٥٥

3.6K 145 7
                                    

الفصل الخامس والخمسون
دارت في الشقة قائلة بسعادة _شوف وقول رأيك بقا...
توزعت نظراته الغامضة في أرجاء الشقة، تتفحصها بدقة،... حافظت رقية على عبق وذكرى كل ركن فيها لكنها أضافت لمساتها السحرية لتصبح الشقة أكثر جمالًا ودفئًا من زي قبل..
تعلقت بذراعه قائلة وصدرها يعلو ويهبط إنفعالًا وتأثرًا بسعادتها _ياااه..
تعلقت نظرات أدهم بباب الحجرة المفتوح، نظرة غامضة لا تخلو من اهتزاز ألقاها عليها،... انطلقت نظرات رقية تهرول ناحية نظراته.. لتتحقق من ظنها،... وقفت أمامه هامسة _أدهم..
نزع نظراته  بحزن من باب الحجرة ووجهها تجاهها مُرددًا _نعم...
سألته بحذر ونظراتها ترسل إليه توسلًا خاص _هتفتح الأوضة..
بخوف لا تعرف مصدره وإنتفاضة ألم همس أدهم _لا يا رقية لا...
تداركت الموقف قائلة بحنان _خلاص يا حبيبي أهدأ...
أخذ نفس عميق وتراجع خطوة يجلس على الكرسي هامسًا بإرهاق _معلش يا رقية...
جلست أمامه على ركبتيها تهمس ونظراتها الدافئة تغوص في عينيه _حبيبي.. إنت تعبان.
أشفق عليها أدهم قائلًا وهو يجذبها لتجلس على ساقيه _لا يا حبيبتي...
سألته بقلق وهي تتابع ملامح وجهه المتقلصة بألم _حاجه بتوجعك..؟
اغتصب أدهم من بين أوجاعه ابتسامة باهتة وهو يهمس مُدّعي الألم _حاسس بنغزة غريبة فقلبي..
انتفضت رقية متسائلة بقلق ولهفة _ايه... قلبك. ؟
وضعت كفها الرقيقة موضع قلبه تدلّكه بقوة... همس أدهم متأثرًا بقربها _روكا..
رفعت رأسها تسأله بقلق اكبر _اي....
ابتلع باقي كلماتها في قُبلة طويلة مشتاقة راغبة، ابتعدت عنه تلهث بينما اشتعلت عيناه برغبة اكبر، همست من بين لهاثها وهي تتعلق برقبته محتضنة _وحشتني يا قلب وعقل روكا...
رنين هاتفها جعلها تبتعد عنه مرددة
_دا اكيد سيف..؟
سألها أدهم وهو ينظر لهاتفها _ماله..؟
أجابت قبل أن تفتح الإتصال على الأخر _عازمنا على العشا...
فتحت الإتصال ترد على سيف
_اه الحمدلله... مش عارفه هشوفه...
أخفضت الهاتف تسأله بترقب_حبيبي هتروح ولا تعبان..
أجاب بلهفة _هنروح طبعًا بلغيه إننا جايين..
ابتسمت له بإمتنان، ثم رفعت الهاتف تخبر سيف بقدومهما،... القت الهاتف جانبًا بإهمال ثم استدارت إليه تهمس _قوم ارتاح شوية على ما اجهزلك هدومك..
هتف مؤكدًا _هترتاحي معايا.. إنتِ برضو تعبانه ومرهقة..
تنهدت قائلة بإستسلام _حاضر... بس قوم يلا..
داخل الحجرة تمدد أدهم على الفِراش، ينتظر قدومها،... فكت رقية حجابها وارتدت ملابس مـريحة.. تتبعها بعينيه حتى استلفت باحضانه، ضمها إليه بقوة فأستكانت راضية بملاذها الأمن... ظللهما صمت طويل حتى شعر أدهم بإنتظام أنفاسها... اطمئن عليها وغاص هو في نوم هادىء عميق..
_______________________
هلل ياسين ما إن رأهما يدلفان للشقة معتذرين عن التأخير
_ايه... دا حتى قايم موت ما تهمد بقا فرهدتنا معاك..
ضربه أدهم على كتفه مُهددًا : أهمد بقا إنت مبتتعبش.
أستدار يجلس لكن صوت باكي مشتاق أوقفه مكانه _أدهومي..
أختتمت كلماتها بعناق طويل دافىء أفاق أدهم يهمس بفرحة _إيمي.
همست معاتبة وهي تبتعد عن أحضانه قليلًا _بقا كده يحصلك كل ده ومعرفش.
ضمها أدهم إليه مُعتذرًا_مكانوش عايزين يقلقوكي يا حبيبتي.
اعترضت ببكاء وهي تنظر لكلًا من سيف وياسين بعتاب _يقلقوني إيه، كنت هموت من الرعب كل ده ومحدش بيرد وشغل عمرو مش سامحله ننزلولا حتى ولادتي..
هتف أدهم مندهشًا : كنتِ حامل.؟
مصمص ياسين موبخًا : حضرتك كنت رامي طوبتنا ولا دريان.
نظرة زاجرة أهدأها لياسين استبدلها بأخرى دافئة محفوفة بإعتذار _ معلش يا حبيبتي أنا آسف سامحيني قصرت معاكي كتير.
ضمته هامسة بحب _مش مهم يا حبيبي.. المهم إنك بخير وكويس.
خرجت رقية تحمل الصغير، تقدمت ناحيته هامسة بعشق يلمع مع حروف اسمه _أدهم الصغير.
خاف أدهم أن يحمله، تردد كثيرًا لكن نظرات رقية ودعمها شجعاه
_خده
بذراعه السليمة حمله مرتعشًا ينظر له بإبتسامة براقة، همس أدهم وهو ينظر لرقية بنظرة متألقة _عقبالك..
احتوت نظراته هامسة بعشق وهي تدعم ذراعه بيدها : هنسميه أدهم برضو.. ؟
اعتراض بخبث وهو يغمزها : كفاية عليكي أدهم واحد..
ابتسمت هامسة وهي تداعب أنف الصغير :فيه منك كتير.. شكلي هحبه 
رمقها بنظرة لامعة متألقة بالإمتلاك لاح الرفض فيها وهو يسارع بالإعتراض _لا إنتِ تحبيني أنا وبس..
همس رقية ومحياها الباسم يتلوّن بالخجل : عايزه أحضنك وأبوسك.
كتم أدهم ضحكاته قائلًا : خليها في البيت بقا.. كده ممكن نتطرد
هتف ياسين ساخطًا وهو يقترب  : ووصلة الغزل الصريح والعفيف دي هتخلص امتى بقا.
نظرت رقية لأدهم بخجل، فسارع بتوبيخ ياسين : بطّل حقد بقا . اهو هتتجوز..
أخرجت رقية مبلغًا من المال ودسته في ملابس الصغير قائلة وهي تأخذ الرضيع من ذراعي أدهم وتعطيه لأمه _ نقوط أدهم الكبير لأدهم الصغير..
رجعت تقف بجانبه فتمسك بكفها هامسًا وهو ينحني تجاهها _ متشكر يا نصي الحلو.
همست برضا وهي تضم كفه بقوة _ شكرًا يا كلّي أنا
هتف سيف بسعادة وهو يدفع ياسين بغيظ : بالمناسبة الحلوة دي لازم نطلع سفرية مع بعض بقا ونتلم كلنا..
أعترض ياسين : مينفعش تطلعوا وأنا سينجل لما أتجوز الأول.
اقترب منه سيف مازحًا وهو ينظر لتعابير وجه ياسين المضحكة : طبعًا ما هو أحنا مش محتاجين قرّ من عين حضرتك.
ضحك الجميع فرحين،.. ضم سيف ياسين بذراعه ليضم إليهما أدهم في عناق طويل لثلاثتهم  مكلل بالدموع الفرحة من حولهم كانتا رقية وإيمان وهنا تنهمر دموعهم سعادة داعين الله أن تدوم
___________
بعد مرور أسبوع
طرق ياسين على باب الحمّام قائلًا
_يلا يا فطيمة كل ده.؟ أنا جعان عايز اتعشى....
هتفت بإنزعاج وهي تجلس على حافة حوض الاستحمام تنظر لقميص النوم المُعلق  بقلة حيلة... _اتعشى أنا مش ليا نفس.
أعترض بضيق _لا مش هأكل من غيرك خلصي يلا...
سبت جهاد ولطيفة بحرقة وغيظ مما فعلاه بها،... وقفت مستسلمة لقدرها، تخلع عنها الفستان الثقيل وترتدي ذلك القميص الحريري الأبيض المكشوف من كل ناحية توعدتهم سرًا _والله لاسودها عليكم يا جِزم..
ارتدت القميص ومن فوقه روب الحمّام، خرجت متسللة تنظر حولها متمنية أن لا تجد ياسين فتستل من الخزانة بجامة طويلة محترمة... لكنه كان لها بالمرصاد منتظرًا خروجها بفارغ صبر _أخيرًا
هتف بها ياسين ما إن طالعها.. سرعان ما إصابته الخيبة بنصلها ما إن رآها ترتدي ذلك الروب.. تمتم بتصبّر _مش مشكلة.
سارعت بالإختباء تحت غطاء الفراش، فأقترب يحثها _قومي بقا..
غطت كامل جسدها وهي تهاتفه بخجل من أسفل الغطاء _لا أنا تعبانة وعايزه أنام..
خرج ياسين من الحجرة يسب ويلعن، رفع هاتفة لأذنه يهاتف أدهم..
_الووو وو.. ما تقول اي نصيحة كده يعني بما إنك عريس زيي
سبه أدهم بغيظ شديد وهو ينهض من جانب رقية
_الله يخرب بيتك.. دا وقته.
هتف ياسين بعصبية وهو ينظر من فتحة الباب لتلك النائمة
_محتاج تنزلّي كتاب العلاقات الزوجية فدماغي زي اللمبي.
كتم أدهم ضحكاته قائلًا
_يخرب عقلك يا شيخ... قولي في ايه بقا...؟
اجابه ياسين بغيظ شديد وحنق
_نامت وسابتني ياعم.
صرخ أدهم موبخًا _لا جدع... أنفخ صدرك كده واهجم يا طه..
نفخ ياسين صدره قائلًا فكرك كده يا أدهم..
ضحك أدهم قائلًا بإستمتاع
_ايوة خلي اهلك يفرحوا بيك يا طه...
أغلق ياسين هاتفًا بخشونة _تمام... هنزلها بتتر رامز جلال.. دقت ساعة الحسم.. مفيش غير كده..
دخل ياسين الحجرة صارخًا بإسمها _فطيمة..
انتفضت تسأله بإرتباك _خير يا ياسين.. ؟
أجابها وهو يخلع عنه سترة البيجامة القطنية _دقت ساعة الحسم.. دقت ساعة العمل
سألته بتوتر وهي تضع يدها على عينيها تغطيها _مش فاهمة هتعمل إيه..؟
أقترب منها يقول بإنتصار _قولي لا إله إلا الله..
قفزت على الفِراش بغتتة لتقول هي صارخة _لا إله إلا الله...
___________________________
وفي الصباح  انتفض على صوت صراخها، سألها بخوف وهو يجلس مُعتدلًا  _في إيه يا فطيمة حصل إيه..؟
سألته من بين شهقات بكائها العنيفة _إنت عملت فيا إيه امبارح يا يا سين..؟
ابتسم بإنتشاء أسد ظفر بفريسته وأقترب منها يهمس _عملت زي الناس ما بتعمل عادي..؟
صرخت تقول بغير رضا وهي تنظر له بإزدراء _طلعت قليل الادب يا ياسين مكنتش مفكراك كده..؟
هز رأسه يقول بإبتسامة وهو يقترب منها _لا فكري يا حبيبتي من هنا ورايح.
نهضت تصرخ مهددة وهي تبتعد عن الفِراش _هتصل ببدر وأقوله
نهض قائلًا بحماس، مُرحبًا بفكرتها _اتصلي بيه وماله، اقله يعرف أنا مستحمل إيه.؟
بتوعد غليظ رفعت الهاتف منتظرة أن يرد بدر، جائها صوته النعاس _الووو
صرخت مستغيثة بزعر _الحقني يا بدر..
انتفض بدر فزعًا يسألها بخوف _حصل إيه يا فطيمة.؟
من بين بكائها المتواصل همست _شفت ياسين عمل إيه.؟
جلس بدر مترقبًا يسألها بخوف شديد _عمل إيه..؟
بكاء متواصل وصراخ، افزع بدر ليقول بعدها _حصل إيه..؟
توقف بكائها مفكرة ماذا ستقول لبدر..؟ وكيف ستخبره بما فعله ياسين.؟
لم تجد أمامها سوى البكاء
هتقت فطيمة بإستنكار _حاجات مش عارفه أقولها يا بدر، ياسين طلع مش متربي.
التقط بدر أنفاسه قائلًا وهو يعاود النوم _بجد طيب الحمدلله، سيبتي مفاصلي يا شيخة.
بهياج صرخت _بقولك طلع قليل الأدب
أغلق بدر الاتصال قائلًا _مبروووك.. وغوري بقا من وشي عايز أنام.
حملقت في الهاتف بذهول من رد فعل بدر، ضحكات ياسين أخرجته من دوامتها، القت الهاتف وتبعته بالوسائد صارخة _اطلع بره
أغلق الباب وتركها تفرغ شحنة غضبها، بينما ضحكاته هو لا تتوقف.
__________________
لفت الشال حول كتفيها وخرجت راكضة تتضرع إلى الله أن تقابل عمها أو رحيم، ظلت منتظرة قدوم أحدهم حتى يأست بشدة.. اقتربت من المندرة بحذر شديد تنظر حولها علها تلمح أحدٍ منهم....نادت بصوت خافت مستغيث
_عمي فضل..
انتفض فضل من رقدته بجانب المندرة وقد وصله ارتعاشة صوتها واستغاثتها، اندفع للخارج وما إن رأها حتى سكب لهفته
_في إيه وإيه جايبك دلوقت.؟
همست بصوت متحشرج باكي
_خالتي أم حفصة تعبانه قوي... اضطريت أجي أبلغكم تشوفوا دكتور..
هتف فضل بجزع _جاي معاكي أشوف في إيه.؟
أوقفته قائلة بتوسل خافت_نادي خالي كانت بتسأل عليها..
أشار لها فضل بصرامة _استني هنا وأوعي ترجعي تاني لوحدك، نبلغه بسرعة ونرجع..
أومأت قائلة وهي تنظر حولها برعب _متتأخرش علشان المكان هنا ضلمة قوي يا عمي
بسرعة عاد فضل وأخبر خاله، لم ينتظر مجيئه معه.. بل اندفع للواقفة بالخارج ترتعش خوفًا.. سحبها من كفها عائدًين البيت...
_________
وقفت أمامه تتطلع للبيت المُهيب بإنبهار لا يخلو من سعادة، تحمل رضيع ابنتها بين يديها، وكلما تقدمت خطوة ملبية نداء البيت الحرام بالإقتراب.. صرخ الصغير..
وقفت تنظر لزوجها.. تطلب دعمًا لكنها فوجئت بحفصة أمامها بطلّة ملائكية، مبتسبة تقول بلهفة
_وحشتيني يا حجة..
همست السيدة بذهول _حفصة ازيك يا بتي..
اقتربت منها حفصة تقول بسعادة _مبسوطة قوي يا أما وفرحانه...
نظرت حفصة للصغير قائلة وهي تشير لما خلف والدتها _ادهولها يا أما.. ميعرفش وجع اليتيم الا اليتيم الي زيه..
نظرت المرأة لنيرمين المنتظر خلفهم بترقب، ترددت المرأة لكن حفصة حثّتها _ادهولها وتعالي.. ادعيلي هنا.. هستناها منك، سلميلي على أبوي وقوليله، لبي الندا يا شيخ...
أخذت حفصة الطفل واعطته لنيرمين ثم استدارت تقول لوالدتها _كله إلا وجع اليتيم يا حجة... أوعاكي..
اختفت حفصة من أمامهما لتفيق السيدة من إغمائها، وجدت نيرمين تحمل الطفل مهدهدة بصبر، وما إن نام حتى أنحنت تطبع على جبينة قبلة رقيقة..
التفتت المرأة جانبًا فوجدت زوجها يصلي نادته بخفوت _أبو حفصة.. أنهى الرجل صلاته وأقترب يهمس بفرحة -_حمدالله على السلامة..
ابتسمت برضا وقصّت عليه روياها.. الذي تزامن مع قرآن الفجر... هلا الرجل فرحًا _إن قرآن الفجر كان مشهودًا... ابشري يا حجة خير..
عادت نظرات المرأة لنيرمين التي وضعت الصغير بهدوء على فِراشه وخرجت، لتعود ثانية حاملة بيدها صينية.. وضعتها بجانب الشيخ هامسة بخجل _عمي فضل قالي إنك بتصوم اتنين وخميس،... قولت أحضرلك سحور يقويك يا عمي على صيام بكره...
وضع الرجل مسبحته جانبًا ونظر للصينيه دامعًا.. رفع نظراته لها يهمس بدعاء سخي وهو يلتقط من بين يديها السحور _ربنا يرضى عنك ويراضيكي يا بتي...
اقتربت من والدة حفصة تسألها بحنان _محتاجه حاجه يا حجه أجبهالك... نظرت المرأة لزوجها نظرة ذات معنى فهمها الشيخ وكرّر _اللهم لبيك..
لتعود المرأة بنظراتها لنيرمين هامسة برضا غريب_لا يا بتي..
هتفت نيرمين وهي تنحني لتُدثر جسد السيدة جيدًا _حطيت نعيم جنبك اهو وهقعد قريبة منكم لو احتجتي حاجه نادي عليا...
أومأت المرأة بإستحسان ورضا وما إن خرجت نيرمين حتى هتف الرجل _الله يرحمك يا حفصة..
________________________________
بعد مرور أسبوع....
دخل رامي يائسًا مُحبطًا، جلس على أقرب مقعد منهكًا بعد مرور يومٍ طويل مرهق بالبحث عن عمل يوفّر له قوت يومه..
أعلن هاتفه عن وصول رساله فرفع الهاتف يتفقدها، انتفض من نومته ما إن قرأ محتوياتها،.. رحيم يبلغه أن يجمع أوراقه وشهاداته ويذهب لشركة (.....) فهم في انتظاره غدًا لتوقيع العقد معه بمبلغٍ مُرضي..
نهض رامي يبحث عن نجوى حتى وجدها واقفة بالمطبخ، وقف خلفها يسأل _أساعدك في حاجه..؟
أشاحت قائلة بخفوت _لا...
هتف ممتننًا وهو يجلس حول سفرة صغيرة _رحيم جابلي شغل
همست بلا حماس _مبرووك...
زمت شفتيه بغير رضا فنهض من مكانه يهمس بتوسل _هو احنا مش هنتصافى خالص...
هزت رأسها برفض، تابع وهو يسير خلفها _ميبقاش قلبك قاسي كده يا نجوى...
لوّحت بالطبق الذي بيدها في عصبية _أنا الي قلبي قاسي...؟
التقت  عيناهما ليقول رامي بحزن _والله الي حصلي مكنش شوية.. سامحيني أنا بحاول اتعافى ومحتاجك جنبي..
اعترضت بقسوة وهي تدفعه بعيدًا عنها_لا...
تأوه رامي بتعب، ظنته تمثيل.. لولا انهياره على الكرسي متألمًا بشدة... أقتربت منه مزعورة تسأله بخوف _في إيه..؟
أمسك رامي ذراعه وخرج من المطبخ يبحث عن حقيبته، حتى وجدها، أخرج منها بعض الأدوية تحت نظرات نجوى... ثم خلع قميصه... شهقت مصدومة بفزع مما رأته، فلم يكن بجسده قطعة سليمة، جروح، خدوش كدمات كل ذلك كان يغطي جسده..
راقبته يضع بعض الكريمات عليها وهو يحاول كتم تأوهاته حتى لا تفزع أكثر... انتهى مما يفعله تتمدد مكانه غير مهتم..
جلست على ركبتيها أمامه تسأله بخوف _إيه عمل فيك كده..؟
أجاب ببساطة _الي أخدوا مني الفلوس...
همست من بين دموعها _ليه سبتهم يعملوا فيك كده.؟
أجابها بوهن _مكانليش حيلة ولا ظهر...
خبأت وجهها الباكي بين كفيها فأعتدل رامي يقول بجدية _بصي يا نجوى هحكيلك كل حاجه وعليه إنتِ قرري هتعملي إيه وأنا هفضل مستني...
انتبهت له بكامل عقلها، مشاعرها كانت تتضارب مع كل قصة يحكيها حتى وصل لنقطة إرسال  التوكيل
سألته ببكاء _رجعت ليه بعد الي سمعته من ماما والي إنت عارفه.. ؟
أكّد بخفوت _علشان أنا مش جبان وضعيف  يا نجوى حتى لو كنتوا كلكم شايفين كده حتى إنتِ..
شهقت غير راضية بما يقول ليُكمل بوجع _إنتِ نسيتي كنتِ بتعملي معايا إيه..؟
نكست رأسها بخجل من تلك الذكرى القاتمة، أجاب رامي بصدق_لما سافرت ندمت على الي عملته، ندمت إني رديت الأذى بالأذى... ندمت إني متمسكتش بحلمي الي هو إنت بكل قوتي وحاربت علشان أوصل للنظرة الي شايفها فعنياكي دلوقت
رفرف قلبها بين جنباتها فرحة، ارتبكت نظراتها... تابع رامي بحزن _تعبت واشتغلت مع الراجل الي سفرّني... جوزني بنته خوف عليها وعلى فلوسه..
حملقت فيه مصدومة تهز رأسها بإستنكار، ليواجه هو دون تأثر
_اتجوزتها وكنت مقرر فأقرب وقت هرجع، لكن فاجئئتني بحملها..
غمغمت مذهولة بنظرات ذبيحة _عندك ابن..؟
التوى جانب فمه بسخرية قائلًا _كنت فاكر كده.... بس قبل ما أسافر سفري الأخير بعتتلي تحليل يثبت انها خانتني وانه مش ابني وانها اخدت كل حاجه.
توالت عليها زخات من الصدمات، فتضاربت مشاعرها وتشوشت رؤيتها، لكنه صمد وتابع.. _سافرت اتأكد وطلع مش ابني وهي أخدت كل حاجه حتى تعبي.. كانت عملالي كمين وحبستني هناك ومستكفتش بكده لا كانت بتبعت الي يأذيني.. خلتني بعّت لها كل حاجه كنت بملكها هنا... ومعرّفتش تاخدها.. ده طبعًا بعد مساومات وكلام كتير..طلعتني ورجعت.. تألقت عيناه بإمتنان وهو يقول _رحيم بعتلي ناس كتير من طرفه، وفلوس ومحامين... علشان الموضوع ينتهي وأقدر اطلع.. واهو طلعت ورجعت..
أغمضت عيناها موجوعة بما سمعت، مكسورة بذلك الإعتراف،
انحنى رامي تجاهها يهمس _احنا الاتنين اتوجعنا ووجعنا بعض بنفس المقدار..
انتفضت معترضة من بين دموعها _أنا موجعتكش...
تابع رغمًا عنه بحسرة _لما توافقي تتجوزيني علشان تنقذي نفسك وإنتِ طول الوقت شيفاني أقل منك..
هزت رأسها برفض بينما دموعها لا تتوقف، أمسكها رامي من ذراعيها يقول بجفاء _إنتِ متأكدة إني صح.. لما كنتي بتشتري الفستان... وأول ما لبستيه بكيتي، نظراتك كلها مكانتش ندم بقدر ما كانت استهزاء.. كنتِ شيفاني عقاب مناسب لنجوى الي غلطت مش أكثر.
بكت بحرقة على ما يقول، نعم اعتبرته يومًا عقاب زواجها منه تكفيرًا لخطاياها... تستهزء بما وصل إليه حالها ونهايته التي ختمت بزواجها من رجل مثله.... لكنها والله أحبته لكن بعد فوات الأوان...
همس بسخرية_ لاذعة الأهم من ده كله يا نجوى إن كل الخير الي عشتي فيه واستقليتي بيا علشان عايشه فيه كان بتاعي..
رفعت نظراتها الذبيحة إليه، هز رأسه بإبتسامة متابعًا
_الخال حرمني من أهلي ومكتفاش بكده خد كل فلوسي وعيشني خدام... كنتِ بتحتقريه.
انتفضت واقفة ، تتخبط فيما حولها، ليؤكد رامي بحزن _متأكد إن مامتك تعرف.. اسأليها.. وقف رامي خلفها يقول بعد أن اطلق نفسًا عميق _كل الصورة قدامك.. كل حاجه فهمتهلك، ورغم كل حاجه أنا محاسبتكيش على حاجه ولا حتى الخير الي عشتي فيه، غلطت وقولت كلام مفروض ميتقلش.. عارف واعتذرت... القرار دلوقت ليكي يا نجوى يا نبدأ من الأول صفحة بيضة نضيفة وبداية جديدة، يا تفضلي على عنادك.. وساعتها أنا هبعد... لأن مبقاش عندي طاقة لأي
لأي شىء... هبدأ من جديد وليكِ الحرية فأنك تبدأي معايا أو لا... ولو رفضتي يا نجوى ده عمره ما هيأثر فعلاقتنا هفضل موجود وقت ما تحتاجيني..
أنهى كلامه وغادرمُغلقًا الباب خلفه، وعلى منتصف السلّم جلس... أمسك هاتفه وكلّم الأخرى يقص عليها ما حدث..
عاتبته نيرمين بحزن _ليه بس كده يا رامي كنت قاسي معاها..
أجابها بتعب _تعبت يا نيرمين من كل حاجه ومعدش عندي طاقة حتى إني احايلها... مرهق وكل حتة فيا موجوعة، أنا لو فكرت فالي حصلي هتجنن.
هدأته بحنان _خلاص يا حبيبي اهدأ...ثم مالبث أن صاحت
_بقولك إيه ما تيجي تقعد معايا شوية وحشتني.
زفر قائلًا بإختناق _طيب هروح مقابلة بكرة واركب واجيلك..
سألته متفهمة _مقابلة ايه..؟
أجابها بلا مبالاة _شغل..
هللت فرحة مستبشرة _بجد ربنا يوفقك وتتقبل ...
أجابها بإبتسامة _لا ما أنا مقبول وهحدد راتبي كمان
سألته بعدم فهم _يعني إيه..؟
بإبتسامة ماكرة همس _شغل جايبهولي حبيبك يا ستي..
رددت بغباء _عمي فضل..
زفر بإحباط موبخًا _غبية... حبيبك الي مطلع عينك..
تمتمت بذهول _رحيم..!
أجابها بتأكيد _ايوة.... فرع الشركة بتاعته الي هنا
تمتمت غير مصدقة _بجد.!
أجابها رامي بتأكيد _بجد، دا غير الي عمله معايا بره مصر.
هتفت مؤكدة بلهفة _لا إنت تجيلي يا حبيبي وتاخد معايا الاجازة ونتكلم بقا براحتنا..
ضحك رامي موافقًا _حاضر يا مستبدة...
أغلقت الهاتف واستدارت لتصطدم بجسد صلب جعلها تتأوه بتعب من صدمتها العنيفة به... حمحم معتذرًا _آسف
قبل أن يستدير سألها وهو يحك رأسه، _ده رامي.. ؟
عيناه فضحتا فضولة لمعرفة من تهاتف في ذلك الوقت، اجابته ببساطة _رامي... و بيقولك شكرًا..
هز رأسه وابتعد عائدًا من حيث آتي، لتجلس هي أمام الصغير متنهدة بيأس.
وبعد مرور يوم كان رامي يقف أمامها يسألها بخيبة
_هو مفيش حد هنا ولا إيه..؟
زفرت بإختناق من فكرة وجودها وحيدة هنا لتقول بإحباط صُبغ بمرارتها _اه.. مرات عمي نايمة فأوضتها،... وعمي فضل فبيته مبيجيش هنا كتير وأبو حفصة وامها أخدوا نعيم وراحوا بيتهم..
زم شفتيه مواسًا بغير رضى _يا مسكينة وفضلتي لوحدك..
تأوهت قائلة بمرارة _قدري بقا يا عم... منحوسة من يومي..
ضحك رامي مشاكسًا _هاتي يا منحوسة كوباية الشاي..
ضحكت وهي تُقدمها له مضّيقة عينيها _احكيلي بقا حصل إيه...
أجاب ببساطة رغم الألم الساكن مقلتيه _عادي اضربت ضرب متضربهوش حمار فمطلع..
ضحكت معاتبة _ليك نفسك تهزر...؟
أشاح قائلًا بهم يجّثم فوق صدره _أمال اقتل نفسي...
ربتت نيرمين على كفه مواسية بحنان _لا يا حبيبي بعد الشر.. كله هيعدي وهتبقى أحسن..
نظر لها رامي طويلًا بإعجاب، ثم هتف بفخر وإمتنان _عارفه أحلى حاجه فكل ده إيه..؟
هزت رأسها تسأله _إيه..؟
أجابها بعيون لامعة _إن بقالي أخت طيبة وحنينة زيك كده، بتصبرني على كل وجع...
همست بتأثر _وإنت كمان...
تابع رامي بصدق _كل ماافتكر الي حصلي ببقا هتجنن تيجي إنتِ فكل أفكاري تنوريها وتخليني ابتسم واحمد ربنا.
وضعت يدها على خدها هامسة بتأثر _أحنا منحوسين قوي..
قال ضاحكًا يمازحها _بقول جينات وراثية في العيلة... من فضل ليكي وياقلبي لا تحزن... تابع مُقترحًا _عايزين نجوّز عمك فضل..
قالت مستاءة _عمي فضل اتجوز الوِحدة...
ارتشف رامي من كوب الشاي قائلًا _عرفتي إن رحيم هيسافر.؟
انتفضت تسأله بلهفة _مسافر ليه.؟ وفين..؟
أجابها بإشفاق وهو يراقب ملامحها المتغضنة بألم ويأس _عرفت من الشركة انه هيمسك فرع لهم فدولة عربية لمدة سنة..
أخفضت رأسها تهمس بحزن _ربنا يوفقه..
همس رامي داعمًا _قوليله لا متسافرش..
تنهدت هامسة بدموع _مبقاش من حقي، ولا ينفع...
ربت رامي على كفها هامسًا _ربنا يحلها من عنده، ويتفك النحس..
ضحكت بمرارة اختلطت بمزَاحها _اشرب الشاي لا النحس يبرده..
مر من أمام المطبخ فوصله صوتها تهتف بإنتصار _اديله يلا متسبهوش، ليهتف رامي بغضب _هقتلك واخد حقي
_متقدرش..
أقتحم صخبهم مُحمحمًا، فانتفض كلًا من رامي ونيرمين التي كانت تجلس واضعة رأسها على كتفه...
همس رحيم بإرتباك _مساء الخير...
أجاباه بقلق وهما ينظران له ما بين أشفاقٍ وحزن _مساء الخير..
سأل رحيم نيرمين بإهتمام _نعيم فين..؟
أجابته بتوتر _مع جدته...
هز رأسه واستدار مُنسحبًا ليستوقفه رامي قائلًا _رحيم
استدار رحيم يسأله بإهتمام _نعم.
أجابه رامي بإمتنان شديد وهو يتقدم ناحيته _متشكر على الي عملته معايا...
أجابه رحيم دون أن تتبدل ملامحه أو يظهر عليه التأثر _ربنا يوفقك...
رد رامي بشكر خاص _مش هنسالك وقفتك معايا..
أجابه رحيم بإبتسامة باردة _كويس علشان لما تفتكرونا تاني تفتكرونا بالخير مش بس بالشر..
لا تدري ما الذي جعلها تهتف بتلك الحماقة _رحيم...
وقف مكانه متصلبًا منتظرًا كلامها، لتحمحم قائلة _أنا عايزة شغل زي رامي علشان افتكرك بالخير برضو لما تمشي
عيناها كانت تلومانه بكلمات خفية، جعلته يخفض نظراته قائلًا بحدة _مش محتاجة شغل ولا فلوس الي محتاجاه شاوري عليه
جابت بحماقة أخرى _الي محتاجاه مينفعش أشاور عليه ..
ارتبك قليلًا وحارت نظراته لتتابع _محتاجه يبقالي كيان مبقاش عالة على حد، أو حد يتصدق عليا وقت ما يحب
أظلمت عيناه بقسوة، فابتلعت ريقها وتقدمت خطوة متحدية تلك القسوة... هتف رحيم بسخرية _لما تخلصي دراستك يا نيرمين حاضر هجبلك شغل.
انسحب من ذلك الجدال، ليوبخها رامي _في إيه..؟ ايه الي قولتيه ده..؟ وايه لزمته..؟
جلست زافرة بقنوط _معرفش بقا أنا متغاظه منه وخلاص..
تأرجحت كلماته ما بين إقرار وسؤال _علشان هيسافر أكيد.
أراحت رأسها المكدود بين ذراعيها المعقودان على الطاولة، تؤنب نفسها تارة على اندفاعها وتارة تسبه وتلعن قلبها الذي لا يمل من عشقه.
________________
طرقت الباب مستأذنة الدخول، فأذن لها الشيخ قائلًا _اتفضلي يا بتي...
خطت للداخل بقلبٍ وجل تنظر أمامها بخوف وحذر، جلست أمام الشيخ تهمس بتوتر _أنا جيت أشوف نعيم واطمن عليه وأشوفكم لو محتاجين حاجه.
ابتسم الله لها ببشاشة قائلًا _تلاقي الرضا يا بتي...
دارت عيناها في المنزل متسائلة بلهفة لم تستطع مداراتها _فين نعيم..؟
بإبتسامة نهض الرجل من مكانه يقودها حيث نعيم وجدّته... وجدتها تجلس على الكرسي تُقلب الطعام على الموقد ونعيم على مسافة بعيدة منها نائمًا فوق سريرٌ  صغير..
استأذنت بخوف غلّف نبراتها المهتزة _صباح الخير يا حجة..
توجهت أنظار السيدة لنيرمين، رغم ضيقها من وجود نيرمين وسعيها خلف الصغير إلا أن كلمة حجة التي تُطلقها نيرمين كانت تُخبرها بتشديد حفصة بألا تُحزن يتيمًا...
هزت المرأة رأسها بصمت، وكأنه أذن لنيرمين أن تحمل الصغير وتحتضنة بقوة، تطبع القبلات الرقيقة على جبينه بينما تمطره بكلمات عذبة مثلها..
أراحت نيرمين الصغير واتجهت للسيدة تطلب بخجل _ممكن اساعدك..؟
تعلقت أنظار السيدة بها لدقائق في رفض، لكنها وللعجب افسحت لها المجال كإشارة للموافقة..
اقتربت نيرمين من الموقد وعملت بهّمة تحت أنظار السيدة الجالسة بجانب حفيدها، عملت نيرمين بدأب ٍ حتى انهت كل شىء، على أكمل وجه..
علىّ أذان المغرب فسارعت نيرمين بتقديم التمر للشيخ، الذي التقطه من بين يديها داعيًا _ربنا يسخر لك القلوب... ويراضيكي..
ابتسمت بسعادة من تلك الدعوة البسيطة، وابتعدت تُجهّز الفِطار... لتقول بعدها مستعدة للرحيل _همشي دلوقت علشان مرات عمي وبكره هاجي تاني..
نهض يوصلها في طريقه إلى المسجد، وأمام الباب كان يقف رامي ورحيم وعمها فضل... انسحب رامي مُتجهًا لها يعاتبها
_كل ده تأخير يا نيمو...
أجابته بأسف وكفها تتعلق بكفه _معلش نعيم وحشني وكمان عملت شوية حاجات كده..
هز رامي رأسه رافضًا _كفاية كده وارجعي معايا يا نيرمين..
وقفت تهمس بضيق وكأن الأمر غريب _ارجع..؟
أكّد رامي عليها _ايوة إنتِ معدش ليكِ مكان هنا ولا حد...
ابتلعت ريقها بحزن، وهي تغمغم _ونعيم..؟
هتف رامي بغضب من عنادها _ماله هيتربى مع جده وجدته، وكفاية كده متفرضيش نفسك عليهم..
وقفت صارخة بغضب _أنا مبفرض نفسي على حد...
تدارك رامي خطأئه وأقترب منها يقول بهدوء _أنا مقصدش بس مش عايز حد يقول حاجه تضايقك أو يتفهم كل الي بتعمليه غلط.
سألته بنظرات مهتزة وقد فهمت ما يقصده _ممكن ده يحصل..؟
أكد بإشفاق _ايوة.. وكفاية بقا يلا بينا..
همست بإمتثال وقد أدركت فداحة أخطائها واندفاع مشاعرها
_حاضر يا راميهمشي معاك
_____________________

أنا بألوانك (سلسلة حين يشرق الحب) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن