنب...
فتح ياسين عينيه ببطء، وما إن وقعت عيناه على الباب حتى انتفض زعرًا، تطلّع حوله وهو يهمس بفزع _فطيمة...
اتجه لحجرتها يبحث عنها، ليدرك أنها خانت وعدها وهربت.. اندفع راكضًا للخارج، لم ينتظر المصعد طويلًا من شدة قلقل، اندفع على الدرج راكضًا يدعو الله أن يلحقها حتى لا يصيبها مكروه،
فجأة انقطعت الكهرباء، ليتزامن صوت المصعد الصارخ بالمفاجآة مع صوت صراخها المزعور، تصلب جسد ياسين مكانه وقد أدرك فاجعة ما يحدث وأثره عليها،ظل يرمش عدة لحظات يحاول تفادي الظلام حوله، ضربات قلبه تتزايد تكاد تخنقه، ستقتله يومًا بجنانها... صرخ يطمأنها بعد أن تدارك بشاعة اللحظة وهو لا يعرف في أي دور وقف الاسانسير
_فطيمة...
بنحيب الثكلى صرخت وهي تضرب على أبوابه بقوة _ياسين الحقني...
___________________

.

أنا بألوانك (سلسلة حين يشرق الحب) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن